بدايةً، يجب علينا أنْ نعرف أنَّ البيئة، هي: "مجموعة العوامل والعناصر الطبيعية الأرضية والجوية والبرية والبحرية (حيةً وغير حية) الموجودة في نطاق جغرافي مُحدّد؛ والمُجتمعة تحت مظلة معادلة التكافل الحاكمة لِاستمرارها وبقائها؛ والمُشَكِّلة في تَكَافُلِهَا حلقات تسلسلية لا تنفك فيها إحداها عن الأخرى". ومن هُنا، فإنَّ السلسلة البيئية تمتاز بِمزايا فيزيائية وكيميائية وبيولوجية ترسمها وتؤطِّرها في نِطَاق مُحدّد! ويَكون لها المقدرة على الاستمرار كما خُلِقَت في حال لم تتدخل قوة خارجية ضاربة لِبعض حلقاتها ومُقَسِّمة لها (لأنَّها تُغَذي نفسَها بِنفسِها)، وهو موضوع شائك- لا يسع المجال لِتغطيته في هذا الاختصار- ويحتاج لِلكثير من البحوث لِتفكيك عُقَده! ومن أمثلة القوى الغاشمة التي لا ترحم مُكَوِّنات البيئة بل وتَفْتِك بِحلقاتها- كَمثال واضح لِلعَيَان- جشع واجرام الإنسان (الذي سَنُسلِّط الضوء عليه، كَجانب هَدَّام)، المُتَلَخِّصَ في الاضطراب الذي يُحْدْثه في البيئة (وأقصد هنا: حينما يصل الأنسان لِمرحلة اللامُبالاة وعدم الاكتراث بما يُحيط به من مُكَوِّنات بيئية، وتَتَحَوَّل سلوكياته لِمُمَارسات "طائشة" في حقها) من أجل تحقيق مصالحه الذاتية، والذي من أهم ما يؤدي له: (1) تلوث البيئة من جانب، وَ(2) والإخلال بِتوازنها الحيوي من جانب أخر؛ وكِلا المُحَصِّلَتين قادرتين على هدم حلقات أي سلسلة بيئية، أيًا كانت قوتها. وعليه، تبدأ الكثير من الأمراض والإعاقات الجسمية والنفسية بِالتَشَكُّل مُستهدفةً الأنسان نفسه قبل أي مُكَوَّن آخر (مما يجعله يبدأ في الرقص على سيمفونية ظهور بعض الأمراض الجديدة من نوعها، فسيولوجيةً كانت أم ميكروبية، ويبدأ بعدها في نقاش أسباب ظهورها، في عملية تناقض مع الذات، مُتَمَثِّلةً في تحركاته من أجل إسكات غضب الطبيعة وثورانها الذي نراه أحيانًا من خلال اطلاق حممها من فيروسات جديدة وارتفاع في منسوب الأورام السرطانية المُرتبطة بتفاعل أنسجة الأنسان مع مُتَغَيِّرات البيئة، إلا أنَّه ومع العلم من كل هذا يستمر على أعماله الوحشية لِلحصول على المزيد من الترفيه على حساب مُقَدَّرات الطبيعة، وكأنَّه غير معني بما جرى ويجري!)، بل ومُكَبِّدَةً إياه خسائر جسيمة (فَيبدو كمن يطلق الرصاص على رجله بيده!). وحينما تُستَهدَف إحدى حلقات السلسلة البيئية في إقليم مُحدّد، تبدأ كامل السلسلة بِالتَفَكُّك تِباعًا وبِطريقة تدريجية (كَأحجار الدومينو المصفوفة أحجارها الواحد تلو الآخر)، مؤثرةً على ما تَبَقَّى من مُكَوِّنَاتِها وعناصرها، مما يجعلها تمر بِعملية اختفاء تلقائي، نظرًا لِغياب مُعَوِّلَهاَ (المحسوس وغير المحسوس، وما تم اكتشافه ومعرفته وما لم يتم اكتشافه ومعرفته) الذي تعتمد عليه من الحلقة السابقة، وهكذا تباعًا!
ولو تأملنا في مجازر الأنسان وإجرامه بِالمُكَوِّنَات البيئية، وليكُن المثال هنا هو واحة "كِيْتُوس" الغناء (من أجل إيضاح الفكرة التي على مقاسها نستطيع أنْ نُفَصِّل الحديث على غيرها!)، فسنُلاحظ بأنَّ الكثير من الحياة- التي كانت موجودة فيها في يوم من الأيام- قد انقرضت أو أنَّها مُهْدَدة بِالانقراض! بل تَعَدَّى ذلك إلى ظاهرة الاختفاء الجماعي لِبعض مُكَوِّنَاتِها الرئيسة بِشكل مُفاجئ (في مشهد واحد، بل وفي لقطة واحدة!). بل أنَّ أنياب بني البشر الحادة فيها لم تقف عند حدود حلقاتها في الجانب اليابس، بل مَكَنْته- لِطولها وحِدَّتِها- من اختراق كل جدرانها الصلبة لِتصل لِلمسطحات المائية التي على رأسها بل وأهمها البحار (المُرْتَبِطة- في حقيقتها- بِسلسلة اليابسة التي تُحِيط بِها من جوانب عدة، والتي تَشْمَل في ارتباطها ما يَصُب في شواطئها الضحلة من ماء حلو مُحَمْل بِمختلف العناصر الكيميائية والبيولوجية القادمة لها من نخيل اليابسة اللازمة لِتماسكها بِجميع ما فيها من حياة تُمَيِّزها عن غيرها من مُسطحات مائية مجاورة). وما أنْ يصل التصعيد في حرب الأنسان الشرسة على الطبيعة البيئية لِهذه المرحلة حتى يكون موضوع انفراط بقية السُبحة البيئية- في نطاقه الذي يعيش فيه- موضوع وقت ليس إلا، وتكون مسألة تَفَكُّكِهَا أمرًا حتميًا لا محالة، وأقصد هنا ما تَبَقَّى من تلك الواحة، التي أسْمْيْتُها في بداية حديثي بـِـ "كِيْتُوس" (كَمثال حيٍ في هذا الطرح، من أجل تقريب الفكرة، لأنَّنَا جميعًا نعيشه ونتَحَسَّس انتكاسته الحادة)، والتي تعددت أسمائها وأوصافها على مر العصور، فَصَنَّفها بعضهم على أنَّها من ضمن إقليم "دِيْلْمُون" القديم الشامل في تغطيته لِجزيرة البحرين، وَعَرَّفَهَا آخرون بِـ "الخُط"، ونسبها المحققون- كما يؤكد التاريخ- لِزمن ما قبل الإسلام بمراحل عديدة، بل والتي عُدَّتْ أول مَنْ آمنَ مِنْ مناطق الإقليم بِنهج الرسول محمد "ص" بعد سماعها بدعوته "ص"، وهي المنطقة التي ينضوي من عاش فيها تحت مَضَلَّة قبائل "عَبْد القَيْس" المُتَعَدِّدة البطون التي تُعَدُّ انطلاقة الكثير من عوائلها الحالية، ولَقَّبَهّا مؤرخون بِـ "شاطئ الذهب الأسود"، وتُسمى في يومنا هذا بِـ "القَطِيف"، والمُتَفرِّعة بِحدودها الأصلية المُتَعَارف عليها تاريخيًا في اتجاهات مُختلفة وأبعاد مُتَفاوِتة، والمُتَقَلِّصة في يومنا الحالي في تقوقع سكاني مُزدحم بل ومُكتظ بِمَنْ فيها من مُكَوَّن بشري)!
ففي الوقت الذي نَلحَظ فيه دول العالم تجتمع في القمة الأممية لِلمُتَغَيِّرَات المناخية في باريس (Paris2015 / COP21.CMP11)، الذي تم في تاريخ 30 من تشرين الأول 2015م، لِمناقشة موضوع الارتفاع النسبي في درجة الحرارة في العالم (الاحتباس الحراري) وربطها بِاستخدام الطاقة وانبعاث بعض غازاتها السامة المُؤثِّرَة على البيئات المُختلفة- بِشكل عام- في معظم مناطق العالم، مازلنا نحن نَقْبَع في موقع آخر بل ونعيش بعيدًا كل البعد عن ما تَتَمْخَّضَه تلك النقاشات وكأنَّ الأمر لا يعنينا البتة، لأنَّ ما نقوم به (المُتَمَثِّل في تطبيقاتنا وسلوكياتنا البيئية) أدهى وأعظم بِمئات المرات مما يُناقشه المعنيون في تلك الاجتماعات الأممية. بل أنَّ المؤسف هو أنْ ينتج عن الاجتماعات البيئية توضيح لِمعظم المناطق تلوثًا في العالم (وتكون منطقتنا على رأس تلك القائمة) دون أنْ يَصدُر منا أي تعليق على أسباب وصولنا لِهذه المرحلة من التدهور البيئي! وبِاختصار فإنَّ مُشكلتنا ليست مُجرَّد استخدام لِلطاقة وما ينتج عنها من فضلات في المُكَوَّن الهوائي فحسب (وإلا فَكل العالم يستخدم الطاقة)، بل هي أبعد من ذلك بكثير!
اليوم، نحن شهود عَيَان على تَفَكُّك الكثير من حلقات واحتنا الغناء (عفوًا، أقصد: التي كانت واحة غناء حينما استقطبت الحقب السابقة من الأجداد وممن جاء قبلهم من قبائل وأمم، حينما كانت تزخر بِخيراتها النابعة من صُلب دوران مُكَوِّناتها البيئية الطبيعية)، لأنَّنَا نراها تُذبَح بِأعيننا ونَسْمع بكائها بِأذننا؛ بل أنَّنا (في واقع الأمر) ضحايا عدم توازن مسطحاتها المُتنوعة التي من ضمنها المُسطَّحَات الخضراء ذوات النخيل المُتشابكة، والمُسطَّحَات المائية الشاملة لِلمياه الجوفية والبحار الخليجية- المرتبطة حلقاتها بِسلسلة اليابسة- المطل (أي عدم توازنها) علينا بِرأسه البَشِع، والملحوظ من قبل المُتَأمِّلِين في أثاره المُخِيفَة المُتَمَثِّلَة في بعض الظواهر، كظاهرة انتحار- أو نُفُوُق- كائناتها البحرية (كَمِثَال أُقَدِّمه لِلتَأمُّل وليس لِلحصر) احتجاجًا على ما يُصنَع بها، والذي يُعَدُّ مُؤشِّرًا تحذيريًا خطيرًا من مُؤشِّرَات تَفْكُّك إحدى حلقات نظامها البيئي. بل أنَّ الإجرام المُرتَكَب في حقها كَبيئية مُتشابكة في عناصرها (والمُشْتَكِية قلةَ الوفاء؛ والذي أعزوه لِغياب القوانين المُنظِّمَة والحاكمة بِمعناها العملي لِبني البشر المتعاملون معها) لم يقتصر فقط على التأثير غير المباشر على البيئة بِضرب إحدى مُكَوِّنَاتِها فقط، وذلك بِتَركِها تموت مَوْتَةً بطيئة، بل أنَّه امْتَدَّ لِما تَبَقَّى من مسطحاتها الخضراء وممراتها البيئية القادمة من ينابيعها وعيونها الجوفية بِشكل شبه كلي وبِضربة واحدة من خلال تَعَمُّدِ اهمالِها وقتلِها من خلال الحرق أو الحرمان، حيث أنَّ اختفاء بعض الكائنات الحية دفعةً واحدة- كما حَدَثَ لِلكثير من البرمائيات المُتضمنة لِلضفادع والسلاحف وكذلك الطيور المتضمن لِنورس البحر والحيوانات الثدية المتضمن لـِ "العريس" وما شابه من قوارض بِالإضافة لِلزواحف وغيرها الكثير من الذي لا نستطيع حصره في هذه السطور، فضلًا عن النباتات المحلية "الكِيْتُوسية" والعديد من المُكَوِّنات الطبيعية- إلا دليل واضح على ما نُشير له هنا؛ لِتُحَوَّل بعدها كل تلك المزارع المُتداخلة في لوحتها الفنية الفاتنة والفريدة من نوعها لِمبالغ نقدية (وما تحويل الصكوك الزراعية لِصكوك سكنية إلا أحد أمثلتها الإجرامية التي يتخللها عادةً الكثير من عمليات الفساد حتى تمر إلى بر الأمان، "لا من شاف ولا من دري!"؛ وكُلنا يعرف أنَّ تحويل مِثل هذه الصكوك لِصكوك سكنية- نظامًا- ممنوع! فكيف- إذًا- مرت كل تلك المُعَاملات بِكل سهولة ويُسر؟ ومَنْ الذي مَرَرَها؟ ومن الذي طَلَبَ تَمْرِيرَها؟)!
بل أنَّ عملية ضرب مُكَوِّنَاتِها دفعةً واحدة وبِحجر واحد تَمَثَّلَ أيضًا بِصورة جلية في المُشاركة في دفن المُسطَّحَات البحرية، من أجل ترجمتها بِلغة الاقتصاد لِحسابات بنكية (على شَاكِلة سابِقتِها من أرصدة تحويل الصكوك الزراعية من خلال العمليات المُلْتَوِية المُخَالِفَة لِلعُرف الإنساني والقوانين المحلية والنظم الدولية، لِتُرضي بعضًا من النَهَم الدنيوي)، ولِتُقام بعد ذلك المزادات لها وعليها بعد تَصْيِيٍرها لِألاف الأراضي البيضاء المعفية من الضرائب، والتي لولاها ما رأينا الكثير من أصحاب رؤوس الأموال قابعين على عروش ممالكهم البنكية (فليشكروا البيئية على إيثارها لِما قدمته لهم، حينما قَبِلت مُجْبرةً بِأنْ تكون أُضْحِيْةً في يوم عَدُّوه عيدًا لهم)؛ وهو المشهد الذي بدأ يستقطب القاصي والداني لِـ "كِيْتُوس" من أجل المُتاجرة فيها وبها. ولا يعدو كل هذا إلا مشهدًا مبكيًا من ألاف المشاهد؛ وكله على حساب ما تَبَقَّى من بِعض حلقات ذلك النظام البيئي اليتيم (وأعني "كِيْتُوس")!
فَعَلَى مقاس ما تَقَدَّم من حديث حول "كِيْتُوس" نستطيع أنْ نُفَصِّل المحاور الموضوعية حول غيرها من نُظُم بيئية، سِيَّمَا حينما تغيب القوانين الحاكمة لِطبيعة التعامل فيها وبها ومعها!
أحسنت وأتقنت التشخيص
ReplyDeleteنعم هي القطيف وأنياب بنيها....
لاضمحلال المعرفة والتشخيص والإدراك لدى من يعيش على ارضها الآن، أكاد أجزم أن لا احد يعي ما سطرته اناملك إلا القليل سيدي.
حس بيئي راقي وكتابة من خالص القلب
ألف تحية لجمجمتك يا أصيل
Maq
لا حرمنا الله من تواصلكم ودعائكم، فبكم ومعكم ومن أجلكم تستمر عجلة العطاء
Delete