بناءًا على الأسئلة الواردة المُحَاوِرَة لمبحث "أنواع المَنْفَحة المستخدمة في صناعة الأجبان"، والحَامِلَة بين طيَّاتِها تساؤلات عن تعريف المَنْفَحة الحيوانيَّة - على وجه الخصوص - ومصادرها المختلفة من الوجهة التقنيَّة العلميَّة (الدقيَّة)، تم صياغة هذا الرد الإيضاحي.
بدايةَ أشير - في مَطلَع هذا المبحث المُختصَر - إلى أنَّ الإنزيم الفَعَّال في المَنْفَحة الحيوانيَّة يُسمى إنزيم الرنين، وهو إنزيم تفرزه المعدة الرابعة للحيوانات المُجتَرَّة (وأعني هنا معدتها الحقيقيَّة). وتُسمِّى أيضًا بِـ خميرة الغشاء الداخلي لكرش الحيوان؛ بل ويُشار لها علميًا بِـ إنزيم الكيموسين؛ ووظيفته الأساس هي: هضم البروتينات. ويُستخدَم صناعيًا في التَجْبِين لأنَّه يقوم بفصل الشق الكربوهيدراتى المرتبط ببروتين الكابا-كازين؛ وعليه، يتمكّن الكازين من بعد ذلك من الارتباط بالكالسيوم الموجود في اللَّبَن، مُكَوِّنًا على إثرها كازينات الكالسيوم، التي تبدأ في تشكّيل شبكة من خيوط يتجمع بداخلها مكونات اللَّبَن؛ الأمر الذي يجعلها تترسب على هيئة هلاميَّة. وهو الأمر الذي يؤدي (كمُحَصِّلة نهائية) إلى انفصال الشرش (بقايا اللَّبَن) المُتَمَثِّل في الجزء المائي المحتوي على بروتينات الشرش وبعض من سكر اللَّبَن المسمى اللاكتوز وبعض الأملاح المعدنية، تاركًا ورائه الجزء الصلب المُتمثِّل فيما يُطلق عليه بالجبن.
وقد يُستخدَم إنزيم الببسين (الذي تفرزه أيضًا مَعِدٌ الحيوانات المُجتَرَّة) كبديل في صناعة الجبن بنفس الطريقة التفاعليَّة التي يقوم بها إنزيم الرنين. وللتوضيح فإنَّ نسبة إنزيم الببسين في مَعِدٌ البالغين من الحيوانات المُجتَرَّة عادةً أكثر من إنزيم الرنين، والعكس صحيح في مَعِدٌ الرُضَّع منها.
وقد يتم استخدام إنزيم الببسين المُستَخلَص من مَعِدٌ الحيوانات غير المُجتَرَّة كالخنزير (الذي يُصلُح في صناعة الجبن أيضًا) كبديل لإنزيمات الحيوانات المُجتَرَّة المذكورة في الفقرات الأولى.
وفى مصانع الجبن في العالم الغربي، تتم بشكل عام (وليس دائمًا) إضافة نسبة من ببسين الخنزير للمَنْفَحة الحيوانيَّة، لأنَّه أكثر ثباتًا ومقاومة للتحلُّل.
ومن أمثلة الحيوانات المُستخدَمة إنزيمات مَعِدها في هذا الشأن أيضًا: الأغنام والماعز والأبقار والجاموس؛ حيث يُحدِّد موضوع استخدامها من عدمه، طبيعية الحيوانات المُتَوَفِّرَة في البلد المُصَنِّع للجبن.
وقد يتم أيضًا استخدام بعض الإنزيمات المُستَخلَصة من مَعِدٌ الدجاج المذبوح بكميات كبيرة؛ وهو ما يجعل عملية توظيف محتوياتها الإنزيميَّة في عملية التَجْبِين- على المستوى الاقتصادي- أمرًا مُربحًا، سِيَّمَا في الدول الغربية.
وللتوضيح، فإنَّ المعروف والثابت لدينا- من خلال ملاحظاتنا العامة- عند ذبح الحيوانات المُجتَرَّة وغير المُجتَرَّة في الدول الغربية (باعتبار أنَّ غالب الأجبان المستوردة هي من عندهم)، هو عدم اتباع النهج الإسلامي (عدم التذكية)، بغض النظر عن أصل حليتها (كونها من الخنزير أو من غيره)؛ هذا أولًا (وكله يَتَعَلَّق بالنوع الأول من أنواع المَنْفَحة الذي يتم استخدامه بشكل اساسي في صناعة الأجبان الطبيعية).
وأمَّا بخصوص المصدر النباتي (وهو النوع الثاني) فيَتَمَثَّل فيما تفرزه بعض النباتات من إنزيمات تقوم مقام كل من إنزيم الرنين والبيبسين كبعض الفطريات التي تؤدي نفس الوظيفة، مع فارق أنَّها تُعطي طعمًا مرًا للجبن؛ وهي تْلْقَى رواجًا بين النباتيين والمُتَحفِّظين دينيًا (مسلمين أو غير مسلمين) على أمر أكل المصادر الحيوانية المُستخدَمة في هذا الشأن.
وفي المقام الثالث على لائحة أنواع المَنْفَحة يأتي المصدر البكتيري الذي يَتَمَثَّل - في جانبه الأوَّل - في الإفرازات الإنزيميَّة الطبيعية التي تقوم بها بعض الأنواع البكتيريَّة المُشابِهة في عملها لإنزيمات الرنين والبيبسين وما شابه من إنزيمات حيوانيَّة، أو أنَّه يَتَمَثَّل - في جانبه الثاني - فيما تفرزه بعض السُلالات البكتيرية بشكل غير طبيعي بعد إدخال جينات بترتيب حيواني مطابق لإنزيمات التَجْبِين (أي الرنين أو البيبسين) ضمن سلسلة خيوط جينات البكتيريا الأصليَّة، معتمدةً في هذا الأمر على تقنيات الهندسة الوراثية من أجل تحقيق نفس الغايَّة، أي عملية فصل الشرش عند عملية التَجْبِين.
وللإشارة فإنَّ البعض يطلق اسم المَنْفَحة النّباتية على المَنْفَحة البكتيرية (وهذا غير دقيق)؛ حيث أنَّ كل ما ترمي له هذه التسميَّة عمومًا هو محاولة القول بشكل غير مباشر أنَّ المَنْفَحة المستخدمة ليست حيوانيَّة.
وللتذكير (وقبل أنْ أقفل كامل المحاور)، فإنَّ ما تَقَدَّم هو خلاصة توضيحيَّة فقط لأنواع المَنْفَحة المُستَخدَمة في صناعة الأجبان؛ ولم يتم التَطَرُّق لبقيَّة المَحَاوِر المُرتَبِطة بطرق استخلاصها وكيفيَّة إعدادها وغيرها من عناوين تركيبيَّة وصناعية.
أمَّا فيما يتعلق بشرعية نجاسة الحيواني من المَنْفَحة (سِيَّمَا غير المُذَكَّى أو الخنزيري) وحِلِّيَة أكله من عدمه فهو خارج نطاق تغطيَّة هذا التوضيح المبني على الاختصار، والسؤال فيه (حتى يَتَبَيَّن للمُكَلَّف الخيط الأبيض من الأسود) يُوجَّه للمرجعيات الدينية من أجل تشخيص مُتَعَلِّقاتها الفقهية والبت فيها؛ فارتكاز حكمها الفقهي (بما لاشك فيه) سيكون مبني على فهم حقيقة ما يجري في مصانع الأجبان (سِيَّمَا الغربية منها)، والذي سيكون مدعومًا بما يُقَدِّمُه لها أهل الخبرة والعلم بتركيبة وطُرق استخلاص الإنزيمات المُستَخدَمة في صناعة الأجبان من مُراجعات دراسية معتمدة وبحثية مُحكمة.
إلا أنَّه ومع العلم من كل هذا، فإنَّ القدر المتوفِّر من المُطالعات (كما يظهر من الإستفتاءات العديدة في هذا المجال في كتب المُعاملات المُختلفة) أنَّه يحرُم أكل الأجبان المحتوية على المنفحة المأخوذة من كرش الحيوان غير المُذكى أو من الخنزير حال تم التيَقُّن من وجودها وعدم تطهيرها على النحو المتبع في دائرة التشريع الإسلامي قبل إضافتها للجبن.
وللإضافة، فإنَّ من المحاور التي تعنينا هنا، والتي دائمًا ما يتم الإشارة لها من قِبل الإخوة في الجانب الحوزوي كحدٍ فاصلٍ في موضوع الحليَّة من الحرمة، هو الاستفاهام عن النسبة المئويَّة لهذه الإنزيمات في الأجبان؟ وهنا أُبيِّن نقطة في غاية الأهمية: وهي أنَّ هذا السؤال غير مُكتمِل! حيث إنَّ النسبة تُصبِح عدمية الفائدة في حال جهلنا تركيز نفس هذه الإنزيمات في تلك النسبة المزعومة من قِبل المصانع! فقولنا مثلًا: أنَّ نسبة الإنزيم الفُلاني في الجبن الفُلاني هي واحد بالمئة، لا يُغيِّر من القضية شيء في حال كان تركيز الأنزيم في هذه النسبة مُرتفعًا. ففي عالم الإنزيمات والبيولوجيا الجُزيئية يجب معرفة التركيز أولًا؛ وذلك لأنَّ ما نسبته واحد بالمئة قد يفوق تركيز الإنزيم فيه ما نسبته اثنين بالمئة من مصنع أخر. ولذا، فالعمليَّة شائكة؛ فلاحظ. وأمَّا النقطة الأُخرى المُرتبِطة بموضوع التركيز، فهي أنَّ الحيوانات المُختلفة تُعطي تركيز مُختلف من هذه الإنزيمات، فما تحصل عليه المصانع من تركيز لإنزيم البيبسين المأخوذ من الخنزير - مثلًا - ليس مُشابهًا لتركيز البيبسين المأخوذ من الأغنام، أو من غيرها من حيوانات مُختلفة، وعلى هذا فقس. هذا فضلًا أيضًا عن أنَّ نفس تركيز هذه الإنزيمات قد يختلف عن نفس الحيوان على اختلاف اعمارها. ومن هنا، لا يجوز (علميًا) السؤال عن النسبة وتجاهل التركيز. وفي العموم، فإنَّ غالب المصانع (كما لاحظنا عند مُعينتنا للكثير من المُنتجات في الدول الغربيَّة) لا تضع تلك المعايير الدقيقة على منتجاتها، خصوصًا حينما يكون التصنيع قد تم في المصانع اليدويَّة الزراعية التي تأخذ المنفحة مباشرةً من الكرشة.
وللإضافة، فإنَّ من المحاور التي تعنينا هنا، والتي دائمًا ما يتم الإشارة لها من قِبل الإخوة في الجانب الحوزوي كحدٍ فاصلٍ في موضوع الحليَّة من الحرمة، هو الاستفاهام عن النسبة المئويَّة لهذه الإنزيمات في الأجبان؟ وهنا أُبيِّن نقطة في غاية الأهمية: وهي أنَّ هذا السؤال غير مُكتمِل! حيث إنَّ النسبة تُصبِح عدمية الفائدة في حال جهلنا تركيز نفس هذه الإنزيمات في تلك النسبة المزعومة من قِبل المصانع! فقولنا مثلًا: أنَّ نسبة الإنزيم الفُلاني في الجبن الفُلاني هي واحد بالمئة، لا يُغيِّر من القضية شيء في حال كان تركيز الأنزيم في هذه النسبة مُرتفعًا. ففي عالم الإنزيمات والبيولوجيا الجُزيئية يجب معرفة التركيز أولًا؛ وذلك لأنَّ ما نسبته واحد بالمئة قد يفوق تركيز الإنزيم فيه ما نسبته اثنين بالمئة من مصنع أخر. ولذا، فالعمليَّة شائكة؛ فلاحظ. وأمَّا النقطة الأُخرى المُرتبِطة بموضوع التركيز، فهي أنَّ الحيوانات المُختلفة تُعطي تركيز مُختلف من هذه الإنزيمات، فما تحصل عليه المصانع من تركيز لإنزيم البيبسين المأخوذ من الخنزير - مثلًا - ليس مُشابهًا لتركيز البيبسين المأخوذ من الأغنام، أو من غيرها من حيوانات مُختلفة، وعلى هذا فقس. هذا فضلًا أيضًا عن أنَّ نفس تركيز هذه الإنزيمات قد يختلف عن نفس الحيوان على اختلاف اعمارها. ومن هنا، لا يجوز (علميًا) السؤال عن النسبة وتجاهل التركيز. وفي العموم، فإنَّ غالب المصانع (كما لاحظنا عند مُعينتنا للكثير من المُنتجات في الدول الغربيَّة) لا تضع تلك المعايير الدقيقة على منتجاتها، خصوصًا حينما يكون التصنيع قد تم في المصانع اليدويَّة الزراعية التي تأخذ المنفحة مباشرةً من الكرشة.
يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم: "فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ" (عبس، 24).
ولكن هل هذه الانزيمات تتغير تركيبتها اثناء صناعة الجبن ام لا ؟ بمعنى آخر هل ينطبق عليها حكم الاستحالة ؟
ReplyDeleteهذا الأمر يحتاج لتحقيق منفصل، وإن شاء الله نتمكن من ذلك في المتسقبل القريب. ولكن في العموم، هي لا تتغير كما نفهمها علميًا عند ادخالها في عملية التصنيع.
Delete