Thursday, 27 March 2014
March 27, 2014

الأورام السرطانية: التنشؤات الخفية - (الجزء السابع) أرقام تصاعدية



في هذا الجزء، وقبل الولوغ في التفاصيل العلمية النظرية لكل نوع على حدة من أنواع الأورام السرطانية، سنعاود تقليب بعض الأوراق الخاصة ببعض الإحصاءات، والتي ستؤكد لنا مرة ثانية حجم التصاعد في نسب حالات الأورام السرطانية في المنطقة، على إختلاف أنواعها.

سننتقل سويًا- عزيزي القارئ- بضع سنوات إلى الوراء لنرسم قاعدة نرتكز عليها، حتى نتمكن من استشراف المستقبل.

وخلال هذه الرحلة، والتي سنستقرئ فيها بعضًا من صفحات الماضي، سنُغطي حقبة زمنية مُختارة من التاريخ تمتد من العام 1997م إلى العام 2003م، مستفيدين من الكثير من البيانات الطبية المتوفرة في قواعدها البيانية، ومتأملين في نسب إرتفاع منسوب الأورام السرطانية على إختلاف أنواعها فيها، وبما هو متوفر لنا من أرقام موثقة لدى المؤسسات المعتمدة (المحلية والعالمية) خلال هذه المرحلة، والمتوافقة مع الإحصاءات والأرقام المنشورة رسمياً في مركز السجل الوطني للأورام الموجود في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض (وهذا يعني بأن الأرقام ستدور بالدرجة الأولى في الفلك الوطني الداخلي لدينا في المملكة!)، والمتوافقة أيضًا مع سجل الأورام التابع لمنظمة الصحة العالمية الداعمة للبيانات الداخلية التي سنُنقاشها؛ وستكون هذه المؤسسات الطبية هي مرجعنا للأرقام التي سنذكرها، مُضاف إليه ما تم الحصول عليه من بيانات مُعتمدة من النشرات العلمية المحلية والعالمية.

وفي قراءة سريعة، تحتاج- وبما لا شك فيه- لمحاور تفصيلية، ستلاحظ-عزيزي القارئ- بأن تلك السنوات التي وقعت في تلك الحقبة التاريخية- المذكورة أعلاه- قد سجلت بشكل عام إرتفعًا، إنطلق من عدد حالات سرطانية قُدرت بـ 7270 في السنة في بداية تلك الفترة، ووصلت إلى 8840 حالة إصابة سنوية مع نهايتها.

ولقد جاء التفصيل الموثق لطبيعة هذا الإرتفاع على النحو التالي: -
  • كان العدد المسجل لحالات الإصابات- بين عام 1997م وعام 1998م- 14529، وبمعدل إرتفاع سنوي قارب 7270 حالة مكتشفة، كحالة جديدة لم تكن مُشخصة مسبقًا؛ 
  • أما بين عام 1999م وعام 2000م فقد صعد العدد إلى 14856 حالة، وبمعدل إرتفاع سنوي وصل إلى 7430 حالة جديدة تم تسجيلها لدى مركز السجل الوطني للأورام (وكما هو منشور لدى المنظمات المعتمدة)؛ 
  • وفي عام 2001م إزدادت النسبة إلى 7453 حالة جديدة؛ 
  • ولم تتوقف هذه النسب عن إرتفاعاتها، بل زادت إلى 7924 حالة جديدة في عام 2002م؛ 
  • أما بين عام 2002م وعام 2003م (وبلغة الأرقام المنشورة رسمياً أيضًا) فقد وصل عدد الأرتفاع السنوي إلى 8840 حالة جديدة (كان عدد السعوديين فيهم 6516 حالة، أما غير السعوديين فقد كان عددهم 1866 حالة). 
وعليه، فإن نسبة الإرتفاع في الأمراض السرطانية قد وصل إلى ما يُعادل 11.6% مع نهاية تلك الفترة الزمنية المحددة، والتي وقعت بين العام 1997م إلى العام 2003م.

أما بالنسبة للأرقام الرسمية المسجلة للأعوام 2004م و2005م و2006م، فإننا لم نتمكن (وللأسف الشديد) من الحصول عليها حتى الآن (وإن حصلنا عليها من بعض المصادر الخارجية، فإننا لا نستطيع الإعتماد عليها كمرجع رسمي)، حيث أنه وكما يظهر بأن هذه الأرقام والأحصاءات قد تستغرق وقتًا عند الجهات المعنية من أجل تسجيلها وتدقيقها، ومن ثم تحليلها إحصائيًا، ومن بعد ذلك مراجعتها قبل أن تظهر رسميًا.

وبخصوص الإحصاءات السعودية الموثقة والتي يُعتمد عليها في التحليل المنطقي لطبيعة إنتشار المرض في البلاد- بشكلها التفصيلي الدقيق- فقد أصبحت منذ عام 2010م مُغيبة، أو يلتبسها نوع من الضبابية، كما أعتقد.

ولقد أشارت آخر إحصائية إلى أن نسبة المصابين بالمرض هم 13700 حالة، وقد تجاوز عدد السعوديين فيهم 10 آلاف مصاب.

ولكن (وكما يبدو) فإن هذه الأعداد بدأت ترتفع بشكل واضح؛ وهو ما يدعو للعمل الجاد من أجل البحث عن مسببات المرض الحقيقية وكيفية الوقاية منه، وكذلك العمل على خفض نسبته (وهو ما سنحدد له جزءًا خاصًا إنشاء الله).

يجدر بنا أن نؤكد هنا أيضًا، بأننا وإذا ما تتتبعنا وبدقة بالغة طبيعة هذ النمو (واضعين في الحسبان أن هناك ثغرات وقصور في عمليات تسجيل ومتابعة بعض الحالات من قبل بعض المنشأت الصحية التي تعنى بحالات الأورام)، فإن المعدل الحقيقي لهذا النمو سيظهر بصورة أكثر بشاعة من الذي نراه على أرض الواقع.

وتتشكل تلك الثغرات والقصور إما بسبب سفر بعض المرضى لخارج البلاد بحثًا عن علاج آخر وقبل إكمال العلاج الأولي في المستشفيات المحلية، مما يؤدي إلى نقص في المعلومات الطبية التشخيصية، أو بسبب وفاة بعض المرضى وعدم إكمالهم للعلاج، وبالتالي يصبح التشخيص النهائي للمرض غير مجدي، أو بسبب مراجعة بعض المرضى لجهات شعبية غير مُستندة للحقائق العلمية والبحثية، كما تراها المنظمات الصحية العالمية، وهذه الجهات منتشرة في البلاد وخارجه، ويسوقون لتجارتهم بطريقتهم الخاصة، وحيثما نظرت تقع عينك على أحدهم (والغريق يتعلق بقشة!)، أو قد يكون سبب الثغرات هو عدم مراجعة المرضى للهيئات الطبية من الأساس.

يُضاف لهذا الأمر أن هناك حالات إشتباه لا يتم توثيقها، وهناك أيضًا حالات يحتمل أنها قد شُخصت خطأ أو تم التعامل معها بشكل غير دقيق، أو أنها واجهت قصور في طريقة المتابعة والإحالة- من قبل بعض المنشآت الصحية- إلى الجهات والأقسام الطبية المتخصصة، أو بسبب وجود نقص في طبيعة المعلومات وعدم إكتفائها لأي سبب آخر.

وتشير بعض الجهات المعتمدة وكذلك بعض المنظمات الصحية، كسجل الأورام التابع لمنظمة الصحة العالمية (المشار له في بداية الحديث)، إلى أن هذه الثغرات والقصور قد تصل في بعض الدراسات البحثية إلى ما يقارب (أو حتى يتجاوز) 10% من الحالات المسجلة رسمياً في القواعد البيانية المعتمدة.

وبنظرة شاملة (مرة أخرى) لنسبة التزايد خصوصًا في تلك الأرقام التي تم تسجيلها في نهاية الفترة التي هي محل القضية في هذا الجزء، أي بين عام 1997م وعام 2003م، وأيضًا بالنظر إلى عامل القصور وتشكل الثغرات في عملية التسجيل والتوثيق الإحصائي (المُشار لبعضه أعلاه)، فإن الأعداد المُسجلة للأعوام ما قبل عام 2003م تُعد أعدادًا أقل من ما هو حقيقي وموجود على أرض الواقع.

إذا، وإعتمادًا على ما تقدم، نستطيع أن نلخص حديثُنا ونقول: بأن هناك تنامي في أعداد المصابين بالسرطان، وهو تنامي يسير بوتيرة تثير القلق.

وعليه، فإن هذا المسار يدعو- وكما ذكرنا سابقًا- إلى أهمية البحث عن الأسباب، خصوصًا من قبل الجهات المعنية رسميًا بهذا الأمر، وضرورة التدخل الفوري من أجل تطبيق الإستراتيجيات الفعًّالة، والتي من شأنها المساعدة على الوقاية من إنتشار مثل هذه الأمراض الخبيثة، والتي يتصدرها مرض السرطان على إختلاف أنواعه؛ وكذلك العمل على البحث عن السبل التي من شأنها السيطرة عليه، وهو الشيء الذي سيؤدي إلى إنقاذ المواطنين من شرور تلك الآفات القاتلة.

وفي نظرة شبه شاملة لطبيعة المرحلة الحالية، نستطيع أن نقول بأن الوكالة الدولية المسؤولة عن بحوث الأمراض السرطانية والتي تتبع لمنظمة الصحة العالمية لم يخفى عليها شأن هذا النمو الملحوظ، فقد أكدت في تقريرها الصادر في بداية هذا العام (أي 2014م) بأنها قد توقعت- في فحوى التقرير الصادر من قبلها في عام 2012م- أن ترتفع حالات الإصابة بمرض السرطان (عالميًا) من 14 مليوناً، لتصل إلى 22 مليوناً حالة إصابة مع نهاية العام الجاري؛ أي أنها من جهة تؤكد أن هناك نمو تصاعدي في أرقام حالات الأمراض السرطانية، ومن جهة أخرى، فهي تقول بأنها لم تتفاجئ من حجم هذا النمو!

وفي أمثلة سريعة لبعض الإرتفاعات الخاصة والمرتبطة ببعض الأورام السرطانية المأخوذة مع نهاية العام 2003م، والتي تم تحليل أعداد حالات السعوديين فيها، لُوحِظ الآتي: -
  • بأن سرطان الثدي في النساء عُد الأكثر أرتفاعًا في المملكة العربية السعودية، حيث جاءت المنطقة الشرقية في أعلى قائمة المنطاق الأكثر إصابة بهذه النوع السرطاني، وسوف نتعرض لسرطان الثدي في جزء خاص وسوف نناقش الأسباب التي يُعتقد أنها ترتبط به. 
  • ولقد جاء سرطان القولون والمستقيم (بعد سرطان الثدي)، كثاني أكثر السرطانات انتشارًا في المملكة العربية السعودية. 
  • وبالنظر لبعض المؤشرات البيانية، يجدر بنا أن نقول بأن معدلات الإصابة بسرطان القولون والمستقيم في إرتفاع سنوي على مستوى المملكة أيضًا، وعليه يُتوقع أن تتفاقم هذه النسبة إلى ثلاثة أضعاف خلال الخمس السنوات القادمة. وهذا ما يدق ناقوس الخطر ويعزز ضرورة تعزيز البرامج وطرق الوقاية من هذا المرض الذي يُعد من أكثر الأمراض خطورة على الإنسان (أدعو الله أن أوفق للحديث عن هذا الجانب في المستقبل). 
  • أما سرطان الغدد اللمفاوية فلقد جاء كثالث أعلى مرض سرطاني منتشر في المملكة العربية السعودية، حيث يصيب هذا النوع غدد الجهاز اللمفاوي المناعي. 
  • أما اللوكيميا، وهو النوع السرطاني الذي يُصيب خلايا الدم البيضاء المناعية التي تسبح فيه، فيحتل المرتبة الرابعة كأكثر انواع السرطانات إنتشارًا في المملكة العربية السعودية (كما تم تسجيله في نفس العام أيضًا، ببياناتها الشبه مُكتملة التي أشرنا لها). 
  • أما سرطان الكبد، فيأتي في المرتبة الخامسة على سلم أعلى أنواع الأورام السرطاينة إنتشارًا في المملكة العربية السعودية. 
  • ومن بعد ذلك تأتي بقية الأنواع السرطاينة، مثل سرطان الغدة الدرقية وسرطان الجلد وسرطان الرئة وغيرها من أنواع مختلفة. 
ولا يخفى علينا بأن بعض الأعداد المذكورة أعلاه لبعض أنواع الأمراض السرطانية هي أرقام تصاعدية في حسابها أيضًا، بالرغم من أنها أقل نسبيًا من تلك المسجلة في بعض البلدان المتقدمة، مثل كندا وأمريكا.

إننا، وبما لا شك فيه، نلاحظ- أيضًا- أن خارطة الأمراض على مستوى البلاد بشكل عام وفي المنطقة الشرقية بشكل خاص قد تغيرت، حيث بات جليًا إنحسار الأمراض السارية الوبائية وظهور أخرى غير سارية مزمنة وخطرة وبنسب إنتشار عالية، مثل أمراض القلب والسكر بشكل عام والسرطان بشكل خاص.

إن هذه الأمراض ذات التعقيدات والمضاعفات المختلفة تشكل تحديًا كبيرًا للصحة العامة، خاصة مع الزيادة المطردة في أعداد السكان، وتغير أنماط الحياة، وكذلك والتغيرات المتسارعة في الطبيعة البيئية وإختفاء الكثير من مكوناتها الحية وغير الحية؛ وهو محور مهم يستدعي أن يُناقش أيضًا خلال سلسلة هذا التحقيق!

إنتظرني- عزيزي القارئ- في الجزء القادم والذي سنناقش فيه زاويةً أخرى من زوايا هذا التحقيق، "الأورام السرطانية: التنشؤات الخفية"، مستثمرين بعض الأدوات البحثية التحليلية والتي بها سنرسم صورة توضيحية لما نحن بصدده من شروح.

وحتى نلتقي في القريب العاجل، دعائي للمرضى بالشفاء العاجل وللأصحاء بدوام الصحة والعافية...

0 comments:

Post a Comment