Saturday, 24 October 2009
October 24, 2009

ما حقيقة الخوف المنتشر في دولنا العربية من انفلونزا الخنازير 3\8



تنقسم هذه المقالة، والتي هي متصلة بما سلف ذكره في المقالتين السابقتين، إلى أربعة محاور رئيسية: -
  1. الفرق بين أنفلونزا الخنازير وأنفلونزا الطيور
  2. وجوب التمييز بين اللقاح والمُضاد الفيروسي
  3. كيفية التعامل مع أعراض الأنفلونزا عند حدوثها (وبالخصوص في مثل هذه الأيام)
  4. بعض النقاط المهمة والمتعلقة بلقاح الأنفلونزا

المحور الأول - الفرق بين أنفلونزا الخنازير وأنفلونزا الطيور


يجب الإشارة إلى أن الإصابة بأنفلونزا الخنازير تختلف بشكل شبه كلي عن الإصابة بأنفلونزا الطيور.

أن كلاهما من النوع "أ" (كما تم ذكره سابقاً)، ولكن أنفلونزا الخنازير هي من النوع H1N1 والذي ينتشر بين البشر ويصيب الخنازير. وبالتالي فهو قادر على التحرك بحرية بين كل من الإنسان والخنزير بسلالاته المُختلفة والتي تنتمي إلى النوع "أ". وهذا ما يحدث الوباء. حيث أنه وبعد أن تمكث الفيروسات لسنوات عديدة في الخنازير البرية، تقوم بعدها ومتى ما سنحت الفرصة بالانتقال إلى الحيوانات المدنية وبعدها إلى الإنسان وبشكل جديد ومفاجئ مما يتسبب على إثرها في حدوث الوباء، نتيجة لانتقالها من شخص لأخر.

وحتى يتم فهم هذه النقطة بشكل أفضل، فإن الدورة قد تبدأ من الإنسان والذي ينقل العدوى للخنزير. وفي الخنزير يتم التزاوج بين السلالات المُختلفة من نوع H1N1 ويتولد على إثرها فيروس جديد. تقوم بعدها الخنازير بنقل الفيروسات الجديدة والمُحَوَرة مرة أخرى إلى البشر، وهذا ما يحدث الوباء كما ذُكر في الأعلى. وأن انتقالها بين البشر يحدث بنفس طريقة الأنفلونزا الموسمية وذلك عن طريق ملامسة شيء ما به فيروسات الأنفلونزا ومن ثم لمس الفم أو الأنف أو عن طريق السعال والعطس (الصورة).

أما بالنسبة لأنفلونزا الطيور والتي سمعنا عنها في عام 2003م والتي بدأت في آسيا وأتت من الدواجن فقد كانت من النوع H5N1 والتي عادة ما تُصيب الطيور فقط. ويجب التذكير إلى أن مخاوف الصحة العامة من تفشّي حالات المرض بين البشر بسبب أنفلونزا الطيور H5N1 قد تشكلت نتيجة لأن أغلب الحالات حدثت لأطفال وشباب كانوا يتمتعون بصحّة جيدة قبل الإصابة كما تم توثيقه في الثالث من أيار لعام 2003 في BMJ في عددها رقم 326:952. وقد تم ربط معظم و ليس جميع هذه الحالات بالتماس المباشر بالدواجن المصابة أو إفرازاتها (1).

أن H5N1 يُعدُّ مقلقا بشكل محدد لعدّة أسباب. ومنها أن H5N1 يتغيّر بسرعة ويمكن أن يستخدم جينات من الفيروسات الأخرى حيث يشمل ذلك فيروسات أنفلونزا الإنسان. وإذا تمكن H5N1 من إصابة بشر أكثر فأن إمكانية ظهور أنواع فرعية تزداد بمرور الوقت نتيجة لاكتسابها لجينات إنسانية تمكنها من الانتقال من شخص إلى أخر والذي قد يؤشّر لبداية وباء.

ومن هنا بدأ قلق الباحثون حول خطورة انتقال فيروس أنفلونزا الطيور (والذي لم يُعرف عنه إصابته للإنسان) إلى الإنسان وتسببه بمرض يحمل مُضاعفات خطيرة؟

و لأن بعض مربي الدواجن قد تعرضوا للفيروس وماتوا ولم يكونوا من أصحاب المناعة الضعيفة أو الأمراض المُزمنة كما تم الإشارة إليه في الأعلى، فقد أشار هذا وبشكل مُباشر إلى التغير الذي طرأ في الهندسة الجينية للفيروس والذي ساعده على الفتك بمن أصابهم.

وهذا عادة ما يحدث عن طريق تزاوج أنواع مختلفة من أنفلونزا الطيور من النوع "أ" في الجهاز التنفسي للطير مع أنواع أخرى من الأنفلونزا التي تُصيب الإنسان (وليس بالضرورة سلالات مختلفة من نفس النوع كما حدث في الخنازير).

وقد توقع الباحثون على إثره اكتساب فيروس الطيور من نوع H5N1 لجينات جديدة يُعتقد أنه أخذها من الإنسان وساعدته على إصابة البشر (كما هو مبين في الرسم التوضيحي).

وهذا ما جعل الباحثين يسألوا سؤال أخر ذا أهمية كبرى وهو: هل يستطيع فيروس الطيور من نوع H5N1 لعام 2003م بعد انتقاله للإنسان أن ينتقل بين البشر بحرية؟ أو أن حدوده هي الإنسان الأول والذي تعرض للاحتكاك بالطيور ومن بعدها فإن الفيروس يصبح عاجز عن الانتقال من إنسان إلى أخر؟

وبمعنى مُغاير ومختصر، لقد تمكن أنفلونزا الطيور لعام 2003م من الانتقال من الطيور إلى الإنسان، ولكن انتقاله من الإنسان إلى الإنسان لم يتأكد. وهذا هو السبب الذي لم يساعده على إحداث وباء.

ولو رجعنا إلى أنفلونزا الخنازير ومن أجل التذكير فإن البيانات الحالية تُشير إلى ضعف الفيروس مقارنة بأقرانه في السنوات السابقة (إذا ما بقيَ الفيروس كما هو ودون إي تغيير في هندسته الجينية). ومعظم الحالات المُسجلة حالياً لا تشير إلى أن الفيروس يحمل نفس شراسة أنفلونزا الطيور لعام 2003م ولا حتى إلى نظراءه من نفس النوع والتي أحدثت وباء في عام 1918م. وقد أثرتُ هذه النقطة لطمأنة الناس ولإخبارهم بالفرق بين أنفلونزا الخنازير وأنفلونزا الطيور.

المحور الثاني - وجوب التمييز بين اللقاح والمضاد الفيروسي


فاللقاح عادة ما يُعطى للوقاية من المرض بينما المُضاد الفيروسي يُعطى من أجل العلاج وفي حالة المرض فقط.

ومن أمثلة اللقاح فلوميست FluMist وهو بخاخ وَفلوفرينFluvirin وهو حقنة. وكذلك بانديمركس Pandemrix والذي سيتم استخدامه في السعودية.

وفي المُقابل فأننا نسمع عن ثايمفلوThimeFlu وَريلينزا Relenza وَإمتوإنهيبيتور M2 inhibitor وَنيورومينيديزإنهيبيتور neuraminidase inhibitor وهي مضادات فيروسية وليست لقاحات، وتُعطى عند بداية أعراض الأنفلونزا للعلاج وليس للوقاية. وهذه المضادات ليست كباقي المُضادات الروتينية والمُتعارف عليها عند الإصابة البكتيرية. والمضادات الفيروسية المذكورة تستخدم لعلاج أكثر من نوع من الفيروسات ومن ضمنها الأنفلونزا. وفي الوضع الاعتيادي وعندما يكون الإنسان ذو مناعة قوية فإنه لا يحتاج إلى هذه المضادات لعلاج الأنفلونزا.

وما دعاني للإشارة إلى المضادات الفيروسية هو الكم الهائل من الكلام حولها بين عوام الناس وفي القنوات التلفزيونية والربط بينها وبين اللقاح. وقد يكون تايمفلو ThimeFlu من شركة روش Roch هو الأشهر بينها وقد داع صيته كثيراً خصوصاً في بعض الدول العربية مثل مصر، والذي تسابق الناس عليه لشرائه حسب ما تم الإشارة إليه في القنوات الإخبارية.

فهل كان ذلك كله نتيجة لاحتياج الناس الفعلي له؟ أو أنه كان نتيجة لأسباب أخرى؟

المحور الثالث - كيفية التعامل مع أعراض الأنفلونزا عند حدوثها (وبالخصوص في مثل هذه الأيام)


إن من أهم الأعراض الشائعة هي ارتفاع درجة الحرارة، والتي تصل لـ 38 درجة مئوية (وهي علامة مهمة)، والتي عادة ما تحدث مع أحدى العلامات الأخرى ومن أهمها: احتقان البلعوم، الإرهاق العام وآلام العضلات، السعال، الصداع، والزكام (سيلان الأنف). وعند حدوث هذه الأعراض فليس من المنطقي أن تُخلق حالة من الرعب والخوف (إلا في حالات معينة، سأذكر بعض منها في الأسفل). ومن المفترض أن نتعامل مبدئيا مع الحالة بعلاج أعراضها، ويشمل هذا الكمادات الباردة، أخذ مخفضات الحرارة، الراحة الكاملة، أخذ فيتامين سين، وكذلك مخفضات الألم. وأن من العلامات المهمة أيضا والتي قد تُضاف إلى الأعراض المذكورة صعوبة التنفس، الإسهال، والتقيؤ، والتي عادة ما تكون مؤشر لتمكن الفيروس.

ومن المقترحات: -
  • أن يتوفر في كل بيت مقياس للحرارة وبالخصوص للأطفال، وكذلك مخفضات الحرارة وبشكل دائم حتى يتم التعامل مع الطوارئ، وهذا ليس مُقتصر على الأنفلونزا. فبشكل عام، فأن علاج الأعراض كمرحلة مبدئية مهم بغض النظر عن المُسبب.
  • أن يكون هناك أرقام توفر خدمة للمريض وذلك عن طريق الاتصال المباشر عند حدوث الأعراض آنفاً ومن غير الذهاب إلى المستشفى، حيث سيكون ذلك في غاية الأهمية. إذا أنه أولا سيطمأن الناس وسيُساعدهم على التعامل الجيد مع الأعراض وكذلك سيمنع انتقال العدوى للآخرين.
  • أما بالنسبة للحالات الخاصة والتي تم التأكيد عليها من قبٍل مركز مكافحة المرض CDC فتشمل:
  • الشخص الذي يشتكي من حدوث الأعراض المذكورة في الأعلى وبشكل فجائي
  • أو يشتكي من استمرار الأعراض لأكثر من أسبوع وبشكل تصاعدي
  • الحمل
  • الإصابة في حالات الأطفال ذو الأعمار أقل من سنة
  •  حالات ضعف الجهاز المناعي كحالات الإصابة بالسرطان (كفانا وإياكم هذه الأمراض وعافى الله من هو في صراع معها)
فأنه من المفترض أن يكون مُتأهب لكل الاحتياطات ومن ضمنها المقترحات التي تم ذكرها في الأعلى، إضافة إلى أن يكون هاتف الطبيب المُعالج متوفر حتى يتمكن من التنسيق معه وأخذ النصح المُباشر منه في حال حدوث ما تم ذكره من أعراض وليس بالضرورة أن يكون التشخيص أنفلونزا.

ووددت في هذا المحور التأكيد أيضا على واجبنا الديني والإنساني تجاه أبناء مُجتمعنا وذلك بالقيام بالإجراءات التي تحد من احتمالية انتقال العدوى ومن أهمها: -
  • غسل الأيدي بالماء والصابون عدة مرات في اليوم وخصوصاً بعد الاحتكاك في الخارج مع الناس وليس هذا فقط مُرتبِط بالأنفلونزا
  • تجنب الاقتراب من الشخص المصاب بالمرض خاصة بالنسبة للمرأة الحامل لاحتمال انتقال المرض إلى الجنين
  • ضرورة تغطية الأنف والفم بمناديل ورق عند السعال
  • الجلوس في البيت وأخذ الراحة التامة عند الشعور بأعراض الأنفلونزا
  • تجنب لمس العين أو الأنف في حالة تلوث اليدين منعا لانتشار الجراثيم
ويجب التنويه إلى أن عدوى الأنفلونزا تبدأ قبل حدوث الأعراض آنفاً بحوالي يوم (فترة الحضانة) وتمتد إلى ما بعد انتهاء الأعراض بحوالي 2-3 أيام، وقد تمتد إلى 7 أيام عند الأطفال الصغار.

المحور الرابع - بعض النقاط المهمة المتعلقة بلقاح الأنفلونزا


ونستطيع تلخيص هذه النقاط في أربع فقرات وهي: -

أولًا: المقالة لم تدعو إلى أخذ اللقاح أو عدم أخذه، ويبقى هذا قرار يشرف عليه الطبيب المُعالج وبموافقة الشخص الأخذ للقاح. فجميع المركبات الوقائية والعلاجية يتم حسابها من قبل المختصين بطريقة يكون المريض فيها هو الرابح الأول والأخير مقارنة بعدم أخذها.

ثانيًا: وهو ما يتعلق بخصوص المواد التي أثارت الجدل في الإعلام والموجودة في اللقاح والتي ذكرتها في المقالتين السابقتين: (1) لست أنا أهل لتأكيد سلامة اللقاح أو ضرره نتيجة لوجودهما... والسؤال المطروح هو: هل هناك من يستطيع أن يجزم بسلامته؟ (2) ولقد تم نقاشها للتعريف بها، حيث أن الأعلام سلط الضوء عليها كثيرا، وخصوصا في السنوات الماضية. والجواب على هذا السؤال، سيؤكده، أو سينفيه، البحث فقط (وكما تم ذكره سابقاً). 

ثالثًا:أن السؤال المتعلق بوجود الزئبق والسكوالين في اللقاحات الأخرى من غير الأنفلونزا؟.. فالجواب هو: لا وليس بالضرورة. وهذا يعتمد على الشركة المُصنعة. فعلى سبيل المثال، فشركة ميرك Merck والتي تُصنع لقاح الثلاثي الفيروسي، لا يحتوي مُنتجها على ثايمرازال Thimerosal والتي تحتوي الزئبق. وفي المُقابل فأن لقاح الثلاثي البكتيري من شركة ليدرل Lederle يحتوي على هذه المادة بينما نفس اللقاح من شركة سيمث كلاين بيكامSmithKline Beecham لا يحتويها. بل ويجب الإشارة إلى أن هناك لقاح للأنفلونزا موجود على شكل جرعات جاهزة للحقن وتستخدم لمرة واحدة ومن شركة نوفاتيز Novartis Vaccines and Diagnostics Limited ومنزوع منه كل كميات الزئبق (2).وأن الزئبق في منتجات شركة نوفاتيز غالباً ما يكون موجود في الأنبوبة المتعددة الاستخدام لسلامتها من النمو البكتيري (كما تم الإشارة إليه مع غيره من اللقاحات).

رابعاً: بخصوص السؤال المتعلق بالتسويق الاقتصادي البحت للقاح والمضاد الفيروسي؟ ... فالجواب هو: بأن هذا شي واضح. فهذه الشركات هي رأسمالية، وبُنية للربح وليست جمعيات خيرية. ومن الطبيعي، أن تستغل هذه الشركات مثل هذه المواقف وذلك بزرع التخويف بشكل مباشر أو غير مباشر لزيادة أرباحها حيث يجب على الإنسان أن يحكم العقل والمنطق عند أخذ قراره.

وعلى سبيل المثال، فأن ما تم ذكره في كثير من الصحف البريطانية ومن ضمنها صحيفة الجارديان Guardian في يوم الأربعاء بتاريخ 22 تموز لهذا العام، فقد زادت أرباح شركة غلاكسو سميث كلينGlaxoSmithCline (أكبر مصنع لأدوية علاج أنفلونزا الخنازير في بريطانيا حالياً) من بيع عقار ريلينزا Relenza وهو علاج مضاد للفيروسات خلال الربع الثاني من العام الجاري إلى 60 مليون جنيه إسترليني وبلغت مبيعاتها في النصف الأول من العام 230 مليون جنيه إسترليني. ويتوقع محللون أن تجني غلاكسو أكثر من مليار وستمائة مليون جنيه إسترليني (1.64 مليار جنيه إسترليني) من مبيعاتها للقاح الوقاية من أنفلونزا الخنازير وحده. ومع نهاية عام 2009 فإن الأرباح المتوقعة للشركة من بيع مركبين للأنفلونزا، ستصل إلى 4 مليارات جنيه إسترليني. ويُعدُّ كثير من المحللين الاقتصاديين في أوروبا وأمريكا بأن الفترة الحالية تُعد بالعصر الذهبي لشركات الأدوية والتي قلَ ما يأتي مثيل لها.

وأُمنيتي في الأخير هو أن تصل رسالتي بشكل صحيح: وهي الدعوة إلى عدم تضخيم المرض، وفهمه فهم صحيح دون التقليل من شأنه أو تخويف الناس منه

ولا يسعني في الأخير إلا أن أدعو للجميع بالصحة والعافية ،،،

المراجع






0 comments:

Post a Comment