Friday, 27 March 2015
March 27, 2015

ماذا عن "نظرية الصحة" التي تنص على أن التعرض للأوساخ أمر صحي؟



أعتقد (كمُختص في هذا المجال)، بأن النظافة والتعقيم- بل وحتى التطعيم- يجب أن تكون ضمن حدودها الطبيعية المتناسبة مع التحديات والمتغيرات التي نواجهها.

وما يجب توضيحه؛ هو أن "نظرية الصحة" (Hygiene hypothesis) تعتمد على بناء الأنسان لمناعته بشكل طبيعي (منذ الصغر) دون تدخل طبي. فهي تقول في إحد فقراتها- ما معناه- ان لعب الطفل في الخارج وفي وحل المزارع وتعرضه لبعض مكونات البيئة الخارجية (التي قد نمنعه نحن عنها، ظنًا منا أننا نحميه) يساعده على بناء جهازه المناعي في سن مبكّر (على حد قول من ينظرون لها).

إلا أن هذا الأمر (عند إعمال العقل فيه) يدفعني للقول: "يجب أن يقع ضمن حدوده، ولا يعني ترك الحبل على الغارب والتعرض لبعض الميكروبات المدمرة للحياة (في حال عرفنا بحتمية وجودها)".

هنا- أيضا- أشير إلى أن "نظرية الصحة" تبقى على أنها نظرية؛ يُنادي بها البعض ويعارضها آخرون. بل ويصل الأمر عند بعض من ينادون بها لحد مُحاربة برامج التطعيم، ويدعون الى ترك جهاز الطفل المناعي يبني نفسه بنفسه؛ في الوقت الذي نرى- في الطرف النقيض- من يُنادي بأخذ التطعيمات دون حد أو أقيد (وحتى خارج نطاق المنصوص عليه في البرامج المُسجلة)، فهم في كل حفل يُغنون.

ومن هنا نُلاحظ أن بعض التطعيمات قد تكون من ضمن برامج بعض الدول (إعتمادًا على حاجتها إليها)، في حين تكون مُغيبة وغير معمول بها في دول آخرى.

بل وأن "نظرية الصحة" لها حدودها أيضا، فهي مؤطرة بالتعرض لِلمُتعارف عليه من ميكروبات بيئية اعتيادية ومتوقعة، دون أن تصيب الطفل بأعراض حادة.

وللإيضاح، فإن حدة مرض جذري الماء في الصغر أقل بكثير من التعرض له في الكبر (بل لا تقارن)؛ ويقاس عليه التعرض لالتهاب الكبد من نوع "أ" الذي ينتقل عادةً عن طريق الجهاز الهظمي؛ والأمثلة تطول.

وعليه، فدعوة "نظرية الصحة" تأتي فقط ضمن هذا الإطار؛ وبهذا الطرح تلقى رواجًا في الأوساط العلمية أيضًا.

النقطة الختامية هي: "أننا اليوم نواجه جيلًا متطورًا من الميكروبات، بسلالات شرسة، تملك جينات قد تغيرت بفعل تدخل الانسان نفسه؛ سواء كان على مستوى الطبابة (بسبب عدم التقنين في إعطاء المضادات الحيوية وما شابه من أدوية مُتقدمة)؛ أو على مستوى تلاعب الأنسان المُستمر في البيئة (حين يرمي سمومه ومخلفاته فيها).

واليوم، يتغنى على أطلال بيئة الأيام الخوالي من يتغنى بها (ليس عندنا فحسب، بل في كل العالم)، مقدمًا النظرية تلو النظرية، متوقعًا منها أن تحميه وتبني مناعته.

إلا أن كل المُعطيات (وللاسف!) تُشير إلى أننا اليوم أمام تحديات بيئية مختلفة عن تلك التي كانت تواجه الأباء والأجداد، فلا الشرب من "الترعة" صالح للقياس، ولا اللعب في الوحل قابل للتطبيق.

0 comments:

Post a Comment