Wednesday, 25 December 2019
December 25, 2019

ماذا قالت ناسا وبقية المؤسسات الفلكية التخصصية في شأن النظر لكسوف الشمس دون أنْ تتضرَّر العينين؟


يقول المتحدث باسم الجمعية الفلكية الأمريكية (AAS) ريك فينبيرغ (Rick Fienerg)، كما جاء على موقع (space.com): بأنَّ الوسيلة الآمنة للنظر للشمس وقت الكسوف (الخارج عن نطاق انحجاب كامل قرص الشمس، كما ستوضِّحه السطور القادمة) يتم من خلال النظَّارات الخاصة التي تتعدد أسمائها في اللغة الإنجليزية ومنها: (solar-viewing glasses) أو (eclipse glasses) أو (personal solar filters). وهي نظَّارات بها فلاتر سوداء خاصة صُنِعتْ لغرض رؤية كسوف الشمس وما شابهها من مناسبات، حيث تصل عتمة هذه الفلاتر إلى مئات ألاف أضعاف عتمة النظَّارات الشمسية العادية (ويتم بيعها بأسعار معقولة لعوام الناس)، الأمر الذي يجعل الرؤية من خلالها مقتصرة فقط على قرص الشمس.

ويؤكد فينبيرغ وكذلك ناسا (NASA) وبقية أقسام الآمن والسلامة في الجمعيات الفلكية: بأنَّه عند استعمال مثل هذه النظَّارات، فإنَّه لا بُدَّ من مطابقتها للمواصفات العالمية (ISO 11312-2)، وذلك لأنَّ بعض الفلاتر القديمة لا تتوافق مع هذه المعايير. ولقد جاء التأكِّيد أيضًا على أنَّ الفلاتر المصنوعة في المنازل أو النظَّارات الشمسية العادية - حتى لو كانت داكنة اللون - ليست آمنة في جميع أحوالها. ويقول فينبيرغ بأنَّ بعض الشركات تصنع فلاتر إطاراتها بلاستيكية بدلًا من أنْ تكون ورقية تقليدية، الأمر الذي يجعلها تظهر بهيئة النظَّارات الشمسية (دون أنْ يؤثر هذا على جودتها)؛ وأنَّه بالإمكان وضع هذه الفلاتر على بعض الأجهزة التلسكوبية الاحترافية أو الكاميرات الخاصة من أجل هذا الغرض.

على العموم، فإنَّ هذه التوصيات تشمل حركة الكسوف على اختلاف أنواعه (الكسوف الجزئي والكسوف الحلقي وغالب حالات الكسوف الكلي)، ولا تشمل فترة الانحجاب الكلي لقرص الشمس (totality) وغياب كامل إضاءتها - بسبب مرور القمر على الخط الممتد بينها وبين الأرض وتغطيته قرصها على نحو كامل - المشمول ضمن مراحل الكسوف الكلي فقط، وذلك لأنَّه أثناء الغياب الكامل لقرص الشمس وانعدام كامل أشعتها (في حال فرضنا بأنَّنا أمام ظاهرة الكسوف الكلي)، عندها يصبح النظر للكسوف بالعين المُجرَّدة آمنًا (أنظر الصورة أدناه لأنواع الكسوف بدءً من اليمين: الكسوف الحلقي، ومن ثَمَّ الكسوف الجزئي، وفي أقص اليسار الكسوف الكامل).


وفترة وقوع قرص القمر على قرص الشمس (سواء كان الكسوف كلي أو حلقي) تتأرجَّح في حدود الدقيقتين تقريبًا (تطول أو تقصر، ويحددها موقع الشخص من مركز الكسوف والمنطقة الجغرافية التي يتواجد فيها). فكلما أصبح الشخص على حواف منطقة الكسوف قلت هذه الفترة، والعكس صحيح. ففي حالة الكسوف الكلي خصوصًا، تبدأ الفترة من وقت اختفاء أخر خرزة ضوئية من الخرز الضوئية التي يُطلَق عليها بخرز بيلي (Baily’s beads)، نسبةً لعالم الفلك البريطاني الذي اكتشفها، فرانسيس بيلي (وهي خرز ضوئية  يتراوح عددها من ثلاث إلى ثمان خرزات، كما تُبيِّن الصورة أدناه).


وعند تواجد الخرزة الضوئية الأخيرة من هذه الخرز (في حال الكسوف الكلي)، فإنَّ إضاءتها قد تظهر حينها بشكل مُلفت كما تُضيئ الماسة، وعندها تُشكِّل منطقة التاج الأحمر أو الإكليل الأحمر (red corona) في الشمس وهج دائري من الضوء، مِمَّا يجعل كامل المشهد يظهر مثل الخاتم المُرصَّع بجوهرة ماسية (diamond ring)، كما توضِّح صورة أدناه، وهي مرحلة يعمد لرصدها الكثير من الفلكيين والكثير من متابعين علوم الفلك.


فلو تم النظر لقرص الشمس أثناء اختفاء كامل الخرز الضوئية، فلن يتضرَّر نظره (بحسب ما أكَّدت عليه ناسا على موقعها وبقية الجمعيات الفلكية الرسمية). حيث عندها تدخل المنطقة التي يُغطِّيها الكسوف في المرحلة الظلماء (بسبب غياب الشمس والقمر في آن واحد)، وهذا الظلام هو العلامة الثانية من علامات الدخول في فترة الغياب الكامل لقرص الشمس ومواصلة الفترة الأمنة عند حدوث الكسوف الكلي، وهو ما لا ينطبق مع الكسوف الحلقي الذي يبقى فيه وهج الشمس موجودًا ويبقيها كحلقة مُضيئة تُحيط بقرص القمر (كما بيَّنت الصورة أعلاه وكذلك صورة المقال الرئيسة). إلَّا إنَّه قبل الخروج من هذه الفترة (كما تفيد تقارير هذه المؤسسات الفلكية) وبداية ظهور الخرز الضوئية مرةً أُخرى في الجهة المُعاكِسة لظهورها في البداية الأولى (كما توضِّح الصورة أدناه) في حال الكسوف الكلي، فإنَّ فترة الأمان تنتهي ويتطلب الأمر لبس النظَّارات ذات الفلاتر الخاصة مرةً ثانيةً حتى تنتهي حالة الكسوف (من أجل توخِّي الحذر). وقد يتعذَّر في بعض حالات الكسوف الكلي رؤية هذه الخرز الضوئية.


وعليه، فإنَّه في حالة الكسوف الحلقي (الذي سيتصف به كسوف غدًا الخميس الموافق 26 كانون الأول 2019م)، يتوجَّب الأمر لبس النظَّارات الخاصة الحامية على مدار حالة الكسوف (من أجل توخي كامل الحذر) في حال أراد الشخص أنْ يتابع الكسوف بشكل مباشر كي لا تُصاب عيناه بالأذى الناتج عن إشعاعات وهج الشمس المُباشرة.

وتؤكِّد الجمعية الفلكية الأمريكية على لسان فينبيرغ بأنَّ الفترة التي تُعتبَر فعلًا وحقًا غير أمنة والقادرة على التسبب في العمى البصري للإنسان بصورة مباشرة (عند الكسوف الكلي) هي فترة تستمر لمدة ثانية تقريبًا (تطول أو تقصر بشكل نسبي). ومن هنا نفهم الإجابة على تساؤلات - الاعتراضية - حول طبيعة الأسباب التي لا تجعل غالب الناس يصابون بالعمى أو الأذى الحقيقي عند متابعتهم لبعض هذه الظواهر الفلكيةّ!

إلا إنَّه مع العلم بكل هذا، يأتي النصح دائمًا من قبل المؤسسات الفلكية والصحية بضرورة الالتزام بهذه التوصيات، وذلك لأنَّ انكسار إشعاعات الشمس خارج نطاق الغياب الكلي لقرص الشمس (على اختلاف أنواع الكسوف) يكون في عمومه مُركّزًا وحادًا، وقد يصدر عنه ضرر مُفاجئ للعين، سيما لغير المحترفين في هذا المجال الذين قد تغيب عن أذهانهم حسابات الزوايا والفترات الفعلية لانكسار الضوء عند حدوث الكسوف وتوهج أشعة الشمس، (أنظر الصورة أدناه المنقولة من موقع ناسا التي تصف فترة أمان النظر للكسوف الكامل فقط، وليس الحلقي الذي لا تُوجَد به فترة أمان).


وللتأكِّيد، فإنَّ ما جاء في هذه السطور قد ارتكز على تقارير الجمعية الفلكية الأمريكية وناسا وبقية المؤسسات التخصصية في علوم الفلك التي حملت نصوصًا توصيفية دقيقة لفترة الأمان أثناء حدوث الكسوف. بل وأؤكِّد أيضًا على أنَّ تداخل محاور هذا الموضوع الفلكي مع محاور الطب والطبابة وكثرة التساؤلات حوله كان دافعًا لنا كي نُسلِّط الضوء عليه، على الأقل من هذه الزاوية الصحية المهمة لغالب الناس.

0 comments:

Post a Comment