Wednesday 23 December 2015
December 23, 2015

الاستحالة 1/3: هل ينطبق على الجيلاتين المستخدم في الصناعات الغذائية والدوائية عنوان الاستحالة؟



الجيلاتين (Gelatin) عبارة عن بروتين غير كامل (مُشتَق من المادة المُعَقَّدَة التركيب المُسماة بالكولاجين التي تحتوي على خليط من المركبات البروتينية وبعض الدهون، وهو من ضمنها) شبه صلب (يظهر بصورة هُلامية) شفاف له لون أبيض مصفر عديم الطعم والرائحة سهل الهضم [i]، موجود كدعامة رئيسة في الأنسجة الضامة للكائنات الحية (على اختلاف أنواعها) سِيَّمَا الحيوانية؛ إلا أنَّ تركيز مادته الأم المُنتجة والحاضنة له بين أليافها (أي الكولاجين) يتفاوت بين الكائنات الحية، بل ويتفاوت من نسيج لآخر في نفس الكائن الحي.

وعند تخصيص الحديث في هذا المجال، نستطيع القول أنَّه في العموم يتم استخلاص الكولاجين (المُتَضَمِّنَ بين أليافه الجيلاتين) من جلود وعظام وغضاريف الحيوانات على اختلاف أماكن تواجدها وطرق تغذيتها. ومن أمثلة الأنسجة المُستخدمة بكثرة لهذ الغرض: جلود الخنازير التي تمتاز بتركيز مرتفع من الكولاجين، وسيقان الأبقار ورقائق عظامها [1] وبقية أنسجة المواشي المُشابهة [ii].

بل أنَّ هناك جيلاتين يتم استخلاصه من كولاجين سمكي زاد انتشاره في الوقت الذي ظهر فيه جنون البقر [iii] [iv] [v] [vi] [vii] الذي شَكَّل هاجسًا للعالم بأسره في مرحلة من مراحل العقود الأخيرة للألفية السابقة، وأيضًا مع وجود اضراب عن الجيلاتين الحيواني لأسباب دينية (من ضمنها الإسلام واليهودية) أو تحمل توجهات فكرية [viii]؛ إلا أنَّه لابد وأنْ أُوَضِّح هنا أنَّ الأسماك التي عادةً ما يُعتَمد عليها لاستخلاص الجيلاتين منها هي من ذوات الحجم الكبير التي يصدق عليها أنَّها بدون فِلس (حيث أنَّ الأسماك الصغيرة غير مُحرِزة لمثل هذا الأجراء الذي يحتاج لأنسجة تحمل بين طياتها كولاجين بكميات كبيرة)، وإنْ فرضنا- جدلًا- إنَّها لم تكن من النوعية الكبيرة فإنََّّنا لن نستطيع الجزم حينها بقطعية وجود فِلسها من عدمه. 

أمَّا الجيلاتين النباتي فيتم استخلاصه من كائنات نباتية محددة يأتي على رأسها بعض الطحالب البحرية، إلا أنَّه لابد وأنْ أُؤكِّد على أنَّ الكثير من النباتات لا ينتج جيلاتين كما يتصور البعض، بل أنَّ المنتجات الغذائية النباتية المحتوية على جيلاتين (التي من ضمنها مُنتَجات القمح) جيلاتينها ليس منها بل هو مُضاف لها من كائن حي آخر، وفي حال ظهر النشا القمحي بعد غليه بصورة هلامية فهو ناتج من تغير كثافة الخليط بعد تَكَسُّر الروابط الهيدروجينية للطحين [2]. 

وقد يختلط على البعض تسجيل وجود مادة الجلوتين (Gluten) مع مادة الجيلاتين (Gelatin) على المُنتَج، حيث أنَّ الجلوتين [3] عبارة عن بروتين موجود من ضمن مكونات أنسجة لقاح القمح وبقية الحبوب المُشابهة التي إذا ما طُحِنَ القمح معها أنتجت مادة الطحين النشوية ذات الطبيعة المطَّاطِيِة عند إضافة الماء (وهذا الكلام لا يعني أنَّ كل منتجات القمح تحتوي على الجلوتين؛ فإنْ غاب اللقاح لم يَعُد للجلوتين وجود)، وهي المادة التي تُغَذِّي أجِنَة النباتات في بدايتها (وهي أشبه بما تفرزه أشجار النخيل الذكرية في فترة اللقاح)، ومن ثم- في مراحل مُتَقَدِّمة- تؤثر على تماسك العجين، ومنه على طعمه عند مضغه حينما يتحول إلى خبز بعد استخراجه من الفرن، وهي تحتاج لبحث مُستَقِل بسبب علاقتها ببعض المشاكل الصحية المرتبطة بعدم مقدرة البعض على هضمها مما يُسبب بعض الأعراض غير المرغوب فيها، إلا أنَّها بما لا شك فيه نباتية وليست حيوانية. 

أمَّا حينما يُذكر في المحتوى أنَّ الجيلاتين هو المُضاف وليس الجلوتين، فإنَّ هذا سيعني حتمًا وجود المادة البروتينية الكولاجينية (التي غالبًا ما تكون حيوانية، كما سيتبين لاحقًا) المعنيين بنقاشها في هذا التحقيق والتي يُتَوقَع إضافتها لبعض منتجات الخبز من أجل الاستفادة من مزاياها ومواصفاتها (كما سيأتي ذكره في السطور القادمة) خصوصًا حينما تحتوي تلك المنتجات على بعض الإضافات السُكَّرِيَة. 

وينطبق هذا الأمر الضبابي- عند قراءته من قبل البعض- على بعض الأنواع النباتية البديلة للجيلاتين التي تُستَخْرَج من الطحالب الحمراء والمُسماة بالـ "كراجينان" (carrageenan) والتي تتركب من سكريات مُسَلفَنَة (sulphated polysaccharides) وليست جيلاتين؛ وهناك غيرها الكثير من البدائل التي يجب أنْ لا يختلط أسمها مع الجيلاتين وهي بدائل نباتية لا تملك ميزات الجيلاتين الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية والصناعية (كما سنُنَاقشه لاحقًا، حيث سنتعرف حينها على أهميته كما تراه غالب شركات الغذاء والدواء والتجميل المختلفة)، بل أنَّ الكثير منها قد يُسبب مشاكل صحية عند البعض (وهذا السبب- مع عدم وفرتها- من عوائق استخدامها مقارنة بالجيلاتين). 

وعليه- مُجمَلًا- أقول: أنَّه يتم تقسيم الجيلاتين بشكل عام (وكما جاء التلميح له في هذه الفقرة) لقسمين: نباتي (مصادره محدودة جدًا) وحيواني (وهو الأعم الأغلب والمُسَيْطِر على الأسواق). وعمومًا، أُبَيِّن- بدايةً- أنَّ المصانع تَعِدُّ الجيلاتين الناتج من جلود الخنازير ذا قوة أعلى ولون وصفاء أفضل مقارنة بالجيلاتين المنتج من جلود الماشية، بل أنَّه الأكثر استخدامًا لتوفره وسهولة الحصول عليه مقارنة بالأنسجة الصلبة كالعظام والغضاريف (أيًا كان مصدرها، خنزيرية أو غير خنزيرية) التي تحتاج لعمليات إضافية عند الاستخلاص والتي لا تُنتِج كمية مماثلة من الجيلاتين كما تفعل جلود الخنازير تحديدًا؛ وعليه فإنَّ معظم ما هو موجود في الأسواق هو جيلاتين خنزيري.

وهنا لابد أنْ أذكر أهم العمليات المُستَخدَمة عند استخلاص الجيلاتين ليتبين لنا: "إنْ كان يتحقق فيه حصول الاستحالة، أم لا؟". حيث يعتمد استخلاص (أو فصل) الجيلاتين من الكولاجين (بعد غسله من أجل إزالة الدم وبقايا المواد غير المرغوب فيها منه) على الغلي تحت درجات حرارة منخفضة لساعات طويلة في بداية التعامل معه [4]، إلا أنَّ بعض المصانع توصلها لدرجة الغليان [5]؛ أمَّا إنَّ كانت تحتوي تلك الأنسجة على دهون (كما هو الحال عند التعامل مع جلود الخنازير) فتتم إزالتها أولًا قبل الدخول في عملية الاستخلاص. 

ومن الطُرق الرئيسة التي تدخل عادةً في عملية استخلاص الجيلاتين بصورة نقية كبديل للغلي المباشر ما يُسمى بالتحلل الفيزيائي المائي الدقيق [6]، خصوصًا إذا ما فهمنا بأنَّ مركب الكولاجين في أساسه قابل للذوبان في الماء قبل فصل الجيلاتين منه، حيث تعتمد هذه العملية على غمر الكولاجين في الماء البارد لمدة يوم أو يومين؛ يتبعها خفض وسطه الحمضي ومروره بسلسلة من المعاملات الحامضية أو القاعدية (تُحددها طبيعة الأنسجة المُتَعَامل معها أثناء المُعالجة) [7] بهدف إزالة الكلس الملحي الموجود فيه وتليينه دون تغيير البروتينات الداخلة في تركيبه الشاملة للجيلاتين والتي قد تأخذ بضع أسابيع [ix]؛ وما أن يُزال الكلس من الكولاجين تنفتح أليافه ويقل التحامها الداخلي [x]، ويُصبح شكله ذائب وجاهز لفصل بقية المواد المرتبطة به [8]، إضافة لتحويل دهونه إلى مركبات قطبية يتم إزالتها عن طريق الغسل لاحقًا. 

وللتوضيح، فإنَّ أيٍ من الطريقتين (الحامضية أو القاعدية) المستخدمتين في عملية استخلاص الجيلاتين تُنتج نوعان أو صنفان مختلفان [xi]: يُصَنَّف النوع الأول (المُستَخلَص بطريقة ناعمة والذي تكون جزيئاته غير مُحطمة أو مُتأثرة) "درجة أولى"، بينما يُصَنَّف النوع الثاني (المُستَخلَص بطريقة خشنة والذي تكون بعض جزيئاته مُتأثرة) "درجة ثانية" [xii]؛ وتبعاً لذلك فإن الأوزان الجزيئية الناتجة بعد الاستخلاص تكون مُتَبَايِنة وذات صفات مُتَغَايِرة؛ إلا أنَّ كلا النوعين يكونان ذائبين في الماء ويتمتعان بتكوين الهلام عند تبريد المحلول الساخن الحاوي عليه، وهو ما لا يُشَكِّل عائق عند استخدامهما في الصناعات المختلفة. أمَّا بعدها فتمر المادة النهائية المُستَخْلَصة (أي الجيلاتين)- عادةً- بعملية فلترة لإزالة الحبيبات الصغيرة الموجودة في سائله وانتزاع للألوان العالقة به بإحدى العمليات كمُعَالَجَته بالكربون النشط، ومن ثم يمر بعملية استرداد. إضافة لهذا، فإنَّ البخار عالي الضغط قد يدخل أيضًا في مرحلة من مراحل عملية الاستخلاص لتركيز الجيلاتين، ومن بعدها يمر بمرحلة تجفيف.

ومن خلال فهمنا اللغوي [9] والاصطلاحي الشرعي لطبيعة تحقق موضوع الاستحالة [10] الذي ورد تعريفه في كتب الفقه لمجموعة من العلماء الأعلام [11] في المواد النجسة الأصل الذي نستطيع القول فيه علميًا أنَّه عبارة عن تغير كيميائي يحدث في المادة فيُغير من تركيبها وصفاتها الأصلية ويجعل من موضوع رجوعها لأصلها مُتَعَذِّر (مستحيل)؛ عليه أقول: نستطيع (كما تبين لنا سابقًا) عنونة مُجْمَل عملية استخلاص الجيلاتين تحت عبارة "الفصل الفيزيائي لمادة من مادة أُخرى مخلوطة معها- ولست متحدة معها- مع الحفاظ على طبيعتها ومواصفتها" (أي تقديمها كما كانت موجودة في الأنسجة الحية الحاضنة لها في الكائن الحي)، دون تغيير في تركيبتها الكيميائية. وعليه، فإنَّ حصول الاستحالة جزمًا لا يتحقق في موضوع الجيلاتين بالمفهوم العلمي الذي نستوعبه لعملية استخلاصه من لحظته الأولى حتى يصل لنهايته (التي يتم فصله فيها- كما تقدم- من وسطه البروتيني المغمور بسوائل مصدره- وأعني الكائن الحي المنتج له- الشاملة للدم) والمتوافِق في تعريفه مع ما جاء في نصوص الأحكام التشريعية الصادرة من قبل العلماء الأعلام.

فإذا كان موضوع الاستحالة لا يتحقق، فهل أصبح موضوع ضرورة معرفة مصدره الحيواني من أجل الحكم على طهارته الأصلية من عدمها، أمر لازم (اعتمادًا على فتاوى العلماء العظام في هذا الشأن)؟ خصوصًا إذا ما فهمنا بأنَّ المادة المُضافة قد تم استخلاصها (كما هي دون حدوث تغيير عليها) من حيوان حرام (إمَّا بالحرمة المبدئية أو بعدم تذكيته). وهنا لابد أنْ أذكر، أنَّ ما يتم مُلاحظته مُجملًا في الدول الغربية عند الهيئات العاملة على استخلاص الجيلاتين بأنَّها لا تُراعي أحكام التذكية (كما هو وارد في النصوص الإسلامية)، بل أنَّ موضوع التذكية الإسلامية لا يتناسب وعمل تلك الهيئات والمصانع العاملة في هذا المجال لأنَّها تعمل على انتاج كميات ضخمة من الجيلاتين يتم خلط الجلود فيها بعضها مع البعض الآخر بغض النظر عن الجهة المُصَدِّرَة لها (لأنَّ عملية الاستخلاص في المصانع- عادةً- ما تتم في أحوض ضخمة تُنتِج كميات وحدتها الصُغرى "الطن")؛ أي أنَّه على افتراض أنَّ هناك بعض المصادر الخجولة لبعض المواشي المُذكَّاة فإنَّها حتمًا ستختلط ببقية المصادر غير المُذكَّاة؛ يُضاف لهذا التوصيف، أنَّ معظم المصانع الفاعلة على استخلاص الجيلاتين موجودة في دول غربية وليست إسلامية غير المسؤولة عن التركيز على مثل هذه العناوين. 

ومن هنا فإنَّ الجيلاتين المُستَخلَص من الكولاجين الحيواني يجب النظر فيه من قبل المؤسسات الدينية والحوزات العلمية ودور الإفتاء التابعة للمراجع العظام؛ وأعتقد بأنَّ طرح موضوع عدم حصول "الاستحالة" في الجيلاتين لابد وأنْ يُحسَم حتى تكون الرؤية واضحة عند الجميع.

وللإشارة والتوضيح، فإنَّ الجيلاتين (الذي لم يَعُد تصنيفه من قبل مؤسسات الغذاء والدواء العالمية بعد استخلاصه "مادة مُضافة"، بل "غذاء مُستَقِل في حد ذاته") يأخذ أسماء مُتَعَدِّدة من أشهرها رمزه المُتَعارف عليه في المحتويات الغذائية رقم (E441)، وقد تلجأ بعض الشركات لتقديمه تحت مُسميات أخرى كـ "مُستَخلَص بروتيني" أو من ضمن مجموع البروتينات الداخلة في التركيب. وعليه، فإنَّ معرفة طبيعة الأغذية التي لا يُستغنى فيها عن الجيلاتين أمر مهم (وهو ما سأجيب عليه في السطور القادمة).

وحينما يتم طرح السؤال القادم من قبل البعض: "لماذا لا يتم الاستغناء عن إضافة الجيلاتين؟" فإنَّ الإجابة المباشرة على هذا السؤال ستُختَصَر في: "أنَّ القيمة العالية للجيلاتين الداخلة في الصناعات الغذائية والدوائية المختلفة والتجميلية وغيرها الكثير (كما تراها الجهات المُصَنِّعَة) هي التي تدفع معظم الشركات لاستخدامه"، والمُتَضَمِّنَة أسباب عديدة، أذكر من ضمنها بعض صفاته المُمَيِّزة له الشاملة لقابليته الفائقة لِـ: (1) الارتباط بالماء، (2) الاستحلاب، (3) تكوين رغوة، (4) إعطاء الصورة الصلبة للأغذية السائلة الداخل فيها وتشكيلها بالصورة المُراد تصويره فيها، (5) إعطاء لزوجة، (6) إعطاء مرونة، (7) تكوين طبقة خارجية مُغَلِّفَة للأغذية. بل أنَّ من مِيزَات الجيلاتين الرئيسة تمتعه بدرجة تجمد منخفضة عن الصفر ودرجة غليان أقل من درجة حرارة جسم الانسان مما يُساعده على الذوبان بمجرد وصوله لأنسجة الفم واختلاطه باللُعاب [xiii].

وبسبب تلك الصفات المُمَيِّزة للجيلاتين، فإنَّه يدخل في العديد من الصناعات الغذائية؛ والتي تضم بين جنباتها: صناعة المنتجات اللَبَنِيَّة كعامل مُجَلْتِن فيجعلها تتمتع بليونة، ويدخل في صناعة بعض الأجبان فيُعطيها هيئة مُتماسكة، وفي صناعة الأيس كريم كعامل مُثَبِّت ومُثَبِّط (يُثَبِّت تماسك الآيسكريم ويُثَبِّط تكوين الحبيبات الثلجية ويُثَبِّط تكون حبيبات اللاكتوز خلال عملية التجميد بسبب درجة تجمده المنخفضة)؛ ويدخل في صناعة العديد من السُكَّرِيَات المختلفة والحلويات كـ "الماشميلو" [12] والشوكولاتة؛ كما يدخل في صناعة بعض أنواع الزبدة كالمارجرين كونه مادة مُستحلبة ترتبط بالماء؛ ويدخل في صناعة منتجات اللحوم المجمدة (كالسجق والسلامي والنقانق كطبقة خارجية لحمايتها من الجفاف والأكسدة)؛ بل ويُضاف أيضًا (خصوصًا المُستخلص من جلود الخنازير) لعمل مواد استحلاب في الكثير من منتجات اللحوم بسبب قابليته للارتباط بالدهون، وأحيانًا يُضاف بكميات كبيرة من أجل ملئ اللحوم وإعطائها حجم أكبر (حتى لو كانت تلك اللحوم غير خنزيرية)؛ بل ويتم استخدامه مع بعض المأكولات البحرية كالروبيان المُجَمَّد- الذي تنتجه بعض الشركات العالمية- والعديد من الأطعمة الشبيهة به لتُصبح أكثر جاذبية للمستهلك وأيضًا كطبقة خارجية (ولنفس الأسباب التي تقدمت مع اللحوم)؛ ويدخل في صناعة العصائر من أجل إعطائها قوام متجانس دون الإحساس بوجود حبيبات الفاكهة وليُحَرِّرَها من بعض النكهات الأروماتيه غير المرغوب فيها [xiv]. 

ولا تقتصر إضافة الجيلاتين على صفاته الوظيفية، بل تلجأ بعض المصانع لإضافته كمصدر بروتيني (كما هو الحال في العديد من مشروبات الطاقة)؛ وغيرها الكثير. أما في عالم الأدوية، فيدخل الجيلاتين في العديد من الكبسولات الطبية على اختلاف أنواعها التي تُشَكِّل فيها الغلاف الخارجي بغية ملئها بحبيبات الدواء المطحون؛ وقد تدخل في بعض الكبسولات شبه الصلبة من أجل ملئها بالدواء السائل؛ وقد يُستخدم أيضًا في تغليف بعض حبوب الدواء وذلك عن طريق غطسها في سائل الجيلاتين أو رشها به، وذلك من أجل تسهيل عملية بلعها وتجنب طعمها غير المرغوب فيه، إضافة لمنع وصول الرطوبة والحرارة والضوء والأكسجين لها؛ وقد تأخذ هذه الكبسولات ألوان مختلفة ناتجة من صبغ الجيلاتين بألوان توضيحية. 

ليس هذا فحسب، بل يدخل الجيلاتين في صناعة الضمادات والمراهم والكثير من المواد الطبية كونه بديل مناسب لبلازما الدم ومُلائم للأنسجة البشرية (كما تراه الهيئات العالمية). بل ويدخل في الصناعات التجميلية لصفاته المختلفة (الآنفة الذكر) الشاملة لكونه مادة مُثَبِّتة ومُثَبِّطة ومُستَحلِبة. 

ويكفي أنْ نعرف بأنَّ ما يتم إنتاجه من الجيلاتين سنويًا- على مستوى عالمي- يتجاوز 300000 طن [ii]، (فمن أين تأتي هذه الكمية؟ وأين تذهب؟). واعتمادا على ما جاءت به صحيفة "نيويورك تايمز" بتاريخ 2 تموز 2013م، فإنَّ ما تم تسجيله في عام 2011م من الجيلاتين القادم من جلود الخنازير وبقية الأنسجة الحيوانية الشاملة للعظام والغضاريف (الخنزيرية وغير الخنزيرية) تم تقديره عالميًا بـ 348900 طن، ويُتَوَقَّع ارتفاع هذه الكمية في عام 2018م (نظرًا لتنامي الطلب) إلى 450700 طن.

ومع العلم من كل هذا، أؤكِّد مرة ثانية أنَّ غالب ما يتم استخدامه من جيلاتين في الأسواق، هو من جلود الخنازير الذي يَصعُب الكشف عنه بالطرق البدائية ويحتاج تمييزه عن غيره في المنتجات المختلفة لبعض الطرق التحليلية الدقيقة كالطرق الوراثية [ii].

بعد هذا التقديم المُتعدد الزوايا، والذي كان يصب معظمه في إطار تسهيل رؤية الصورة الضبابية المتعلقة بموضوع استحالة الجيلاتين التي تَبَيَّنَ بأنها غير حاصلة بمعناها العلمي (الدقي)؛ خصوصًا وأنَّ معظم ما هو في السوق من جيلاتين- يُغطي مساحة ضخمة من المنتجات الغذائية والدوائية- إمَّا خنزيري أو حيواني غير مُذكى (ويكفي هنا انتسابه للقسم الحيواني لوضع علامات الاستفهام عليه). وعليه فإنَّ قبوله من الناحية الشرعية من عدمه في بعض الموارد الابتلائية، يجب أنْ يستهدف عناوين مُغايرة لعنوان "حصول الاستحالة بمعناها العلمي (الدقي)" من عدمه.

المراجع 


[1] عادةً ما تتطلب العظام والغضاريف الحيوانية مسار أطول وأصعب عند استخلاص الجيلاتين (بإضافة بعض الخطوات الهادفة للتخلص من الكالسيوم أولًا) من ذاك المسار المطلوب عند معالجة الجلود الحيوانية لنفس الغرض.

[2] حيث تنتفخ جزيئات النشا بعد عملية الغلي وتتكسر الروابط الهيدروجينية بين جزيئاتها والتي من أهمها تلك التي تقع بين كل من "الأميلوز" (amylose) وَ"الأميلوسبكتين" (amylopectin)، مما يتسبب في خروج "الأميلوز" منها ليسمح بِتَكَوُّن روابط هيدروجينية جديدة بين كل من جزيئات الماء و"الأميلوسبكتين" المنفصل من "الأميلوز"؛ وهو ما يزيد من حجم وثخانة الطحين المغلي. وبمعنى أخر، أنَّه حينما تظهر بعض المركبات النشوية بصورة جيلاتينية فهذا لا يعني أنَّها تنتج بروتين، وقد تلجأ بعض الشركات لإضافة الجيلاتين الحيواني لبعض المنتجات النشوية ومن ضمنها منتجات المخابز بغرض الاستفادة من مُميزات وصفات الجيلاتين على المستوى الصناعي والتجاري.

[3] يتواجد "الجلوتين" (Gluten) في "الإندوبلازم" (endosperm)، وهو اللقاح الذكري المسؤول عن تكون أجنة النباتات وتلقيح الأجزاء الأنثوية من النباتات (إذا صح التعبير)، ويتركب من مادتين بروتنيتين رئيستين: (1) "جليادين" (Gliadin)، وهو بروتين من نوعية "البرولمين" (Prolamin)، وَ(2) و"الجلوتينين" (Glutenin)، بتكرار حرف النون في نهايته، حيث يجب أنْ لا يختلط اسمه مع مادته الأم "الجلوتين"، وهو بروتين من نوعية "الجلوتلين" (Glutelin)، بإضافة حرف اللام قبل الحرفين الأخيرين. وهنا يجب أنْ نؤكِّد على أنَّ "الجلوتين" الحقيقي يرتبط بحبوب القمح، إلا أنَّه يُقال أنَّ بعض الحبوب كتلك المُستخدَمة في علب "السيريل" (cereal) المستخدم في إفطار الصباح في البلدان الغربية (كما هو مُسَجَّل علميًا) تحتوي على "الجلوتين"، لأنَّها تحتوي على بروتينات مركبة من "البرولمين" و"الجلوتينين" المكونتين لـ "الجلوتين" (كما تم ذكره سابقًا). ومن المنتجات التي تحتوي على "الجلوتين": الباستا الإيطالية والأندومي وبعض المعجنات وبعض الأخباز الأوروبية وبعض أنواع الكيك وبعض الحبوب المُستَخدَمة في علب "السيريل" و"البانكيك" و"الوافل" وبعض فُتات الخبز وبعض الصلصات المُخصصة لتحلية الخبز وبعض الكريمات الخاصة بالكيك والكثير من منتجات القمح وبالخصوص في الدول الغربية.

[4] وهو ما تلجأ له مطاعم "الأرز البخاري" الأفغانية المنشأ والمطاعم الصينية والمطاعم الشرق آسيوية على اختلاف انتماءاتها الجغرافية التي تلجأ لترك العظام تحت نار هادئة لساعات طويلة من أجل أخذ ما يُسمى بالزلال الممزوج ببعض مكونات نخاع العظام والدهون، ليتم بعدها إضافتها كمنكهات للأرز والشروبات المختلفة؛ ولو تأملنا في حقيقة هذه العملية فسنُلاحظ أنَّها- بعلم القائمين على تلك المطاعم أو دون علمهم- تهدف لاستخلاص الجيلاتين، وما ذلك السائل الهلامي المنزوع في نهاية عملية الغلي إلا الجيلاتين الذي نتحدث عنه في هذه المُراجعة العلمية.

[5] إلا أنَّ أفضله استخلاصًا وأكثره جودةً يتم فصله تحت درجات حرارة منخفضة، بينما ذاك الذي يتم تحت درجات حرارة مرتفعة تكون كميته أكبر إلا أنَّه لا يتمتع بالجودة التي يمتاز بها النوع الأول.

[6] وهي الطريقة الرسمية الأولى من ضمن ثلاث طرق، والتي يُضاف لها كل من الطريقة التي تعتمد على الأحماض وتلك التي تعتمد على المركبات القاعدية.

[7] التي يدخل فيها عادةً بعض المركبات التي تشمل: حمض "الكبريتيك"، أو مركب "هيدروكسيد الكالسيوم" أو حامض "الهيدروكلوريك" أو "السلفوريك" أو حامض "الفوسفوريك". وهي المركبات التي يدخل بعضها في عمل الطريقة التي تعتمد على الأحماض، بينما يدخل بعضها الآخر في الطريقة التي تعتمد على المركبات القاعدية.

[8] مثل "الكيراتين" وَ"الجلوبيولين" وَ"الايلاستين" وَ"الميوسينات" وَ"الالبومينات".

[9] لاستحالة لغةً: تُطلق على تغيُّر الشيء عن طبعه ووصفه؛ كما جاء في "لسان العرب" لابن منطور (مادة: حال).

[10] تعريفه الاصطلاحي في كتب الفقه: هي تبدّل شيء إلى شيء آخر يخالفه في الصورة النوعية عرفاً، ولا أثر لتبدّل الاسم والصفة فضلاً عن تفرّق الأجزاء، فيطهر ما أحالته النّار رماداً أو دخاناً، سواء كان نجساً، كالعذرة، أو متنجّساً، كالخشبة المتنجّسة، وكذا ما صيّرته فحماً إذا لم يبق فيه شيء من مقوّمات حقيقته السابقة وخواصّه من النباتيّة والشجريّة ونحوهما. وأمّا ما أحالته النّار خزفاً، أو آجراً أو جصّاً أو نورة، ففيه إشكال، والأحوط لزوماً عدم طهارته، وأمّا مجرّد تفرّق أجزاء النجس أو المتنجّس فلا يجب الحكم بطهارة المائع المصعد فيكون نجساً ومنجّساً. نعم لا ينجس بخارهما ما يلاقيه من البدن والثوب وغيرهما (وفقًا لما جاء في كتاب الطهارة لسماحة المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني دام ظله الوارف). وهو ما يتوافق جوهريًا مع فهم العلماء والباحثين للتغيرات الكيميائية التي تطرأ على المواد فتغيرها من حالة لحالة أخرى وتُعطيها صفات ومميزات جديدة، مع استحالة رجوعها مرة ثانية لحالتها الأولية (مثالها العلمي: عملية الاحتراق). وهذا التعريف يأتي مُعاكسًا لفهم التغيرات الفيزيائية التي تغير من حالة المادة دون أنْ تُغير من صفاتها، بحيث يمكن رجوعها لحالتها الأولية (مثاله العلمي: تحول الماء إلى ثلج أو بخار).

[11] أكتفي بذكر ما جاء في أمور الفصل الرابع (الأمر الرابع: الاستحالة) من كتاب الطهارة لسماحة المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني دام ظله الوارف. ولقد ورد نفس المعنى في كتاب موسوعة الإمام الخوئي قدس سره الشريف لسماحة الشيخ علي الغروي في فصل المطهرات (موضوع الاستحالة). 

[12] والذي يُطلق عليه شعبيًا بـ "خد العروس".


[i] Ward, A.G.; Courts, A. (1977). The Science and Technology of Gelatin. New York: Academic Press. ISBN 0-12-735050-0.

[ii] "Gelatine information, news, history and more". Gelatine Manufacturers Institute of America. Archived from the original on 1 August 2008. Retrieved 2008-09-26.

[iii] U.S. Food and Drug Administration. "The Sourcing and Processing of Gelatin to Reduce the Potential Risk Posed by Bovine Spongiform Encephalopathy (BSE) in FDA-Regulated Products for Human Use".

[iv] The Scientific Steering Committee (6–7 March 2003). "Updated Opinion On The Safety With Regard To TSE Risks Of Gelatine Derived From Ruminant Bones or Hides".

[v] Gelatine Manufacturers of Europe (GME) (June 2003). "The Removal and Inactivation of Potential TSE Infectivity by the Different Gelatin Manufacturing Processes".

[vi] Scientific Panel on Biological Hazards of the European Food Safety Authority (EFSA) (18 January 2006). "Quantitative assessment of the human BSE risk posed by gelatine with respect to residual BSE risk".

[vii] Herbert Gareis; Reinhard Schrieber (2007). Gelatine Handbook: Theory and Industrial Practice. Weinheim: Wiley-VCH. ISBN 3-527-31548-9.

[viii] Cole, CGB (2000), "Gelatin", in Francis, FJ, Encyclopedia of Food Science and Technology, 2nd edition, John Wiley & Sons, pp. 1183–1188.

[ix] "Rousselot.com. Gelatin, Hydrolyzed collagen. Properties, processes, applications in the confectionnery, dairy, pharmaceutical. Now is mostly used from plants industries". ROUSSELOT. Retrieved 2008-07-15.

[x] Ward, A.G.; Courts, A. (1977). The Science and Technology of Gelatin. New York: Academic Press. ISBN 0-12-735050-0.

[xi] "Type A & B Process Definition". Vyse Gelatin Company. 26 October 2009. Retrieved 16 July 2014.

[xii] "Gelita.com". GELITA Group. Retrieved 2006-12-04.

[xiii] Cole, CGB (2000), "Gelatin", in Francis, FJ, Encyclopedia of Food Science and Technology, 2nd edition, John Wiley & Sons, pp. 1183–1188.

[xiv] "National Organic Standards Board Technical Advisory Panel Review: Gelatin processing". omri.org

1 comments:

  1. أحسنت كثيرا
    بحث رائع وجميل
    ولكن هنا تساؤل
    يمكن أن يقال أن الأحكام الشرعية تتبع مفاهيم عرفية وكمثال توضيحي فإنه يشترط الفقهاء في الطهارة إزالة عين النجاسة فلو تبين بعد غسل الشيء المتنجس بوسائل علمية متقدمة بقاء بعض جرم النجاسة فإنهم مع ذلك يحكمون بالطهارة
    فهنا مع ما وضحتموه من بقاء مادة الجيلاتين على حالها من الحيوان الذي أخذت منه فإن ذلك ليس بالضرورة يمنع تحقق الإستحالة من قبل المفهوم العرفي الشرعي

    ReplyDelete