قبل الشروع في الحديث عن ما تضمنه هذا القسم، وهو القسم الثالث من موضوع "الأعراض"، أذكركم بـِ: "إن الذي يحدد طبيعية الأعراض المبدئية هو موضع حدوث الورم السرطاني في الجسم".
والجملة الآنفة الذكر (أعلاه) هي الجملة التي أنهينا بها القسم الثاني من هذا الموضوع.
ولإستكمال ما بدأنا به في القسمين السابقين، يجدر بنا لفت الانتباه إلى أن قائمة الأعراض السرطانية المُشار لها في القسم السابق (أي "الأعراض2") مع كل نوع من الأنواع المذكورة هي قائمة غير كاملة، وقد يزداد تعدداها في بعض الحالات وذلك من خلال ظهور أعراض إضافية استثنائية، وقد تقل في حالات أخرى وتكون مقتصرة على عرضِ أو عرضين مما ذكرنا.
وخلاصة الكلام هي أن الأعراض الأولية المصاحبة للأورام السرطانية قد تتشابه فيما بينها، وقد تتشابه مع أعراض تظهر في أمراض أخرى غير مستعصية وغير مزمنة (أي أعراض مؤقتة لأمراض اعتيادية). وما أردت الإشارة له والتأكيد عليه (من ذكري للعبارة الأخيرة) هو أن ظهور عارض معين من الأعراض المذكورة لا يعني حتما وجود ورم سرطاني.
وعليه، تبقى هذه الأعراض كعلامات تحذيرية تستلزم- عند وجودها والشكوى منها- التوجه الى المختص في هذا المجال (القادر على إصدار الحكم الصحيح) من أجل نفي أو تأكيد وجود أي ورم غير طبيعي وخارج عن ما هو مألوف.
لذلك فان الفحوصات الدورية تبقى دائمًا ضرورية من أجل دحض أي شك.
وباختصار شديد نقول بأن عملية التعرف المبدئي على وجود الورم السرطاني (وهي ما نسميها بعملية التشخيص) تتم من خلال القيام بالإجراءات الكشفية المناسبة لطبيعة الأعراض والعلامات التي يشكو منها المريض.
فهي تبدأ في الغالب بـ (1) الفحص الإكلينيكي (السريري) من قبل المختص في هذا المجال؛ والذي من المفترض أن يَتْبَعَه بـِ (2) الفحوص غير السريرية والتي تشمل الفحوص المخبرية العامة؛ وإذا إستدعى الأمر فإنه سيقوم بالفحوص التخصصية الدقيقة والمحدِدة لوجود أي تغير في حجم أو شكل أو ترتيب الخلايا المكونة للنسيج المستهدف في عملية التشخيص؛ وهي الفحوص التي تبرر- في نهاية المطاف- الأسباب الحقيقية لوجود تلك الأعراض والعلامات.
ومن "أهم" الفحوص الأولية غير السريرية الجديرة بالذكر- بشكل عام- في هذا المجال: (أ) فحوصات الدم المخبرية، (ب) الأشعات عمومًا، ومن أهمها الأشعات المقطعية والمغناطيسية، (ج) الخزعات النسيجية (الأنسجة المنزوعة) من المنطقة المشتبه بها سرطانيًا؛ وغيرها من فحوص أخرى تستهدف قراءة معايير معينة أو الإطلاع على صور لأجهزة أو خلايا داخلية في جسم الأنسان.
حيث تساعد كل هذه الفحوص على رسم حدًا فاصلًا بين الشك واليقين فيما يتعلق بموضوع وجود التحور والتغير في النسيج المشتبه فيه، من عدمه.
الخزعات النسيجية (الأنسجة المنزوعة من الجسم) وأهيمتها في تشخيص التغيرات الحادثة على مستوى التركيب الداخلي للخلايا، والتي تشمل الإطلاع على الشكل والحجم والتركيب العام للنسيج. |
ومعظم هذه الفحوص غير السريرية تكشف عن حجم التغير إما على مستوى الخلية نفسها كتغير حجمها وشكلها ولونها ومكوناتها الداخلية وغيرها من تغيرات خلوية، أو على مستوى الخلايا مجتمعة (وهو الذي نسميه بالنسيج الخلوي) من ناحية ترتيبه وحجمه، وغيرها من ملامح توصيفيه له.
مثال توضيحي تم أخذه بواسطة الميكروسكوب "التوموجرافي"- بالأبعاد الثلاث- لخلايا سليمة (في الصورة "a")، وأخرى متحورة فقدت معظم معالمها وتغير شكلها كليًا (في الصورة "b")؛ ولك- عزيز القارئ- أن تتخيل حجم الضرر الذي ستسببه خلايا من النوع الموجود في الصورة "b" إذا إجتمعت في شكل ورم مستهدفةَ نسيج معين. |
وهنا نؤكد في نهاية هذا الجزء، وهو الخاتمة في موضوع "الأعراض"، والذي أردنا من خلاله تقديم إجابة تكون وافية على السؤال المطروح في مطلع النقاش (القسم الأول، أي "الأعراض1")، والذي كان موضوعه: -
ماهية الأعراض الشائعة عند حدوث الأورام السرطانية، وكذلك طبيعة المؤشرات المرتبطة بها، وطرق التأكد من وجود الورم السرطاني من عدمه من خلال التشخيص الطبي؟
ومن هنا فإن الاطلاع على ما تم ذكره من مؤشرات، سيعني بأنه في حال كان هناك تأكيد لوجود أي ورم سرطاني (وقى الله المؤمنين) وتم تحديد موقعه، فإن العلاج المبكر سيعمل (بمشيئة الله) على إنقاذ حياة الشخص المصاب.
وعليه، فإن الإطلاع على موضوع هذا القسم والقسمين السابقان (أي "الأعراض1" و"الأعراض2") يزداد أهمية.
انتظرني- عزيزي القارئ- في الجزء القادم والذي سنناقش فيه زاويةً أخرى (مختلفة) من زوايا هذا التحقيق، "الأورام السرطانية: التنشؤات الخفية"، مستثمرين بعض الأدوات البحثية التحليلية والتي بها سنرسم صورة توضيحية لِما نحن بصدده من شروح تصب في هذه الدائرة الحساسة من علوم الأمراض.
وحتى نلتقي في القريب العاجل (بإذنه تعالى)، دعائي للمرضى بالشفاء العاجل وللأصحاء بدوام الصحة والعافية...
0 comments:
Post a Comment