Thursday 17 September 2015
September 17, 2015

ما السر في نصح بعض من الأمهات والأطباء بشرب "السفن آب" عند حالات النزلات المعوية؟



إنَّ فكرة شرب "السفن آب" أثناء الإحساس بالغثيان أو المغص أو عند القيء- أو ما شابه من نزلات يُصاب بها الجهاز الهضمي- تبلورت في أساسها من المعطيات المُصاحبة لتركيبته الصناعية التي تم الترويج لها والتي من أهمها أنَّ رقمه الهيدروجيني يفوق المتوسط، أي أنَّه أكثر من ٧ درجات (قاعدي)؛ وهو ما أعطى المشروب اسمه التجاري كما يُعتَقد (7Up)؛ وهو الأمر الذي لا يوجد عليه اجماع. وحيث أنَّ المعدة بشكل عام (نظرًا لإفرازات عصارتها المعدية) تتخذ وسطًا حامضيًا، والتي تتفاقم حدتها في معظم حالات القيء والغثيان والمغص، فإنَّ الانطلاقة الأولية لتلك الفكرة كانت تعتمد على معادلة وسط المعدة الحمضي بشرب محلول منزلي جاهز وسطه قاعدي، فأخذ صيت مشروب "السفن آب" و"السبرايت" وما شابه من مشروبات غازية بيضاء اللون يصعد؛ علمًا بأنَّ هناك من لا يتفق مع هذا الكلام حسب قياسات لطبيعة حموضة هذه النوعية من المشروبات قام بها من يُعارض هذا الطرح المبدئي من النقاش؛ حيث بٓيَّنت التجارب التي قامت بها جهات علمية مُختلفة (يوجد بعضها ضمن المراجعات) أنّٓ حموضته تقل عن المتوسط ؛ حصرتها بعض الجهات العلمية بين 3 و4 درجات (أي أنَّه حامضي وليس كما يُروَّج له "بأنَّه قاعدي")؛ بل ويكاد هذا الأمر يصدق على معظم مشروبات "الصودا" الغازية، إنْ لم يكن كلها.

يُضاف للسبب السابق احتواء المشروب على نسبة عالية من الغازات المُذابة التي تُساعد (كما يُعتقد) على التجشوء ومنها التخفيف من حالة الإحساس بالألم الناتج من تطبل البطن وابتلاع الهواء الذي يحدث أثناء الرضاعة والأكل السريع أو شرب أو أكل بعض الأغذية كالبقوليات أو المواد "المُكَرْبَنَة" أو عند التوتر وما شابه من أسباب؛ إلا أنَّ لهذا الكلام من يُعارضه أيضًا، والذي يؤكد أصحابه بأنَّ العكس قد يحدث عند شرب هذا المشروب الغازي أو ما شابهه من مشروبات "الصودا" الغازية نظرًا للكم الكبير من الغازات المُذابة فيها التي تترك أثرًا سالبًا في الجسم بعد شُربها.

ويذكر بعضهم أنَّ نسبة السكر المذابة في المشروب تٌساعد على تعويض نقص ما يفقده الجسم من طاقة أثناء القيء أو الإسهال؛ ناسيًا من يذهب لهذا القول بأنَّ نسبة السكر فيه تٌعَدٌّ عالية جدًا، بل وتفوق بأضعاف حاجة الجسم، فضلًا عن أنَّها تفتقر للأملاح الضرورية التي يفتقدها الجسم عند حدوث حالات النزلات المعوية المختلفة الأعراض. 

وعلى العلم من كل ما ذُكر أعلاه، فإنَّ هناك الكثير من البدائل المحلية التي تُعَدُّ الأفضل علاجًا والأقل آثارًا جانبية عند مقارنتها بمثل هذه المشروبات الغازية؛ حيث تشمل هذه البدائل بعض المواد المتوفرة في المنزل، أو بعض الأعشاب المناسبة للتخفيف من حالات الغثيان والمغص والإمساك والغازات المعدية والاسهال والقيء، والتي يُستخدم غالبها بعد الغلي والتصفية والتبريد، أو أنَّها قد تؤخذ كما هي. وكل هذا قد جاء من حصيلة النتائج التي تُوْصِل إليها مثل هذه البدائل في بعض حالات النزلات المعوية؛ وهذا لا يعني استخدامها كبديل للعلاج الحديث عند توفره، بل أنَّه من أجل طرحها كبديل للعنوان المُناقش في حال كان أساس النقاش البحث عن بديل منزلي عند غياب العلاج الطبي المناسب.

ومن أمثلة تلك المواد المناسبة لحل مشكلة آلام غازات البطن (كمثال وليس للحصر): أخذ ملعقة صغيرة من بيكربونات الصوديوم المُذابة في كوب ماء للتخلص من التراكمات الغازية في الجهاز الهضمي (كوصفة تناسب الكبار، لا الرضع من الأطفال). ويُضاف إلى ذلك- أيضًا- عدد كبير من المشتقات العشبية التي تُستعمل ضد غازات البطن (كما هو مُتعارف عليه في الطب البديل)، مثل اليانسون المعروف بتأثيره عند حالات المغص وبطرده للغازات، بحيث تُؤخذ ملعقة كبيرة منه وتغلى لمدة ٥ دقائق في وعاء يحوي كوب ماء ثم يبرد ويصفَّى ويشرب بعد الأكل. وهناك البابونج وماء زهر البرتقال والشبث والكمون والبردقوش وزيت الزيتون (الذي يعتمد الإيطاليون عليه في طرد غازات البطن الذي يقوم على تليين جدار المعدة ويساعد على الهضم، حيث يضعون كمية لا بأس بها مع السلطة أو شرب ملعقة صغيرة منه خلال الأكل) والزعتر (الذي أعتاد الرومانيون الأغنياء شربه في هيئة ما يُسمى بشاي الزعتر بعد الوجبات الدسمة) والعسل والقرنفل والقرفة. بل ويأتي فوق هذا كله (خصوصًا في حالات الإسهال الشديدة وعند عدم توفر مصحات قريبة: شرب الماء المُذاب فيه ملعقتين سكر ونصف ملعقة ملح). وكل هذه البدائل- عند مقارنتها بالمشروبات الغازية- حال لم تقدم فوائد مرجوة فإنَّه يجب النظر لها (على مستوى تحسين حالة المريض المصاب بالنزلة المعوية) على أنَّها- في أضعف الإيمان- لن تضر.

وبالعودة للعنوان المُناقش، ألا وهو "السفن آب"، أقول أنَّ المؤكد هو أنَّ شرب المشروبات الغازية بشكل عام التي من ضمنها "السفن آب" قد يحمل أضرارًا أكثر مما يذكره البعض من منافع (ويجب أنْ نلتفت إلى أنَّ هذه منافع غير مُتفق عليها)، خصوصًا عند علاج الطفل المصاب بالإسهال أو القيء؛ فهي لا تغني عن محاليل معالجة الجفاف، بل أنَّها قد تؤخر الشفاء؛ حيث أنَّها (وكما ذكرنا أعلاه) تحتوي على السكر بنسب عالية جدًا، تصل إلى سبعة أضعاف المسموح به؛ بل أنَّها لا تحتوي على الأملاح الضرورية للطفل. وفوق ذلك كله فإنَّها قد تزيد من حالة الإسهال (نظرًا لبقاء عدم الاتزان الملحي في الجسم، سيما في الأمعاء)، بل وأنَّها قد تسبب انتفاخًا لدى الطفل؛ وهناك دراسة إنجليزية تم التأكيد عليها في 22 ابريل من عام 2009 من قبل الخدمات الصحية الوطنية في بريطانيا (National Health Services: NHS) والمعهد الوطني للصحة والامتيازات الإكلينيكية البريطانية (National Institute of Health and Clinical Excellence: NICE) تؤكد هذا الكلام بل وتُشدد عليه بلغة حادة، بل وتُرَكِّز على خطورته كإجراء (أي شرب المشروبات الغازية عند حدوث النزلات المعوية سيمًا عند الأطفال) وتَعِّدُه غير صحي (وبالإمكان الاستفادة من المراجعات المُصاحبة مع هذا التحقيق).

وفوق كل هذا كله فإن مشروبات الصودا الغازية على اختلاف أنواعها (بشكل عام) وبما لا شك فيه- سواء كان في حالات تأثر الجهاز الهضمي أو حتى في حال عدم تأثره بفعل الأمراض المختلفة- تُعَدُّ مشروبات غير صحية البتة. 

ونعود ونؤكد على أنَّ أفضل سوائل معالجة حالات الإصابة بالنزلات المعوية- خصوصًا عند حدوث الجفاف- للأطفال الرضع هو الرضاعة الطبيعية والمحلول الطبي لعلاج مثل هذه الحالات (والمتوفر في الصيدليات) مثل: (Hydrosafe) و(Rehydrozinc) و(Rehydran) و(Pedialyte) وما شابهها من محاليل مُعْتَمَدَة لها أسماء أخرى مختلفة، ثم يأتي بعد ذلك الماء الذي يجب ألا نغفل عنه.

وعليه، فإنَّه وبالرغم من أنَّ شرب المشروب الغازي "السفن آب" نصيحة متوارثة بين الكثير من الناس (بل وحتى بعض الأطباء) أثناء فترات القيء والإسهال والنزلات المعوية، إلا أنَّها (وكما تُشير له المُعطيات) تشوبها الكثير من الثغرات الطبية والمحاذير الصحية.

المراجعات


روابط لبعض العناوين المُتعلقة بالعنوان موضوع النقاش: -


Sugary drinks 'worsen vomit bug'. BBC news, April 22 2009 


Myth of the flat Coke cure for a tummy ache. Daily Mail, April 22 2009 

The Ph of soft drinks. Matt Burton, February 01 2012 

رابط لدارسة علمية مُتعلقة بالعنوان موضوع النقاش: -



للقراءة والتبحر في موضوع النقاش: - 


Hartling L, Bellemare S, Wiebe N, Russell KF, Klassen TP, Craig WR. Oral versus intravenous rehydration for treating dehydration due to gastroenteritis in children. Cochrane Database Syst Rev 2006, Issue 3 

4 comments:

  1. أتذكر أني قرأت في أحد كتب الراحل الدكتور أمين رويحة توصية بشرب المشروبات الغازية (ألكازوزة) في حالات القيء.

    ReplyDelete
    Replies
    1. إلا أنَّ الوثائق العلمية والدراسات الإكلينيكية تبين عكس ما طرحه المرحوم في هذا الشأن

      موفق أخي زكريا وحفظك الله ورعاك

      Delete
  2. موضوع مفيد وشيق.. كعادتك دكتورنا العزيز.

    ReplyDelete