في هذا الجزء سنعدد مبدئيًا بعض العوامل الخارجية، والتي قد تؤدي لخلل في انقسام الخلايا، وبالتالي حدوث ما يُسمى بالأورام السرطانية. ويجب التأكيد على أن العوامل المُتعلقة بنشؤ الأورام السرطانية ترتبط في الأساس بطبيعة الأنسجة التي تعرضت لها في جسم الأنسان.
ولو أردنا إعطاء أمثلة لبعض هذه العوامل وربطها بأماكن نشؤ الأورام السرطانية (كأمثلة تمهيدية)، سنذكر منها التالي: -
- تُصاحب بعض الإصابات الميكروبية (وهي تحت مُسمى العوامل البيولوجية)، في مراحلها المُتقدمة نشؤ أورام سرطانية؛ ومن أمثلتها: الفيروسات التي تُسبب التهاب الكبد، والتي منها فيروس "ب" و"ج"، والتي ترتبط لحد ما بسرطان الكبد؛ والفيروسات المُسببة لالتهابات عنق الرحم والتي تُسمى بالـ "بابلوما" وإرتباطها شبه المباشر بسرطان عنق الرحم؛ وغيرها من عوامل بيولوجية تتداخل مع جينات خلية الأنسان النسيجية (وهو ما لمحنا له في أجزاء سابقة).
- ويُصاحب التعرض المُكثف لبعض العوامل الفيزيائية، في العادة، كالتعرض للإشعاعات الضارة نشؤ سرطانات مُختلفة ومُتعددة، ومن ضمنها سرطان الجلد و"اللوكيميا".
- وتُصاحب بعض السلوكيات الضارة: كالتدخين- كمثال أولي- نشؤ سرطان الرئة؛ كما يُصاحب شرب الكحول- كمثال ثاني- سرطان الكبد.
- وتُصاحب بعض العوامل الكيميائية المسرطنة مثل الـ "إسبستوس" المستخدم في مجال البناء وتسقيف المنازل والعوازل الداخلية والخارجية وأنابيب صرف المياه والأدخنة والتهوية، نشؤ بعض الأمراض السرطانية، ومن أمثلتها سرطان الرئة أيضًا.
ونؤكد مرة ثانية، بأن ما ذكرناه حتى الآن، هو مجرد إستعراض عام لبعض الأمثلة التوضيحية في هذا المجال، والتي تربط بعض العوامل الخارجية بنشوء بعض الأورام السرطانية؛ حتى نتمكن من تصور طبيعة تلك العلاقة.
ولقد أشرنا في الجزء السابق، "رمل أم رخام"، إلى مصطلح "نمط الحياة" وكررناه مرارًا للتأكيد على أهيمته؛ وقلنا بأنه يشمل عوامل وعادات كثيرة، وكان من ضمن ما ذكرناه الطبيعة الغذائية؛ والذي سيكون محل نقاشنا في هذا الجزء.
وحتى لا يكون الطرح مُشتتًا وعامًا، سأنطلق معك- عزيزي القارئ- من قاعدة ما أسميناه بـ: "نمط الحياة"، متوجهين لعنوان فرعي مرتبط بها، ألا وهو "نمط الحياة" الغذائي الخاطئ!؛ والذي قد يرتبط بنشؤ أورام سرطانية مُختلفة، والتي قد تشمل بشكل عام أورام الجهاز الهضمي مثل أورام القولون. وهذا لا يعني أنها تقتصر فقط على تلك الأنسجة، بل أنها قد تتعداها لتصل لأجهزة داخلية.
أقول، مبدئيًا، بأن بعض الدراسات الدولية قد أشارت إلى أن الكثير من الأورام السرطانية المنتشرة في الكثير من أنحاء العالم- بشكل عام- ولدينا في المنطقة- بشكل خاص- ترتبط بالطبيعة الغذائية وبالعادات الغذائية السيئة؛ هذا فضلًا عن أن الكثير من الأغذية تحتوي على مواد ملوثة بالمنتجات الصناعية، والتي تشمل النكهات الصناعية، والألوان الدخيلة، والمواد الحافظة؛ بل وأن هناك منتجات غذائية مليئة بالمواد الضارة والتي يتم تقييمها على أنها مواد مُسَرطِنة كمُنتجات رقائق البطاطس المختلفة. وإلى جانب هذا كله، فهناك أيضًا ما نسميه بطرق الطبخ غير الصحية، والتي من ضمنها طهي الأطعمة المشوية على أسطح سوداء، مليئة بالكربون، كما يتم ملاحظته في الكثير من المطاعم التي تقدم الوجبات السريعة من "البرجر" وما شابه؛ وهذا لا يقتصر على المطاعم، بل وأن هناك طرق طبخ خاطئة يتم التعامل بها حتى في المنازل، وللأسف الشديد. وهذه كُلها، أمثلة لـ "أنماط حياتية" مُختلفة مرتبطة بجانب الغذاء فقط والذي هو محل حديثنا في هذا الجزء، والتي سنربطها بحدوث الأورام السرطانية بشكل عام.
وحتى يكون الشرح واضحًا سأسلط الضوء على زاوية واحدة من "نمط الحياة" الغذائي الخاطئ، ألا وهي زاوية الدهون والمواد الكربونية الضارة الموجودة، أو الناتجة مع بعض الأطعمة.
دعني أولًا- عزيزي القارئ- أمهد لهذا الأمر من خلال الخبر الذي قرأته- بالأمس القريب- في إحدى الصحف السعودية المحلية، والذي كان مفاده أن مُعدلات "السرطان" في السعودية هي مُعدلات خطيرة!
وقد أشار الخبر إلى أنه خلال العشر سنوات القادمة قد تصل أعداد الحالات إلى 30000 حالة سنوية؛ وهو أمر يتوافق نسبيًا والحسابات الدراسية الرياضية.
وقد عزى المقال التزايد في الحالات إلى عادات حياتية خاطئة ومن ضمنها بعض الأكلات الشعبية التي يتم الحصول عليها من المطاعم الخارجية؛ مثل: "المندي" و"المظبي" و"الحنيد" وما شابه من أكلات يتم تحضيرها تحت ضعط وحرارة عاليتين.
وهنا وقفة تذكيرية فقط، قد تعرضنا لها من ذي قبل، قلنا فيها: بأن الجمعية السعودية للسرطان قد صرحت بأن أعداد الإصابات بالأورام السرطانية في السعوديين لعام 2013م قد وصلت إلى ما قدره 13000 مصاب، شملت جميع أنواع السرطانات.
ونُضيف على ذلك: بأن مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث يعالج بشكل سنوي أكثر من 2800 مصاب بالسرطان؛ في حين تؤكد وزارة الصحة أن الأرقام العالية والإصابات بالسرطان المستمرة تعود إلى: "تزايد أعداد المواطنين والمقيمين المدخنين للسجائر والشيشة، وتزايد معدلات التلوث البيئي، وكثرة استهلاك الوجبات السريعة، وانتشار الأغذية المصنعة، والخمول البدني".
وهي- وبما لا شك فيه- عناوين مهمة، ولكننا سنبقى مُسلطين الضوء على ما هو مُتعلق بموضوع هذا الجزء، ألا وهو: "زاوية الدهون والمواد الكربونية الضارة الموجودة أو الناتجة مع بعض الأطعمة".
وهنا، نقول بأن ما يجب التنبيه عليه هو أن معظم هذه المطاعم- التي تقوم بتحضير تلك الأكلات الشعبية- تستخدم زيوت رخيصة وغير جيدة صحيًا، سواء على مستوى محتواها من المواد الدهنية الضارة (من كوليسترول ودهون ثلاثية، أو في مصادرها والتي يغلب عليها المصدر الحيواني الرخيص)؛ وهو ما يجعلها تنتج- خصوصًا بعد تعرضها للحرارة العالية- مواد "مهدرجة" ضارة.
بل وكما وصلنا من بعض العاملين في هذا المجال بأن بعض المطاعم التي تقوم بتحضير ما يُسمى بـ "الرز البخاري" تعتمد على غلي بعض عظام الأبقار وشحومها على نار هادئة لفترات طويلة (تمتد من يوم إلى ثلاثة أيام) من أجل إعطاء الرز نكهة خاصة.
الشيء الأخر والمهم هو أننا حينما نقوم بتوسيع الدائرة لنغطي معظم المطاعم الشعبية وغير الشعبية (خصوصًا التي تبيع المقليات من الأطعمة السريعة)، سنلاحظ بأن معظم الزيوت التي يتم إستخدامها عندهم لا يتم تغييرها بشكل دوري!؛ وهو ما يزيد من خطورتها.
وفي نفس الإطار، نلاحظ أن بعض العوائل وبعيدًا عن موضوع رخص أو غلاء بعض الزيوت، تقوم ببعض التطبيقات والإجراءات غير الصحية عند طبخها لبعض الأطعمة!
حيث تقوم بعض هذه العوائل بإستخدام طريقة التبخير الكربونية، والتي يتم فيها وضع قطعة من الفحم المشتعلة في فنجال زيت ومن ثم وضعها في طنجرة الرز وإغلاقها جيدًا حتى ينتشر الدخان الناتج منها، ليتم بعدها- وكما يقولون- الحصول على طعم خاص ومميز؛ وهو ما يسموه بـ "الرز المُبخَر". وينسى هؤلاء بأن ما يتذوقوه هو طعم الكربون المُختلط مع الزيت؛ وهو الطعم الشبيه بطعم الدجاج واللحم المشوي والذي خالطه الفحم ودخانه الكربوني المتصاعد منه، خصوصًا حينما تكون طريقة الشواء خاطئة.
وللتوضيح فإن الشوي على الفحم يعني أن يُعطي الفحم الحرارة الكافية للطبخ، لا أن يتصاعد النار منه ويمتزج دخانه مع الطعام.
والغريب في الأمر، هو أن بعض المطاعم تقوم (بل وحتى بعض الأفراد) بوضع قطع من الشحم (بطريقة مُتعمدة) من أجل أن تحترق ويتطاير الدخان منها؛ وقد ينسى هؤلاء- أو يتناسون- أن ما يقومون به هو مجرد حرق للدهون على الفحم، ليمتزج بعدها ما ينطلق منها من دخان مع الطعام المشوي.
وكون أن الموضوع قد لامس مادة الكربون بأشكالها المُختلفة، فإن بعض المخابز الشعبية تقوم بخبز الخبز "العربي" أو "الهوري" في التنور دون أن ينظفوه بشكل مستمر؛ وهو ما يؤدي إلى مُحصلة يخرج فيها الخبز من التنور محروقًا في بعض أجزائه أو قد لاصقه بعض ما تبقى على سطح التنور من مواد فحمية كربونية. وهذه القطع الكربونية- حتى لو لم تكن ظاهرة للعيان- نصنفها وبما لا شك فيه تحت عنوان المواد الضارة، والتي قد ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بتأثر الخلايا أو إنشقاقها عن طبيعتها التي أشرنا لها في أجزاء سابقة.
الذي يجعل الخبز العربي عرضة للحرق أو لتفحم أجزاء منه هو أن طريقة خبزه غير آلية، بل بشرية تقديرية. |
ومع كل الذي ذكرناه حتى الآن، نُلاحظ اليوم، وللأسف الشديد، بأن معظم العوائل من أبناء المنطقة العربية يعتمدون إعتمادًا شبه كلي على المطاعم الخارجية؛ ظنًا منهم بأن ذلك سيوفر لهم الكثير من الراحة. بل حتى أن بعض الأمهات والأباء، وخوفًا من تعب الطبخ، يُشجعون أبنائهم على شراء الوجبات السريعة من المطاعم الخارجية، غافلين عن خطورة ما يقومون به من جرم في حق أبنائهم، خصوصًا حينما تتحول تلك السلوكيات لعادات و"أنماط حياتية" مألوفة، تؤدي مع مرور الأيام لتراكم نواتج تلك الأطعمة الضارة في أجسامهم!
انتظرني- عزيزي القارئ- في الجزء القادم والذي سنناقش فيه زاويةً أخرى من زوايا هذا التحقيق، "الأورام السرطانية: التنشؤات الخفية"، مستثمرين بعض الأدوات البحثية التحليلية والتي بها سنرسم صورة توضيحية لما نحن بصدده من شروح.
وحتى نلتقي في القريب العاجل، دعائي للمرضى بالشفاء العاجل وللأصحاء بدوام الصحة والعافية،،،
0 comments:
Post a Comment