أولًا، ليس كل الآيسكريم يُحضَّر بالنيتروجين السائل؛ فالقليل من المحلات (كما يتم مثلًا في بعض المحلات المشهورة في إيطاليا وما شابه من دول تتفنّن في صناعة الآيسكريم) تُحضِّر الآيسكريم على الصفائح المعدنية باستخدام النيتروجين السائل، الذي يعمل على: تجميد خلطة الآيسكريم بشكل سريع ويجعلها تتخذ الأشكال الذي تريدها تلك المحلات لزبائنها؛ وأيضًا من أجل تبريد الصفائح المعدنية إلى درجات منخفضة جدًا كفيلة بجعل مكونات الآيسكريم تتماسك. وما أعنيه هنا: هو أنَّ هذه الطريقة ليست طريقة شائعة، بل هي من المُمارسات التي تُطبّق عند تحضير بعض المأكولات الباردة عمومًا (وليس فقط الآيسكريم)، ويمتهنها الطبّاخون المُتخصصون في المحلات المشهورة في بعض دول العالم.
ثانيًا، في حال تم استخدام النيتروجين السائل بالأسلوب الصحيح (حتى لو خالط الآيسكريم أو أي غذاء آخر بارد) وفقًا للنظم التي تضمن تبخّره تحت درجات باردة جدًا، فإنَّ هذا الأمر لن يسبب أي أضرار صحية.
وهنا أدرج أيضًا ملاحظتين مهمتين: -
- الملاحظة الأولى: درجة غليان النيتروجين السائل هي ١٩٦ درجة مئوية تحت الصفر ودرجة تجمده هي ٢١٠ درجة مئوية تحت الصفر؛ أي أنَّه يتبخَّر في الأماكن المفتوحة بشكل سريع كدرجة حرارة الغرفة مثلًا التي تفوق درجة غليانه بأضعاف مُضاعفة. حيث إنَّ صب لتر سائل منه خارج نطاق حيزه المحفوظ فيه كفيل بإطلاق ٧٠٠ لتر من بخاره في ثواني معدودة. أمَّا الخطورة الحقيقية المُرتبِطة بالنيتروجين السائل فتكمن في وصوله بصورته السائلة - فقط - للجهاز الهضمي (ولو قطرات منه)، أو عند وقوعه بالصورة السائلة فقط أيضًا - وليس البخارية - على الجلد مباشرةً (والذي قد يُحوِّل الأنسجة الملامسة له لكتل مُتجمِّدة أشبه ما تكون بالمواد الزجاجية في ثواني معدودة)، وليس عند استخدامه من قبل المتخصصين العارفين بمزاياه الفيزيائية والكيميائية ومن ثم تبخره؛ ولهذا السبب هو يُستخدَم طبيًا في إزالة بعض الأنسجة و"الفواليل" غير المرغوب فيها، أو عند حفظ بعض الأنسجة لفترات زمنية طويلة. وهذا ما كنا نتعامل به ونلتزم به على الدوام عند حفظنا للعينات الجرثومية تحت درجات برودة مُتدنِّية جدًا في مراكز الأبحاث، بل إنَّه هو الخيار الأمثل لنا الذي لا يُماثله أي خيار آخر (خصوصًا عند حفظ العينات على مدى بعيد جدًا في المشافي التخصصية، يصل إلى سنوات طويلة).
- الملاحظة الثانية: قد يتسبّب بخار النيتروجين السائل في الأماكن المُحكمة الإغلاق والصغيرة جدًا وفي حال كانت كمياته كبيرة (وليس بالقدر المتعارف عليه عند تحضير بعض المأكولات الباردة) لصعوبة في التنفس بسبب تفاعله مع الأكسجين. وهذه الخطورة يواجهها من يتعاملون معه مباشرةً وغير العارفين بمخاطره، وليس الزبائن البعيدين عن عملية التحضير (كحال التعامل مع غاز الاشتعال وغيره من مواد تُستخدم في الطبخ، إذا لم يتم التقيد بنظم الآمان المُتعلقة بها).
وخلاصة كلامي: إنَّ التحذير من استخدام الآيسكريم المُحضَّر على الصفائح المعدنية أو أي غذاء بارد (مُجمَّد) بالنيتروجين السائل جاء بصورة مُبالغ فيها وفي غير محله. وهذا الكلام لا يعني أيضًا تأييدنا لاستخدام النيتروجين السائل عند تحضير بعض المأكولات في المطاعم من قبل غير العارفين بالمحاذير التي تتعلّق به، والتي قد تضرهم (هم) بالدرجة الأولى، وليس زبائنهم الذين لن تصلهم وجباتهم الباردة إلّا بعد تبخّر النيتروجين السائل منه (فالنيتروجين السائل مادة سحرية لِمَن يعرف كيف يتعامل معها، ومادة ضارة لِمَن يجهل حقيقتها ومزاياها). وهي لا تعني أيضًا التشجيع على أكل الآيسكريم أو القول بأنَّه وجبة صحية؛ بل جاءت كإجابة على قدر السؤال المطروح بشأن النيتروجين ومخاطره الحقيقية.
أحسنت الطرح والتوضيح دكتور
ReplyDeleteكما تعودنا منك
دائماً تجيب عن وتوضح الاشعات المنتشرة
جعله الله في ميزان حسناتك
موفقين لكل خير ولا حرمنا الله من دعائكم
Delete