Thursday 25 July 2019
July 25, 2019

ميسرة مازال حيًا يُرزَق بنهجه وكامل أدواته التمثيلية!


خلال أيام مرحلة الدراسة الابتدائية، كان بعض المدرسين يُفاجئنا ودون سابق إنذار في بعض الأيام بتغيير نهجه في تقديم الدرس وطريقة تعامله معنا (وهنا تحضرني صورة المدرس ميسرة على وجه الخصوص). فكنا مثلًا نراه فجأةً يلِّون عناوين درس تلك الحصة على السبّورة بألوان الطباشير المُختَلِفة التي لم تكن تُستخدَم من قبله في بقية دروس الحصص الأُخرى في الأيام الاعتيادية بأي شكل من الأشكال، والتي كانت تتضمَّن كل ما يخطر وما لا يخطر على بالنا من عناوين استهلكت منه حصصًا فصليةً سابقةً وهو يُلقِّننا إياها كي نحفظها ونحفظ مُتعلِّقاتها من شروح. وكنا نُفاجأ أيضًا بنظافة الفصل ونظافة محتواه من كراسي وطاولات وغيرها من محتويات فصلية في نفس ذلك اليوم وتعلِّيقه للوسائل على جدرانه الأربعة. بل وحتى عصاه التي عادةً ما يُهدِّدنا بها على الدوام ويضربنا بها متى ما حلى له الأمر بسبب وبدون سبب (دون رقيب أو حسيب) تختفي هي الأخرى فجأة في ذلك اليوم، ويتحوَّل إلى شخصيةٍ أُخرى قوامها العام الرحمة والشفقة ومحبة الطلاب والذوبان في كل ما له علاقة بمحاور الدرس ورسم مستقبل الطلبة ومستقبل الوطن.

إلَّا أنَّ الصدمة التي عادةً ما ترتسم على وجوهنا في نهاية ذلك اليوم (والتي كنا نتعامل معها بصفتها طُرفة تُضحكنا، بالرغم من صغر سننا) كانت تأتي من معرفتنا بأنَّ تلك الصورة التي رسمها المُدرس ميسرة وبكل ما فيها من تفاصيل وهمية لم تكن إلَّا مُجرَّد تمثيلية لمسرحية مُشاهِدُها الأوَّل والأخير هو ذلك المُشرِف المُقيِّم الذي زارنا والذي كان المُدرس ميسرة يعلم مُسبقًا بمجيئه إلينا، وأنَّنا لم نكن في حقيقة الأمر إلَّا شخصيات عابرة تقوم بأدوار تكميلية لأحداث تلك المسرحية التي تم إقحامنا فيها عنوةً ودون سابق إنذار.

حيث إنَّه ما أنْ يخرج المُشرِف من الفصل حتى يعود المدرس ميسرة لسابق عهده وكأنَّ شيئًا لم يكن، بل وتراه يستشيط غضبًا على كل من لم يجب على الأسئلة التي طرحها أثناء زيارة المُشرِف المُقيِّم له (وذلك لأنَّه المُستفيد من أحداث ذلك اليوم). فكامل العرض كما بدأنا نفهم بعد أنْ كبرنا لم يكن في حقيقته إلَّا عتبةً له كي يضع رجله عليها للوصول لمستوى أرفع على سلم التقيّيم الورقي!

وخُلاصة الموضوع هي: أنَّنا اعتقدنا لسنوات عديدة بأنَّ تلك الصورة المُضحة المُبكية هي إحدى صور ذكريات أيام الدراسة المُرتَبِطة بشخصيات بعض المُدرسين ومن ضمنهم المدرس ميسرة (وأنَّها قد انتهت). إلَّا أنَّنا نُصدَم اليوم (ويا لها من صدمة) بعد أنْ وجدنا بأنَّ نفس هذه الصورة التي يتقدَّمها المدرس ميسرة بنهجه وكامل أدواته التمثيلية (وإنْ تعدَّدت أُطرها التحديدية وأشكالها التعبيرية ومساحاتها الوظيفية وتفاصيلها البيانية) لم تختفي أبدًا، بل هي مُتغلغلة بكامل جذورها "المَيَاسِرية" في بعض المؤسسات التي تتغنَّى باسم جودة المُخرجات الخدمية والشهادات الاعتمادية وبنحوٍ أكثر صدمةً وأشد إيلامًا! ومُتلقِّي الخدمة الحقيقي كما تقول العبارة المُتداولة في الأوساط العسكرية: "محلك سر" لا يدري ما موقعه من الإعراب من كل هذه البهرجة الإعلامية والنصوص الورقية وسياسات جودة العمل الديكوراتية التي بُنِيَت من أساسها بأدوات ميسرة التمثيلية (وهنا تتبلوَّر حقيقة المُشكلة)!

فجودة الأعمال (المُتمَثِّلة في المُخرجات النهائية) تُقيَّم عبر مُستفيديها الحقيقين الذين وُضِعتْ تلك المؤسسات من أجلهم وقناعة كفاءتها المُخلصين المُستَقلين العاملين فيها بما تُقدِّمه كامل المنظومة من خدمة، لا من خلال تقمُّص شخصية ميسرة الذي يقوم به الأغلبية في بعض تلك المؤسَّسات وهم في حالة سُكرٍ (بعلم وبدون علم) أثناء تقدِّيم الأدوار "المَيَاسِرية" أمام مُشاهدِيهم من المُقييمين الاعتماديين.

0 comments:

Post a Comment