Friday 19 July 2019
July 19, 2019

ما يجب أنْ تعرفه عن نقص إنزيم خميرة الفول


||1|| نقص إنزيم الـ (G6PD)- أو نقص خميرة الفول- من أمراض الدم الوراثية التي تُصيِب غشاء خلايا الدم الحمراء على وجه الخصوص (كون أنَّ هذا الإنزيم موجود في غشاء الخلية نفسه)، مِمَّا يجعلها عرضة للتحلُّل والتكسُّر إمَّا بشكل حاد (مفاجئ) كما يحصل في بعض أنواعه أو بشكل مزمن (بطيء) كما يحصل في أنواع أخرى منه. إذًا هذا المرض ينتج من خلل في غشاء الخلية وليس من خلل في الهيموجلوبين كما هو الحال في أنيميا السكلسل أو التلاسيميا.

||2|| يحدث التكسُّر في حالات نقص إنزيم الـ (G6PD) عند تناول الأغذية المُؤكسِّدة التي يأتي على رأس قائمتها الفول (كأحد أقوى أنواع البقوليات الذي أخذ المرض إسمه منه)؛ إلَّا أنَّه يختلف في حدة تأثيره على مريض نقص إنزيم الـ (G6PD). وللتوضيح فإنَّ البقوليات الأخرى (كالعدس والفاصوليا والبازلاء والبليلة أو الحمص) تختلف في طبيعتها عن الفول؛ ولقد بينت هذا الأمر في مقالة مستقلة جاءت بعنوان: "هل تؤثِّر أفراد مجموعة البقوليات على مرضى أنيميا الفول كما يؤثِّر الفول عليهم؟"، حيث تحدثت فيها عن هذا الأمر وعن البقوليات كمجموعة غذائية مهمة!). وهناك أغذية ومواد متعددة مُعنونة بعناوين مختلفة تتمايز في حدتها وتأثيرها على مرضى نقص إنزيم الـ (G6PD) التي يحتاج بعضها لأن يكون بتركيز عالي ليقوم بتأثيره الضار على من يُعاني من نقص في هذ الإنزيم. إلَّا أنَّه في نهاية المطاف نؤكِّد على ضرورة أنْ يكون هناك برنامج غذائي صحي متكامل كفيل بتزويد المصاب بهذا المرض بكل احتياجاته من العناصر الضرورية من مصادرة غير تلك المعدودة مؤكسدة، مع مراعاة الابتعاد عن كل ما هو غير مفيد من الأغذية. بل ويجب دراسة حقيقة تأثير بعض هذه المواد بصورتها الإكلينيكية كي لا يكون هناك حرمان من بعض الأغذية في غير محله!

||3|| هناك من يربط بين أكل الفول وبين بعض أمراض الدم الوراثية كأنيميا السكلسل والتلاسيميا، وهذا غير الصحيح؛ بل الصحيح هو أنْ يتم ربطه فقط بنقص إنزيم الـ (G6PD).

||4|| وقد يحدث التكسُّر أيضًا عند من يُعاني من نقص في إنزيم الـ (G6PD) عند تناول بعض الأدوية. وهناك لائحة بالأدوية المحضورة على المرضى الذين يعانون من نقص في إنزيم الـ (G6PD) تشمل بعض المضادات الحيوية كبعض مضادات البكتيرية وبعض مضادات الملاريا وما دار في فلكها من أدوية مُشابهة. وبالمناسبة فإنَّ بعض الشركات المُصَنِّعة للأدوية لا تختبر مُنتجاتها إكلينيكيًا على مرضى مصابين بنقص إنزيم الـ (G6PD)؛ لذا لابد من إخبار الطبيب المُعالج بأنَّك مصاب بنقص في هذا الإنزيم قبل الحصول على أي علاج. ومن هنا فإنَّ تعاطي بعض الأدوية العشبية الشعبية دون دراية من قبل مرضى نقص إنزيم الـ (G6PD) أمر غير صائب.

||5|| وقد يحدث التكسُّر أيضًا عند من يُعاني من نقص في إنزيم الـ (G6PD) عند الإصابة ببعض الالتهابات الجرثومية كبعض الفصائل البكتيرية أو الفيروسية (ومن أهمها الفيروسات التي تصيب الكبد)، لذا يتوجب على هذه المجموعة من المرضى توخي الحذر كي لا يُصابون بهذه النوعية من الالتهابات أو أي التهابات تحمل نفس المضاعفات.

||6|| وقد يحدث التكسر أيضًا عند استخدام بعض الأصباغ كالحناء وبعض الروائح الكيميائية وغيرها من مواد لا يسعى المجال لتغطيتها جميعًا في هذا الاختصار؛ وهي لائحة تشترك في طبيعة تأثيرها على مرضى نقص إنزيم الـ (G6PD)، إلَّا أنَّها تختلف في حدتها بسبب النوع والتركيز كما سيتبين لاحقًا. وهنا لا بُدَّ من الإشارة إلى أنَّ الحديث عن حالات وفاة عند مرضى أنيميا الفول جراء استخدام الحناء هو أمر غير دقيق في جوهره لأنَّه قد يشمل مجموعات من المرضى تعاني من أنواع محددة من هذا المرضى وليس كل من يعاني منه، وذلك لإنَّ الدراسات التي أشارت لهذا الأمر لم تُغطّي كل الأنواع من هذا المرض!

||7|| وهنا أؤكِّد على أنَّ كل ما ذكرته حتى الآن من مسميات غذائية أو علاجية أو تجميلية مختلفة ضارة لمن يُعاني من نقص في هذا الإنزيم تُعدُّ الأهم والأكثر تربعًا على قائمة المحظورات عند الإصابة بهذا المرض وليست كُلها؛ لأنَّ الأصل في الموضوع - عند التوسّع في بقية المجموعات - هو البحث في حقيقة احتواء الغذاء أو العلاج أو المادة المُستخدَمة من قبل من يُعاني من هذا المرض على المواد الضارة (مؤكسِّدة أو غير مؤكسِّدة) وليس الغذاء نفسه. بل ويجب التأكيد مرةً أخرى أيضًا على أنَّ بعض هذه المواد قد يكون تأثيرها على بعض مرضى أنيميا الفول هو تأثير محدود للغاية! 

||8|| ويؤدِّي تكسُّر خلايا الدم الحمراء عند مرضى نقص الـ (G6PD) إلى انخفاض الهيموجلوبين. حيث أنَّ المُعدَّل الطبيعي للهيموجلوبين يختلف باختلاف العمر والجنس، إلَّا أنَّه عمومًا في الحالات الطبيعية يكون فوق معدل الـ ١٠ غرامات لكل ديسيلتر من الدم، خصوصًا في المناطق التي ينتشر فيها أمراض دم وراثية، بغض النظر عن تحديد العمر وجنس المولود، وهناك لائحة تُبَيِّن النسب الدقيقة للهيموجلوبين لكل فئة عمرية من الجنسين لمن يُريد أنْ يتبحر في موضوع قراءاته المُتَعدِّدة وإحصاءاته النسبية. بل ولا بُدَّ من الإشارةً هنا إلى أنَّه ليس من العدل مقارنة مستويات الهيموجلوبين في المناطق التي لا تعاني من أمراض دم وراثية مع مستويات الهيموجلوبين في المناطق التي تعاني من أمراض دم وراثية كبعض مناطق الخليج العربي.

||9|| وأمَّا بقية أعراض نقص إنزيم الـ (G6PD) فتشمل اصفرار الجلد (الذي يكون حينها شاحب)، بل وتشمل اصفرار بياض العينين (أي اليرقان، أو كما يُسمى في مناطق الخليج بـ "أبو صفار")؛ وهي أعراض بشكل عام تشترك مع بقية أعراض أمراض الدم الوراثية كالتلاسيميا وأنيميا السكلسل، وإنْ كانت نسبية وتتراوح في حدتها من حالة إلى أخرى. وبالمناسبة، فإنَّ الإصابة بمرض نقص إنزيم الـ (G6PD) قابلة لأنْ تجتمع مع أي مرض دم وراثي آخر؛ حيث أنَّ هناك مثلًا من هو مصاب به وهو حامل أو مصاب لأنيميا السكسل أو للتلاسيميا، لأنَّ نقص إنزيم الـ (G6PD) شيء والإصابة بأي مرض دم وراثي مختلف عنه شيء آخر.

||10|| ونستطيع القول عمومًا بشأن أعراض مرض نقص إنزيم الـ (G6PD): بأنَّها تتفاوت من شخص لآخر، لأنَّها تعتمد بالدرجة الأولى على نوع الطفرة الجينية الحاصلة في كروموسوم من يُعاني من نقص في هذا الإنزيم وعلى نشاط كبده وقدرته على تصفية المادة الصفراء التي تنتج عن تكسر كريات الدم الحمراء والتي عند زيادتها تترشح عن طريق بعض الأنسجة كالجلد وبياض العينين مسببةً كما ذكرت لاحقًا اليرقان، بل والقادرة على تغيير لون البول إلى اللون الداكن. فبالإضافة إلى الأعراض السابقة، أذكر أيضًا أنَّ المصاب قد يشعر بالخمول والدوار. وحينما تستمر حالة التكسر لعدة أيام (في الحالات الشديدة) فقد تظهر أعراض أخرى مثل: فقدان الشهية للطعام، أو التقيؤ؛ واضطراب (عدم انتظام) التنفس؛ والإصابة بالاصفرار الشديد؛ والشكوى من مشاكل وظيفية في القلب، قد تصاحبها آلام في الصدر.

||11|| أمَّا النقطة المهمة في هذا المجال والتي لابد من الإشارة لها فهي: أنَّ مرض نقص إنزيم الـ (G6PD) يختلف عن معظم أمراض الدم الوراثية المعروفة كأنيميا السكلسل والتلاسيميا في أنَّه يحدث بسبب طفرة جينية موجودة على الكروموسوم الأنثوي المسمى بـ (X)، وهي نقطة يجب الانتباه لها؛ لذا يُعدُّ مرض نقص إنزيم الـ (G6PD) من الأمراض التي تنتقل بالوراثة وترتبط بجنس المولود.

||12|| وحتى نفهم ما تقدَّم في موضوع ارتباطه بجنس المولود، أُبيِّن لكم أولًا أنَّ جنس الذكور يتصف بنوعين من الكروموسومات هما (XY)؛ بينما يتصف جنس الإناث بـ (XX). وعليه فإنَّ الرجل إمَّا أنْ يكون سليمًا أو أنْ يكون مصابًا، ولا يُوجد عند الرجال بالنسبة لمرض نقص أنزيم الـ (G6PD) أي احتمال ثالث بينهما، لأنَّه لا يملك إلا (X) واحدة، بل ومخطئ من يردد من الرجال بأنَّه حامل لمرض نقص إنزيم الـ (G6PD)؛ بينما المرأة- ولأنَّها تملك (XX)- فهي إمَّا أنْ تكون سليمة أو حاملة أو مصابة. وكما تُلاحظ فإنَّ مصطلح "حامل لمرض نقص إنزيم الـ (G6PD)" لا يُستخدم إلا مع الإناث اللاتي يكن حينها حاملات لجين المرض، واللاتي (كما هو غالبًا) لا يشعرن حينها بأي أعراض حقيقية كما يشعر بها المصاب به.

||13|| أمَّا فيما يتعلق باحتمالات الإصابة بمرض أنيميا الفول، فنستطيع اختصارها في الستة المحاور التالية: (١) أنْ يكون الأب سليم والأم سليمة، وهو الأمر الذي سيعني حتمًا أنَّ كل الأولاد (ذكورًا وإناثًا) سيولدون سليمين من المرض؛ (٢) أنْ يكون الأب مصابًا والأم مصابة، وهو الأمر الذي سيعني أنَّ كل الأولاد (ذكورًا وإناثًا) سيولدون مصابين بالمرض؛ (٣) أنْ يكون الأب مصابًا والأم سليمة، وهو الأمر الذي سيعني أنَّه عند كل ولادة: في حال كان المولود أنثى، فإنَّها لن تُصاب بالمرض بأي شكل من الأشكال، إلَّا أنَّها حتمًا وبنسبة (100%) ستحمل جين المرض دون أنْ تظهر عليها الأعراض؛ أمَّا في حال كان المولود ذكرًا، فإنَّه حتمًا وبنسبة (100%) سيُولد سليم؛ (٤) أنْ يكون الأب مصابًا والأم حاملة للمرض، وهو الأمر الذي سيعني أنَّه عند كل ولادة: في حال كان المولود أنثى، فإنَّ نسبة إصابتها بالمرض ستكون (٥٠٪)؛ وأنَّ نسبة حملها لجين المرض دون ظهور الأعراض المرضية عليها ستكون أيضًا (٥٠٪)؛ أمَّا في حال كان المولود ذكرًا، فإنَّ نسبة إصابته بالمرض ستكون (٥٠٪)؛ ونسبة سلامته من المرض ستكون أيضًا (٥٠٪)؛ (٥) أنْ يكون الأب سليم والأم حاملة للمرض، وهو الأمر الذي سيعني أنَّه عند كل ولادة: في حال كان المولود أنثى، فإنَّها حتمًا لن تكون مصابة بأي شكل من الأشكال، إلَّا أنَّ نسبة حملها لجين المرض دون ظهور الأعراض المرضية عليها ستكون (٥٠٪)؛ أمَّا في حال كان المولود ذكرًا، فإنَّ نسبة إصابته بالمرض ستكون (٥٠٪)، ونسبة سلامته من المرض ستكون أيضًا (٥٠٪)؛ (٦) أنْ يكون الأب سليم والأم مصابة، وهو الأمر الذي سيعني أنَّه عند كل ولادة: في حال كان المولود أنثى، فإنَّها حتمًا لن تكون مصابة بأي شكل من الأشكال، إلَّا أنَّ نسبة حملها لجين المرض دون ظهور الأعراض المرضية عليها ستكون (٥٠٪)؛ أمَّا في حال كان المولود ذكرًا، فإنَّه حتمًا وبنسبة (١٠٠٪) سيُولد مصاب.

||14|| أذكر لكم أيضًا بأنَّ هناك مجموعة يُعتد بها من الناس من الذين تم تشخيصهم خطأ على أنهم سليمون وهم في واقع الأمر إمَّا حاملون للمرض (للإناث فقط) أو مصابون به؛ وهذا ناتج من طبيعة الفحص المسحي الأولي غير الدقيق (Qualitative) المُتبع من قبل بعض المصحات الطبية، وهو الفحص المختلف عن الفحص العدي الدقيق (Quantitative). وللإشارة فإنَّ هذا الأمر يحدث بشكل مستمر مع عينات النساء خصوصًا الحاملات منهن لمرض نقص إنزيم الـ (G6PD) اللاتي يكون نقص إنزيم الـ (G6PD) عندهن واقعًا بين النقص والاكتفاء (مما يسبب عشوائية في القراءة عند من ليس لديهم خبرة من المختبرات)؛ وهو الأمر الذي ينتج عنه استغراب بعض من تم تشخيص أبنائهم بالإصابة أو حمل المرض؛ وعليه فإنَّ نصيحتي لمثل هؤلاء هو إعادة التحليل لقطع الشك باليقين.

||15|| وفي الأخير، بقي علينا أنْ نعرف أنَّ مرض نقص إنزيم الـ (G6PD) يُصيب الذكور أكثر من الإناث، وهو ينتقل إليهم (أي إلى الذكور) عن طريق أمهاتهم. والعكس صحيح في هذا المجال أيضًا، فالذكور المصابين بالمرض لا ينقلونه إلَّا إلى بناتهم (ولا ينقلونه إلى أبنائهم الذكور مطلقًا)، على عكس الأمهات اللاتي ينقلنه إلى أولادهن الذكور والإناث؛ وهذه الخلاصة مرتبطة- كما تقدم- بحقيقة أنَّ جينه موجود فقط على الكروموسوم الأنثوي (X) كما تبيَّن شرحه أعلاه في الستة المحاور المُتعلقة باحتمالات الإصابة بالمرض.

وفي الختام لا يسعنى إلا الدعاء للجميع بالصحة والعافية،،،

0 comments:

Post a Comment