Tuesday 21 March 2017
March 21, 2017

اللُحًى تقي وجنات وذقون الرجال من البكتيريا



اعتمادًا على إحدى الدراسات التي تم نشرها حديثًا في مجلة عدوى المستشفيات [1] (The Journal of Hospital Infections)، تبيَّن أنَّه من المُمكن أنْ تكون لـِ لُحَّى الرجال أثر مقاوم للميكروبات (وهو ما قد يظهر على أنَّه أمرُّ مُستغربُّ عند البعض). حيث أنَّ باحثي هذه الدراسة مشّطوا لُحَّى مجموعة من الكادر الطبي العامل في مستشفيات إنجليزية، ومن ثَمَّ قارنوا مستوى البكتيريا الموجودة عندهم مع مجموعة أُخرى من الكادر الطبي حليق اللُحَّى الذين تم تجميع العينات من الطبقات الخارجية لِوجناتهم وذقونهم. ولقد جاءت نتائج دراستهم على عكس المتوقّع (كما سنُناقشه بشكل مُختصر خلال السطور القادمة)؛ وهو ما يعني باختصار - بحسب الإفاضة التي جاؤوا بها - تشجيع الرجال على عدم حلق لُحَاهم وكل ما يُغطِّي وجناتهم من شعر بالأمواس والشفرات الحادة إذا ما أرادوا أنْ يُقلِّلوا من أعداد البكتيريا المُمرضة التي قد تتواجد على وجوههم [2] [3].

ففي العملية المسحية التي أُجريت في عام 2013م، قام باحثوا الدراسة بأخذ مسحات من مجموعة ضخمة من العاملين في اثنتين من كُبرى مستشفيات إنجلترا التعليمية. ومن بعد ذلك قاموا بمقارنة مستوى انتشار بعض الأنواع البكتيرية على خصلات شعر من كانوا مُلتحِيين منهم مع المسحات المأخوذة من على جلد ذقون ووجنات حليقي اللُحَّى في مجموعة التحكُّم.

ولقد تبيَّن بأنَّ حليقي اللُحَّى كانت لديهم القابلية لحمل ميكروبات ضارة شملت بين عناوينها البكتيرية العنقودية الذهبية المقاومة للمُضادة الحيوية (MRSA) التي تستوطن بشكل ملحوظ في المستشفيات بمُعدَّل متوسِّط يصل إلى ثلاثة أضعاف الموجود عند المجموعة المُلتَحِية. وللمعلومية - وبحسب مركز مكافحة ومقاومة الأمراض (CDC) – فإنَّ البكتيرية العنقودية الذهبية المقاومة للمُضادات الحيوية منتشرة في الكثير من المستشفيات وهي من الأنواع البكتيرية التي تنتقل بعد مُلامسة الجلد مُباشرةً (من جلد الحامل لها لجلد إنسان آخر غير حامل لها، أو إلى الأشياء العامة كمقابض الأبواب وسماعات التلفون وبقية الأدوات العامة)، وهي مقاومة للكثير من المضادات الحيوية الموجودة على رفوف الصيدليات في يومنا هذا. ولقد وجد باحثوا الدراسة أيضًا بأنَّ الرجال الذين ظهروا بذقون ووجنات محلوقة بالأمواس كان لدى بعضهم قابلية لحمل بُقع من هذه البكتيرية قد تصل في كميتها حتى إلى حدود عشرة أضعاف ما هو موجود في المجموعة المُلتَحِية.

ويقول باحثوا الدراسة: "إنَّ دراستنا تقترح بأنَّ شعر الوجه عمومًا لا يزيد من احتمالية خطر الإصابة بالبكتيرية مقارنة بالمجموعة حليقة اللُحَّى، والتي يُطلق عليها بعينة التحكُّم"، ويضيفون: "بأنَّ المجموعة حليقة اللُحَّى هم أكثر عرضة لنمو بعض الأنواع البكتيرية على وجوهم".

ويعتقد الباحثون بأنَّ الأمر متصل بالدرجة الأولى بما يُسمَّى بالجروح الخفية أو غر المرئية (microtrauma) التي يتعرَّض لها مُستخدمو أمواس الحلاقة بصورة مُستمرة عند حلقهم لِلِحَاهم. حيث أنَّ التعرُّض المُستمر للأمواس (يومًا بعد يوم) يُساعد على نمو وانتشار مستعمرات البكتريا على الجلد بشكل ملحوظ. إلَّا أنَّ دراسة أُخرى أُجريت في عام 2014م [3]، قدَّمت تعليل أخر للموضوع، بخُلاصتها التي تقول: "إنَّ شعر اللُحَّى - في حد ذاته - كفيل بِمُحاربة العدوى".

أمَّا بالنسبة للدكتور آدام روبرت (Adam Roberts) المُتخصِّص في مجال علوم الميكروبات الدقيقة في جامعة كلية لندن (the University College London)، الذي قام بأخذ مسحات عشوائية من لُحَّى مُختلفة، ومن ثَمَّ وضعها في أطباق خاصة بزراعة البكتيريا؛ فقد تمكّن من زراعة 100 نوع مُختلف من البكتريا من تلك اللُحَّى. إلَّا أنَّ روبرت وجد بأنَّ هذه البكتيريا المُختلفة قادرة على قتل كل الأنواع البكتيرية الأُخرى الموجودة معها في نفس طبق الزراعة. بل أنَّه وجد أيضًا بأنَّ هذه الأنواع البكتيرية المعزولة قادرة في نطاق أخر - عندما عزَلَها - على قتل حتى بعض الأنواع المعوية من البكتيرية كتلك التي تُسمَّى بالـ (E. coli).

ويجدر بي هنا أنْ أذكُر لكم أيضًا بأنَّ الدراسة القديمة العهد في هذا المجال [4]، التي أُجريت في عام 1967م، والتي استحوذت نتائجها على فكر الرأي العام لعقود مضت، كانت تقول (على عكس ما جاء به باحثوا الدراسات المذكورة أعلاه): "بأنَّ ذوي اللُحَّى لهم قابلية لاستقطاب أنواع مُختلفة من البكتيريا لها القدرة على النمو على وجناتهم وذقونهم أكثر من قرنائهم غير المُلتَحِيين". حيث أنَّ استنتاجهم الدراسي - في تلك الحقبة التاريخية - قد أفضى بطريقة مُبالَغ فيها (كما يتضح عند مُقارنة دراستهم ببقية الدراسات الحديثة) إلى أنَّ شعر الوجه يحتوي على نفس البكتيريا المتواجدة في الأمعاء وفِي فضلات الإنسان (الغائط)؛ على حدِ قولهم. وكان تبرريهم النهائي للموضوع هو أنَّ اللُحَّى تُساعد على احتجاز الكثير من الأوساخ والبكتيريا (وهو تبرير نْظَرَ للموضوع من زاويةٍ يتيمة وأهمل بقية الزوايا، بل وأنَّه جاء بعناوين تُقزِّز المرء من تربية اللّحْيِة). إلَّا أنَّ الحقيقة (التي يؤكِّد عليها معظم علماء الميكروبات والمُتَخصِّصون في علوم الأمراض المُعدية في أيامنا هذه) مُغايرة لنتائج دراسة عام 1967م، بل أنَّها داعمة لِفحوى ما جاءت به معظم الدراسات التي ذكرنا بعضها في بداية هذه المُراجعة، وهي: أنَّ اللُحَّى تقي من الميكروبات عند مُقارنتها كعنوان مُستَّقِل بعنوان "حلقها بالأمواس"، وأنَّه حينما يقوم الأنسان بإجراءات النظافة الصحية المُتعارف عليها ويحافظ على تطبيقها بشكل دوري فإنَّ لِحْيَتَه ستحتوي حينها على مستوى طبيعي من البكتيريا التي سيكون جزءٌ يُعتدُ به منها حاميًا أو صديقًا له (كما تم الإشارة له أعلاه). 

ومن هنا فإنَّ كلمة السر - المُعتَمِدة على الرأي العلمي - في الحفاظ على وجه صحي تكمن في النظافة والالتزام بمعاييرها والاستمرار عليها مع وجود اللُحَّى (كما بيَّنت لنا دراسات هذه المُراجعة)، وليس في حلق الذقون والوجنات والتخلُّص مِمَّا هو موجود عليها من شعر طبيعي بالأمواس الجارحة أو بالشفرات الحادة.

المراجع


[1] Sakai Y, Qin L, Miura M, Masunaga K, Tanamachi C, Iwahashi J, Kida Y, Takasu O, Sakamoto T7, Watanabe H4.Successful infection control for a vancomycin-intermediate Staphylococcus aureus outbreak in an advanced emergency medical service centre. J Hosp Infect. 2016 Apr;92(4):385-91. doi: 10.1016/j.jhin.2015.12.016. Epub 2016 Jan 18.

[2] Sakai Y, Qin L, and Miura M, et al. Successful infection control for a vancomycin-intermediate Staphylococcus auereus outbreak in an advanced emergency medical service centre. Journal of Hospital Infection. 2016.

[3] Wakeam E, Hernandez RA, Rivera Morales D, Finlayson SR, Klompas M, Zinner MJ. Bacterial ecology of hospital workers' facial hair: a cross-sectional study. J Hosp Infect. 2014 May;87(1):63-7. doi: 10.1016/j.jhin.2014.02.010. Epub 2014 Mar 26.

[4] Manuel S. Barbeito, Charles T. Mathews, and Larry A. Taylor. Microbiological Laboratory Hazard of Bearded Men. Appl Microbiol. 1967 Jul; 15(4): 899–906. PMCID: PMC547091.

0 comments:

Post a Comment