يتفاعل جسم الإنسان مع ارتفاع درجة حرارة الجو (بطريقة ديناميكية) تجعله يضخ كميات مُضاعفة من الدم إلى سطحه (أي الجلد الخارجي)، من أجل أنْ يتمكن- بميكانيكية فسيولوجية تلقائية محكمة- من طرد حرارته الداخلية إلى الخارج، وهو ما يؤدي إلى حدوث التعرق؛ وما أنْ يتبخر العرق من سطح الجلد حتى تبدأ حرارة الجسم بالانخفاض مرة أخرى.
أما إذا كانت درجة حرارة الجلد أعلى من درجة حرارة الجو الخارجية (وهو عكس الصورة السابقة تمامًا)، فإنَّ الجلد يقوم حينها بإخراج بعضًا من حرارته إلى الفراغ البيئي المحيط به، وهو ما يعرف باسم "الفقدان الجاف للحرارة"؛ حيث أنَّ هذا الأمر لا يتحقق إلا في الأجواء الباردة.
وللتذكير فقط، فإنَّ درجة حرارة الجسم العادية تتراوح ما بين 37 وَ38 درجة مئوية.
والسؤال المطروح هنا: ماذا يحدث حينما تكون درجة الحرارة أعلى من درجة حرارة الجسم الطبيعية؟
فحين تصل درجة الحرارة إلى ما بين 39 وَ40 درجة مئوية، فإنَّ الدماغ يقوم بإرسال إشارات إلى العضلات لِكي تبطئ من حركتها؛ وهو ما يجعل المرء يبدأ بـِ "الشعور بالإعياء". وحين ترتفع درجة الحرارة إلى ما بين 40 وَ41 درجة مئوية، يكون من المحتمل أنْ يصاب الجسم بـِ "الإعياء الحراري". أما إذا ما تجاوزت درجة الحرارة حدود 41 درجة مئوية، فإنَّ وظائف الجسم تبدأ في التوقف (حيث يبدأ هذا الارتفاع الحراري في التأثير على العمليات الكيميائية داخل الجسم، وتبدأ الخلايا الداخلية حينها في التدهور، مع احتمال خطورة أنْ يعتري الفشل عددًا من أعضاء الجسم الحساسة)؛ فعندها، لا يمكن للجسم حتى أنْ يفرز العرق، إذ يتوقف تدفق الدم إلى الجلد، وهو ما يجعل الإنسان "يشعر بالبرودة والرطوبة معًا".
هنا، ومن باب الإضاءة على الإجراء الإسعافي الواجب القيام به حال أُصيب الشخص بِـ "ضربة الحر" (التي قد تحدث في درجات حرارة تزيد على 40 درجة مئوية، ويبقى الجسم مُتَعَرِّضًا لها)، أفيد بأنَّه يحتاج حينها وبشكل عاجل لـِ المساعدة الصحية العاجلة؛ حيث أنَّه إذا لم تتم معالجته فورًا، فإنَّ فرص نجاته قد تصبح ضعيفة. وتتمثل أفضل طريقة لخفض حرارة الجسم بِوضعه داخل ماء مثلج، أو وضع كمادات الثلج عند الفخذ وتحت الإبط، إذ تحتوي تلك المناطق على شرايين شديدة الأهمية. إلا أنَّ كل ذلك يعتمد- بالدرجة الأولى- على المدة التي استغرقهتا الحالة المُصابة وهي مُتعرضةً لِدرجة الحرارة العالية (المُتجاوزة لحدود الـ 40 درجة مئوية).
ولك أنْ تتصور الآن المغزى الحقيقي والهدف التثقيفي من وراء نشر الدقيقة الرمضانية رقم (3) المُعَنْوَنَة بِـ "رمضان أكثر حرارةً وأطول زمنًا".
والجدير بالذكر هو أنَّ استضافة دولة قطر لكأس العالم كانت بِضمان توفيرها صالات مغلقة مبردة من جانب، وعلى أنْ تتم في فصل الشتاء من جانب آخر لِيتحقق شرط عدم اقتراب درجة الحرارة من المُعَدَّل الذي يؤثر على كفاءة الجسم البشري (سواءًا على مستوى الحرارة أو الرطوبة)! وهما الشرطان اللذان وضعتهما اللجنة الطبية في "الفيفا" قبل دخول دولة قطر قرعة الإستضافة لِـ كأسها العالمي. بل وأُضيف على ذلك بأنَّ النُظُم الأممية للعمَّال ترى ضرورة إيقاف العمل الميداني حال كانت درجة الحرارة تتأرجح في نطاق ما قد يُسبب الضرر الصحي! فهل تدري كم هي تلك الدرجة؟
ولربط ما جاء في الدقيقة الرمضانية رقم (3) المُعَنْوَنَة بِـ "رمضان أكثر حرارةً وأطول زمنًا" (الذي تتصل قاعدة هذه المُذَكِّرة بها) بما جاء في الدقيقة الرمضانية رقم (2) المُعَنْوَنَة بِـ "الرياضة قبل إفطار شهر رمضان"، وحتى تتزاوج كلتا الخُلاصتين في قالب واحد وإطار صوري مفهوم، واعتمادًا على ما أنتجته دراسات أستاذ علم الوظائف البيئية والهندسة البشرية بجامعة "لاوبورو"، البروفيسور "جورج هاينث" (المعروف بصيته العالي في مجال تخصصه)، اللذي أشار لها مُعَقِّبًا على الفكرة المبدئية لِاستضافة قطر لكأس العالم، والتي نصت على: "أنَّ الشخص الذي يجري بسرعة 15 كيلومترا في الساعة في درجة حرارة تصل إلى 37 درجة مئوية (والتي قد يَعِدُّها بعضنا- خطأً- أنَّها درجة حرارة معتدلة!) سيحتاج لإفراز أربعة ليترات من العرق في الساعة" (ولك أنْ تتصور ماذا يعني هذا الأمر في حال كان الشخص المُمارس لـِ الرياضة صائمًا وفي أجواء تصل درجات الحرارة فيها إلى ما هو أعلى من ذلك بكثير).
0 comments:
Post a Comment