Saturday, 7 December 2013
December 07, 2013

من مذكراتي: معلم "التربية الإسلامية" يكسر ذراع طالب في المرحلة الابتدائية



في الحادي والعشرين من حزيران للعام 2005 للميلاد، وبينما كنت أتصفح إحدى شبكات المغتربين السعوديين في بريطانيا، لفت انتباهي خبر مفاده: "أن أحد المبتعثين السعوديين وزوجه كانا في حالة نفسية يُرثى لها، بسبب عزل ابنهما وبنتهما عنهما من قبل المجلس البلدي الأعلى، وبشكوى تقدمت بها المَدْرَسَة ضدهما عند المكتب الاجتماعي الموجود في المدينة التي كانا يعيشان فيها".

لقد كان هذا الخبر محل اهتمام الكثير من المغتربين السعوديين حينها، بل وكان مستقطبًا للرأي العام العربي الموجود في بريطانيا (خصوصًا الذي سمع بالقضية في ذلك الوقت).

وعند تتبعي للسبب الذي أدى بالمَدْرَسَة للقيام بمثل هذا الإجراء، فهمت بأن بنت ذلك المبتعث كانت في بداية الأمر تشتكي من وجود "أكزيما" خلف رقبتها (وهو نوع من الاحمرار الحبيبي على الجلد)، مما جعل ابويها يستخدمان لها "دواء موضعي" مضاد للحساسية الجلدية، وكانا يقومان بوضعه على رقبتها في كل صباح وقبل ذهابها للمدرسة بهدف علاجها من "الأكزيما". وكانت البنت- في كل مرة يوضع على رقبتها ذلك الدواء بواسطة الابويين- تشعر بالألم. ولم تكن البنت (نظرًا لصغر سنها) تعي ما معنى "الأكزيما"، ولكنها كانت فقط تبكي رافضةً تدليكه فوق رقبتها- من قبل الأب والأم- خوفًا من الألم.

عزيزي القارئ، لقد بدأت المشكلة حينما لاحظت المُدَرِّسْة وجود تورم خلف رقبة البنت؛ مما حدا بها- بعد ذلك- إلى سؤال البنت عن السبب والمتسبب في ذلك التورم؟

فأجابتها البنت (وبكل براءة): أمي وأبي من يفعل ذلك في كل صباح وقبل مجيئ للمدرسة.

وما أن سمعت المُدَرِّسْة هذه الإجابة، سارعت بتأكيد الخبر عن طريق سؤال أخيها عن ذلك؛ والذي قام بدوره (وببراءة مماثلة لأخته) بتقديم نفس الإجابة.

وكون أن المَدْرَسَة في الدول المتقدمة تُعد المؤسسة التي تُعَلِّم وتحمي حقوق الطالب، حيث تقف- في الجانب المعنوي- محاميةً عن كل ما يضمن له كرامته وعزته ودوام دعمه الإنساني (ولا تمن عليه بذلك، بل تعده حقًا ويجب القيام به حتى يصل الطالب لسن الرشد!)؛ بل وتقوم بدعمه ماديًا وذلك بدفع مبلغ اسبوعي له أي كانت مقدرة العائلة المادية وحتى يكبر (تأكيدًا لواجب الأبوة المدرسية، وضمانةً للعيش الكريم)؛ بل وتحافظ على صحته (الجسدية والنفسية) وتعده واجبًا وطنيًا يوضع على سلم الأولويات ولا يجوز التخلي عنه (كما تنص عليه الأنظمة لديهم)؛ بل وتحميه من أي ضرر قد يلحق به (أي كانت صورته)، حتى لو كان من أقرب الناس له (حسب القوانين التي يتبعونها لديهم).

وأنا هنا أحاول توصيف تلك القوانين (التي قرأتها مررًا وتكرارًا) لك عزيز القارئ، ولا أخبرك عن رأيي فيها (ويبقى الحكم الفصل لك في نهاية المطاف، لتؤيد أو تعارض تلك الأنظمة).

وبالاعتماد على ما تقدم من قوانين تُعد من ركائز الحركة التعليمية في بريطانيا، سارعت مَدْرَسَة ابناء المبتعث المذكور أعلاه (ممثِلةً لحقوق طلابها وطالباتها على كل المستويات، ومسنودةً بالقوانين المنظمة لهذ الشأن) بالتخاطب مع المكتب الاجتماعي الموجود في المدينة، وتحت إشراف المجلس البلدي الأعلى.

ومن اجل التحقق من الموضوع بصورته المقدمة من قبل المَدْرَسَة، قام المكتب الاجتماعي- بعدها- باستجواب الطالبة وأخيها. وبعد تأكد المكتب الاجتماعي من الخبر (وبما توفر له من معلومات مبدئية، قد لا تكون مكتملة أو واقعية كما كان يراها البعض) سارع- وبالاعتماد على صلاحيته المُعطاة له- بعزلهما عن ابويهما خوفًا من ازدياد الضرر الذي قد يلحق بهما، على حد ادعائه (وكما تم فهم القضية من قبله في تلك اللحظة).

وعلى إثر ذلك، اصدر المكتب الاجتماعي- مسنودًا بالمجلس البلدي الأعلى- اتهامًا يدين فيه العائلة، بل وقام بتقديم الاتهام للمحكمة العليا في المدينة، مُطالبًا إياها بتعزيز عملية عزل الأبناء عن أبويهما إلى أن يصدر الحكم المبين لطبيعة المُشكلة، وحتى يثبت أن الأبويين لم يتسببا بالإضرار بالأبناء (لا بقصد ولا بغير قصد).

وكما فهمت لحظتها، بأن معاناة العائلة استمرت لمدة قاربت الثلاثة أشهر؛ بل وتدخلت خلالها السفارة (كما تداولته الأوساط المحلية هناك، وهو المتوقع بل والواجب من قبلهم)، وذلك عن طريق توكيل محامي للعائلة من اجل ارجاع الأبناء. أما في الطرف الآخر (أي المُدعي)، وقفت المُدَرِّسْة والمَدْرَسَة والمكتب الاجتماعي والمجلس البلدي الأعلى (وبكل حزم، مسنودين بقوانين النظام)، يدافعون عن الأبناء ورافضين لأي ضرر جسدي أو نفسي يتعرض له أي طالب لديهم في المَدْرَسَة، وبغض النظر عن هوية الفاعل وحجم قرابته من الطالب (بقولهم بأن كل الطلبة هم في نهاية المطاف ابناء المَدْرَسَة، بل وابناء القطاع المعرفي والعلمي للوطن)، ورافعين شعارهم المعروف: "أبنائنا... مستقبلنا... بهم نبني وطننا".

عزيزي القارئ، هذه القضية- وبكل ما ذكرت لك فيها من تفاصيل- لا بد وأن تكون مسجلة في السفارة السعودية، حيث يتذكرها كل سعودي كان متابع للأحداث في تلك الفترة الزمنية.

ولم يكن الهدف من وراء الاستشهاد بهذه القضية الدخول في تفاصيل مُعاناة العائلة مع نظام لم يفهموه (حيث لا أخفي عنك- عزيزي القارئ- بأننا تعاطفنا جميعًا مع العائلة في ذلك الوقت، وكان بودنا لو كنا قادرين على فعل أي شيء مساندًا لها حينها، وهو في أقل التقديرات حق المواطنة في بلاد الغربة)؛ ولكني أردت من وراء كل هذا أن أقدم لك الأنموذج المعاكس للمعلم- المذكور في القضية أعلاه- فيما تبقى من سطور.

حيث أن النقيض لذلك موجود في النصف الآخر من الكرة الأرضية، وحيث يقع بلدي العزيز (دام عزه بنا، ودمنا دومًا وأبدًا أعزاءًا به)؛ حيث يقوم معلم التربية الإسلامية داخل الفصل (في مدرسة الحسن الابتدائية بجزيرة تاروت في محافظة القطيف) بضرب طالب يدرس في الصف الخامس (عمره عشر سنوات!) بمسطرة خشبية على يده بشكل عنيف، ليجعله- بعدها- يبكي ويتألم إلى ما بعد عودته من المدرسة؛ وليتبين- بعدها- وفي المستشفى بأن يده قد كُسرت.

يحدث هذا الفعل ودون وجود حسيب أو رقيب!

وليتبين لنا- بعد ذلك- وكما يقول المثل الشعبي: "بأن حاميها حراميها".

اخيرا وليس اخرا، أترك التعليق والمقارنة (بين معاملة الغرب لأبنائهم وبين ما يحدث في بلاد الحرمين) لكل مواطن شريف يعي ويفهم توجيهات الدين الإسلامي الحنيف.

أما أنا فأكتفي بذكر الآية الشريفة: "مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ".

0 comments:

Post a Comment