بعد وصول العديد من التساؤلات حول أكياس البلاستيك المُستخدمة في تغليف الخبز في محلات الأفران الأوتوماتيكية وتلك المستخدمة في عبوات المياه المُعَبَّئة، سيتركز حديثي هنا على بعض النقاط المفصلية وسأُوجِّه الأنظار لها بطريقة مباشرة، حيث أنَّها ستناقش أهم المحاذير الواجب الالتفات لها.
بدايةً، أقول: يُتم تصنيع بلاستيك عبوات المياه من مادة يُرمز لها بـ (PET) المعدودة آمنة فقط حينما تكون في "الظروف الطبيعية المنصوص عليها" (وهنا مربط الفرس!)؛ إلا أنَّ خطورة هذه النوعية من البلاستيك يكمن في مقدرتها على إطلاق مادة كحلية مَعْدنيِّة (داخلة في تصنيعها)، وهي سامة في حال تحررت واختلطت بالماء. وتوضِّح إحدى الدراسات التي أُجريت على أفضل 63 مُنتَج من المياه المُعَبَّئة في أوروبا وكندا أنَّ بقايا من تلك المادة وُجِدت بتركيز تجاوز 100 ضعف الموجود في المياه الجوفية الصافية (أي أكثر من جزئيين من التريليون)[1]. ولقد كشفت نفس الدراسة أنَّه كلما بقيت عبوة الماء على رفوف البقالات فترة أطول أو في الثلاجة زادت نسبة المادة المعدنية المترسبة فيها تدريجيًا بأجزاء من التريليون. بل أنَّ الطامة الكبرى يكمن في محور الدراسة الذي وَضَّحَ أنَّ تسارع ترسب هذه المادة السامة في عبوات الدراسة أرتبط طرديًا بثلاث عوامل: (1) أشعة الشمس، (2) ارتفاع درجة الحرارة، (3) واختلاف الرقم الهيدروجيني فيها. وبالنظر للعَامِلَين الأولين (فقط للتوضيح)، فإنَّ الدراسة تتحدث عنهما في ظروف أوروبية وكندية (فماذا ستقول نفس الدراسة لو كانت التغطية لأجواء مثل أجوائنا؟). وعليه، فإنَّي ومن باب القيام بالواجب، أقول بأنَّنا نرتكب جريمة في حق أنفسنا وأهلينا عند شراء هذه العبوات المُتَعَرِّضَة لدرجات عالية من أشعة الشمس والحرارة العاليتين (حتى لو كانتا غير مباشرتين) الكفيلتين- بما لا شك فيه- باستخراج كل السموم الموجودة فيها. وهنا يجب أنْ أوضِّح بأنَّي أعلم بأنَّ التحدي يتعلق بإيجاد البديل، إلا أنَّ الكثير من الزملاء الأوروبيين (من باب الإشارة والتوضيح فقط) يرون أنَّ البديل- الذي يعتمد عليه معظمهم- هو شرب ماء الصنابير العمومية (نظرًا لأنَّ مائهم- وليس مائنا- صالح للشرب)؛ هذا مع صرامة وشدة النظم والقوانين لديهم. وبغض النظر عن الحديث عن البدائل (الآن!)، إلا أنَّي أُحَذِّر من تلك العبوات البلاستيكية المحبوس فيها الماء تحت ظروف غير اعتيادية والتي لا يوجد عليها حسيب أو رقيب (والدليل على هذا تَجوُّل سيارات شركات المياه المُعَبَّئة تحت أشعة الشمس والحرارة العاليتين). ليس هذا فحسب، بل ويكفي أنْ ترى طرق تخزينها (من قبل الجميع وبدون استثناء) لتعلم أنَّنا في خطر حقيقي؛ وإنْ وُجد ذلك الحسيب أو الرقيب فلن يستطيع السيطرة لأنَّ "الشق أكبر من الرقعة"!
الأمر الأخر (الموضح في دراسة أُخرى)[2] مرتبط بطريقة تعقيمها الذي يعتمد على الأوزون الذي من ضمن نواتجه الضارة مركبات البرومايد المختلفة؛ حيث وضَّحت الدراسة أنَّ البرومايد موجود في كل عينات الماء التي تم فحصها لديهم (أم لدينا فحدث ولا حرج "رضينا أم أبينا"، فقد تم اكتشاف تجاوزات عديدة في هذا المجال مُسبقًا). وللتوضيح، فإنَّ البرومايد يعمل على تثبيط الجهاز العصبي المركزي وله علاقة مباشرة بالكثير من الأعراض الفسيولوجية النفسية، ويُعَدُّ مادة مُسَرطِنة، ويتم ربطه بالكثير من أمراض الكلى.
أما بخصوص، البلاستيك المستخدم في تغليف الخبز في الأفران فغالبه مصنوع (سيَّما في الدول المُتَقدِّمة) من مادة "البولي إيثلين" المنخفض الكثافة والتي يُرمز لها بـ (LDPE)؛ وعلى العلم من أنَّ هذه المادة تُعَدَّ آمنة نسبيًا مُقارنة بنظيرتها المرتفعة الكثافة (HDPE)، إلا أنَّ مُشكلتها كامنة في قدرتها على إفراز مواد كيميائية تُشابه في عملها عمل الهرمونات الأنثوية التي تفرزها نظيرتها ذات الكثافة العالية (كما تفيد مجموعة من الدراسات)[3]؛ وبالرغم من أنَّها تقاوم الحرارة، إلا أنَّ هذا لا يعني أنَّ ملامستها للأغذية الحارة أمر صحي (فمقاومة بعض البلاستيك للحرارة أمر، وتصنيفها على أنَّها صحية عند مُلامستها للأغذية وهي حارة أمر آخر؛ وهذا الكلام يشمل كل أنواع البلاستيك المكتوبة عليها "صالحة للميكروويف" والحرارة العالية؛ والعبارة تعني باختصار أنَّها "لا تميع بالحرارة" ولا تعني أنّها "صحية عند الاستخدام مع الأغذية تحت وطأة الحرارة العالية")؛ بل أنَّ خطورتها تتضح بشكل أكبر عند تعرُّضها لأشعة الشمس (أو أي أشعة فوق بنفسجية). ومن جانب أخر، فإنَّ المشكلة تتفاقم إذا كانت الأكياس مصنوعة من مادة الـ (PVC) الليِّن المشابه للبلاستيك المستخدم في تغليف الأغذية (وهنا يُوجَّه السؤال للمعنيين بهذا الأمر!)، لأنَّها تتأثر بالحرارة مباشرةً، مما يجعلها تطلق مواد خطيرة جدًا على صحة البشر تتداخل مع هرمونات اجسامهم (لذا، وجب التحذير أيضًا من لف الأغذية الحارة بالبلاستيك الشفاف). وعليه، فإنَّ مُلامسة الخبز الحار لأكياس البلاستيك وتركه فيها "أمر غير صحي". بل ويكفي أنْ ترى- أحيانًا- تأكُل الألوان المستخدمة في البلاستيك نفسه أو في كتابة شعارات الأفران (وهو ما يعني أنَّه قد تعرض لعوامل أثَّرت سلبًا على تماسكه)!
أعلم بأنَّ التحدي صعب، والبدائل لدينا (دون غيرنا) محدودة وقد تشمل "أجهزة التَحلِّية المنزلية المفحوصة بشكل مستمر" و"التعليب في القوارير الزجاجية"؛ إلا أنَّنَا- في نهاية المطاف- لابد أنْ نُوصِّف الحقيقة بصورتها الموجودة على أرض الواقع وبالاعتماد على الدلائل والبراهين العلمية، وإنْ كانت مُرة (ومزعجة للبعض!)!
مُلاحظة
كل ما تم تداوله على شبكات التواصل الاجتماعي من معلومات تتحدث عن خطورة تخزين الخبز في "الفريزر" وربطه بفقده لفيتاميناته وبروتيناته وعناصره الغذائية كلام عاري من الصحة، لأنَّه لا يُحاكي الواقع ولا يستند لدليل علمي! (وما هي الفيتامينات والبروتينات التي يحتوي عليها الخبز وسيخسرها عند التخزين في الـ "فريزر"؟). وأما فيما يتعلق بدخول تلك النشرات في عناوين البدائل المصنوعة من الورق والألمونيوم (فلم يكن دقيقًا، لأنَّه لم يُراعي الكثير من المحاذير المُتعلقة بـ "هذين البديلين" أيضًا). يُضاف لهذا الأمر تحدث المنشور عن بعض العناصر التي لا ترتبط مباشرةً بما يفرزه بلاستيك أكياس الخبز إذا تحلل، وترك ما هو أهم فيه من مواد يجب التحذير منها والمرتبطة بكل نوع من أنواعه البلاستيكية (وهو يدل على عدم الإلمام الكامل بكيمياء تلك المواد البلاستيكية!)، مما يُشوِّش معلومات الناس ويحرف أنظارهم عن المغزى الرئيسي والسبب العلمي الحقيقي في طبيعة التحذير!
0 comments:
Post a Comment