Tuesday 1 March 2016
March 01, 2016

ما جاء في كتاب "سر الماء" وأحجية أكل الماء بدلًا من شربه



نُقِل في مقال كُتب باللغة العربية- في الآونة الأخيرة- عما جاء في صحيفة الديلي ميل البريطانية التي قالت (على حد قول مُتَرجمي ومُوزِّعي المقال): "أنّ شرب الماء مَضْيَعة للوقت"، مستندين- فيما نقلوه عن نفس الصحيفة- إلى أنَّ الخبراء يقولون: "أنَّه من الأفضل الحصول على كميات الماء المطلوبة يوميًا عن طريق الأكل وليس عن طريق الشرب"، هذا على حد عبارتهم التي جاءت في المقال.

وذكر المقال أيضًا (غير المنسوب لأحد، سوى تقديمه لعبارات عامة): "أنَّ الماء موجود في كل الأطعمة التي نتناولها"، ومن ثم ذكر: "أنَّ الخضار والفواكه تتفوق على غيرها من الأطعمة في احتوائها على قدر كبير من الماء، فالخيار والخس والفجل مثلًا تتكون من أكثر من 95% ماء". وكلها (كما نراها نحن) عبارات صحيحة ولا يوجد عليها أي غبار من الناحية العلمية.

وعليه، جاء توجيه ونصح المقال المعني أعلاه على نحو: "أهمية التركيز على تناول الأطعمة الغنية بالماء، بدلًا من شرب الماء بشكل مباشر".

وهنا وبعد هذا التقديم، دعونا نتوقف عند أهم محطات ما جاء به هذا المقال: -

أولًا: لا يوجد أحد يختلف (لا من قريب ولا من بعيد) مع فكرة أكل الفواكه والخضراوات بشكل يومي لغناها بالكثير من الفيتامينات والمعادن والألياف، بل وأيضًا لتشبُّعها بالماء كونها نواتج زراعية طبيعية. وعند التدقيق في طبيعة وكمية ما نأكله يوميًا من فواكه وخضراوات سنلاحظ أنَّنا لا نتعدَّى (في أحسن الأحوال) تلك الكمية التي- كنسبة وتناسب- تُعَدُّ غير كافية لإشباع أجسادنا بالسوائل المساوية لما نفقده يوميًا منها. 

وبالاعتماد على الكثير من الدراسات، فإنَّ الإنسان في أفضل حالاته يحصل على ما قدره نصف لتر من السؤال من خلال أكله للحصص المنصوص عليها من الفواكه والخضراوات (أي بمعدل لا يقل عن خمس قطع فواكه كبيرة، بالإضافة لجرعات مُتعدِّدة من الخضراوات المختلفة)؛ في الوقت الذي نلاحظ فيه بأنَّه يفقد ما قدره لترين إلى 3 لترات من السوائل يوميًا عند قيامه بالعمليات الأيضية والإخراجية المختلفة الشاملة للتبوُّل والتغوُّط والتعرُّق، وعند القيام بمختلف التفاعلات البيولوجية المُتَعَدِّدة الأوجه والوظائف.

وحتى يتمكَّن الإنسان من الاعتماد على الفواكه والخضراوات كمصدر للسوائل فإنَّ هذا سيعني ضرورة أكل ما يُعادل 50 قطعة منها يوميًا على أقل تقدير (وهو أمر مُستَصعَب).

ومن هنا فإنَّ التوجيه الطبي العام يأتي على نحو النصح بإكمال النقص المائي بشرب السوائل المختلفة كالعصائر والمنتجات اللبنية والمرطبات العامة وما شابه من مصادر مائية. إلا أنَّه ومع العلم من كل هذا، فلقد اصطدمت الدراسات بحقيقة أنَّ الأنسان لا يستطيع حتى من خلال هذه المصادر تعويض النقص الحاصل في كمية ما يفقده بشكل يومي من سوائل. 

ومن هنا تبلورت النصائح الإرشادية في ضرورة تعويض المتبقي بالماء الخالص الذي يُقدَّر في المتوسط العام بحدود لتر ونصف على أقل التقديرات، أي ما يُعادل 8 أكواب موزَّعة على مدار اليوم (كما هو الحال في المناطق الباردة). وعليه، جاء السؤال الجوهري: هل نحتاج نحن في مناطقنا الحارة وعند القيام بنشاطات بدنية لكميات أكبر من تلك التي نصت عليه الإرشادات العامة في تلك الأقاليم الباردة؟ أم لا؟

ثانيًا: لقد استشهد المقال بما قاله الدكتور هاورد مراد أستاذ الطب العيادي في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلس ومؤلف كتاب "سر الماء" (الصورة رقم 1)، وأضيف على تعريف سيرته الذاتية: "أنَّه المالك أيضًا لشركة مراد المُصَنِّعة لمُستحضَرَات تجميل البشرة والداخل تجاريًا مع الكثير من شركات التجميل والنظارة التجارية"، من خلال مقولته (التي كانت مكتوبة نصًا في المقال): "إنَّ شرب الماء بالشكل السليم يكمن في الاحتفاظ بالماء داخل الجسم وليس في شربه ليمر عبر الجسم ويخرج منه دفعة واحدة"؛ والذي يضيف في عبارة أخرى: "ليس خطأً أنْ نشرب الماء، لكننا إذا لم نُحَسِّن من قدرة الجسم على الاحتفاظ به داخل خلايانا، فسيضيع الماء هدرًا في دورة المياه دون فائدة" (وهنا نختلف معه، كما يختلف معه الكثير من المُتَخصصين أيضًا، لأنَّ ما جاء به ليس دراسة مُحكمة قد تم تبنِّيها من قبل مؤسسات صحية مرجعية بل وجهة نظر قد صاغها في هيئة كتاب؛ وسبب اختلافنا معه في هذه الجزئية هو أنَّنا نؤمن على المستوى الصحي و كما هو معروف دراسيًا أنَّ الماء عند شربه لا يضيع هدرًا حينما يخرج أثناء استخدام دورة المياه، بل يُنَظِّف- أثناء اندفاعه في الجهاز البولي- الكليتين وبقية الأجهزة الحيوية من خلال اخراجه للكثير من السموم المتراكمة في الجسم وفي مجرى التبول). ويضيف في عبارة ثالثة أيضًا: "أنْ شرب 8 أكواب من الماء يعني الاستئذان للذهاب إلى الحمام 8 مرات دون وصول أي من ذلك الماء إلى الخلايا" (وهنا نُلاحظ تكرار نفس الخطأ السابق ولكن بعبارة أخرى وأقصد فيما يتعلق بمرور الماء عبر الجهاز البولي).

ولو تأملنا في مجمل تلك الاقتباسات سنُلاحظ أنَّ هناك حلقة ربط تجمعها كلها، ألا وهي حلقة العزف على أوتار فكرة الاحتفاظ بالماء في الخلايا بدلًا من مجرد دخوله للجسم ومن ثم خروجه منه أثناء عمليات الإخراج المُتعدِّدة.

وكون أنَّ تركيز المقال والاستشهاد الذي جاء فيه قد تبلور في أساسه على ما قاله الدكتور هاورد مراد في كتابه "سر الماء"، دفعني هذا للبحث عن الكتاب وقراءة أهم ما تَضَمَّنَه من أفكار من أجل الوصول لحقيقة أهدافه ومساعيه. حيث تَبَّيَن لي أنَّ جوهر الكتاب يدور حول موضوع طرق الاحتفاظ بالماء في الخلايا وتشبيع الجسم بالسوائل (كما كان واضح في بعض الجملة المُقتَبَسة أعلاه التي وصفتُها بحلقة الوصل الجامعة بين الجمل المنقولة من المقال) وعلاقة ذلك بحيوية الأنسجة والنظارة الجلدية والوقاية من الكثير من الأمراض، وأيضًا من أجل الظهور عشر سنوات أصغر سنًا من الواقع (على حد تعبير كاتب الكتاب التي جاءت شعارًا له). 

بل أنَّ جُل ما كان يَرتَكِز عليه كتاب مراد هو أهمية إدخال الفواكه والخضراوات في الأغذية اليومية، لأنَّها تُساعد على تعزيز المحتوى المائي داخل الخلايا، خصوصًا وأنَّها تتَضَمُّنِ الكثير من العناصر المهمة الداعمة لفكرة بقائه ضمن تركيبة الخلية البيولوجية. ولم يكتفي الكتاب بهذا بل أكَّد على أنَّ دخول الماء للجسم بطريقة سطحية ومن ثم خروجه منه دون أنْ يبقى في المحتوى الداخلي لخلايا أنسجته يُؤثَّر على نظارة الجسم وحيويته وقد يُظْهِر الأنسان أكبر من سنه الحقيقي.

ومن هنا بدأ الكاتب يرسم البرنامج الهرمي الذي قاعدته الغذائية ترتكز على الفواكه والخضراوات بكميات كبيرة، التي حدَّد من خلالها وجهته المُؤكِّدة على وجوب تفوق الفاكهة والخضراوات في حجمها على بقية الأغذية الأخرى (لا مجرد وضعها كقاعدة غذائية)؛ ومن هنا رأى المؤلف بعد ذلك وجوب دفع كل ما عدا الفواكه والخضروات من مجموعات غذائية أخرى لمراتب أقل- في كميتها المستهلكة- من نفس الهرم الغذائي الذي أسَّسه (كما توضح الصورة رقم 2)؛ وهو- كما ظهر لاحقًا- الهدف الأكبر الذي اراد أنْ يصل إليه الكاتب في كتابه"؛ وهذا الأمر (كما نراه نحن أيضًا ويراه بقية المتخصصين) أمر صحي ولا نختلف عليه البتة، بل هو الأمر الذي نسعى دومًا لتوجيه الناس للقيام به- بشكل عام- بعيدًا عن فكرة استبداله بموضوع شرب الماء من عدمه.


وعليه، فإنَّ الكتاب يُلخِّص رسالته على النحو التالي: "إنَّك في حال تمكَّنت من الحصول على تلك الكميات الكافية من الفواكه والخضراوات فإنَّك ستحافظ على تشبُّع جسمك بالسوائل من جهة، وستُقلِّل (ولكنك لن تلغي) من احتياجك لشرب الماء من جهة أخرى".

وهنا نلاحظ الطبيعة المختلفة في ترجمة الرسالة التي جاء بها الكتاب من خلال فهمنا لها (بعد قراءة معظم ما جاء بين طياته)، عن ذاك الذي لمَّح له المقال الذي كان يُدغدغ فكر القارئ بعبارات يُفهم من ورائها أنَّ شرب الماء ليس فكرة حسنة وهي مضيعة للوقت ليس إلا، ولها مساوئ عديدة.

وفي الإجمال أقول: "أنَّ أكل الفواكه والخضراوات أمر مطلوب لغناها بالكثير من العناصر المطلوبة" (وهو ما كنا نؤسِّس له وننصح به على الدوام)، بل أنَّنا نوافق الكتاب في فكرة اشباع الخلايا بالسوائل العضوية الطبيعية الموجودة في المحاصيل الزراعية وعلاقة ذلك بنظارة الجلد وحيويته؛ إلا أنَّنا لابد أنْ نؤكِّد مع هذا المبدأ أيضًا أنَّنا لا نستطيع الاستغناء عن الماء الخالص. 

وما أردت الإشارة له هو أنَّه حتى عند التزامنا بالغذاء الصحي وحصولنا على السوائل من خلال الأغذية الصلبة فإنَّ شربنا للماء من أجل إكمال النقص الذي نتَعَرَّض له بشكل يومي أمر لا مناص لنا منه؛ بل أنَّ جوهر حديثي يصب في التأكيد على أنَّ: (1) إشباع الخلايا أمر حيوي، (2) وتنظيف الجسم من خلال تمرير الماء الخالص في أجزائه النسيجية (كالكليتين) أمر ضروري للوقاية من أهم مشاكل أعضائه الأساسية التي يأتي في طليعتها تَكَّون الحصوات، (3) وتكرر دخول الحمام أمر صحي (وليس سلبي كما أشار له المقال) لأنَّه يُخَلِّص الجسم من الكثير من السموم، (4) وتحفيز الجسم على إفراز كمية أكبر من السوائل من خلال عمليات الإخراج المتعدِّدة (غير البولية) أمر يكفل لنا تنشيط الحالة التفاعلية الطبيعية في الجسم البشري. 

وعليه، أقول: "كما أنَّ هناك نظارة خارجية تُظهرُنا بصورة أصغر سنًا، هناك أيضًا نظارة داخلية مطلوبة من أجل الوقاية من الكثير من المشاكل الصحية".

ومن هنا نخرج بخُلاصة مفادها: أنَّ الزاوية التي تُقدَّم عادةً منها المواضيع الحيوية المختلفة التي تَعنَى ببعض مقومات الحياة الرئيسة كالماء وما شابه من موضوعات حسَّاسة هي غاية في الأهمية ولا يجوز التلاعب بعباراتها والتحيُّز لبعض فقراتها المُنتقاة من أجل استقطاب القراء وإرقاص الناس على ألحان بعض زواياها وغض الطرف عن بقية الزوايا المُكَمِّلة لمُجسَّمِها الثُلاثي الأبعاد، حيث أنَّ هذا النهج من التقديم يُسيء إلى الموضوع أكثر من غرسه لمنافعه، ويُفقِد القارئ المقدرة على فهم حقيقة الرسالة المنشودة من وراء كتابة بعض الكتب؛ ويُضلِّل الناس عند قيامهم بتطبيقاتهم العملية.

0 comments:

Post a Comment