تستفحل بين فئة الطلاب (بنات وأولاد) على الصعيد المحلي (كما هو الحال على الصعيد الخارجي لَدى المُبتعثين، والذي يردنا من مصادر مُتَعَدِّدة تؤكِّد حقيقة هذا الأمر) أفكارُ خطيرة ومُدَمِّرة لِلأسف الشديد، مفادها: "إنَّ تعاطي حبوب "الكبتاجون" - وما شابه من حبوب تحمل أسماء تجارية مُتَعَدِّدة - يُؤهِّل المُخ لِمستويات أعلى من الإنتاج ويجعل الأنسان قوي التفكير، ويُمَكِّنَه من حَلِّ المسائل الصعبة"؛ بل أنَّ بعضهم يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك لِيقول بأنَّ المُفكرين والعلماء يعمدوا لِاستخدامها لِيُحَفِّزوا حاسة الإبداع لديهم! لِيضعوا - أي: هؤلاء الطلاب - بعدها لِأنفسهم مبررًا وهميًا قدَّمته لهم جهات مجهولة من أجل أنْ يظهروا بِصورة الباحثين عن الإنتاج والتفوق.
إنَّ استخدام هذه الحبوب (المنتشرة في كُل حَدب وصوب) لا يقتصر على من يعتقد بِما تقدم مِنْ وَهْم (أي: "خدعة تأهيل المخ وقوة التفكير") من الطلبة، بل أنَّه وفي أساسه موجود كممارسة سلوكية بين صفوف الكثير من فئات الشباب العمرية دون أنَّ يلتفت لها أحد (وهو الأمر الذي يتناقله أشخاص في مقتبل العمر على أنَّه أمر اعتيادي)، حيث يتم الترويج له والتعاطي معه كما يتم الترويج والتعاطي مع أي مُنَشِّط دوائي أو داعم غذائي" (وهُنا تقع الكارثة)! وعادةً ما يتم تقديم القضية لأبنائنا على أنها من القضايا التي تأتي تحت مظلة التَطَوّر والتَغَيّر المرحلي الذي لا يفهمه جيل أباءهم! حيثُ ترى معظم هؤلاء الشباب في بداية الأمر بِحيويتهم الطبيعية دون بروز أي تغيُرات عليهم حتى تتفاقم الأعراض عندما يستشري الأمر.
هنا سأتوقف قليلًا لِأُسلط الضوء على بعض ما أنتجته الدراسات - في موضوع هذا التعاطي المُدَمِّر - من مُلاحظات، ومن ثم في الخاتمة سأنهي بِخلاصة نهائية وجيزة ورسالة مُختصرة.
بدايةً، لا جرَمَ أنَّ نوضح بِاختصار الميكانيكية الفسيولوجية لِعمل هذه المواد لِيتم فهم طبيعة تأثيرها في الدماغ؛ والتي تَظهر في الأسواق بِمُسمياتها التجارية المُتَعَدِّدة سواء كانت "كبتاجون" أو "لكزس" أو ما شابه من أسماء شركات سيارات وماركات مشهورة من أجل التظليل، أو أي اسم تجاري آخر (أو حتى وهمي كـ "الأبّْيَض" و"أبو مَلَف" و"أبو مَقَص" وما شابه من أسماء مُخْتَرَعة تُصاغ بما يتناسب وطبيعة الألوان والرسومات الموجودة على تلك الحبوب)، والتي تلتقي جميعها في نهاية الطريق بِحملها لِنفس التركيبة العلمية حتى وإنْ تواجدت بأشكال وأحجام وألوان مُختلفة، كما يَظهَر بعضها في الصور المرفقة.
ومن هُنا فإن حركة سوق هذه السموم المُدَمِّرة تزداد خلال أيام الامتحانات وبأسعار زهيدة يصل فيها سعر الحبة الواحدة حدود العشرين ريال (ثلاث دولارات)، مُتَدَرِّجةً في فئاتها المُستهدفة، لِتبدأ من طلبة المرحلة المتوسطة ومستمرة في اختراقها الصفوف الدراسية حتى تصل لِلمرحلة الجامعية (مع ارتفاع مؤشراتها لدى طلاب الثانوية)، فضلًا عن وجودها المؤكد بين فئات عمرية أُخرى (كوجودها بين سائقي مركبات المسافات الطويلة).
إنَّ المادة الفَعَّالَة لِهذه الحبوب تُسمى "الإمفيتامين" المحتوية على "الإفدرين" المؤدية - عند استخدامها دون قيود طبية - لِتدمير نهايات الأعصاب المركزية لِـ"السيروتونين" بِالمخ، مِّمَا ينتج عنه إعاقة عصبية مستديمة حتى بعد سحب "الإمفيتامين" من الجسم. ويُعَرَّف السيروتونين على أنه ناقل عصبي يرتبط إفرازه بالإحساس بحالة نشوة وعدم الشعور بالتعب حتى لو كان الجسم مُنهكًا! تستمر لِقُرابة يوم كامل، وما أنْ ينتهي مفعول المادة الفَعَّالَة الموجودة في تلك الحبوب حتى ترى الجسم جثةً هامدة لا تستطيع الحركة. والأدهى من هذا كله أنَّ غالبية ما يتم تَرويجَه تحت مُسمى حيوب "الكبتاجون" - وما شابه من أسماء تجارية قد تتراوح في طبيعة تركيزها وصناعتها والتي تندرج من مادة الإمفيتامين كالشبو والكريستال مث والآيس والزجاج والطبشور - تحتوي على شوائب مُختلفة بل ومُدمِّرة لِلخلايا العصبية بِالمخ والتي قد ينتج عنها مرض الشلل الزعافي، المُضاف لِلإصابة بِحالات التشنج الذي تُسببه المادة الفَعَّالَة في الحبوب نفسها، وذلك لأنَّ تحضير "الكبتاجون" عادةً يتم بِطرق غير نظامية وغير صحية، بل وأنَّ طرق نقله (تهريبه!) تُعَرِّض عادةً مادته الفَعَّالة لِظروف غير اعتايدية كارتفاع درجة الحرارة أو الرطوبة أو ما شباه من ظروف قاسية؛ لِيتم بيعه بعدها في الأسواق السوداء دون رقابة أو تحليل لِطبيعة تركيبه.
ومن الأثار الجانبية الخطيرة المُسَجَّلَة دراسيًا التي يُسببها "الكبتاجون" وما شابهها من مُنتجات: أنَّه يؤدي لِلسهر لِفترات طويلة (وهي النقطة التي يتم اصطياد الطلبة فيها خلال أيام الامتحانات من أجل الاستفادة من الوقت، كما يتم الإعلان له قبل عملية التسويق)؛ وهو يُشجع على شرب المُنَبِّهَات مما يؤثر على الصحة بِشكل سلبي حيث يعمل عند تفاعله معها على تدمير الأسنان مما يؤدي لِتساقطها تدريجيًاً مع مرور الوقت؛ وعلى عكس الخداع الذي يُرَوِّج له مُستخدمو هذه الحبوب فإنَّها تُعيق النشاط الذهني تدريجيًا بعد الاستمرار في تعاطيها، مما يُفضي لِتعطيل بعض خلايا الجسم بِصورة مُفاجئة. وتسبب هذه الحبوب السرحان والشرود الذهني والنسيان؛ وغالبًا ما ينتاب مستخدميها حالات من عدم التركيز وترتيب الأفكار. وينتج عنها الإجهاد المُصطنع غير الإيجابي واعتلال الصحة والسلوك الهستيري دون وعي، والميل إلى الكسل وكثرة النوم بعد انتهاء مفعول مادتها الفَعَّالة؛ ولقد تم تسجيل إصابات بِمرض "باندنج" عند بعض المُتعاطين لها والذي من مظاهره القيام بنفس الأعمال مرات متوالية دون انتباه أو إدراك. يُضاف له أنَّها تسبب فقدان الاتزان وعدم الحكم الصحيح على الأمور وكثرة الشكوك المؤدي عادةً للانطواء والعزلة. ومن آثارها المُسَجَّلَة الإصابة بِالهلوسة السمعية واصطكاك الأسنان، وزيادة العصبية واضطراب الذاكرة واختلالا الإدراك. أما على المستوى الفسيولوجي الملحوظ إكلينيكيًا، فتسبب ارتفاع ضغط الدم وسرعة ضربات القلب وهبوط التنفس ونقص كريات الدم البيضاء والأنيميا وتشوه الأجنة لدى الأمهات الحوامل؛ بل وتؤدي عادةً لِتعطيل إفراز بعض الهرمونات المهمة في الجسم كتعطيلها - مثلًا - لِلهرمونات الرجولية مسببةً البرود الجنسي. ومن آثارها الجانبية أنَّها تؤدي لِفقدان الشهية وجفاف الحلق واضطراب الهضم مما يُظهر أثرها في فقدان الوزن الملحوظ؛ بل أنَّ استخدامها لِفترات طويلة يؤدي إلى ضمور بِالمخيخ والجهاز العصبي مُسببًا أعراضًا مستديمةً. وتؤدي هذه الحبوب أيضًا إلى تَقَرُّح المعدة، وارتفاع درجة الحرارة غير الاعتيادي وغير المنتظم.
هنا وبعد استعراض الآثار الصحية لِهذه السموم القاتلة، أسأل: من هو المسؤول - يا هل ترى - عما يجري؟ ولماذا تُرك حبل هذه المُصيبة على غاربها، سِيَّمَا وأنَّها قد وصلت لمن هم في المرحلة المتوسطة (بنات وأولاد)؟ ولماذا تمضي تلك الشريحة من الشباب على الصعيد الداخلي أو حتى في بلاد الغربة تسرح وتمرح دون متابعة فعلية من قبل أولياء الأمور أولًا، ومن ثم المجتمع ثانيًا، وبقية الفئات المعنية ثالثًا ورابعًا وخامسًا (حتى آخر عدد من أعداد المعنيين اللذين يروا في أنفسهم المقدرة على تقديم ما هو إيجابي في هذ الشأن)؟ أما على مستوى موقف التشريع الإسلامي من هذا التوجه، فحرمته واقعة لا محالة؛ إلا أنَّني أعتقد بأنَّ المُتَصَدِّيين لِلتوجيه الديني والاجتماعي والثقافي يجب أنَّ يدلوا بِدلوهم في هذا المجال (خصوصًا وأن هناك من هم أهل لِذلك)، فإن لم يُؤتي ثماره مباشرةً في توجيه الأبناء لِمعرفة موقف الشرع والمجتمع وكل ما له صلة بِطبيعية ما نرتكز عليه من موروث عُرفي أصيل وثقافي عميق يُحارب وبِكُل ما يملك من قوة هذه السموم، فلا ضير في أنَّه سيُلفِت نظر الأُسر والمدارس وبقية اللجان والمؤسسات المُتعَامِلة بِشكل مُباشر وغير مُباشر مع هذه الشريحة الشبابية لِحقيقة ما يجري.
ولقد تم مُلاحظة ارتفاع نسبة حالات الانتحار أو حتى الوفاة المُفاجئة المُبَكِّرة بين شرائح من مُتعاطيها. وفي العادة فإنَّ تعاطي حبوب "الكبتاجون" وما شابهها من حبوب يُمَهِّد الطريق لِتعاطي "الحشيش" و"الأفيون" (والعكس صحيح!)، وهو ما تم توثيقه فعليًا من خلال مُلاحظة التَدَرُّج في الانغماس في بيئة التدخين و"التَعْسِيل" التي يلحقها حشو جوف موادها المُدَخَّنَة بِالحشائش المُخَدِّرة، خصوصًا وأنَّها تدور في فضاء واحد ومَبْنِيَّة على نفس القاعدة وأنَّ مُتعاطيها يعتقدون بِأنَّها تؤدي لِنفس الغرض المنشود الذي يسعون لِتحقيقه! بل أنَّ بيئة هذه المواد (من تجَّار ومُموِّلين ومتعاطين لها، وغيرهم من أشخاص وأدوات مُتَرعرِعة في هذا الوحل المُتَمَوِّج بما فيه من عَوَالِم مُخيفة) هي نفس البيئة التي من خلالها يتم تداول بقية المواد المُخَدِّرَة من الدرجة الأولى على اختلاف أنواعها.
ويَجدُر بِنَا أنْ نُضيف: "إِنْ كان هذا الأمر مُتَذَبْذِب في تركيزه بين المناطق المُختَلِفة - والمدارس المُتَعَدِّدة (متوسطةً كانت أو ثانويةً!) - ويقع بين مدٍ وجزر وتحكمه الظروف والمُعطيات المُخْتَلِفةِ (مع بقائه خفيًا، وبقاء سمه يسري في دماء أبنائنا وبناتنا بِهدوء وروية)، إلا أنَّني أكاد أجزم بأنَّ معظم المدارس الثانوية والجامعات الغربية لا تخلو من تعاطي هذه النوعية من الحبوب، بل أنَّها مسئلة بديهية بين الطلبة هناك وتعاطيها من قبل الغالبية منهم أمر مفروغ منه! وعليه، يأتي السؤال الحرج: ما هو سلوك أبنائنا عند التحاقهم بتلك المدارس والجامعات خلال فترة الابتعاث؟ وما هي قابليتهم واستعداداتهم الوقائية - المُعَدَّة مُسبَقًا - عند مواجهة هذا الأمر؟ وكم هي نسبة من يجرفهم هذا السونامي المُدَمِّر؟".
في النهاية أُشدِّد على أنَّ ما نعرفه عن أبنائنا على الصعيد المحلي أو قبل سفرهم لِلابتعاث في الخارج سيَختلف لا محالة عمَّا سيظهرون به في المستقبل، سواء كان بِصورته الإيجابية المرجوة (إنْ شاء الله) أم بِصورته السلبية المُخيفة عند اصطيادهم في فخ هذه المسارات القاتلة (والعياذ بالله)، خصوصًا وأنَّ المحرك الرئيس لِسلوك الكثير من الطلبة على المستوى المحلي أو الخارجي هو ضغط المجموعات التي تلتقي بِهم في البيئات المُغلقة (وكنسبة وتناسب، نستطيع أنْ نُخَمِّن أن تعرضهم لتلك البيئات يزداد عند تواجدهم في دول الابتعاث - التي تكون فيها الأبواب مفتوحة على مصراعيها - مقارنةً بالحالة الداخلية)؛ ومن ثم يأتي السؤال - مرةً ثانية - عن مدى تأثرهم بِتلك المجموعات ومدى تَحَصُّنهم ومقاومتهم الذاتية المغروسة فيهم مسبقًا لِحقيقة تلك الأفكار الهَدَّامة. إلا أنَّ المُتفق عليه - سِيَّمَا عند غياب الرادع الداخلي الذي يجب العمل على زرعه فيهم - أنَّهم كالتُفاح في السلّة الواحدة، إنْ وُضِعَت الصحيحة مع الفاسد، فخرابها قادم لا محالة.
أما كلمتي الأخيرة: "إن الذي حركني لِكتابة هذه الكلمات هو صدى النداء الذي جاء شاكيًا وبِصوت عالي من بعض من تألموا - كان من ضمنهم أباء وأمهات - لم يستطيعوا أنْ يحبسوا العبرة في داخلهم ممَّا رأوه على المستوى الداخلي (سواء في المدارس المتوسطة أو الثانوية أو الجامعية أو في التجَمُعَات المُغلقة) ومما لاحظه غيرهم من ممارسات بِنسب عالية على مستوى المبتعثين خارجيًا". بقي أنْ أؤُكد (ولِمَن يهمه الأمر ويعتقد بأنَّ من ضمن مهامه الالتفات لهذا الموضوع) بأن أبنائنا هم أكبادنا تمشي على الأرض، وأنهم مُستهدفون وأنَّ هناك من يسعى لِرميهم في هذا المُستنقع (ويكفي ما تُشير له التقارير الإخبارية بين الفنية والأخرى من ضبطٍ لتلك لِحبوب التي تصل أعدادها لِلملايين وأوزانها بِالأطنان مُهربةً، كما تُظهِر الصورة أعلاه)؛ وعليه فإنَّ وقاية وتحصين من نستطيع وقايته وتحصينه من الأبناء هو خير من التفكير المستقبلي في عملية علاجه التي ستكون تكلفتها الاجتماعية والمعنوية باهظة لا محالة.
0 comments:
Post a Comment