Monday, 28 January 2019
January 28, 2019

الأسبرين.. ماذا بعد!


في هذا المقال المُقتضب أردتُ فقط أنْ أُسلِّط الأضواء على بعض العناوين المُرتَبِطة بالأسبرين (حمض الأسيتيل ساليسيليك). فَفي الوقت الذي يتم تقدِّيمه بصفته دواء يُساعِد على منع حدوث النوبات القلبية وتكوُّن الجلطات الدموية (وذلك لأنَّه يعمل على تسييل الدم وتخفِّيف انسيابيته في الأوعية)، بل ودخوله كعقار يتضمَّن أثرًا وقائيًا من حدوث بعض الأورام السرطانية (كما أظهرت بعض الدراسات غير الحاسمة)، فإنَّ نشرات علمية أُخرى استعراضية للأدلة التجريبية حديثة قد ذهبت إلى أقصى اليسار وصاغت نقاشاتها حول طبيعة الآثار الجانبية المُحتمَل حدوثها عند بعض المرضى جراء استخدامه (مِمَّا جعل من مكانته كعقار يصنع المعجزات تنحدر نسبيًا)

وهنا أشير إلى التحليل الإحصائي الذي شمل نتائج عدد كبير من التجارب الذي نشرته الجمعية الطبية الأمريكية (JAMA)، وذلك من أجل الحصول على استنتاجات أكثر حسمًا من ذي قبل تُبيِّن حقيقة ارتباط عقار الأسبرين بحدوث مشاكل في الجهاز الدوري الدموي تؤدِّي لحدوث نزيف، من عدمه.

والغريب في الأمر هو أنَّ دراسة الجمعية الطبية الأمريكية قد خرجتْ بخُلاصة مفادها: أنَّ نسبة خطر تسبُّب الأسبرين في حدوث نزيف داخلي في الأنسجة الحسَّاسة كالدماغ والأمعاء وغيرها من أنسجة تُماثِل (أو حتى أعلى في بعض الحالات) من نسبة فوائده الشاملة لعنوان الوقاية من النوبات القلبية وتشكُّل الجلطات.

ومع العلم من أنَّ بعض من يتعاطونه بشكل دائم أخذوا يحومون حول وصفة تناول جرعات قليلة منه بعد الإفطار كل يوم وعدم تناوله على معدة فارغة أبدًا (خوفًا من أي أثار نزيفية قد تنتج عنه)؛ إلَّا أنَّ هذه المخاوف لم تلغي حقيقة أنَّه عقارٌ وقائيٌ جيدٌ تصفه المصحات الطبية لمن يعانون بالفعل النوبات القلبية أو الجلطات.

وعند العودة إلى دراسة الجمعية الطبية الأمريكية، سنجد بأنَّ عدد الأشخاص الذين تمت تغطيتهم هو: 164.255 شخصًا لم تكن لديهم أي مشاكل سابقة في أمراض القلب والأوعية الدموية. حيث خضع كل واحدٍ منهم لمتابعةٍ دورية استمرت لمدة 6 سنوات (بالحد المتوسط) تناول يوميًا خلالها: إمَّا الأسبرين أو العلاج الوهمي.

ومنها جاءت النتائج مفيدةً بأنَّ الذين كانوا يتناولون الأسبرين تدنّت نسبة اصابتهم بالنوبات القلبية وتكوُّن الجلطات الدماغية لديهم بحدود 11%، إلَّا أنَّ نسبة إصابتهم بنوبة نزيف حاد في المعدة أو المخ أو الأمعاء ارتفعت بحدود 43%. بل وخرجوا أيضًا من دراستهم بنفي ارتباط تأثِّير الأسبرين على الأورام السرطانية.

وفي هذا الشأن يذكر الدكتور الأكاديمي والسريري في طب القلب بالكلية الملكية في لندن شون تشينغ: "بأنَّ تناول الأسبرين يوميًا لا يُمكن أنْ يُوصَى به للأشخاص الأصحاء". لكنَّه أشار أيضًا إلى أنَّه ما زال من المُمكن أنْ يُوصَف للأشخاص الذين يعانون خطرًا عاليًا من الإصابة بنوبة قلبية أو تكوُّن جلطة دموية، مثل المصابين بالنوع الثاني من مرض السكري ومن سار على ايقاع مُشكلتهم الصحية المزمنة من المرضى. علمًا بأنَّه أضاف قائلًا: "بأنَّه سيكون من المهم أنْ نضع بعين الاعتبار خطر احتمالية حدوث نزيف". بل وأضاف على ذلك أيضًا ما نصه: "يتطلَّب استخدام الأسبرين نقاشًا بين المرضى وأطبائهم، في ظل معرفة أنَّ الفوائد المُحتمَلة القليلة يقابلها خطر حقيقي بالنزيف الحاد".

وفي العموم، فإنَّ النتائج التي جاءوا بها تعكس مُتوسِّط احتمالية حدوث نزيف أو نوبات قلبية بين المرضى في كل التجارب. وهو ما يعني أنَّ هناك أشخاصًا ستتحسَّن حالتهم عند التوقُّف عن الأسبرين، ومنهم من ستسوء. ولعل هذا ناتج من عدم تطابق أجسام البشر - بطبيعة الحال – فيما بينها.

وعلى كل حال، فإنَّ ما جاء به هؤلاء الباحثون يُقدِّم موقفًا جديدًا نحتاج فيه للموازنة بين الخطر الفردي والفائدة لهذا العقار، ولربُّما بمساعدة ممارسٍ مُتخصِّص قادر على وضع اطار حقيقي لفهم كامل الصورة.

وهنا رسمت فرقة الخدمات الوقائية الأمريكية (US Preventive Services Task Force) وصاياها على النحو التالي: (1) بأنْ يتناول الأشخاص الذين تقع اعمارهم بين 50 و59 عامًا جُرعات مُنخفِضة من الأسبرين، من أجل منع المشكلات الخاصة بالقلب والأوعية الدموية وسرطان القولون والمستقيم (وتحديدًا، إذا كان لديهم احتمال لحدوث النوبات القلبية والسكتات بنسبة 10% أو أكثر، ولا يعانون ظروفًا صحية تزيد من احتمالات إصابتهم بالنزيف). وتم حساب نسب المُخاطَرة عمومًا باستخدام عوامل مثل السن، وضغط الدم، ومستويات الكولسترول، والسجل السابق للتدخين، وغيرها من الظروف الشاملة لعنوان الإصابة بمرض السكري. (2) وأنْ يتناول الأشخاص الذين يقعون ما بين 60 و69 عامًا ولديهم خطر التعرُّض لِمشكلات في القلب والأوعية الدموية بنسبة 10% أو أكثر، فإنَّ القرار سيعود حينها (بحسب ما جاء به الفريق) للشخص نفسه بعد استماعه للشروح المُتعلِّقة بالعقار من قبل المصحة المُعالجة له.

الجدير بالذكر أيضًا بأنَّ غرفة الصيادلة بولاية هيسن الألمانية قد حذَّرتْ من: أنَّ تعاطي العقاقير التي لا تحتاج إلى وصفة طبية (مثل الأسبرين والإيبوبروفين) بجرعات عالية وعلى مدار فترة طويلة قد يؤذي الكليتين. وعليه، فإنَّه لا يجوز (بحسب غرفة الصيادلة بولاية هيسن) تعاطي هذه الأدوية لمدة تزيد على 3 أيام دون استشارة الطبيب. بل ويسري هذا التحذِّير بصفة خاصة أيضًا على الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في الكليتين (نظرًا إلى أنَّه إذا لم يتم تصرِّيف بقايا الأدوية عبر الكليتين، فإنَّها قد تتراكم داخل الجسم، وهو ما سَيُشكِّل خطرًا على صحة الشخص).

من الجدير ذكره أيضًا: أنَّ الأسبرين يتسبَّب في سيولة الدم حتى مع الجرعات الصغيرة الأقل من 100 ملليغرام. حيث سرعان ما يتكوَّن هذا التأثير في دقائق قليلة، إلَّا أنَّه يستمر بعد ذلك قرابة أسبوع من الزمن. لذا، ينبغي على كل مَن هو مُقبِل على تدخُّل جراحي أو إجراء عملية (حتى لو كانت في عيادة الأسنان مثلًا) أنْ يُخبِر الطبيب بالجرعة التي تناولها من الأسبرين وفي أي وقت، وذلك لاتخاذ التدابير الاحترازية اللازمة.

0 comments:

Post a Comment