Tuesday 29 November 2016
November 29, 2016

ما خلفية علاجات أمراض السرطان والأمراض المُستعصية التي تطل علينا في الإعلام؟



نسمع بين الفَيْنَةِ والأُخرى عن علاج جديد للسرطان أو لبعض الأمراض المُزمنة أو الاضطرابات الفسيولوجية كالسُكَّر أو ما شابه من اختلالات صحية يتم تداوله عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي على لسان إحدى الصحف أو إحدى القنوات التلفزيونية، مِمَّا يُضفي على الموضوع شيئًا من المصداقية عند من يُشاهد أو يسمع أو يقرأ ذلك الخبر كونها صدرت من مؤسسات إعلامية وليست من قبل أفراد!

والحقيقة هنا هي: أنَّ هناك بَوْنُ واسع بين الحقيقة وما يتم التسويق له في الاعلام المرئي أو المسموع أو المقروء!

ومثالي هُنا هو العلاج المُستخلص من إحدى النباتات الذي يُطلق عليه (EBC-46)، والذي تم نشره مؤخرًا على لسان إحدى القنوات الأجنبية المُتحدِّثة باللغة الإنجليزية، والذي تم تداوله على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي لدينا في العالم العربي، والذي أخذ الكثير من الناس في مناطقنا يتسألون عنه. بينما الواقع هنا هو أنَّ هذا العلاج هو علاج تجريبي مرحلي فقط، وقد أعطى نتائج واعدة أوَّليِّة على فئران المعامل فقط، ولم يصل لِلتطبيق الإكلينيكي (أي لم يُجَرَّب على الأنسان بعد). 

وتَتَلَخَّص ميكانيكية عمل هذا العقار التجريبي بشكل مُختصَر في مقدرته على تدمير الأوعية الدموية المُغَذِّيِة لِلأورام السرطانية، مِمَّا يؤدِّي لِتعطيل صنع أحد بروتيناتها المهمة، وبالتالي لِموتها. 

وحيثُ أنَّ هذا العقار مازال في مراحله التجريبية الأوَّلية ولم يتم اختباره على الأنسان، فلا يستطيع أيُ أحدٍ منا الحكم عليه بشكل نهائي، سِيَّمَا أنَّ أدوية مُشابهة له في عملها قد جُرِّبَتْ قبله على الحيوانات في إحدى مراحلها الأوَّليِّة ووصلت لِمراحل مُتَقَدِّمَة تتفوَّق فيها على عقار (EBC-46)، إلَّا أنَّها أخفقت بعد ذلك إمَّا لِتأثيراتها الجانبية غير المرغوب فيها عند الإنسان أو لاختلاف تجاوب الأنسان لها مُقارنةً بحيوانات التجارب (وأعني على مستوى الاستفادة الفعلية الناتجة منها كعلاجات هدفها القضاء على تلك الأورام). 

وبالإيجاز، نستطيع القول أنَّ ما جاء عن العقار المُسمَّى بـ (EBC-46) يُعَدُّ تقريرًا مُصَوَّرًا لِبحث علاجْي أوَّلي؛ أرادت القناة من ورائه أنْ تحظى بالسبق الإعلامي للخبر (ليس إلًّا). وعلى كل هو مُجرَّد مثال نستشهد به (والكلام لا ينحصر فيه، حيث أنَّ هناك العديد من الأمثلة الشبيهة به).

ولِلإيضاح؛ فإنَّ مثل هذه الأدوية والعقاقير تستدعي الكثير من الأبحاث المخبرية المرتبطة بزواياها المُختلفة، ومن بعدها يأتي دور تطبيقها العملي على الحيوانات، لِتصل بعدها لـلإنسان في مجتمع صغير، ومن ثم تمتد لِمجتمع أكبر، لِيتم بعد ذلك كله تأكيد فَعَّاليتها كعلاج وتوثيق خلوها من التأثيرات الجانبية (وهي مراحل اختبارية تستغرق عادةً زمنًا طويلًا). وفي الأخير – وبعد ذلك كله - يتم تُسجيلها رسميًا لدى هيئات الغذاء والدواء بعد عرضها على اللجان المُتخصِّصة؛ ليتم بعد ذلك تسويقها رسميًا للمرضى في المصحات الطبية. 

وما أكثر الأدوية التي تبدأ بالمراحل الأولى والتي يتم تقديمها للناس في المؤسسات الإعلامية المُختلفة دون أنْ تتمكّن بعدها من الوصول إلى المرحلة النهاية. ونستطيع تشبيه هذه الأدوية في بداياتها بالعدَّائيين الذين يتم تهيئتُهم لسباق المارثون الذي يبدأ عادةً بألاف المُشاركين؛ وما أنْ تنطلق صفَّارة بداية العدو حتى ترى تلك الجموع تبدأ في التقلُّص إلى المرحلة التي لا ترى فيها منهم (في مرحلة من مراحل السباق) إلَّا بضع عشرات.

وللتأكيد، فإنَّ من أهم ما يجب الإجابة عليه في المراحل الحرجة التي تأتي متوافقة مع التطبيقات الإكلينيكية على الإنسان - بعد أنْ يجتاز العقار التجريبي الكثير من الاختبارات المخبرية - التالي: (1) ماذا سيحدث إذا أُعطي ذلك العقار لشريحة كبيرة من الناس؟ (2) وهل ستختلف استجابتهم له عن بقية مجموعات الاختبار أم لا؟ (3) وماذا سيحدث عند استخدامه على المدى البعيد؟

ومن هنا، فإنَّه يجب أنْ لا نَحْمِل تلك الأخبار التي تأتي على لسان القنوات الإعلامية المُختلفة غير المُتخِّصصة (المحلية والدولية) على محْمَل الجِد والتشبُث باستخدامها كعلاج لأمراض بعضنا المُستعصية (وقى الله المؤمنين) مهما كانت عباراتهم الإعلامية الرَّنانة، إلَّا بعد التحقق منها عن طريق أهل الخبرة والاختصاص.

0 comments:

Post a Comment