أن من الأسئلة المُهمة والتي عادة ما تُطرَح في هذه الأيام هي تلك التي تتعلق بـ: أنفلونزا الخنازير وموسم الحج.
وحتى نتمكن من تغطية هذا الموضوع ، فأنه لابد وفي البداية من توضيح الأتي: إن الفيروسات التي تُسبب التهاب الجهاز التنفسي كثيرة وغير مُقتصِرة على تلك التي تنتمي لمجموعة الأنفلونزا.
ومن أمثلة الفيروسات الأخرى والتي لا تنتمي لمجموعة الأنفلونزا (وليس على سبيل الحصر): -
- تلك المُسمية بأشباه الأنفلونزا para-influenza وهي أربعة أنواع تختلف في أعراضها بعضها عن بعض (ومنها من هو مُتخصص في الأطفال بشكل مُحدد)، والتي تشترك في كونها تُسبب ارتفاع في درجة الحرارة والتهاب البلعوم، ولكنها قد تكون مؤدية لكبار السن ومن يشتكون من أمراض ضعف الجهاز المناعي عند نزولها في الرئة، وهي قادرة على إصابة الإنسان باستمرار.
- الفيروسات المسببة لنزلات البرد الشائعة (الزكام)، والتي يُوجد منها أكثر من مئة نوع تقريباُ وينتمي إليها فيروسات الرينو rhinoviruses، والتي تتدرج أعراضها من الزكام إلى التهاب الرئة وصعوبة التنفس. وخطورة هذه الفيروسات تكمِن في كونها تُمهد للإصابة بميكروبات أخرى.
- الفيروسات المُسببة للأعراض الحادة والشديدة للجهاز التنفسي وهي سُلالات من فيروسات الكورونا coronavirus والتي يُعتقد بأن السارز SARS والذي ظهر في مُنتصف نيسان من عام 2003م في الصين ينتمي إليها.
وهناك غيرها الكثير من الفيروسات (والتي لا يسع المقال للكتابة عنها جميعا). وبشكل عام، فإن أعراض معظم إذا لم يكن كل الإصابات التي تُسببها هذه الفيروسات تكاد تكون مُتشابهة مع تلك الأعراض الناتجة من الإصابة بفيروس الأنفلونزا، حيثُ أن الاختلاف نسبي وقد ينحصر في مدة الإصابة والتي عادة ما تكون في حالات الناس الأصحاء بين يومين (كحالات التعرض لفيروسات نزلات البرد أو الزكام) وتمتد إلى أسبوعين كحد أقصى (كحالات الأنفلونزا الحادة). وعادة ما يُطلق على تلك الإصابات والناتجة عن الفيروسات المذكورة (من قبِل عوام الناس أو حتى من قبل بعض المُتخصصين) خطأ بالأنفلونزا.
وحيثُ أن فيروسات الأنفلونزا بها عدد هائل من السُلالات بسبب مقدرتها على التغيُر المُستمر، وحينما يفهم القارئ أيضا بأنه بالإضافة إلى فيروسات الأنفلونزا هناك العديد من الفيروسات من الفصائل الأخرى من غير الأنفلونزا (والتي أشرنا إليها في الأعلى)، فأن ذلك يعني أننا لن نستطيع حماية أنفسنا منها بسهولة وسنظِل عُرضة لها حتى الممات. وهو الشيء الذي من أجله نؤكد دائما على سبُل إتباع إجراءات السلامة العامة (والتي سنذكرها في الأسفل)، والعمل على تقوية جهازنا المناعي لمقاومتها جميعاً ودون أي استثناء لأحد منها. لذا، فإن الخيار الأمثل والمنصوح به من قبل المُتَخَصِصِين لمن قد عَزِمَ وأتكل على الله من أجل أداء فريضة الحج هو التقيُد بإجراءات السلامة والابتعاد عن كل ما قد يؤدي لانتقال العدوى.
وحينما ننظُر إلى ما يدور حولنا، فأننا سنعي بأننا لن نستطيع الفرار من جميع تلك الفيروسات (حتى بما يُسمى باللقاح والذي عادة ما يكون مُّصَنَّع للوقاية من سلالة من ضمن آلاف السلالات من فيروسات الأنفلونزا فقط، وليس كل الفيروسات التي تُسبب أمراض للجهاز التنفسي).
ومن هنا، فإن موسم الحج ونتيجة للتزاحم الملحوظ يُعدُّ نظرياً بيئة مُناسبة لانتقال الكثير من الفيروسات والبكتيريا وخصوصاً تلك التي تنتقل عن طريق الجهاز التنفسي، ولكننا حينما نشعر بأننا في ضيافة الرحمن وحينما نُحصِن أنفسنا بإتباع طرق السلامة فأن ذلك سيكون بإذنه تعالى كفيل إلى حد كبير بحمايتنا.
ومن طرق السلامة المنصوح بها (كما تم ذكر بعض منها في المقالات السابقة): -
- غسل اليدين بالماء والصابون باستمرار، وخصوصاُ عند القدوم من الخارج
- يُفضل الاحتفاظ بمناشف كحولية لاستخدامها في الخارج وعند اللزوم
- الإكثار من السوائل وبالخصوص تلك التي تحتوي على فيتامين سي (C) من العصائر
- لِبس الكمامات (إذا أستدعى الأمر)، وبالخصوص في حالات الزِحام أو عند وجود غبار وتلوث في الهواء
- الابتعاد عن التماس المُباشر مع الآخرين في حال لم تستدعي الضرورة وقدر الإمكاناللجوء للراحة وأخذ مُسَّكِنات الألم عند التعرض لأوجاع العضلات والمفاصل
- الحرص على التوازن الغذائي، مع التركيز على الخضروات والفواكه
- تجنب مُلامسة العين، الفم، والأنف (وعند اللزوم أغسل اليدين قبل وبعد المُلامسة)
- تجنُب الاشتراك في المناشف والملابس مع الآخرين
- تجنُب استخدام أكواب مياه مُشتركة
- المواظبة على الغرغرة بالماء والملح في كل مساء، حيث أن ذلك غالباً ما يقضى على الفيروسات لو كانت متواجدة وفي فترة حضانتها وقبل تسببها في حدوث مرض
ويجب التنبه: -
- للأشياء التي قد تكون مصدر لانتقال العدوى كتبادل العملات الورقية مع الباعة.
- لبعض العادات الاجتماعية والتي قد تكون سبب في انتقال العدوى من شخص لأخر (كالمُصافحة والعناق).
- لتغير المناخ الفجائي والذي قد يُجهد الجهاز المناعي (كالتعرض للتكييف ومن ثم التعرض للهواء الخارجي).
- بأن المشروبات الباردة وغير الصحية وبالخصوص تلك المليئة بالسكر من الغازيات تضُر بالجهاز المناعي.
- بأن التعب والسهر المُستمر يُضعِف من مقاومة الإنسان وبالتحديد كلما شارف الحج على الانتهاء.
- لطرق التعامل مع الأخوة الذين قد يشتكون من أعراض التهاب الجهاز التنفسي، وذلك باستخدام سُبل العزل المُثلى معهم ونصحهم بتغطية الأنف والفم عند السُعال والعطس.
- بأن زيارة المستشفيات (لو لم يستدعى الأمر) ولغير الضرورة يضعُك في بيئة خصبة لنمو الميكروبات.
- بأن التدخين يُجهد الجهاز التنفسي.
ومن المُقترحات: -
- حمل مُخفضات الحرارة لاستخدامها عند اللزوم (وفي حالات ارتفاع درجة الحرارة فقط).
- حمل مُسَّكِنات الألم وبالخصوص تلك المُستخدمة عند حدوث الصداع ومن أمثلتها المسكنات تلك التي تعتمد على وجود الباراسيتمول paracetamol في تركيبتها.
وبالإضافة لذلك، فأنه لا بأس من لفت الانتباه إلى أن تأجيل الحج لفئة الحوامل (لسلامتهم وسلامة أجنتهم)، أو من يمرون بمرحلة ضعف صحي وأمراض مُزمنة، سيكون بمشيئة الله كفيل بحمايتهم من تلك الفيروسات والميكروبات والتي لا يملك جهازهم المناعي المقدرة كغيرهم على مقاومتها. ويُنصح باستشارة الطبيب عند الشعور بأعراض مرضية في الجهاز التنفسي، وبالخصوص عند هذه الفئة من الناس.
وما يجب التنويه عليه، هو أن كل ما ذكرناه من إجراءات لا يعني تأكيد عدم انتقال تلك الفيروسات، حيثُ أنها ستظل موجودة نتيجة لطبيعة الزحام سواء في هذا العام (والمُسمى بعام أنفلونزا الخنازير) أو أي عام أخر، لأن تقيُدنا بإجراءات السلامة لن يلغي احتمالية انتشار الميكروبات في رٌقعة تلتقي فيها ألاف الحجاج والقادمون من كل أنحاء العالم.
وعليه، فأننا نستطيع أن نفهم لماذا يعود الحجاج كل سنة بشكوى من أعراض مرضية في جهازهم التنفسي والتي قد تكون نتيجة لأي نوع من أنواع الفيروسات، والتي عادة ما نُسميها بالأنفلونزا (كما ذكرنا أعلاه). وهي بأذنه تعالى لا تستدعي كل ذلك القلق إذا ما كان الشخص لا يُعاني من أي أمراض مُصاحبة أخرى.
ويجب علينا أن نفهم بأن الجهاز المناعي عادة ما يقوم بدوره وعلى أفضل وجه عند غالب الإصابات الفيروسية في الجهاز التنفسي وبالخصوص في الأشخاص الأصحاء وبنسبة تصل إلى 99% والتي يكون نتيجتها بناء المناعة الطبيعية ضد تلك السلالات، وذلك عندما يقوم الإنسان بالالتزام بالتوصيات آنفاً والتي تُساعد جهازه المناعي على أداء وظيفته بشكل أفضل (إذا شاء الله). ومن هنا نستطيع أن نؤكد مرة ثانية بأن كثرة الأحاديث التي نسمعها في بلادنا العربية عن أنفلونزا الخنازير وبأنه وباء قادم لا محالة هي التي جعلتنا نُدقق ونحصي تلك الحالات من ذوات أعراض مرض الجهاز التنفسي في المرافق الصحية، والتي ولله الحمد عادة ما تنتهي بالشفاء الكامل (وهي الصورة النمطية التي نراها في كل عام وعند دخول فصل الشتاء والتي لا يلتفت إليها أحد).
وفي الختام، يجب التأكيد مرة ثانية على: -
- أن فيروس أنفلونزا الخنازير حسب ما تم توثيقه حتى الآن ومن قبل المُنظمات الصحية لا يعدو كونه مُشابه في أعراضه للأنفلونزا الموسمية والتي لا نستطيع التمييز بينهما من خلال وجود الأعراض فقط.
- أن أنفلونزا الخنازير لم يعُد يُقيَّم على أنه وباء كما كان يُقال عند بداية ظهوره. فعلى سبيل المثال، فأن مديرة منظمة الصحة العالمية مارغريت تشان قد قالت: "أن فيروس H1N1 لم يتحول إلى مرض أكثر خطورة حتى الآن على ما يبدو"، وكان ذلك في افتتاح الاجتماع السنوي للمنظمة لمنطقة غرب المحيط الهادئ في هونغ كونغ، في يوم الاثنين الموافق 21 من شهر أيلول من هذا العام.
- أن جميع الإجراءات المُتبعة للحماية من فيروسات الجهاز التنفسي أثناء فترة الحج هي ذاتها المُتبعة للحماية من أنفلونزا الخنازير.
- أن جميع من هم عرضة لخطر الإصابة بالأنفلونزا الموسمية هم أيضا عرضة لخطر الإصابة بأنفلونزا الخنازير.
- بالنسبة لأصحاب المناعة الضعيفة والأمراض المُزمنة، فأنه يجب التأكيد على أن أيُ من سُلالات فيروسات الأنفلونزا أو غيرها من الفيروسات قد تكون مؤدية لهم في حال لم يلتزموا الحرص وإجراءات السلامة العامة.
وعليه، فأنه وفي هذه الأيام لن يكون من المنطقي أن نشغُل بالنا بالتفريق بين ما يُسمى بأنفلونزا الخنازير وتلك المُدرجة تحت مُسمى الموسمية.
هذا وأتمنى للجميع حج مبرور وسعي مشكور، وأن يكون بإذنه تعالى متوجاً بالصحة والعافية ،،،
0 comments:
Post a Comment