قبل الحديث عن الموضوع المُعنّون بالاستنساخ الضوئي (photonic cloning) ومدى علاقته بالتطبيقات البيولوجية (حيث تم توجيه السؤال لي بصفتي التخصصية في هذا المجال الدقيق)، أذكر أولًا بأنَّه في عالم البيولوجيا الجزئية والهندسة الوراثية، يتم تعريف عملية الاستنساخ (cloning) في العموم بأنَّها العملية التي يتم من خلالها إنتاج كائن أو كائنات حية مُطابقة تمامًا للكائن المُستنسخ أصلًا منها وبكل ما يحتويه من مواد وراثية؛ تمامًا كما يحدث في الطبيعة عندما تقوم بعض الكائنات الحية كالبكتريا بالتكاثر عن طريق الانقسام دون تزاوج (وهو ما سأتعرَّض له بشكل موجّز في الفقرات قبل الأخيرة). إلَّا أنَّ عملية الاستنساخ قد تنحو أيضًا منحى جزئي في مسارها من خلال اقتصارها فقط على إنتاج نسخة مطابقة من جين أو من خلية أومن نسيج مُحدَّد مأخوذ من أحد الكائنات الحية؛ وهي تقنيات تهدف في العادة لتقديم برامج علاجية أو بحثية، ويتم تقديمها تحت عناوين خاصة كتقنية الهندسة الجينية للأحياء الدقيقة أو تقنية العلاج المُعتَمِد على الخلايا الجذعية (وهذا ما سأُسلِّط الضوء عليه أيضًا بشكل مُفصَّل في السطور اللاحقة). وهي عمليات (بشقيها: الكامل والجزئي) تحتاج لتوافر المواد البيولوجية من جهة الكائن الحي المُراد استنساخه بعد اخضاعها لعملية تقنية مُعقَّدة يحترفها المتخصصون في هذا المجال، ولا تتم بالصورة التي يُطبَع فيها – مثلًا – أحد الأفلام الفوتوغرافية أو تُصوَّر من خلالها أعضاء أحد المرضى بالأشعة السينية (X-ray) في عيادات العظام (كما يُنظِّر البعض). فهي ليست حركة فيزيائية انعكاسية في طبيعة طِبَاعتِها للأنسجة، بل هي ديناميكية حيوية مُعقدة تتعلق بإنتاج شفرات وراثية تُبنَى عليها حياة كائنات حية (وهو الأمر الذي سيتبيَّن بشكل واضح في الفقرات الأخيرة من هذه المُراجعة).
وقبل المُضي قُدمًا في نقاش المحاور التفصيلية لهذه المُراجعة، سأتحدث بدايةً عن موضوع الاستنساخ البيولوجي بتفرعاته الدقيقة المُسجَّلة في الأوساط لعلمية، وهو موضوع مهم ويستدعي الانتباه مليًّا حتى نستطيع بعدها أنْ نبني قاعدةً عليها نرتكز في تفكيك ما نحن بصدده، والمُتعلِّق بالعنوان موضوع النقاش.
بشكل عام، يتم حصر تقنيات استنساخ المواد البيولوجية (كما تم التلميح له في الفقرة السابقة) من قبل المؤسسات البحثية في ثلاثة عناوين رئيسة: الاستنساخ الانجابي والاستنساخ الجيني والاستنساخ العلاجي (ولا يُوجد حتى الآن أي عنوان رابع لموضوع الاستنساخ لا على مستوى التطبيق ولا على مستوى التنظير، لا من قريب ولا من بعيد، لِما تم ذكره من عناوين ثلاث، لا أقلها حتى كتابة هذه السطور؛ وهو ما سيتبيَّن لنا عند تلخيص هذه المُراجعة).
أولًا، الاستنساخ الانجابي؛ أو الاستنساخ الجنيني أو الاستنساخ التكاثري (reproductive cloning)، وهو الاستنساخ الكامل للكائنات الحية؛ بحيث يتم فيها أخذ المادة الوراثية من نواة خلية (تحتوي على كامل عدد الكروموسومات، لا نصفها كما يحدث في الطبيعة حينما يلتقي نصف العدد من الأُنثى والنصف الآخر من الذكر) موجودة في جسم الحيوان المُراد استنساخه، كخلية الجلد مثلًا؛ ومن بعدها يتم إضافتها إلى بويضة مُفرَّغة من كل موادها الوراثية (أي افراغها من النوية التي بها الكروموسومات من أجل إيصالها للمرحلة التي يكون محتواها الوراثي مساويًا للعدد صفر). ومن بعد ذلك يتم ادخال شفرة المادة الوراثية بأكملها (أي الكروموسوم المُستهدف المأخوذ من الحيوان المُراد استنساخه) إلى البويضة المُفرَّغة بواسطة عملية الحقن المباشر أو من خلال استخدام تيارات كهربائية من نوعية خاصة حتى يُصبح الكروموسوم بشكل كامل في داخل البويضة. وفي نهاية المطاف تُزرع البويضة الجديدة مخبريًا في أنبوب اختبار استعدادًا لنقلها إلى رحم أنثى تسمى بالـ "الأم البديلة"، لتحمل بها وتلدها بعد حين. وهي العملية التي من خلالها (إذا تكلَّلت بالنجاح طبعًا، لأنَّ نسبة نجاحها مُتدنية جدًا) يتم ولادة كائن حي مُطابق ويحمل نفس المادة الوراثية للكائن الحي الأصلي الذي تم استنساخه.
وهنا ألفت الانتباه إلى أنَّ تقنية الاستنساخ الانجابي هي التقنية التي تم استخدامها في استنساخ النعجة الأسكتلندية "دوللي" التي تُعد من أشهر المُستنسخات. ودائمًا ما يتم اللجوء لهذه التقنية عند التخطيط لاستنساخ حيوانات ذات صفات مرغوبة مثل الأبقار الغزيرة الحليب أو ذوات النسب المرتفعة في كمية الحم؛ أو عند السعي لاستنساخ حيوانات متطابقة بيولوجيًا من أجل إجراء بحوث الأدوية عليها أو أي بحوث فسيولوجية أُخرى (مما يساعد في الحصول على نتائج متجانسة وواضحة ولا يلعب فيها الاختلاف بين صفات ذلك الحيوان أي دور تشويشي في مسار البحث المُجّرَى عليها)؛ أو عند استنساخ الفصائل الحيوانية المُختلفة المُهدَّدة بالانقراض؛ وعلى هذا فقس.
ومن الجدير بالذكر أنَّ أُوضَّح أيضًا بأنَّ تقنية الاستنساخ الانجابي ذات فعالية منخفضة للغاية؛ فالنعجة "دوللي" نجح استنساخها من بين ٢٧٦ جنينًا، أي أنَّ نسبة النجاح فيها كانت ١ على ٢٧٦، وهي نسبة منخفضة للغاية. أمَّا الأمر الأخر والمهم فهو أنَّ المواليد المُستنسَخة تعيش عادةً فترة قصيرة، فالنعجة "دوللي" - مثلًا - عاشت فقط ست سنوات، وهي نصف مُعدَّل حياة النعاج عند الولادة الطبيعية التي تصل في أعمارها إلى حدود ١٢ سنة. يُضاف إلى هذا كله، أنَّ الكائن المُستنسَخ عادةً ما يعاني من مشاكل بالأعضاء كالقلب والكبد والدماغ، بالإضافة إلى مشاكل في جهازه المناعي.
وألفت الانتباه أيضًا إلى أنَّ المؤسسة الوطنية لأبحاث الجينات البشرية بالولايات المتحدة قد حذّرت من وجود مزاعم عديدة غير صحيحة في هذا المجال، منها أنَّ "استنساخ البشر أمر سهل وتم بالفعل"، إذ أنَّها ترد على هذا الادعاء بقولها: "أنَّه لا توجد أدلة على نجاح استنساخ أجنة بشرية، وجميع الادعاءات والمزاعم الموجودة لا أدلة علمية عليها إطلاقًا". ويُعتقَد من الناحية العلمية أنَّه من الصعب للغاية أنْ يتم استنساخ خلايا جنينية بشرية، وذلك راجع للخصائص المُتَعلِّقة بنفس طبيعة الكروموسومات البشرية (وهو ما نتفق معه أيضًا)، إذ تؤدِّي إزالة نواة البويضة الإنسانية إلى إزالة عضيات ضرورية للانقسام الخلوي (وترك بعض الشفرات الوراثية الموجودة في بعض مكوناتها كالميتوكوندريا)، مِمَّا يجعل النتيجة الحتمية المُترتِّبة على هذا الأمر هي عدم نجاح انقسام الخلايا؛ وهي مشكلة غير موجودة في الثدييات الأخرى مثل القطط والأرانب.
وفي شأن متصل أيضا تشير المؤسسة نفسها إلى أنَّه لا توجد أدلة حتى الآن على إنتاج أجنة بشرية لغايات الاستنساخ العلاجي؛ وتؤكد كذلك أنَّه بينما تخضع عملية الاستنساخ الجيني في المجال البيوتقني لإجراءات تنظيمية حازمة، وهي مقبولة عالميًا على نطاق واسع، فإنَّ تقنيات الاستنساخ الانجابي والاستنساخ العلاجي تواجه العديد من القضايا، والتساؤلات الجوهرية التي منها: هل يجوز استنساخ شخص على قيد الحياة، مما يعني وجود شخصين منه في نفس الوقت؟ أو هل يجوز استنساخ شخص قد مات بالفعل؟ وماذا عن استنساخ بعض الأشخاص الذين عُرِفوا بالإجرام؟ وما شابه من أسئلة جدلية.
ثانيًا، الاستنساخ الجيني؛ ففي مجال التكنولوجيا الحيوية الوراثية المُتعلِّقة بالصناعات الدوائية والأحياء المجهرية فإنَّ الاستنساخ لا يعني انتاج كائنات حية كاملة، بل يعني: العملية التي من خلالها يتم ادخال أجزاء من الحمض النووي الحامل للمعلومات الوراثية البيولوجية في وسيط من الكائنات المجهرية (بكتيريا أو فطر أو فيروس) يُسمى بالحامل (vector) بهدف انتاج بروتين معين أو تعطيل صفة سلوكية مُحددة أو الحصول على كمية كبيرة من بروتين خاص لدراسته أو الاستفادة منه علاجيًا أو صناعيًا مثلًا، وما شابه هذه العناوين التي تحمل بين طيَّاتِها أهداف علمية؛ وهو ما نُسمِّيه في العموم بتقنية مزج شريط الحمض النووي "الريبي" (recombinant DNA technology) أو بالاستنساخ الجيني (gene cloning or DNA cloning) أو بالهندسة الجينية (genetic engineering).
ولا تقتصر تطبيقات التكنولوجيا الحيوية الوراثية على هذا فحسب، بل أنَّها تشمل أيضًا تقنيات انتاج نسخ مُكرَّرة من سلاسل حمضية نووية جزئية مُتطابقة من الحمضين النوويين: "الريبي" (DNA)، أو "الريبوزي" منقوص الأكسجين (RNA). وتقنيات هذا النوع مُتعدِّدة وتستعمل في مجالات واسعة من التجارب البحثية البيولوجية والتطبيقات العملية.
ثالثًا، الاستنساخ العلاجي؛ الذي يعني أخذ خلايا جذعية (Stem Cells) فقط، دون الوصول إلى انتاج كائن حي بأكمله كما يتم في الاستنساخ الانجابي؛ أي أنَّه مُشابه لتقنية الاستنساخ الانجابي، إلَّا أنَّ الهدف النهائي منه مختلف. فبينما يسمح الاستنساخ الانجابي للبويضة بالنمو لتكوين كائن حي جديد بعد زراعتها في رحم "الأم البديلة"، تقتصر وظيفة البويضة في الاستنساخ العلاجي على حصرها كمصدر مُنتِج للخلايا الجذعية فقط؛ وهي خلايا تملك قدرة غير محدودة على التكاثر والتمايز لأي نوع من الخلايا، وهي التقنية التي دائمًا ما يتم الإشارة لها على إنَّها الأمل المُستقبلي في علاج العديد من الأمراض المُستعصية التي يحتاج فيها المريض لأنسجة وظيفية أو حتى لأعضاء كاملة. كما يساعد هذا النوع من الاستنساخ مراكز الأبحاث على الحصول على فهم أعمق لطبيعة وكيفية تطوَّر الأمراض.
ولابد من لفت الانتباه إلى أنَّ تقنية الاستنساخ العلاجي مازالت قيد التجربة بسبب غياب النتائج النهائية البعيدة المدى بشأنها، التي عادةً ما يُخشى أنْ ينتج عنها خلايا سرطانية، حيث تُشِير بعض الدراسات البحثية إلى وجود تشابه بين الخلايا الجذعية وخلايا الأورام السرطانية؛ إذ تقول بعض الدراسات إنَّه بعد ٦٠ انقسامًا خلويًا تتجمع في الخلايا الجذعية طفرات تكفي لأنْ تحوِّلها لخلايا سرطانية (وهو أمر قيد الأخذ والرد في الأوساط العلمية). ولذلك يُطالَب أصحاب هذه النوعية من الدراسات بالمزيد من الأبحاث قبل استخدام هذه التقنية في علاج الأمراض البشرية (هذا على حد موقف المؤسسات العلمية المُعارضة لمثل هذه التقنيات وموقف المؤسسات التحكيمية التي تُصادِق نهائيًا على اصدار التصاريح المُتعلِّقة بتطبيق مثل هذه العلاجات على المرضى بشكل حاسم في المصحَّات الطبية القابعة في أوطانها). ليس هذا فحسب، بل أنَّه - في حال عدم تسبب تقنية الاستنساخ العلاجي في حدوث أي أورام سرطانية - فإنَّه يُحتمَل أيضًا عدم ديمومتها العلاجية إلى مديات زمنية بعيدة؛ وهو ما يُعيد طرح السؤال القائل: هل تطبيقها في علاج بعض الأمراض أمر مُحرز، أم لا (حتى لو كان هناك تعافي مؤقت ولو لسنين معدودة)؟
وللتوضيح، فإنَّ إحدى الشركات البحثية في ولاية ماساشوستس بالولايات المتحدة الأمريكية (Advanced Cell Technologies) قد قامت في شهر نوفمبر من عام ٢٠٠١م بالإعلان عن محاولة ناجحة لاستخلاص خلايا جذعية من أجنة مُستنسَخة، وذلك بعد أنْ قامت باستخدام ٨ بويضات بشرية تم تفريغها من نوياتها ومن ثم حقنها بنويات خلايا تم استئصالها من الجلد. ولقد نجحت هذه الشركة في إنتاج خلايا جذعية من بويضة واحدة بينما فشلت تجاربها التي أجرتها على بقية البويضات السبع.
يُضاف إلى السلبيات الآنفة الذِكر، أنَّ التقنيات المُستخدَمة في الاستنساخ العلاجي تتطلب تدمير الجنين في المختبر خلال أيامه الأولى من أجل أخذ خلاياه الجذعية واستخدامها في العلاج، وهو أمر محط رفض وعدم قبول الكثير من المؤسسات المُستقِلّة التي تنظر إلى موضوع هذه القضية من وجهة أخلاقية وترفضه على هذا الأساس مهمًا كانت الغاية وتعدّه عملًا غير إنساني.
وهنا أُبيِّن أيضًا أنَّ أمر قبول تطبيق مثل هذه التقنيات بشكل واسع في بعض الدول (كالصين مثلًا) لا يعني الانتهاء من الوصول لبقية النتائج الحاسمة في موضوع طبيعة آثارها الجانبية المُحتملة على المدى البعيد.
وكما لاحظنا حتى الآن في هذه المُراجعة السريعة بأنَّ مجموعة التقنيات المستخدمة في عملية استنساخ المواد البيولوجية، تندرج تحت عناوين ثلاث رئيسة، أؤكِّد عليها مرةً ثانية واختصر تعريفاتها في: (١) الاستنساخ الانجابي للكائنات الحية المُعتمِد على تفريغ البويضات الأنثوية الذي يتم فيه إنتاج كائن حي جديد بهيئته الكاملة مطابق للكائن الأصل، ومثاله هنا النعجة "دوللي"؛ (٢) الاستنساخ الجيني الذي فيه يتم إنتاج نسخة جديدة مُكررة مُطابقة من الجينات بالتقنيات البيولوجية المُختلفة مُطابقة للجينات الموجودة في الكائن الأصلي أو زرع جزء من المادة الوراثية (DNA) في كائن حي آخر قادر على قراءتها وإنتاج البروتين المُشفَّر بداخلها بشكل مُكثَّف وغزير؛ (٣) الاستنساخ العلاجي الذي يقوم بإنتاج خلايا جذعية جنينية (بعد قتلها مخبريًا) التي يتم استخدامها في علاج بعض الأمراض.
ولقد تبيَّن لنا من خلال ما جاء في الفقرات السابقة أنَّ عملية الاستنساخ على اختلاف عناوينها تتطلب مواد بيولوجية يُرتكَز عليها في عملية الاستنساخ تشمل الخلايا الخاصة التي تم تهيئتها في مراكز الأبحاث، بل والكثير من الأحماض النووية والأنزيمات الخاصة وبقية الدعامات الحيوية الدقيقة جدًا، والتي تُصبح عديمة الفائدة أيضًا في حال عدم توفّر الأجهزة المُعقدة والعقول المُشغِّلة لها التي تعي ما تقوم به من أجراءات بيولوجية.
وعلى الرغم من أنَّ العديد من الناس يعتقد بأنَّ الاستنساخ هو عملية تحدث صناعيًا فقط، إلَّا أنَّه لابد من التأكيد أيضًا (وهو للتذكير) على أنَّ كل ما ذكرناه حتى الآن قد استمد أفكاره الرئيسة مِمَّا هو موجود في الحياة الطبيعية من عملية تلقيح وانقسام بيولوجي مُتطابق. ففي الطبيعة توجد حالتان يتم فيها انتاج كائن حي أو كائنات حية تكون فيهما مُطابقة لكائن حي آخر تمامًا. فالحالة الأولى تحدث في عالم الأحياء الدقيقة (كالبكتيريا وما شابه من كائنات مجهرية أو حتى غير مجهرية شبيهة) التي تتكاثر عبر العملية التكاثرية التي تُسمى بالانقسام أو التكاثر اللاجنسي، والتي تؤدّي في نهاية المطاف لتكوين خلايا جديدة تحمل نسخة مطابقة تمامًا للمادة الجينية الموجودة بداخل الخلية الأم (وهو ما لمَّحت له في مُقدِّمة هذه المُراجعة). أمَّا الحالة الثانية فتحدث في عالم الثدييات عند ولادة توائم مُتطابقة بواسطة التكاثر الجنسي (وهو الأمر الذي نُلاحظه في بعض حالات الولادة عند الأنسان مثلًا، خصوصًا عند أخذ بعض الهرمونات المُنِّشِطة في عيادات العقم والتلقيح)، حيث أنَّه بعد تخصيب البويضة بالحيوان المنوي، تقوم نفس البويضة - في حال كانت مُتهيِّئة لولادة التوأم - بالانقسام إلى خليتين مُتطابقتين تمامًا تحملان نفس المادة الوراثية، وهذا يعني أن التوأميْن الوليدين سيحملان نفس التركيبة الجينية ونفس المواصفات الشكلية؛ وأنا هنا أتحدث عن التوائم المُتطابقة ولا اتحدث عن التوائم غير المُتطابقة، فلاحظ.
أما عند توسيع دائرة تعريف مصطلح الاستنساخ (كما هو مُستخدَم في بقية الدوائر المعرفية الشاملة لبقية العلوم ومن أهمها الفيزياء)، نستطيع القول بأنَّه سيعني حينها عملية إنشاء نسخ طبق الأصل لمادة ما جامدة كما هو الحال عند الحديث عن الوسائط الرقمية أو البرامج الحاسوبية أو التصوير الضوئي والرسوم الحية وما شابه من عمليات متطوِّرة تشمل حتى عملية الاستنساخ بتعدُّد الأبعاد كالاستنساخ الثنائي الأبعاد والثلاثي الأبعاد وما شابه من عمليات؛ وهي عمليات متطوِّرة تُغطي في جوهرها عملية نقل الصور وتقريب هيئتها للصور الطبيعية. وهذا للتوضيح أيضًا فلاحظ.
ومن هنا، فإنَّ بعض التقنيات التي يتم الإشارة لها في بعض الدوائر المعرفية (خصوصًا الدائرة الفيزيائية) التي تحمل بين فقرات فصولها القيمة الكمية التي يُرمز لها بالفوتون (photon) هي في حقيقة الأمر تقنيات يتم نقاشها وتطبيقها بالدرجة الأولى خارج نطاق الدائرة البيولوجية. فالفوتون هو جسيم أولي متناهي الصغر (وبالتحديد هو من فصيلة البوزونات)، وهو المسئول عن الظاهرة الكهرومغناطيسية. وهو حامل الاشعاع الكهرومغناطيسي لكل أطوال الموجات، بما فيها أشعة جاما والأشعة السينية والأشعة فوق البنفسجية والضوء المنظور والضوء تحت الأحمر والميكروويف وموجات الراديو وبقية الإشعاعات والموجات المُختلِفة. ويختلف الفوتون عن الكثير من الجسيمات الأولية الأخرى كالليبتونات (التي تضم بين طياتها الإلكترون والبروتوزون) والكوارك (المكوِّن كوحدة أولية بجميع أشكاله للبروتون والنيترون) وبقية البوزونات (الشاملة للجلون) وغيرها من قيم كمية ذرية أولية لا يسعى المجال لاستعراضها كلها في هذا الشرح المُبسَّط، وذلك في كون كتلة استقراره (أي الفوتون) معدومة؛ وهي نقطة الاختلاف مع ما هو مُتعارف عليه من الأجسام الأولية في عالم الذرة. ولذلك، فإنَّه يتحرًك (في الفراغ) بسرعة الضوء (أي بسرعة تصل إلى حدود ١٨٦.٢٨٢ ميل في الثانية).
ومثل جميع القيم الضوئية، فإنَّ الفوتون له - في آن واحد - كل من خواص الموجة وخواص الجسيم (أي أنَّه مزدوج الموجة والجسيم). وتُظهر الفوتونات ظواهر شبيهة بالموجات كظاهرة الانكسار خلال العدسات وظاهرة التداخل (التشويش) المُدمِّر عندما تلغي بعض الموجات المُنعكِسة بعضها الآخر؛ إلا أنَّه كالجسيم، بإمكانه فقط أنْ يتفاعل مع المادة عبر نقل كم من الطاقة.
وعليه، فإنَّ التحدَّث عن الفوتون بوصفه يدخل في تركيب كل المواد التي يرتد عنها هو حديث خاطئ ولا ينُمّ عن حقيقة فهم كيفية عمل تلك الأجسام الأولية وعلاقة بعضها بالبعض الآخر. فالفوتون لا يدخل في تركيب الإلكترون وليس من عائلته ولا يدخل في تركيب العديد من المواد الذرية ولا يجوز نسبه لكل تلك العوائل الذرية المُشار لها في الفقرة السابقة. وهذا العلم هو علم غزير ويحتاج للكثير من التأسيس العلمي والأكاديمي قبل الخوض فيه.
وهنا لابد من التأكيد أيضًا على أنَّ نشأة الفكرة القائلة: "بأنَّ الضوء والطاقة بأنواعها المختلفة الأخرى يأتيان على شكل جسيمات" قد تبلوَّرت في عام ١٩٠٠م، أي أنَّه ليس بالأمر الجديد. ففي ذلك العام وصف الفيزيائي الألماني ماكس بلانك الضوء وغيره من أشكال الطاقة الإشعاعية بأنَّها تيارات من جسيمات تسمى "كمات"؛ وكل "كم" من الطاقة تم الإشارة له بالـ "حزمة" التي لا يمكن تقسيمها، مِمَّا يعني أنَّه لا يُمكن الحصول على نصف "كم" من الطاقة. لكن كمية الطاقة في "كم" مُحدّد يمكن أنْ تختلف؛ والفوتون "كم" من الطاقة الكهرومغناطيسية. وفي التأثير الكهروضوئي، ترتفع الطاقة التي يعطيها الفوتون إلى الإلكترون عندما يقذفه خارج الذرة، كلما ارتفعت طاقة الفوتون. وهو ما يعني أنَّ الفوتون بطاقته العالية جدًا في بعض الإشعاعات يتحوَّل إلى طاقة مُدمِّرة للأنسجة الحية (وهي نقطة في غاية الأهمية فتأمَّل فيها).
وفي عام ١٩٠٢م، لاحظ الفيزيائي الألماني فيليب فون لينارد أنَّ كمية الطاقة المُعطاة لإلكترون اعتمدت فقط على لون الضوء الذي سطع على القطب الكهربائي. وفي عام ١٩٠٥م، استنبّط العالم الألماني ألبرت أينشتاين أنَّ طاقة الفوتون تعتمد على طولها الموجي أو ترددها. ففوتون الضوء البنفسجي له طاقة أعلى من فوتون الضوء الأحمر لأنَّ الضوء البنفسجي له تردد أعلى (أو طول موجي أقصر) مِمَّا للضوء الأحمر. وعندما تصطدم فوتونات الأشعة السينية مع الإلكترونات، ينحرف كِلا الجسيمين عن ممرهِما المبدئي. ويعطي فوتون الأشعة السينية بعض طاقته للإلكترون. ونتيجة لذلك يسقط فوتون الأشعة السينية إلى تردد أقل (أو لطول موجي أطول). وهذا الشرح يوضِّح لنا التداخل في توزيع الطاقة بين هذه المُجسَّمات الذرية.
وبالاعتماد على هذه المُعطيات الأساسية بدأت الدراسات في هذا المجال تتبحّر في شأن طاقة الجسيمات الموجودة في الاشعاعات والموجات المُختلفة، حيث ناقش بعضها موضوع الاستنساخ البرمجي في عالم الفيزياء وفي عالم التصوير بالأبعاد المُتعدَّدة وفي بقية العلوم غير البيولوجية باستخدام الاشعاعات المُختلفة (التي تستمد طاقتها من الفوتونات المُكوِّنة لها كجسيمات). ومنها بدأ ينشأ التصوير التشخيصي في المجال الطبي وما شابه من تقنيات تعتمد على الإشعاعات المُختلفة.
ومع العلم من كل هذا، فإنَّ المؤكَّد حتى الآن هو أنَّه لا يُوجد تقنية ولا تطبيق لدينا في عالم أبحاث العلوم البيولوجية والهندسة الجينية - لا من قريب ولا من بعيد - اسمه الاستنساخ الضوئي (Photonic cloning). بل أنَّ كل ما يتم نقاشه في هذا المجال من قبل بعض الجامعات العالمية كجامعة هارفرد وغيرها من مؤسسات تعليمية وبحثية عريقة يصب بمجمله في نطاق الدائرة الفيزيائية وليس الدائرة البيولوجية.
بل أنَّ المؤكَّد لدينا أيضًا هو أنَّ عمليات الاستنساخ هي عمليات معقَّدة جدًا وتحتاج لميزانيات ضخمة وبيئات بحثية مُتكاملة وكفاءات مُتخصصة قادرة على الوقوف أمام تحدِّياتها وتطوِّيرها بالطريقة التي تضمن نتائجها الإيجابية في المجالات البحثية والدراسية (هذا فضلًا عن بقية احتياجاتها من أدوات حينما تكون في بداياتها التي لابد من تهيئتها مع بقية الأدوات والمواد البيولوجية التي أشرت لها في الفقرات الأولى الآنفة الذكر).
ليس هذا فحسب، بل أنَّه وكما تبيَّن لنا حتى الآن بأنَّ تقنيات الاستنساخ هي تقنيات محصورة في اطارات مرسومة علميًا لا تتجاوز حدودها المُتعارف عليها؛ بحيث أنَّه سيكون من المُكلف جدًا أنْ يتم تقديم بعض الأفكار الخيالية لموضوع الاستنساخ في حل بعض القضايا العالمية دون معامل بيولوجية ودراسات واقعية واستخدام أدوات بحثية ملموسة. فالبيولوجية هي مجال حيوي تطبيقي ويحتاج لتفرّغ وانغماس في معالمه، وليس نظري ميتافيزيقي.
وحتى لو فرضنا أنَّنا وصلنا إلى ضرورة مُلِحّة استدعت منا التفكير - في يوم من الأيام - في البحث عن بعض التقنيات الأستنساخية من أجل الوصول إلى حلول لبعض المسائل المُستعصية (وهنا سأفترض جدلًا - مُجاريًا بعض الخيالات - أنَّ المسألة المُستعصية هي تلك المسألة التي ذهب إلى طرحها بعض المُنظرِّين من تصوّر لحدوث مجاعة مُستقبلية بسبب الزيادة في تعداد سكان العالم، اعتمادًا على الارتفاع الطردي في أعداد المواليد مقارنةً بأعداد الوفيات، كما يتم تنبئه في الدوائر الديموغرافية)، فإنَّ استنساخ قطعة لحم (على حد تصوَر البعض) لسد جوع بعض الفقراء سيكون أكثر تكلفة بأضعاف مُضاعفة من عملية السعي لوضع بُنْية تحتية تهدف لتحلية المياه البحرية المالحة ومن ثم استخدامها في زراعة بعض الصحاري القاحلة من أجل التغلّب على أي عوز غذائي يسد احتياج جوع الفقراء المنتشرين في بقاع العالم.
ومن هُنا، فإنَّنا لابد أنْ نتنبَّه إلى أنَّ إطلاق الحبل على الغارب لبنات أفكارنا - التي يصدق على بعضها أنَّها ليست من السهولة أنْ تُستوعَب من قبل المؤسسات التخصصية - لن يُجدي نفعًا، خصوصًا حينما يكون المُنظِّر منا يصدُق القول عليه أنَّه لا يملك الأدوات الفعلية (أي التهيئة الدراسية الواسعة والخبرة البحثية التطبيقية في ذات المجال) التي تُساعده على فهم حقيقة ما يُقدِّمه في بعض العلوم المجهرية الدقيقة من عناوين رنَّانة.
0 comments:
Post a Comment