Monday, 19 October 2009
October 19, 2009

ما حقيقة الخوف المنتشر في دولنا العربية من انفلونزا الخنازير 2\8



لقد وصلتني الكثير من الرسائل الإلكترونية والتي تتعلق بما تم الإشارة إليه في المقال السابق، لِذا أردت في مقالتي هذه توضيح بعض النقاط المهمة.

سوف يدور النقاش في هذه المقالة حول ثلاثة محاور رئيسية وهي: -
  • ماهية الفيروس
  • أنواع لقاح الأنفلونزا الموجود في الأسواق
  • ومن ثم سأناقش وبشكل أوسع، بعض النقاط المتعلقة بالجدل الدائر حول مرض أنفلونزا الخنازير واللقاح المخصص له (والتي لم تُثر في الموضوع السابق)

المحور الأول - ماهية الفيروس


فيروس الأنفلونزا هو فيروس مُتغير نتيجة لوجود نوعان من البروتينات على سطحه. ويُسمى هذان النوعان من البروتين "H" و "N" (كما هو موضح في الصورة). ونتيجة لأن الجهاز المناعي يتعرف على الفيروس من خلال هذه البروتينات، فأن الفيروس قادر على التمحور كلما تعرف عليه الجهاز لمناعي وذلك بتغيير هذه البروتينات، مما يؤدي لمقدرة الفيروس على مهاجمة الجسم مرة ثانية.

ويوجد ثلاث أنواع من الأنفلونزا وهي: أ، ب، وج.

أن فيروسات الأنفلونزا من نوع "أ" يمكنها أن تصيب الإنسان، الطيور، الخنازير، الخيول، وحيوانات أخرى تشمل حتى الحيتان (وهذا بالنسبة لمحبي البحر والغوص). ولكن الطيور البرّية هي المضيّفة الطبيعية لهذه الفيروسات. و الفيروسات من النوع "أ" مُقسمة إلى أنواع فرعية مستندة على كلٍ النوعيين من البروتين والموجودة عل سطح الفيروس كما تم الإشارة إليه سابقاً. وهناك 16 نوع فرعي مختلفة من "H"، و9 أنواع فرعية مختلفة من "N". فأنواع بروتين "H" مرقمة من "H1" إلى "H16"، بينما أنواع بروتين "N" فمرقمة من "N1" إلى "N9". وإن وجود أي من هذه الأنواع الفرعية بعضها مع بعض يُحدد الفصيلة الفرعية للفيروس. وبشكل عام، فقط بعض الفصائل الفرعية من الأنفلونزا "أ" (مثل H1N1, H1N2، و H3N2) تنتشر بين البشر حاليا. والأنواع الفرعية الأخرى تُوجد عموما في الحيوانات كما هو الحال مع H7N7 و H3N8 والتي عادة ما تُسبّب المرض للخيول.

في الأحوال الطبيعية، يقوم الفيروس بالانتقال من الإنسان إلى الإنسان وهذا لا يساعد الفيروس على تغيير البروتينات السطحية كثيراً. وفي هذه الأحوال فأن الإنسان المكتمل المناعة يستطيع التغلب عليه بعد صراع يستمر من أسبوع إلى أسبوعين. وخلال هذا الصراع ترتفع درجة الحرارة، وينتج الصداع وألام الجسد، ومن ثم تتكون عنده أجسام مضادة للفيروس. وبما أن الفيروس دائم التغير فأن الأجسام المضادة القديمة لا تستطيع أن تتعرف على الفيروس إذا ما تغير شكله وتحدث العدوى مرة أخرى من جديد. ولكن على الرغم من ذلك فإن الأجسام المضادة من الممكن أن تمد المريض بحماية جزئية في مرحلة العدوى الجديدة. وبالتالي فأن الإنسان يضل معرض للإصابة بالأنفلونزا مدى حياته. ولكن عندما يكون الفيروس من النوع "أ" في الحيوان، ولمدة طويلة تستمر لمدة عشرات السنين، فأن تحوره وتغيره يكون كبيراً مما يمكنه من مُباغتة الإنسان نتيجة لشكله الجديد وهو ما يسبب الأوبئة.

أما فيروسات الأنفلونزا "ب"، فتوجد عادة فقط في البشر. على خلاف فيروسات الأنفلونزا "أ" وتسبّب إصابات بشرية، إلا إنها لم تسبب أوبئة. وبالتالي فهي لا تُصنف بالاعتماد على التصنيف الفرعي.

وأخيرا، فأن الفيروسات من نوع "ج" عادة لا تُسبب الأوبئة وهي نسبياُ ضعيفة مقارنة بالنوع "أ" و "ب".

إذا، فما يهمنا من هذه الفيروسات في حالة الأوبئة هو النوع "أ".

المحور الثاني – أنواع لقاح الأنفلونزا الموجود في الأسواق


يوجد من لقاح الأنفلونزا نوعان وهما: -
  1. لقاح من نوع بخاخ للأنف، والذي يحتوي على الفيروس المُضعف. وهذا النوع قد أثار الكثير من الجدل، مع احتمالية تسببه بجائحة أخرى، لأن الفيروس المُضعف الموجود فيه قد ينشط ويتحور إلى فيروس فتاك (2)، علما بأن هذا النوع من اللقاح لا يحتوي على الزئبق وهو مخصص للأشخاص الذين تتراوح أعمارهم من 5-49 سنة وللنساء غير الحوامل. وهناك من الشركات من تسوق له في أمريكا حالياً.
  2.  لقاح من نوع الحقنة، وهو يحتوي على الفيروس الميت. وهو عبارة عن جرعة من سائل يحقن من خلال الجلد في العضل. وهو عادة ما يحقن في منطقة الذراع بعد مسح الجلد بمحلول كحولي للتعقيم والتطهير من أي ميكروبات قد تكون منتشرة على طبقة الجلد الخارجية.
ويجب التأكيد على، أن الأشخاص الذين يعانون من ارتفاع في درجة الحرارة نتيجة نزلة برد، أو لديهم حساسية من البيض فلا يجب أن يأخذوا اللقاح.

المحور الثالث - بعض النقاط المتعلقة بالجدل الدائر حول مرض أنفلونزا الخنازير واللقاح المخصص له


وهو ما قد يكون له صلة بالموضوع السابق، وهو بخصوص ما تم إثارته من جدل حول بعض المواد الموجودة في اللقاح (كالزئبق والسكوالين). فهذه حقيقة موثقة علميا ولم تكن رأي شخصي تم إثارته في المقالة الأولى ودون بحث مسبق. حيث أن جميع الباحثين يناقشوا وجود هذه المواد كما هو منشور علمياً، وهي موجودة من ضمن المكونات وليس شيء سري. فالزئبق، مثلاً، تستخدم كمادة قاتلة للبكتيريا، والهدف من وجودها هو إمكانية استخدام الأنبوبة الخاصة بالحقن أكثر من مرة. ومن ناحية ثانية، فالسكوالين (كمادة محفزة) تُعطي المجال لإنتاج كميات قليلة من جرعة اللقاح وبمفعول قوي.

أما الإجابة على السؤال المرتبط بسلامة هذه المواد؟

فأن البحث العلمي هو من سيجيب على هذا السؤال. والحقائق العلمية المثبتة تظل دائما سيدة الموقف. ولا يستطيع أحد تأكيد سلامة اللقاح لأنه لا توجد حقائق مُثبتة بخصوصها. وأن نشوء أي عوارض صحية لا سمح الله، لا ينتج إلا بعد سنوات من أخد اللقاح. وهذا بالاعتماد على ما تم ملاحظته من تجارب سابقة حوت نفس المواد.

ومن هنا قد يسأل سائل من الطرف المعارض للتطعيم:

هل تمت دراسة اللقاح إكلينيكياً وبشكل كامل؟ أم لا؟

وما دفعني لإثارة هذه الفقرة هو النقاش المطروح في الحوارات العلمية حول إمكانية إصدار لقاحات دون أن تحتوي على الزئبق والسكوالين. فهل هذا ممكناً؟ ... وحتى لو فرضنا بأنه ليس هناك ما يثبت خطورة اللقاح نتيجة لوجود هاتان المادتان، فأنه ليس هناك، حتى الآن، أيضا ما يثبت وبالدليل القاطع سلامة اللقاح نتيجة لوجودهما.

ويحب الإشارة هنا إلى أن هناك مقالة تُشير إلى مُطالبة بعض المؤسسات في أمريكا بإصدار لقاح خالي من الزئبق والسكوالين ، وهو ما تم الإشارة إليه في سياتل تايمز (5).

أما الحقيقة الأخرى، فهي ما يتعلق بخصوص شركة باكستر Baxter المصنعة للقاح أنفلونزا الخنازير وكما ورد في المقال السابق. فلقد أثار هذا الموضوع الكثير من الجدل في أوروبا، ولا يضل هذا مجرد معلومة تقرأ في الصحف، بل حقيقة تاريخية قد أثًرت كثيراً على سمعت الشركة، وزادت من التشكيك في مصداقية شركات اللقاحات خصوصاً في ما يتعلق بأنفلونزا الخنازير.

لقد قرأت الكثير عن نسب الحالات في السعودية ومن مصادر رسمية، وسؤالي هنا: هل ما يتم إتباعه في تشخيص المرض هو بالطرق العلمية المُتبعة وحسب ما هو منصوح به في مراكز الأبحاث؟

و هل من تم تشخيصهم هم من الفئة المؤكدة، المحتملة، أو الافتراضية (1)؟

وحسب المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة الدكتور خالد مرغلاني، في نهاية أغسطس من هذا العام، فأن معظم مضاعفات المرض قد حدثت في أشخاص مصابين سابقاً بأمراض صدرية ورئوية مزمنة (4)، وكان عددهم 19 حالة عند صدور التصريح. وهو ما قد يؤكد على أن المرض حالياً يهدد الفئة التي هي عرضة للأنفلونزا الموسمية وباقي الأمراض الصدرية والذين من الأولى أن يأخذوا أيضا كل سنة لقاح الأنفلونزا الموسمي. بينما باقي الأشخاص من أصحاب المناعة الطبيعية ومن تم تسجيلهم كأشخاص أُصيبوا بأنفلونزا الخنازير فقد تمكنوا من المرض وبنو مناعتهم الطبيعية.

وقد يكون لقاح أنفلونزا الخنازير مناسب للفئة الأولى ممن يشتكون من أمراض مزمنة، والله أعلم. وهذا ما يتم تطبيقه في الدول الأوروبية. حيث أن سلبيات اللقاح بالنسبة لهؤلاء هي أقل بكثير من مُضاعفات المرض.

وحسب مركز مكافحة المرض CDC، فأن ما يقارب 5 إلى 20 بالمائة من الأمريكان يُصابوا بالأنفلونزا كل سنة. وأكثر من 200000 يدخلوا المستشفى. وحوالي 36000 منهم يموتوا من المرض.

والسؤال هنا: كم هم عدد الأشخاص الذين تعرضوا لمضاعفات من أنفلونزا الخنازير في العالم وماتوا؟ ... وماذا كان تاريخهم المرضي؟ ... وهل كانوا أناس أصحاء أم كان لديهم أمراض مزمنة؟

وحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية، فإن عدد الذين ماتوا من أنفلونزا الخنازير في كل أنحاء العالم (وليس في أمريكا فقط) لا يتعد 4529 شخص، ومعظمهم ممن يشتكون من أمراض مزمنة. وهناك دراسة حديثة توضح بأن تركيب الفيروس جينياً ضعيف مقارنة بذاك الذي حدث في عام 1918م (3).

وهذا ما سيُرجعني للمغزى الرئيس من المقال، وهو:

هل ما نسمعه من خوف في البلاد العربية هو شي طبيعي أو مُبالغ فيه؟ ... وهنا لا بأس من إحداث شيء من الموازنة في النظرة العامة للمرض. وحتى لو تم اعتماد اللقاح، فهذا لا يمنع من التعرض له كإشكال موجود في الساحة العلمية. فمن يطرحون هذه المواضيع من الباحثين لهم وجهة نظرهم وإن كانت خلافية.

وفي الأخير سأشير هنا إلى أن الإجراءات المتعلقة بالتطعيم في أوروبا هي ذاتها المتبعة كل سنة عند حلول الشتاء والتي تشمل إعطاء لقاح الأنفلونزا الموسمية للكبار في السن ومن يشتكون من أمراض مزمنة في القلب والجهاز التنفسي، وهو ما لا يتم اتبعاه بشكل رسمي في المملكة. وهناك دراسات قد أجريت في المكسيك ونُشرت نتائجها في مجلة "بريتيش ميديكال جورنال" British Medical Journal تشير إلى أن لقاح الأنفلونزا الموسمية لعامي 2008-2009م يؤمن نوعا من الحماية من مرض أنفلونزا H1N1 والذي قد يشمل أسوأ أشكاله. وهذا يعني أنه في حال تم توثيق النتائج فأنه لن يستدعي أخذ لقاح أنفلونزا الخنازير. ويبدوا أنه لو تأكدت هذه النتائج رسمياً فأنها لن تريح شركات اللقاحات كثيراً.

هذا والله الموفق لكل ما هو في صالح الجميع ،،،

المراجع


1. Centers for Disease Control and Prevention. Interim guidance on specimen collection, processing, and testing for patients with suspected novel influenza A (H1N1) virus infection. May 2009. http://www.cdc.gov/h1n1flu/specimencollection.htm (accessed on 28 July 2009).
Full Text (external link)

1. Live Attenuated Swine Influenza Vaccine May Create New Pandemic Strains. August 21st, 2009. Institute of Science and Society.

2. The pandemic 2009 (H1N1) swine influenza virus is mild compared to the pandemic 1918 (H1N1) virus because of a proline-to-serine substitution in the receptor-binding site of its hemagglutinin - A hypothesis.

3. http://www.arabnews.com/?page=1&section=0&article=125872&d=28&m=8&y=2009

4. http://seattletimes.nwsource.com/html/health/2009938638_vaccine25m.html


0 comments:

Post a Comment