Monday, 28 March 2016
March 28, 2016

هل ما تتناوله من أوميجا-3 يحرق قاعدة الكؤوس الفلينية؟



من الحقائق الواجب الالتفات لها على المستوى الإكلينيكي: أنَّ هناك العديد من المشاكل الصحية التي تُعزى أسبابها (بشكل مباشر أو غير مباشر) إلى انخفاض مستوى الأوميجا-3 (Omega-3) في جسم الإنسان! وهو الأمر الذي تم توثيقه من قبل الكثير من المؤسسات الصحية المرجعية؛ حيث تتلخص أهمية هذا المُرَكَّب في ارتباطه الوثيق بصحة القلب والأوعية المُغذِّية له وببعض القدرات الدماغية وبعض الأمراض النفسية وبمشاكل في النمو، وغيرها الكثير من الأمراض التي يؤدي جزء يُعْتَّد به منها إلى الوفاة.

بل ومن الحقائق الواجب الالتفات لها: أنَّ مصدر الأوميجا-3 بالدرجة الأولى يتَمَثَّل في الأسماك وزيوتها، وأنَّ الجسم لا يستطيع صناعته. وعليه، فإنَّنا نستطيع منع الكثير من الأمراض والوفيات التي تحدث سنويًا - ببساطة - من خلال أكل السمك بانتظام (بمتوسط مرتين في الأسبوع على أقل تقدير) والحصول على مُنتجات زيوتها الجيدة؛ وهو ما جاء في "تحذير المستهلك" (consumer alert) في مجلة الغذاء (Nutrition) في 28 مارس من عام 2011م.

ومع العلم من كل هذا وبعيدًا عن موضوع أكل السمك، يبقى السؤال المطروح من قبل العديد من الناس مُتَعَلِّق باختيار نوع الأوميجا-3 المتوفر في هيئة كبسولات من بين مئات المُنتجات الموجودة في الأسواق وعلى رفوف الصيدليات التي تختلف في معيار جودتها. وعليه، يتبلور الاستفسار المحاور لمعنى مصطلح الجودة عند الحديث عن أوميجا-3!

بعد هذه المقدمة، سيتبين لنا حقيقة ما جاء في مقطع ذوبان قاع كوب الفلين البلاستيكي (Styrofoam cup) بعد رشه بمحتوى كبسولات أحد مُنتجات الأوميجا-3 الموجود في الأسواق (وهو المقطع الذي بدأ ينتشر بين الناس تحت مُسميات مُختلفة)؛ حيث أنَّ ما جاء فيه ليس إشاعة، بل حقيقة علمية سأكشف لكم بعض أسرارها في هذا التحقيق التوضيحي.

وقبل الخوض في غمار هذا الموضوع، يجدر بنا أنْ نُوَضِّح أنَّ تقييم مُنتجات الأوميجا-3 بمجرد النظر إلى الملصقات الموجودة على عبواتها غالبًا لن يؤدي لنتيجة مرجوة. ومن هنا سأبدأ بصياغة فرعية جديدة في هذا التحقيق، عنوانها: كيف أنَّ كوب من الفلين البلاستيكي يستطيع أنْ يكشف لنا عن جودة ونوع ما نشتريه من كبسولات أوميجا-3؟

في البداية، لابد أنْ أوضِّح أنَّ جزيء دهن الأوميجا-3 بهيئته الطبيعية الموجود في زيوت الأسماك ممسوك بهيكل مُشَكِّل له يُسمى بالجليسيرول (glycerol) يتفرع منه 3 أحماض دهنية، ومن هنا أتى مصطلح الثلاثي (Tri) في اسمه المعروف الجليسيرول الثلاثي (Triglycerides)؛ وهو النوع الطبيعي، فلاحظ.

إذًا، فالهيكلية الفعلية له هي الجليسيرول الملتصق بثلاث قطع من الأحماض الدهنية؛ وعند ارتباط جزيئات منه بهذا الايقاع تتشكَّل السلسلة الدهنية الطّويلة؛ وعلى هذا الأساس يتم وصفه بـ: "ذو السلسلة الطويلة وغير المُشَبَّع". وفهم هذا الأمر كافي من أجل الوصول للهدف المراد تحقيقه من وراء هذا التوضيح (دون الدخول في أي عناوين كيميائية أخرى). 

بقي علينا أنْ نعرف أنَّ اختلاف الأحماض الدهنية المرتبطة بالهيكلة الماسكة لها يؤدي إلى تعدد صيغ الأوميجا-3؛ إلَّا أنَّ أهمها لجسم الأنسان والتي عادةً تُغطَّى من قبل المراكز البحثية والإكلينيكية صيغتان، هما: (EPA) وَ(DHA)؛ وهما الصيغتان اللتان عادةً ما نلجأ لحساب قيمهما في الجسم عندما نريد أنْ نقيس نسبة الأوميجا-3 على المستوى الإكلينيكي. وبشكل عام ودون الدخول في التفاصيل نستطيع القول: أنَّ الـ (DHA) يدخل في عملية وميكانيكية النمو خصوصًا أثناء سنوات العمر الأولى وفي مراحل متقدمة من عمر الأنسان أيضًا، بينما يدخل الـ (EPA) في الكثير من العمليات الدماغية؛ هذا فضلًا عن تعلِّق كلاهما بعمليات فسيولوجية أخرى يأتي على رأسها سيولة الدم وتسهيل مروره في الأوعية الدموية خلال مراحل عمر الإنسان المختلفة. 


وبشكل عام، نستطيع أنْ نقول أنَّ هناك أشكال مُتَعَدِّدة من زيوت السمك المُحَسَّنة صناعيًا تتضمن بين محتوياتها كل من الـ (EPA) وَ(DHA)، بفعل بعض المُعالجات الداخلة على الزيت السمكي الطبيعي؛ إلَّا أنَّ إثنين من هذه الأشكال المُحَسَّنة غطَّتهما مواضيع التقييم والمقارنة التي قامت بها الكثير من مراكز البحوث في المجال الإكلينيكي من أجل تأكيد الأفضل والأكثر فعَاليِّة منهما في جسم الأنسان، وهما: "الجليسيرول المُعالج ذو الأحماض الدهنية الثلاثية" (re-esterified triglycerides)، وَ"الإيثلين الكحولي ذو الأحماض الدهنية الثلاثية" (ethyl esters).

ولقد بيَّنَت البحوث الدراسية أنَّ مُعالجة زيت السمك بالكحول من أجل تعقيمه وتركيز محتواه يُنتج لنا النوع الذي نسميه بالـ: "الجليسيرول المُعالج ذو الأحماض الدهنية الثلاثية" (re-esterified triglycerides)، وهو الشكل المخبري الأول الذي به تركيز نسبيًا أعلى من الطبيعي من الـ (EPA) وَ(DHA)؛ أمَّا العمل على إزالة الجليسيرول بشكل كامل من زيت السمك الطبيعي مخبريًا واستبداله بالإيثانول الكحولي فيُكوِّن لنا مُنتج بتركيز عالي جدًا من الـ (EPA) وَ(DHA)، وهو الذي نسميه بالـ: "الإيثلين الكحولي ذو الأحماض الدهنية الثلاثية" (ethyl esters)؛ وهو الشكل المخبري الثاني. 

وللتوضيح، فإنَّه حينما يكون تركيز الـ (EPA) وَ(DHA) عالي في مُنتج أوميجًا-3 الذي تتناوله (سِيَّمَا في النوع الذي رمزنا له بالشكل المخبري الثاني)، فإنَّك نظريًا حينها لن تحتاج لأخذ جرعة عالية منه من أجل تحقيق نفس الفائدة المرجوة.

إلَّا أنَّه قد تبيَّن أيضًا من خلال الكثير من البحوث الحديثة أنَّ ميزة الامتصاص البالغة الأهمية مرتفعة في النوع المسمى بـ: "الجليسيرول المُعالج ذو الأحماض الدهنية الثلاثية" (re-esterified triglycerides)؛ وهي نقطة يتم تقديمها في المحافل العلمية كعنوان جدلي تحكمه معطيات المد والجزر في الدائرة البحثية الإكلينيكية. 

فعلى سبيل المثال، فإنَّ دراسة حديثة لعينات عشوائية لأشخاص تراوحت أعمارهم بين 21 وّ56 سنة كشفت أنَّه عند مقارنة كل من الشكليين المُحسَّنين مخبريًا، وأعني: "الجليسيرول المُعالج ذو الأحماض الدهنية الثلاثية" (re-esterified triglycerides) وَ"الإيثلين الكحولي ذو الأحماض الدهنية الثلاثية" (ethyl esters)، فإنَّ نسبة امتصاص "الجليسيرول المُعالج ذو الأحماض الدهنية الثلاثية" (re-esterified triglycerides) أفضل بنسبة 70% من "الإيثلين الكحولي ذو الأحماض الدهنية الثلاثية" (ethyl esters)[1]؛ هذا فضلًا عن التسليم القطعي بارتفاع مستوى امتصاصها في الزيت السمكي الطبيعي غير المُعالج المُسمى بالـ: الجليسيرول الثلاثي (Triglycerides).

وعليه، فإنَّ المعيار الحقيقي لتقييم الجودة في فعَاليِّة أوميجا-3 كما تنص عليه بعض الدراسات ترتبط بمقدار امتصاصه وليس بمجرد تركيز كل من الـ (EPA) وَ(DHA)؛ بمعنى أنَّه كلما كان امتصاصه أعلى أصبح تأثيره أفضل. 

ولمعرفة إذا ما كانت كبسولات زيت السمك التي تشتريها هي من الشكل الثاني غير الطبيعي المُصَنَّع مخبريًا المسماة بـ: "الإيثلين الكحولي ذو الأحماض الدهنية الثلاثية" (ethyl esters)، ما عليك إلَّا أنْ تستخدم كوب من الفلين البلاستيكي (Styrofoam cup). وما عليك حينها إلَّا القيام برش محتوى إحدى كبسولات زيت السمك من عبوة مُنتج أوميجا-3 المُباع عليك في كوب من الفلين البلاستيكي (Styrofoam cup)، ومن ثم الانتظار بضع دقائق (2-10 دقائق)؛ فإذا تأكل قاع الكوب وتسرَّب الزيت منه، فهذا يعني أنَّ تركيبة الزيت هي "الإيثلين الكحولي ذو الأحماض الدهنية الثلاثية" (ethyl esters) الصناعية عالية التركيز من الـ (EPA) وَ(DHA). أمَّا إنْ كانت التركيبة هي تركيبة طبيعية من الجليسيرول السمكي غير المُعالج مخبريًا أو من النوع المسمى بالـ: "الجليسيرول المُعالج ذو الأحماض الدهنية الثلاثية" (re-esterified triglycerides)، فلن يؤثِّر رشه على قاع الكوب.

ملاحظة: هذا الفحص هو فحص من مجموعة فحوص تهدف للكشف عن مدى جودة وأصالة الأوميجا-3 المُباع في الأسواق ولا يعني أنَّه غير آمن وله مخاطر؛ أي أنَّه اختبار تمييزي يُفَرِّق التركيبات التجارية المختلفة له فقط. أمَّا الأمر الأخر فهو أنَّ الشكلين التجاريين المُتفرعين من زيت السمك الطبيعي اللذين تعرضنا لهما في هذا التوضيح (وأعني: "الجليسيرول المُعالج ذو الأحماض الدهنية الثلاثية" (re-esterified triglycerides) وَ"الإيثلين الكحولي ذو الأحماض الدهنية الثلاثية" (ethyl esters)) مُعْتَمدان ومُصرَّحان من قبل مؤسسات الغذاء والدواء (FDA) ولا يوجد خوف أو ضرر- كما تنص توضيحات المؤسسات الرقابية في مجال الصحة- من استخدام أيٍ منهما.


[1] Leukotrienes and Essential Fatty Acids, 80, J. Dyerberg, P. Madsen, J.M. Møller, I. Aardestrup, E.B. Schmidt, Bioavailability of marine n-3 fatty acid formulations, 137-141.

2 comments:

  1. Thank you very much Dr., However the article is too technical. more simplification would be appropriate.

    ReplyDelete
    Replies
    1. Thank you Mr. Hafedh for your comment. I understand your point and that would be taken into consideration... however this particular topic requires some technical terminologies in order to convey the massage.

      Delete