في الجزء السابق بنينا سويًا قاعدة معلوماتية مبدئية تؤسس لفهم طبيعة النمو السرطاني وميكانيكيته في جسم الأنسان. ونستطيع أن نقول- ايضًا- بأن ما ناقشناه في ذلك الجزء تضمن معلومات علمية عامة لكنها مهمة. ولا أخفي عليك- عزيزي القارئ- خصوصًا بعد نشري لهذا الجزء (أرقام أولية)، والذي أعده جزءًا ثانيًا، بأني قد قفزت على الأجزاء التتابعية الداعمة للجزء السابق والتي كان من المفترض أن تنشر أولًا، غير أني رأيت أن نسلط الضوء مبدئيًا- وفي قراءة سريعة- على بعض من الإحصاءات من أجل توضيح الصورة والتأكيد على أهمية الموضوع، حتى نتمكن من رؤية- ولو بشكل سريع ودون الدخول في التفاصيل، كونها مقدمة كشفية لبعض الإحصاءات ذات العلاقة- معدل الإصابة في المملكة العربية السعودية بصورة عامة. أما بخصوص الأجزاء الداعمة للمقدمة التي بدأنا بها في الجزء الأول فسيتم نشرها في المستقبل القريب وفي الموقع المناسب من هذه السلسلة من التحقيق.
وفيما يتعلق بالحديث عن إحصاءات المناطق في السعودية، واختلاف التوزيع المرضي لبعض الأنواع السرطانية فيها، فسوف يكون في أجزاء خاصة، والتي فيها سيتم نقاش ارقام بيانية محددة ومرتبطة بكل منطقة بعينها، وعلاقة تلك الأرقام بجغرافية كل منطقة، والأسباب المحتملة لارتفاع تلك النسب الرقمية فيها، وما شابه من معلومات مهمة في هذا الشأن وبما هو- ايضًا- متوفر لنا من بيانات في هذا الموضوع.
في بداية الأمر، يجب التأكيد على أن الإحصاءات والأرقام المنشورة رسمياً في مركز السجل الوطني للأورام التابع لوزارة الصحة والموجود بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض (والتي تم توثيقُها لدى السجل الوطني للأورام التابع لمنظمة الصحة العالمية، والتي تُعد أرقام عامة ومتوفرة على مواقع المنظمات والمؤسسات الصحية العالمية، وليست أرقام خاصة وسرية، غير أنها تحتاج لتحليل وتجميع بحثي خاص) توضح أن معدل نسبة الإصابة بالسرطان- على اختلاف أنواعه- في المملكة العربية السعودية يُقدر بثمانين (80) إصابة لكل مئة ألف (100,000) شخص (وقد يزيد أو ينقص هذا التقدير قليلًا، إذا ما أخذنا في الحسبان عامل الخطأ، والذي لا يُغير من القضية شيئا)، بل ويكاد هذا المعدل أن يكون- بشكل عام- متساوي بين كل من الذكور والإناث، هذا في حال نظرنا للمرض ككتلة واحدة وبجميع أنواعه.
وبما لا شكك فيه، فإنه وعند تحليل القراءة الإحصائية لمعدل الإصابة بكل نوع من تلك الأنواع السرطانية المختلفة- كل على حِدَةٍ - سنلاحظ التفاوت النسبي في معدل حالات الإصابة بين كل من الجنسين، بل وسنلاحظ التأرجح في نسب معدل الإصابة بينهما وحسب التوزيع الجغرافي لمناطق المملكة العربية السعودية.
وفي لمحة سريعة وتمهيدية، فإن آخر إحصائية- مأخوذة لعام 2009م- تشير إلى وجود أكثر من 5200 حالة سرطان (على اختلاف أنواعه) في المملكة. ولقد جاء سرطان القولون وسرطان الغدد اللمفاوية (خصوصًا عند الرجال)، وسرطان الثدي (عند النساء) في أعلى قائمة الأمراض السرطانية، والتي تُعد الأكثر انتشارًا في المملكة العربية السعودية عند مقارنتها ببقية الأنواع السرطانية، علمًا بأن هناك أنواع أخرى لا نلغي أهميتها ولكننا هنا نتحدث بلغة الأرقام فقط.
وبالاعتماد على تقارير اللجنة العلمية للسجل السعودي للأورام التابع لمستشفى الملك فيص التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض، سنرى بأن المعايير الرقمية توضح بأن هناك ارتفاعًا واضحًا في الأمراض السرطانية (يتزايد عامًا بعد عام، وهو ما سنناقشه في الأجزاء القادمة عندما نسلط الضوء على فترات زمنية معينة، كأمثلة)، بل وأن كل المؤشرات الرقمية الداعمة تأكد- أيضًا- على أن هذا الارتفاع في حالة تصاعد بشكل يظهر على أنه خطير جدًا.
الأرقام في حالة تصاعد ملحوظ، كما تُشير له البيانات الموثقة في هذا المجال. |
بل ويُلاحظ- ايضًا- بأن هذا الارتفاع الملحوظ في نسبة الإصابة بهذه الأمراض في المملكة العربية السعودية سيجعلها تتربع على قائمة الدول الأكثر إصابة في الخليج (في حال أستمر معدل الارتفاع بنفس الوتيرة)، خصوصًا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن السعودية تُعد نسبيًا (في وقتنا الحالي) من أقل الدول الخليجية نسبةً في معدلات الإصابة بالأمراض السرطانية، حينما نتحدث بلغة الأرقام أيضًا.
نقطة توضيحية على هامش الشرح: فعلى سبيل المثال لا الحصر، عند مقارنة نسبة الإصابة في السعودية بنسبة الإصابة في البحرين والتي تعد من أعلى دول الخليج إصابة بالسرطان، سنلاحظ إن نسبة الإصابات السرطانية في البحرين تصل إلى مئة وستين (160) شخص لكل مائة ألف (100,000)، وهو ما يُعد في علوم الإحصاء ضعف العدد المسجل في السعودية، والذي ذكرناه في السطور العلوية.
وتُعد المملكة العربية السعودية أقل نسبيًا- أيضًا- حتى من أمريكا في عدد (أو نسب) الإصابات بالسرطان بشكل عام، ولكن عند الدخول في التفاصيل سنلاحظ أن هناك ارتفاع في معدلات أنواع مُعينة من أنواع السرطان، في السعودية مقارنة بأمريكا، ولدى فئات عمرية مُعينة. فعلى سبيل المثال، تُقدر نسبة الإصابات بسرطان القولون لمن هم دون الـ 40 سنة في السعودية بما يُقارب 12,5% (كمثال، قد نقيس عليه في توصيف المرض بصورته الكلية، ولا نستطيع تعميمه على بقية الأنواع)، بينما لا تتجاوز النسبة، في هذا النوع، في أمريكا حاجز الـ 7%. ومع العلم بكل ذلك، فإننا إذا ما نظرنا إلى النسبة في كل الأعمار، فإننا سنلاحظ بأن نسبة الإصابة في أمريكا تُعد أكبر من السعودية.
وبالنظر للتوزيع الجغرافي لتلك الأمراض الخبيثة، فإن المنطقة الشرقية ستأتي في المرتبة الأولى (وسوف نناقش هذا الأمر في أجزاء قادمة بمشيئة الله تعالى)، حيث تُعد الأكثر ارتفاعا بين مناطق المملكة في نسب الإصابة ببعض الأنواع السرطانية، خصوصًا سرطان الثدي وسرطان الرئة.
ولا يخفى علينا ما كشفه مستشفى الملك فهد التخصصي في مؤتمره الذي عُقد بالمنطقة الشرقية في عام 2012م، والذي كان تحت عنوان "المؤتمر العالمي لأحدث المستجدات والتوصيات من أبحاث الجمعية الأمريكية للأورام"، حينما أكدت توصياته على أن هناك زيادة مطردة وملحوظة في الأورام السرطانية الخبيثة في المنطقة الشرقية (وهو ما يُعزز الإشارة التي وضعناها أعلاه، أو تلك التي لمحنا لها في الجزء السابق أيضًا). ولو ركزنا على البيانات التي تم استعراضها في نفس المؤتمر، فسنلاحظ بأنها بيانات تكشف عن أن نسبة الزيادة في عدد الحالات السرطانية المكتشفة في نفس المستشفى (والذي يُعد مستشفى مرجعي لهذه الأمراض بالمنطقة الشرقية) وصلت إلى 18%، وهو ما تم تسجيله في العام الذي أُقيم فيه المؤتمر (2012م). ولقد تم توثيق عدد المرضى المصابين بالأمراض السرطانية المختلفة المسجلة في ذلك العام في نفس المستشفى بنحو 1300 مريض، بينما سجل العام 2011م عدد حالات مرضية قُدرت بحدود 1100 حالة إصابة، فيما سجل العام 2010 حالات مرضية قُدرت بحدود 1000 حالة إصابة. وعليه، فإننا لو وضعنا نسبة زيادة سنوية خلال تلك الفترة- كمثال فقط- والتي امتدت من العام 2010 إلى وقت الخروج بالتوصيات والتصريح بمعدل الإصابات (أي العام 2012م)، فسنلاحظ بأنها كانت بمعدل 10% كنسبة ارتفاع بين العام 2010م والعام 2011م، فيما قُدرت نسبة الإرتفاع للفترة بين 2011م و2012م بحدود 11،8%. وما هذا إلا مثال فقط على حجم الزيادة السنوية والتي قد تتفاقم فيما بعد، خصوصًا وأنها زيادة مطردة (وإن كانت تدريجية)، لكنها تلوح لنا بخطورة الوضع في السنوات القادمة في حال استمر تصاعدها.
ولو رجعنا لسنوات مضت، وراجعنا بياناتها لفهم طبيعة هذا المسار التصاعدي، وتتبعنا بتمحيصِ وتدقيقِ شديدين طبيعة الأرقام المنشورة حينها، فإننا سنلاحظ بأن الأرقام والإحصاءات التي أتت من السجل الوطني للأورام (في ذلك الوقت) أكدت على تزايد حالات السرطان في المملكة العربية السعودية، حيث كانت تحمل بين طياتها تحذيرات خفية لما قد يؤول له الوضع في أيامنا هذه (ولقد فهم خباياها، في تلك الفترة، من حللها بطريقة منطقية)، وهو ما بدأنا نراه- بالفعل- خلال هذه الفترة. فلو بدأنا من العام 2001م (كانطلاقة مرحلية توضيحية لمسار هذا الارتفاع، وهو مثال زمني توضيحي فقط)، سنلاحظ بأن تزايد الحالات الجديدة قارب ما نسبته 3% سنويًا، خلال تلك الحقبة الزمنية. ولو واصلنا عملية التحليل الرقمية- من بعدها- عن طريق وضع فواصل زمنية، فإن المرحلة الثانية ستكون بين عام 2001م وعام 2002م، حيث بدأت النسبة- خلال هذه الفترة- تزداد في ارتفاع منسوبها السنوي إلى ما يُعادل 6% (وهو الضعف مقارنةً بالمرحلة التي قبلها في الترتيب). أما الفاصلة الزمنية الثالثة فقد بدأت في الظهور بين عامي 2002م و2003م، حينما رأينا فيها النسبة المئوية تظهر ببشاعة مخيفة وبارتفاع وصل في نسبته إلى ما يُعادل 11.6% (وهو أيضًا ضعف المرحلة التي كانت قبلها مباشرةً).
يجدر بنا أن ننبه مرة أخرى- وقبل إنهائنا لهذا الجزء والذي تضمن أرقامًا أولية ولم نتعرض فيها لأي تفصيل إحصائي- بأننا قد نكون قفزنا وتركنا موضوعات تمهيدية أخرى تدعم المعلومات العلمية الطبية المتعلقة بالجزء الأول، إلا أن أهمية التأكيد على بعض البيانات (وكما بدأت أنت، عزيزي القارئ، تكشف بنفسك بشاعة الصورة، ومن خلال ما أشرنا له أعلاه) هي التي جعلتنا نبدأ بهذه الإحصاءات التمهيدية، والتي أعدها مجرد مقدمة لأجزاء بيانية أخرى ستسلط الضوء على أمراض سرطانية بعينها.
لابد من مواجهة الحقيقة وتحديها ومحاولة التغلب عليها. |
انتظرني- عزيزي القارئ- في الجزء القادم والذي سنناقش فيه زاوية أخرى من زوايا هذا التحقيق، "الأورام السرطانية: التنشؤات الخفية"، مستثمرين بعض الأدوات البحثية التحليلية والتي بها سنرسم صورة توضيحية لما نحن بصدده من شروح.
وحتى نلتقي في القريب العاجل، دعائي للمرضى بالشفاء العاجل وللأصحاء بدوام الصحة والعافية،،،
0 comments:
Post a Comment