لا تزال أوراق البقدونس من المنتجات النباتية التي لم تنل من الناس بعدُ التقدير المناسب لما تحتوي عليه بالفعل من عناصر غذائية صحية. وفي المقابل لا يوجد حقيقة ما يدعم علميا جدوى الإفراط في تناول البقدونس ابتغاء فوائد طبية معينة. ولذا فإن المطلوب هو الاعتدال في التناول اليومي للبقدونس، أو في غالبية أيام الأسبوع. وبكمية تتراوح بين 50 و100 جرام.
وللبقدونس تأثيرات إيجابية على زيادة إدرار البول، وذلك من خلال عمل الزيوت الطيّارة فيه على كبت ومنع نشاط عمل ما يعرف بـ "مضخات تبادل الصوديوم/ البوتاسيوم" (Na+/K+-ATPase pump) التي تُوجَد بين أنابيب الوحْدَات الكُلْوِيَّة التي تُسمَّى نيفرون (Nephron) في الكلى وبين سائل البول المُتكوِّن للتو.
لذا فإن البقدونس يُسهِم في زيادة إخراج الصوديوم والماء مع البول، ويُسهِم في نفس الوقت في سحب البوتاسيوم وإعادته إلى الجسم. وهذا التأثِّير على إخراج البول قد يُفيِد في تخلِّيص الجسم من الكميات الفائضة من السوائل، وقد يُسهِّل جريان الحصوات الصغيرة الموجودة في مجاري البول أو المثانة، وبِالتالي خروجها مع البول.
إلا أنَّه من السابق لأوانه علميًا تسوِّيق هذا التأثِّير الذي ينص بصورة صريحة على النصح بتناول عصير البقدونس كوسيلة لتطهير الجسم من مثل هذه الترسبَّات السمية. والسبب في ذلك هو أنَّ نظرية استخدام منتجات غذائية معينة كوسيلة لِـ "تطهير الجسم من السموم" لا تزال هي ذاتها عمومًا تحتاج إلى إثبات علمي يدعم جدواها. وهذا الكلام لا يُقلِّل من شأن تناول الأغذية الصحية، إلَّا أنَّه يتضمَّن العنوان الارشادي الذي ينص على عدم اللجوء للتسويق لبعض الأغذية كعلاج دون دراسة جدوى تشرح حقيقة التأثِّير المُراد تقدِّيمه للناس من فحوى العلاج والجرعات المنصوص عليها فيه، حتى لا تتسبَّب الزيادة في أثار جانبية عند بعض المرضى. بل أنَّ المؤكَّد هو أنَّ الجسم يعمل بصورة طبيعية على تخلِّيص الجسم من السموم عبر بعض عضائه الحيوية الرئيسة التي تعمل بصورة أكثر كفاءة في حال مارس الإنسان الرياضة بصورة منظمة وابتعد عن المصادر التي تقود إلى تلوث الجسم بتلك المواد السمية.
يُضاف إلى هذاأايضًا، فإنَّ الإفراط في تناول البقدونس قد لا يُناسِب ويُوافِق كل الناس.
بل وأنَّ البقدونس واحد من بين منتجات غذائية قليلة تحتوي على كميات عالية من حمض "الأوكزاليت" (oxalic acid). وهذه المادة إذا ما زادت كميتها في الجسم، أو زاد تركيزها جفاف الجسم (عند عدم تناول كميات كافي من السوائل)، فإنَّها قد تتحوَّل إلى الحالة البلورية (crystallization). وبالتالي قد تتسبَّب في ترسُّب بلورات "الأوكزاليت" في الكلى أو المرارة، الأمر الذي قد يؤدِّي بصورة عكسية إلى نشوء الحصوة في أي منهما. وهو الأمر الذي يعني ضرورة شرب كميات كافي من السوائل بالخصوص الماء عند أكل كميات كبيرة من البقدونس.
وفي الجانب الأخر يجب علينا تذكُّر بأنَّ تأثِّير حمض "الأوكزاليت" الموجود في البقدونس على قدرة الأمعاء على امتصاص الكالسيوم لا يُوصَف بأنَّه تأثير قوي لدرجة التسبب في نقص الكالسيوم في الجسم أو في هشاشة العظام. لذا لا يُلتفَت طبيًا إلى هذا التأثِّير السلبي، ولا يجب أنْ يكون مانعًا من الاستمتاع والاستفادة بأكل البقدونس. بمعنى أنَّ تأثِّيره قد يقتصر فقط (عن الجفاف) على تكوُّن الحصوات (وهي نقط تستدعي المزيد من البحث والتحقِّيق الدراسي كي تُثبَت أو تُنفَى).
يُضاف إلى هذا، أنَّه تُوجَد في البقدونس كميات قليلة من مواد "فيوروكومارين" (furanocoumarins) ومواد "سورالين" (psoralens). وهاتان المادتان قد يتسببان في حساسية الضوء (photosensitivity) عند الأشخاص الذين لديهم الأستعداد لهذا النوع من الحساسية (وليس كل الناس)، وأيضًا عند الأشخاص الذين يتناولون "زيت البقدونس" (Parsley oil)، وليس عند الأشخاص الذين يتناولون كميات معتدلة من أوراق البقدونس الصحية.
تجدر الإشارة أيضًا على أنَّ هناك نصائح واضحة صادرة من الجهات الطبية بالولايات المتحدة حول تجنِّيب الحوامل تناول كميات عالية ويومية من "زيت البقدونس". وهذه النصائح لا تشمل تناول أوراق البقدونس من قِبل الحوامل، حتى في أوقات ما قبل الولادة. بمعنى أنَّ النصائح تختص فقط بالزيت المُستخلَص من البقدونس وليس من الأوراق المقطوفة من المزارع بشكل مُباشِر.
وفي الأخير، نؤكِّد على أنَّ الأشخاص الذين يتناولون أو يتلقّون أدوية مُسيِّلة للدم، مثل الـ "ورافرين" أو الـ "هيبارين"، أو يتناولون دواء الـ "أسبرين" مع دواء "بلافيكس"، عليهم أنْ يعروفون بأنَّ البقدونس يحتوي على كميَّات عالية من فيتامين "كاف" (K). وهذا الفيتامين قد يُسبِّب اضطرابات في ضبط جرعات عقار "ورافرين". وهو الأمر الذي يعني أنَّه يُحتمَل أنْ ينتج عنه إمَّا ضعف في عمل الـ "ورافرين" عند الإفراط في تناول البقدونس دون إخبار الطبيب المُعالج؛ وإمَّا حصول نزيف عند التوقُّف فجأة عن تناول البقدونس بعد التعوُّد عليه لفترات طويلة.
ولقد سبق للباحثين من جامعة محمد الأول في مدينة وجدة بالمغرب أن نشروا في عدد أغسطس (آب) لعام 2009م من مجلة "إثانوفارماكولوجي" (Jonrnal of Ethanopharmacology) نتائج دراستهم حول تأثِّير مُستخلَص البقدونس على ترسب الصفائح الدموية وزيادة وقت النزيف عند حيوانات التجارب بالمختبرات. وهذا التأثير وإن كان إيجابيًا ومفيدًا (لو صح حقيقةً حصوله عند البشر)، فإنَّه يستدعي ضرورة الحذر من حصول تأثِّيرات سلبية لدى منْ يتناولون أدوية مُسيِّلة للدم.
والأهم من ذلك كله هو: ضرورة دراسة مثل هذه النتائج مرةً أُخرى وتأكِّيدها علميًا أيضًا.
0 comments:
Post a Comment