Monday, 28 October 2019
October 28, 2019

هل أنت مقتنع بتطعيم كل فئات المجتمع بلقاح الأنفلونزا الموسمية؟


في حال وُجِّه السؤال لي، فستكون إجابتي (وبكل تأكيد) كمُتخصِّص في هذه العلم الدقيق هي: لا (طبعًا)، أنا غير مقتنع بتطعيم كل من يتمتع بصحة جيدة وجهاز مناعي متماسك بلقاح الأنفلونزا.

فتطعيم الأنفلونزا الموسمية في أساسه لا يستهدف الأصحاء (كفئة الشباب مثلًا، فهم قادرين بناء مناعتهم بشكل طبيعي). فهو فقط لِمَنْ يُعاني من أمراض مُزمِنة مُستعصية مُضاعفاتها واضحة إكلينيكيًا (كأمراض القلب والجهاز التنفسي وضعف المناعة المُصاحبة لأي عاهة صحية أو عقار دوائي، وفي حال - فقط - استدعت الحاجة لذلك) خصوصًا عند كبار السن أو من هم على شاكلتهم من المرضى المنتميين لأي فئة عمرية أُخرى.

أمَّا الأمر الأهم فهو أنَّ هذا اللقاح هو لقاح تخميني يعتمد على توقّع عدد من السلالات الموسمية التي تم تسجيلها في العام السابق (يصل عددها إلى ثلاث سلالات تقريبًا، ولا يغطيها جميعًا)؛ ما يعني احتمالية الإصابة بغيرها من سلالات (فضلًا عن عدم تغطيته لبقية الفيروسات التنفسية التي يُقدًّر عدد فصائلها وسلالاتها بالألاف)؛ وهو ما يعني أيضًا أنَّ لقاحًا جديدًا تخمينيًا سيتم تصنيعه من جديد في الموسم اللاحق (الأمر الذي ستكون محصلته البدء مجددًا من حيث كانت النهاية، والدخول في نفس الدوامة في كل عام، وهكذا دواليك)؛ والمُتمصلح من وراء هذا كله هو تلك الشركات المُصنِّعة لـِ القاحات التي ستضمن ديمومة أرباحها في كل عام، بل ومن يقف ورائها من مسوِّقين لهذه العملية.

وها أنا الآن أتنقَّل بين العواصم الغربية (وفي لحظة كتابتي لهذه السطور) لم ألحظ في مراكزهم الصحية ولا في أعرق جامعاتهم ولا حتى في نطاق بيئات مراكز الأبحاث لديهم شيء اسمه استهداف عوام الناس في المجتمع (خصوصًا الشباب الأصحاء منهم) بلقاح الأنفلونزا، لا أقلها - وفي أضعف الإيمان - على مستوى ما استشعرته عند تجولي بين تلك المنشآت واحتكاكي مع مختلف الزملاء المُتخصِّصين في شتى المجالات الطبية والتحدُّث معهم بشكل مباشر أو غير مباشر حول هذا الموضوع الذين أكَّدوا على أنَّ الأمر يستهدف فئات مرضية خاصة وفي المستشفيات المركزية؛ ويُفترَض أنْ يكونون هم الأحوج لذلك بسبب تدني درجة البرودة لديهم لمستويات هي أقل مما هو موجود لدينا بأضعاف مُضاعفة، هذا من جانب؛ ومن جانب آخر، لأنَّ أعداد حالات الإنفلونزا الموسمية لديهم أيضًا - اعتمادًا على الاحصاءات المُسجَّلة - هي أكثر أيضًا مما لدينا بكثير.

بل إنَّ ما يتم التحدُّث عنه في بعض النشرات تحت عنوان برنامج "تلقِّيح القطيع" المُتعلِّق بالإنفلونزا الموسمية الذي يتغنَّى به البعض لدينا (والسعي لمقارنته مع برامج التطعيمات الآساسية) دون فهم لطبيعة مُخرَجاته واحصائياته الحقيقية المُحقِّقة للهدف: ليس له وجود تطبيقي على أرض الواقع في هذه الدول الغربية ولا نستشعره مُطلقًا. ومن هنا، نقول: "إنَّ المقارنة المنطقية يجب أنْ تكون بما يتم تطبيقه فعليًا على الناس في تلك الدول وليس بما يتم تدوِّينه على الورق".

لذا (وكما أرى بالتحليل العلمي المنطقي الواضح لِلعِيَان)، أنَّه يتوجَّب علينا مسك العصاة من الوسط (من خلال اعطاء اللقاح لمن يستحقه فعلًا من المرضى)، والتركيز على ما هو أهم من المشاكل الصحية التي بدأت تُرهق كاهل الناس وتفتك بحياتهم، وتوظيف الأموال بطريقة مُقنَّنة في مواضعها الصحية الصحيحة؛ وليس استنزافها بطريقة غير مدروسة فيما هب ودب من عناوين استعراضية تَملأ الدنيا وتشغل الناس!

0 comments:

Post a Comment