في دراسة واسعة (Meta-analysis) لـ 11 بحث تم أجرؤاها على 1369 شخصًا، أوضحت نتائجها بأنَّ الأنظمة الغذائية متدنية الكربوهيدرات تنزل الوزن لكنَّها ترفع مستويات الـ (LDL) أو ما يُسمَّى بالكوليسترول السيء [1]. بل إنَّ عموم المتخصصين في الدوائر الصحية يؤكِّدون على أنَّ النظام الذي يتضمَّن غذاءً مرتفع الدهون الحيوانية (مثل نظام الكيتو) يتسبب عادةً في رفع مستويات الكوليسترول بسبب ارتفاع الدهون المشبعة في وجباته التي تتداخل مع عمل الكبد فتحفّزها على انتاج كميات أكبر من الكوليسترول (وهو أمر واضح لجميع المتخصِّصين في الدوائر الطبية ولا يحتاج للمزيد من الشرح).
ومع العلم بأنَّ فقد الوزن في حال كان الشخص يعاني من بعض الأمراض يُعدُّ عمومًا مفيد، إلَّا إنَّ استبدال الكربوهيدرات بالدهون المشبعة عبر برنامج مُقيَّد كالكيتو قد يتسبب في الإضرار بصحة الفرد (طالع تحقيقنا السابق). فبعض الدهون ترفع الكوليسترول، وهو الأمر الذي يرتبط بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب [7].
فإحدى الدراسات وجدت بأنَّ الحميات التي تتضمَّن كربوهيدرات مرتفعة أو منخفضة بها أعلى معدلات وفاة [8]. وهذا يعني بأنَّ الحصول على الكربوهيدرات الطبيعية بمعدلات متوسطة هو الحل المثالي لصحة جيدة.
وفي العام الماضي، عُرِضت دراسة في مؤتمر الجمعية الأوروبية للقلب (European Society of Cardiology Congress) في ألمانيا - تم أجراؤها على 25 ألف شخصًا - أوضحت بأنَّ الأشخاص الذين ينتهجون في وجباتهم أنظمة غذائية مُتدنِّية الكربوهيدرات معرّضون (بمعدلات عالية مقارنةً بغيرهم) لخطر: الموت بسبب السرطان، والإصابة بأمراض الأوعية الدموية والقلب، بل وكذلك لخطر الإصابة بأمراض مزمنة أو مستعصية تنهك البدن [9].
وفي دراسة أُخرى، تم نشرها أيضًا في عام 2018م في مجلة اللانست (the Lancet)، بيَّنت نتائجها بأنَّ الأشخاص الذين يتبعون أنظمة غذائية مُتدنِّية الكربوهيدرات ومرتفعة في كمية لحوم الحيوانات (أي المتطابقة مع نظام الكيتو) معرّضون لخطر الموت المُبِّكر مقارنةً بأولئك الذين يستهلكون كميات متوسطة من الكربوهيدرات [10]. ومع العلم بكل هذا، فإنَّ العكس كان صحيحًا بالنسبة للأشخاص الذين كانوا يتبعون أنظمة غذائية مُتدنِّية الكربوهيدرات ولكنَّهم يفضلون البروتينات النباتية على الحيوانية.
وكما يبدو، فإنَّ حمية الكيتو تستقطب الذين يعانون من السكر، لأنَّها تؤثِّر على مستويات الإنسولين وعلى إنزال الوزن. فالإنسولين يُفرَز عند تناول الكربوهيدرات، ولهذا فإنَّ تقلِّيل الكربوهيدرات يُقلِّل الحاجة للإنسولين. وعليه تدور بعض الدراسات حول رحى مقدرة هذه البرامج على تحسِّين حساسية الإنسولين [3] [4].
إلَّا أنَّه لا بُدَّ أنْ نذكر أيضًا في هذا المقام: إنَّه في حال كنت تشتكي من السكر من النوع الثاني (type 2 diabetes)، فيجب عليك حينها الابتعاد عن هذا النظام الغذائي حتى تحصل على الإذن من طبيبك المُطّلع والمُشرِف على حالتك الصحية. والسبب في هذا يرجع إلى أنَّ الناس الذين يشتكون من السكر قد تتوَّلد لديهم – بسبب الكيتونية (ketosis) – مشكلة صحية خطيرة تُسمَّى بِـ حامضية الكيتون (ketoacidosis)، وهو أمر يظهر عندما يُخزِّن الجسم الكثير من الكيتونات (وهي عبارة عن أحماض تنتج من حرق الدهون)، حيث يُصبِح الدم عندها حامضيًا، الأمر الذي يُمكِّنه من التسبب في الكثير من الأذى للكبد والكليتين والدماغ. وفي حال تُرِكتْ هذه المشكلة الصحية بدون علاج فإنَّ النتائج قد تكون مُهدِّدة للحياة.
ولا يقتصر الأمر على مرضى السكر، بل إنَّه قد تم تسجِّيل حالات تشتكي من حامضية الكيتون (ketoacidosis) أيضًا في أشخاص لا تعاني من السكر من الذين كانوا يتبعون نظام الكيتو، علمًا بأنَّ هذا الأمر نسبيًا قليل الحدوث [5].
وتتضمّن أعراض حامضية الكيتون (ketoacidosis): جفاف الفم، وكثرة التبّول، والغثيان، والنفس الكريه، وصعوبة في التنفس. وفي حال كنت تُعاني من هذه الأعراض أثناء اتباعك لنظام الكيتو فلا بُدَّ حينها من استشارة طبيبك مباشرةً.
وفي الجانب الأخر، لا بُدَّ أنْ نلتفت أيضًا إلى أنَّ هناك مخاطر تتعلق بموضوع تغيير الطريقة الأيضية التي تقوم بها أجسامنا عند إنتاج الطاقة. فالغذاء الغني بالكربوهيدرات المكررة الصناعية يرتبط بعدم التوازن الغذائي التي تشمل مرض الكبد الدهنية (NAFLD) الذي يُصاحب مرض السكر من النوع الثاني والسمنة [6]، ولكنَّ نتائج دراسات أخرى أيضًا تُبيِّن أنَّ النظام الغذائي الكيتوني في حد ذاته يزيد من مخاطر الإصابة بالسكر أيضًا [11].
وعلى هذا الأساس، يُسمِّيه بعضهم بِـ "كابوس أطباء القلب" (cardiologist’s nightmare)، كما تُفيد بذلك آمندا ماكميلان (Amanda MacMillan) في تقريرها على موقع الصحة (Health) المنشور في التاسع والعشرين من آب عام 2018م.
ومع العلم بأنَّ حمية الكيتو صيحة جديدة في عالم خسارة الوزن عرفتها فئة الشباب في السنوات الأخيرة، إلَّا أنَّ الأنظمة الكيتوجينية (ketogenic) - بالإضافة للأدوية - قدَّمت نتائج ملموسة في خفض نوبات الصرع عند الأطفال من قبل ذلك. ففي إحدى الدراسات انخفاض معدل نوبات الصرع في 38% من الأطفال بحدود النصف [2]. وهنا يجب أنْ ننتبه إلى أنَّ هؤلاء الأطفال كانوا تحت إشراف أطبائهم والقائمين على تغذيتهم من الإكلينيكيين بشكل مباشر (فلاحظ هذه العبارة جيدًا).
ولكن السؤال الواجب طرحه - في الجهة المعاكسة - هو عن وجود دراسات بعيدة المدى تقول بأنَّه نظام صحي وأمن وينصح به على وجه العموم للأصحاء (بعيدًا عن محورية إنزاله للوزن)!؟ هل هي موجودة!؟ وهو السؤال المنطقي الواجب طرحه (ونحن هنا لا نتحدث عن تجارب خاصة وكتب لأشخاص يعملون في هذا المجال، أو عما تمت الإشارة له من محور علاجي استهدف بعض الأمراض كالصرع، بل عن دراسات محكمة في مجلات علمية طبية وتحمل توجيهاتها للجميع باستخدامه كما جاء في هذا التحقِّيق). ومن ثم سنسأل عن طبيعتها في قبال المتوفِّر حاليًا من دراسات قائمة!؟ وهل ما يتم استعراضه حاليًا من دراسات حول موضوع أضراره الصحية سيكون ملغيًا!؟
وبحسب اطلاعنا وبحثنا، فإنَّه لا تُوجَد دراسات بعيدة المدى (من النوع المذكور في الفقرة السابقة) عليه!؟ ويجب الانتباه للعبارة بثقلها البحثي، أي عبارة "درسات محكمة بعيدة المدى" تقول بأنَّه نظام أمن ويُنصَح به للجميع! وإذا كان هناك أمر من هذا النوع فلنناقشه سويًا بصدور رحبة ونفوس هادئة، فالحوار العلمي مدخل لبيت الحقيقة.
وبالمناسبة، فإنَّ عملية إنزال الوزن عبر مثل هذه البرامج المتدنية الكربوهيدرات قد تكون عملية قصيرة المدى، وذلك لأنَّ الأنظمة التي تدور في هذا الفلك - كحمية الكيتو (keto) - من الصعب الاستمرار عليها لمدد طويلة. وهذا الأمر مُماثل تمامًا لأي نظام غذائي قصير المدى، حيث إنَّ من يسلكون مثل هذه البرامج سرعان ما يكسبون أوزانهم مرةً ثانيةً بعد التوقُّف عنها، وذلك لأنَّهم يعودن إلى ما كانوا عليه في السابق من عادات غذائية. وعلى العكس تمامًا، فإنَّ تغيير نمط الحياة والتوقٌّف عن العادات الغذائية غير الصحية والبدء في البرامج الصحية الموزونة التي يستطيع الشخص القيام بها والمدعومة بالرياضة هو الأمر الواجب سلكه من أجل إنزال الوزن، لأنَّ نتائجها تمتاز بالاستقرار والثبات.
وبالمناسبة، فإنَّ عملية إنزال الوزن عبر مثل هذه البرامج المتدنية الكربوهيدرات قد تكون عملية قصيرة المدى، وذلك لأنَّ الأنظمة التي تدور في هذا الفلك - كحمية الكيتو (keto) - من الصعب الاستمرار عليها لمدد طويلة. وهذا الأمر مُماثل تمامًا لأي نظام غذائي قصير المدى، حيث إنَّ من يسلكون مثل هذه البرامج سرعان ما يكسبون أوزانهم مرةً ثانيةً بعد التوقُّف عنها، وذلك لأنَّهم يعودن إلى ما كانوا عليه في السابق من عادات غذائية. وعلى العكس تمامًا، فإنَّ تغيير نمط الحياة والتوقٌّف عن العادات الغذائية غير الصحية والبدء في البرامج الصحية الموزونة التي يستطيع الشخص القيام بها والمدعومة بالرياضة هو الأمر الواجب سلكه من أجل إنزال الوزن، لأنَّ نتائجها تمتاز بالاستقرار والثبات.
والخُلاصة هي أنَّه عندما يكون فقدان الوزن بشكل سريع أمر مشجع، فإنَّه من المهم أنْ نأخذ بعين الاعتبار كل من الفوائد الصحية والمخاطر المحتملة لأي حمية. ومن هنا، فإنَّ النجاح الطويل المدى على جميع المستويات سيكون موجود في الحمية المتوازنة صحيًا والمحتوية على المجموعات الغذائية المتنوعة بطريقة ممنهجة، والتي تقل فيها مستويات الكربوهيدرات الصناعية المكررة والأغذية المعلبة بعد استبدالهم بالفواكه الطازجة والخضراوات والبروتينات المتنوعة الخالصة، والتي يتم تعزيزها بالتمارين الرياضية.
----------------------------------------------------------------------------------
[1] Mansoor N, Vinknes KJ, Veierød MB, Retterstøl K. Effects of low-carbohydrate diets v. low-fat diets on body weight and cardiovascular risk factors: a meta-analysis of randomised controlled trials. The british journal of nutrition. 2016;115(3):466-479. doi:10.1017/S0007114515004699
[2] Neal EG, Chaffe H, Schwartz RH, et al. The ketogenic diet for the treatment of childhood epilepsy: a randomised controlled trial. The lancet neurology. 2008;7(6):500-506. doi:10.1016/S1474-4422(08)70092-9
[3] Brinkworth GD, Wycherley TP, Noakes M, Buckley JD, Clifton PM. Long-term effects of a very-low-carbohydrate weight-loss diet and an isocaloric low-fat diet on bone health in obese adults. Nutrition. 2016;32(9):1033-1036. doi:10.1016/j.nut.2016.03.003
[4] Eric C Westman, William S Yancy, John C Mavropoulos, Megan Marquart, Jennifer R McDuffie. The effect of a low-carbohydrate, ketogenic diet versus a low-glycemic index diet on glycemic control in type 2 diabetes mellitus. Nutrition & metabolism. 2008;5:36-36. doi:10.1186/1743-7075-5-36.
[5] Louise von Geijer and Magnus Ekelun. Ketoacidosis associated with low-carbohydrate diet in a non-diabetic lactating woman: a case report. J Med Case Rep. 2015; 9: 224. Published online 2015 Oct 1. doi: 10.1186/s13256-015-0709-2
[6] Asrih M, Jornayvaz FR. Diets and nonalcoholic fatty liver disease: the good and the bad. Clinical nutrition. 2014;33(2):186-190. doi:10.1016/j.clnu.2013.11.003
[7] Peters SAE, Singhateh Y, Mackay D, Huxley RR, Woodward M. Total cholesterol as a risk factor for coronary heart disease and stroke in women compared with men: a systematic review and meta-analysis. Atherosclerosis. 2016;248:123-131. doi:10.1016/j.atherosclerosis.2016.03.016
[8] Seidelmann SB, Claggett B, Cheng S, et al. Dietary carbohydrate intake and mortality: a prospective cohort study and meta-analysis. The lancet public health. 2018;3(9):428. doi:10.1016/S2468-2667(18)30135-X
[9] Caution against cutting down on carbohydrates. European Society of Cardiology(ESC) Congress News 2018 - Munich, Germany. 28 Aug 2018
[10] Sara B Seidelmann, Brian Claggett, Susan Cheng, Mir Henglin, Amil Shah, Lyn M Steffen, et al. Dietary carbohydrate intake and mortality: a prospective cohort study and meta-analysis. The Lancet. VOLUME 3, ISSUE 9, PE419-E428, SEPTEMBER 01, 2018 DOI:https://doi.org/10.1016/S2468-2667(18)30135-X
[11] Ketogenic diets may lead to an increased risk of type 2 diabetes. THE PHYSIOLOGICAL SOCIETY. PUBLIC RELEASE: 8-AUG-2018
----------------------------------------------------------------------------------
مواضيع ذو صلة: -
- الكيتو دايت.. آثاره الجانبية المزعجة بمنظور صحي دقيق
0 comments:
Post a Comment