سؤال/
حينما يقول فقهائنا بجواز شرب بول الإبل أو بول بعض الحيوانات المُحَلَّلَة الأكل للتداوي؛ فماذا يقول العلم في هذا الأمر؟ هل هو ضار بالصحة أم أنَّ له فائدة؟
جواب/
بدايةً أُؤكِّد على عدم وجود أي حقائق علمية معتمدة ومحكمة في الدوريات الطبية المرجعية العالمية (حتى وقت كتابة هذا التعليق) تؤيد شرب بول الإبل (سواء كان للتداوي أو لغير التداوي) أو حتى تلمح لفرضية قبوله في مدرسة الطبابة الحديثة (بغض النظر عن صدورها من قبل بعض المُتَأثِّريِن بالعادات المحلية والثقافة المناطقية والأعراف البدوية - وإنْ لبسوا المريلة البيضاء - التي لا تغير من قضية ثبوتها وقبولها في المؤسسات العلمية العالمية على مستوى التطبيق الفعلي في المشافي الصحية شَيْء).
أما على مستوى الروايات المروية في مدرسة العترة الطاهرة "ع"، فيذكر الأعلام الأفاضل ما جاء في موثقة عمار الساباطي عن الإمام الصادق "ع" حين سُئل عن بول البقر يشربه الرجل قال (ع): "إن كان محتاجًا إليه يتداوى به بشربه وكذلك أبوال الإبل والغنم". ومنها: ما رواه سماعة قال: "سألت أبا عبد الله (ع) عن شرب الرجل أبوال الإبل والبقر والغنم يُنعت له من الوجع هل يجوز له أن يشرب قال (ع): نعم لا بأس به".
فما تضمنته الروايتين أعلاه أمر متروك للمحققين والأعلام الأفاضل القادرين على التحقيق في طبيعة سندها ووضوح دلالتها ومتابعة مُتَعلَّقَاتها؛ ليتم بعدها التعليق على طبيعة المناسبة التي وردت فيها؛ وهل ارتبطت بمرض محدد؟ أم أنَّها محمولة على الإطلاق؟
وللمزيد من التوضيح في هذا الجانب، فإنَّ ما ورد في كتب "منهاج الصالحين" في أقسام المعاملات لمراجعنا العظام (بحسب تصفحي لأغلبها) تُشير بشكل عام إلى عدم جواز شرب بول الإبل في الأحوال الطبيعية وتُقَيِّده بعنوان "التداوي" (حيث أنَّ مجمل الفتاوى تتوافق مع ما ورد في مضمون الروايتين أعلاه).
أما على مستوى الحِلِّية والطهارة وما تعلَّق بهما من أحكام فقهية، فهو أمر آخر (وعنوانه مشمول في أبواب أحكام النجس والمُتَنَجِّس)، حيث أنَّ الفتاوى القاضية بطهارتها كأبوال لحيوانات أكل لحمها جائز أمر وثبوت تأثيرها العلاجي عند شربها أو غياب الضرر الناتج عنها وحتمية فوائدها أمر آخر.
وحيث أنَّ فتاوى علماء المدرسة الأمامية قد جاءت مشروطة بعنوان "التداوي" دون غيره من عناوين مرتكزةً على ما تم الإشارة له عنهم "ع"، كما تم التلميح له أعلاه (أي عدم جوازها في الأحوال الطبيعية بأي شكل من الأشكال)؛ عليه فإنَّ السؤال المُتوقع إثارته من قبل العقلاء هو: "عن الطبيب المداوي الواصف لتلك الأبوال كعلاج وعن المستندات العلمية الموثقة الداعمة لقوله؟" (التي- بما لا شك فيه- لا تتوفر في مدرسة الطب الحديث؛ كما أشرنا له في بداية الحديث)؛ وهو ما سيعني (إنْ أردنا مخرجًا شرعيًا له) اللجوء لمدارس أخرى (شعبية أو قديمة) يتم البحث فيها عن الثقات وأصحاب الخبرة ممن هم قادرين على تحديد طبيعة الحالات المحتاجة للأبوال - المعنية في هذا التعليق - كعلاج، ليصدق عليها حينها عنوان "التداوي"، وعليه يتحقق عنوان "الجواز" (هذا بحسب المفهموم الطبي العلمي لمصطلح "التداوي" و"الإستشفاء" الذي لا يجوز فيه التخمين واتخاذ القرارات الشخصية وتجاوز النظم والقوانين العلاجية من قبل عوام الناس غير المتخصصين في المجال الطبي؛ أما في حال كان تعريف عبارة "التداوي" العرفي قابل للتمدد والتوسع في التطبيق فهو أمر آخر يحدده العالم الفقيه).
وباختصار، أقول: أنَّ المؤكَّد لنا حتى الآن على المستوى التطبيقي بمنظور العلوم الإكلينيكية والأبحاث البيولوجية (لا بمنظور الأبعاد الأخرى المُشار لأهمها في بعض فقرات الشرح أعلاه) هو أنَّ ممارسات شرب بول الأبل مُسجَّلَة- بحسب ما نشاهده في واقعنا الحالي- على نحو الاجتهادات الشخصية والأعراف المنتشرة بين سكان البدو في الصحاري دون قيد أو شرط؛ في الوقت الذي نلاحظ فيه (على مستوى قراءة قابلية الشارع العام لها) أنَّ غالبية سكان العالم المُتَحضِّر - بغض النظر عن شرعيتها الفقهية عند "التداوي" أو غياب أضرارها أو حتى تأكيد فوائدها - يعدها أمرًا "مُنَفِّرًا" ومخالفًا للذوق العام (بعيدًا عن موضوع اتفاقنا أو اختلافنا معهم في هذا الشأن، وبعيدًا عن اكتمال الصورة العلمية في مراكز الأبحاث المُعتَمَدة من عدمها).
وفي العموم، لابد أنْ أؤكِّد أيضًا: بأنَّ صدور روايات عن أئمتنا الأطهار (إنْ جزمنا يقينًا بها من خلال ما سيبحثه علمائنا الأفاضل في الحوزات العلمية بشأن سندها ومضمونها ومناسبتها) سيعني المزيد من التأمل والبحث العلمي في الدوائر الدراسية الحديثة المُتَعَلِّقة بشؤون بول الإبل المختلفة الجوانب (وبقية الأنعام الجائز أكل لحومها) من أجل أنْ تكتمل الصورة بمنظور الطِبابة في إطارها الواقعي، التي لابد أنْ نُشرك في عناوينها أيضًا البحوث المُستَجدة في هذا الشأن والتي يأتي على رأسها موضوع انتشار مرض الكورونا وارتباطه بحثيًا بالإبل (بغض النظر عن تقييد أماكن تكاثر الفيروس النسيجي فيه)، وهو ما يستدعي أهمية وضع الموضوع- عنوان القضية - على محمل ميزان الدلائل والبراهين الموثقة قبل تقديمه على نحو العموم. وهذا الطرح - مجملًا - هو خطاب العقل لا العاطفة الصادر من مواقع مدارسنا التي ننتسب إليها والمُرتكِزة على كل ما هو متوفر من حقائق وملاحظات عامة مُسَجَّلَة عند الهيئات المُعتَمَدة المُختلفة حتى يومنا هذا؛ فلاحظ.
شكرا دكتورنا الغالي على مواضيعك التنويرية القيمة التي تطرحها وأتمنى لك دوام التقدم.
ReplyDeleteبكم ومعكم تكتمل الصورة ويرتسم الإطار، شكرًا لك
Delete