Monday 18 March 2019
March 18, 2019

التبرعُّم (الاستنبات).. الزوايا الصحية والمرضية المُتعلِّقة بتبرعُّم الحبوب


الحبوب القابلة للتبرعُّم (الاستنبات) تشمل تقريبًا كل أنواع الحبوب، مثل القمح والشعير والذرة والأرز والبرسيم والدخن والشوفان وما شابه من حبوب.

ولو تأمَّلنا سنُلاحظ بأنَّ هناك الكثير من الأسئلة المُحيطة بالفوائد الصحية الكامنة في مثل هذه الحبوب المُتَبرعِمة، مثل: هل أنَّ هذه الحبوب المُتَبرعِمة أكثر فائدة غذائيًا من بنات عمومتها غير المُتَبرعِمة؟ وهل - مثلًا - أنَّ الشخص الذي يُعاني من داء السُكَّر سيستفيد من أكله للحبوب المُتَبرعِمة؟ أم لا؟

وقبل الإجابة على مثل هذه الأسئلة، لا بُدَّ أنْ نعرف بأنَّ الحبوب المُتَبرعِمة تبدأ من الحبوب الكاملة. وهي الحبوب العشبية القابلة للأكل التي تتكوَّن من: البُرْعُم، والمواد الغذائية المُختَزَنة في نسيج البذرة، والغشاء الخارجي الواقي الذي يُسمَّى بالنُخالة؛ وقد يُضاف لها أحيانًا أيضًا غشاء خارجي يُسمَّى بالقشرة الخشنة.

وفي الواقع فإنَّ البُرْعُم الموجود في داخل الحبة الكاملة هو جنينها الذي يحتوي على الزيوت المُركَّزة الغذاء الضروري من أجل انشقاق الحبة وخروج البرعُم منها؛ والتي تبدأ من بعدها في استهلاك المواد النشوية الموجودة في النسيج المُغذِّي من أجل مواصلة عملية النمو والاندفاع في داخل التربة من أجل التحوّل إل نبتة حقيقية.

وعند برعمة الحبوب للاستخدام الآدمي، فإنَّ الخدعة تكمن في إيقاف عملية التبرعُم في الوقت الذي يكون فيه البرعُم ظاهر على الحبة الكاملة. ولو تُرِكَ البُرعم المُتصل بالحبة الكاملة ينمو لفترة أطول من اللازم فإنَّ هذا الأمر سيعني بأنَّ الغذاء النسيجي الموجود في المستودع النسيجي للحبة سيتم استهلاكه بُعدلات كبيرة تفقد الحبة قيمتها المرجوة منها.

وعملية التبرعُم تنتج البرعم عندما تصل الحرارة والرطوبة إلى مُعدلاتها المُناسبة، والتي تسمح من بعدها للمخزون الغذائي في الحبة للتحوُّل لغذاء بسيط كي تستهلكه الحبة المُتَبرعِمة بكل سهولة ويسر. وبمعنى مُغير، فإنَّ النشويات والفيتامينات والمعادن الموجودة في النبتة تُصبِح موجودة بشكل أكبر خلال عملية التبرعُّم.

من هنا، فإنَّ السؤال الذي يطرح نفسه بنفسه: هل الحبوب المُتَبرعِمة بها فوائد غذائية؟ حيث إنَّ الكثير من الناس تعتقد بأنَّ التبرعُّم يعني تحويل الحبوب إلى غذاء صحي، كونه يُضفي عليه المزيد من الألياف والفيتامينات والمعادن والمُركَّبات النشطة بيولوجيًا مثل مضادات الأكسدة. والحبوب المُتَبرعِمة هي أيضًا مُنخفضة السعرات الحرارية والدهون الصوديوم. فالنشويات الموجودة بها تتحوَّل إلى سُكريات بسيطة، والبروتينات إلى أحماض أمينية، والدهون إلى وحدات من الأحماض الدهنية. فهذه التحوُّلات تجعل من الغذاء سهل الهضم والامتصاص من قبل كل من النبات والإنسان.

فالبحث الذي قام به البيوكيميائي والمُتخصِّص في علوم التغذية كليف مكاي (Clive McKay) من جامعة كورنل في أربعينيات الألفية السابقة كشفت عن الكميات المدهشة في الحبوب المُتَبرعِمة من فيتامين "أ" (A) التي زادت بمُعدَّل 300 بالمئة، وفيتامين "ج" (C) الذي زاد بمُعدَّل 500 بالمئة، مقارنةً بغيرها من حبوب غير مُتَبرعِمة. ولقد وجد يانج وزملائه (Yang et al) في عام 2001م في المجلة الدولية لعلوم الغذاء والتغذية (International Journal of Food Science and Nutrition) بأنَّ مضادات الأكسدة من فيتامين "ج" (C) و"إي" (E) والبيتا-كاروتين (beta-carotene) قد زادت خلال الوقت في القمح المُتَبرعِم مُقارنةً بالقمح الجاف غير المُتَبرعِم.

وفي دراسة تم أجراؤها في عام 2012م في مجلة علم الغذاء والزراعة تم الوقوف على خُلاصة مفادها بأنَّ القمح المُتَبرعِم يحتوي على نسب أعلى من الألياف والأحماض الأمينية ومضادات الأكسدة بعد عملية تبرعُّم استمرت فقط لمدة 48 ساعة مُقارنةً بأقرانها غير المُتَبرعِمة. وفي عام 2008م، في بحث تم نشره في مجلة علم الغذاء وعلم الفيتامينات، قام الباحثون فيها بطريقة عشوائية بتخصِّيص أشخاص يعانون من عدم اتزان في مُعدلات السُّكر أثناء الصيام (أو ما يُسمَّى بالسُّكري من النوع الثاني) وجعلهم يأكلون غذاء يعتمد على الأرز البُني المُتَبرعِم، وتخصِّيص مجموع أُخرى تعتمد على الأرز الأبيض. حيث خرجت افاضتهم البحثية بالقول: بأنَّ الغذاء المُعتمد على الأرز البُني المُتَبرعِم يُساعد على تحسِّين مستويات السُكَّر والكوليسترول في الدم.

وبينما تزيد القيمة الغذائية للحبوب المُتَبرعِمة في بعض التراكيب مثل الألياف الذائبة ومُضادات الأكسدة والفيتامينات ووفرة المعادن، فإنَّها بشكل نسبي تتعادل في الجانب الأخر مع القيمة الغذائية المُستهلكة من المواد الصلبة والبروتينات والألياف غير الذائبة الموجودة في الحبوب الكاملة. فالفيتامينات (أو المُحاربين البيولوجيين الداخلين في تكسِّير الجُزيئات في عملية الهضم) قد تزداد في الحبوب المُتَبرعِمة؛ إلَّا أنَّ القيمة البيولوجية لزيادة النشاط الأنزيمية عند الإنسان ليس واضحة. وعند التبرعُّم، فإنَّ البراعم تُأكَل كاملة أو مُجفَّفة أو مطحونة. والجدل المُستَمِر هو حول السؤال القائل: هل أنَّ الاختلاف في القيم الغذائية بين الحبوب المُتَبرعِمة وتلك غير المُتَبرعِمة هو بالفعل مُفيد؟ حيث إنَّ المزيد من الدراسات مطلوبة من أجل حسم الإجابة على زوايا هذا السؤال.

وتبقى النقطة المهمة تدور في فضاء مدى أمان أكل الحبوب المُتَبرعِمة. حيث إنَّ عملية التبرعُّم وأساليب انتاجها تُعدُّ علمٌ يحتاج إلى الجودة الرقابية والنظافة. فالظروف الحرارية والرطبة المطلوبة في علمية التَبرعُّم هي أيضًا مُناسِبة لنمو الكثير من أنواع البكتيريا المُمرضة. ولو أنَّ الحبوب المُتَبرعِمة تلوثَّت ببعض هذه البكتيريا المُمرضة مثل السالمونيلا أو الإكولاي "أو157 إتش7" (E. coli O157:H7)، فإنَّ البكتيريا ستنمو بشكل سريع لمستويات غير آمنة، مِمَّا قد ينتج عنه تسمُّم غذائي. بل وأنَّ قد تم ربط الحبوب المُتَبرعِمة غير المطهية بانتشار أكثر من 40 مرض من أمراض التسمم الغذائي بين عام 1996م وعام 2016م؛ بل وأنَّ الحبوب المُتَبرعِمة غير المطبوخة مشمولة ضمن قائمة الأغذية العشرة الأكثر تسبُّبًا في أمراض التسمُّم الغذائي. ومن أجل السلامة الصحية، فإنَّ إدارة الغذاء والدواء (Food and Drug Administration) تنصح بأنْ يتم طبخ الحبوب المُتَبرعِمة بشكل جيد تحت درجة حرارة لا تقل عن 58 درجة مئوية قبل الأكل. بل وأنَّه يجب أنْ لا يتم تقدِّيم الحبوب المُتَبرعِمة نية للأشخاص غير مُكتملي المناعة مثل الأطفال والنساء الحوامل والكبار في السن أو الذين يعانون من أمراض في الوظائف المناعية. وعلى كل حال (وهي النقطة الثانية المُرتَبِطة بجانب السلامة الصحية)، فإنَّه سواء تم انتاج الحبوب المُتَبرعِمة في البيوت أو في تم شراؤها من الأسواق، فإنَّه يجب أنْ تُحفَظ أيضًا في الثلاجة.
------------------------------------
المراجع

0 comments:

Post a Comment