Saturday 7 April 2018
April 07, 2018

الجرب.. ما هو؟ وكيف تتم الوقاية منه؟


أذكر في مقدمة هذه المقال بأنَّ الجرب باختصار هو مرض جلدي معدي يُصيب الجزء الخارجي من طبقة الجلد ويؤدي إلى الشكوى من حكة شديدة، وهو ينجم من الإصابة بنوع من أنواع الطفيْليّات المجهرية (لا تُرى بالعين المُجرّدة) التي تندرج تحت عنوان المفصليات الشبيهة بالعناكب والتي تمتاز بأربع أزواج من الأرجع وبانعدام العينين؛ ونستطيع تشبيهها مجازًا أيضًا بالقمل أو الصيبان أو السوس غير المرئي (علمًا بأنَّه لا تُوجَد علاقة بينهما). حيث تستطيع هذه المفصلية المجهرية أنْ تنتقل إلى الشخص السليم بعد تعرّضه لعدوى من شخص مصاب بها عند الالتصاق المباشر به، كما يحدث عند المعاشرة الجنسيّة أو المصافحة، أو عندَ استعمال الأدوات والأغراض الخاصة به، مثل الملابس والشراشف والأغطية والمخاد والأحذية الصوفية، وغيرها من أدوات وأغراض قطنية وصوفية خاصة. لذا، تجد هذه الحشرة فرصتها للانتقال في الأماكن المزدحمة، أو عند المكوث في الفنادق الموبوءة التي يتم استخدام الأدوات المُشتركة فيها مثل الأغطية والمخاد والفوط وما شابهها من مُسلتزمات.

بل وللتوضيح فإنَّ مفصلية الجرب المجهرية تُصيب البشر، إلَّا أنَّ هناك أنواع أُخرى مُختلفة منها تُصيب الحيوانات أيضًا، مثل القطط والكلاب والجمال وغيرها من حيوانات.


وما أنْ تصل مفصلية الجرب إلى موقعها الجديد في الطبقة العلويّة من جلد الإنسان أو الحيوان السليم، حتى تبدأ في تهيئة مكانها وبناء أعشاشها وحفر جحورها التي تعيش فيها، دون أنْ يُلاحَظ وجودها، حيث يُطلق على هذه الفترة بـ "فترة الحضانة" التي تتراوح عادةً ما بين أسبوعين إلى ستة أسابيع عند الإصابة الأولى، وقد تقصر عن ذلك عند الإصابة الثانية (من يوم إلى أربعة أيام)؛ وهي في العموم فترة معدية. 


فتقوم من بعد ذلك خلايا المناعة بمهاجمتها، ممّا يؤدّي إلى ظهور الحكة التي ينجم عنها تكون حبوب صغيرة ذات لون أحمر تكونُ في العادة ملتهبة؛ وهي قابلة للانتشار في أغلب جسم الشّخص المصاب، إلَّا أنَّها تكثر بشكلٍ خاصّ حول السرّة، وبين أصابعِ اليد، وفي الأماكن الملتوية والدافئة من الجسم مثل حزام البطن؛ وعادةً ما تزيدُ في وقت المساء. وقد يؤثّر الجرب على مناطق حسّاسة عند الشخص المصاب، مثل: مناطق الصدر، وحول العينين، والمناطق التناسليّة؛ بل وتتفاقم حدتها وأثارها الجانبية عند فئة الأطفال، ومن بعدهم تأتي فئة الكبار في السن. 


وبسبب زيادة تفاعل الجهاز المناعي مع وجود هذه المفصلية الطفيلية يتكوَّن الطفح الجلديّ الذي يظهر في هيئة بقع منتفخة حمراء الّلون متهيجة وشديدة الحكة أيضًا؛ وهو قابل للظهور في أي جزء من الجسم، إلا أنَّه يكون أكثر وضوحًا في باطن الفخذ، وعلى البطن، وفي المنطقة الوركين.

ومن أعراض وعلامات الجرب أيضًا تكون الجحور، وهي الأماكن التي تستقرّ فيها هذه المفصلية، حيث تظهر على شكل خطوط غامقة على الجلد بطول 2-10 ملم تقريبًا، ويُلاحظ وجودها عادةً بعد بدْء الحكّة في مناطق الجلد الزائد، مثل جلد ما بين الأصابع وباطن المرفق والرّسغ.

وبسبب الحكّة الشديدة تظهر آثار سطحيّة على جلد الشخص المصاب من أهمها الخدوش التي قد تلتهب بالبكتيريا، فتزيد الوضعَ سوءًا، حيث تؤدّي إلى احمرار الجلد، والإحساس بالحرارة والألم فيه.

ومن الممكن أنْ يزيدَ مرض الجرب من أعراض الأمراض الجلديّة الأخرى، إذا كانت متواجدة على جلد المريض مسبقًا.

وقد يلجأ المختص أحيانًا لتشخيص المصاب من خلال أخذ عيّنة من النسيج الملتهب وذلك بحك الجلد الملتهب كي يفحصها تحت المجهر، أو من خلال استخدام قلم طبي خاص به حبر من أجل تعليم الجحور على سطح الجلد من أجل ملاحظتها.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّه وعلى غرار ما يحدث في عالم العناكب، فإنَّه يوجد من هذه المفصليات ذكر وأنثى، يحدث التزاوج بينهما على سطح الجلد لِمرة واحدة فقط، الأمر الذي يجعلها مُلقَّحة فيما تبقى من حياتها (قُرابة الشهرين المتبقيِّن من حياتها)، وتبدأ بعد ذلك الأنثى الملقّحة ببناء بيتها من خلال حفر الأخاديد في جلد الشخص، بطول 2 ملم تقريبًا من أجل وضع بيضها (من بيضة إلى بيضتين في اليوم الواحد)، حيث يفقس البيض لتخرج الطفْيليّات الصغيرة منها، وتترك مخبأها وتنمو خارجَه إلى أنْ تصل مرحلة البلوغ، وذلك في بضعةِ أيّام قليلة، ثم تقومُ هذه الطفيْليّات بالتزاوج فيما بينها، وتبني البيوت الخاصة بها على جلد الشخص المصاب بها، وهكذا دواليك. 


وتنتشرُ من بعدها الطفْيليّات وتتكاثر في جسم الشخص المصاب بالجرب بهذه الطّريقة، لهذا يجب على الشخص المصاب بالحكّة الشديدة مراجعة المصحة الطبية فورًا دون إهمالِ لحالته؛ حيث لا يختفي هذا المرض من تلقاء نفسه، بل ويجب استعمال العلاج الموصوف له. وقد ثبت علميًّا بأنَّ الطفيل المُسبّب لِمرض الجرب لا يمكن أنْ يعيشَ بعيدًا عن جلد الحيوان العائل له لمدة تزيد عن 72 ساعة. 


وقد يعتقدُ البعض بأنّ الجرب يصيب الأشخاص الذين لا يحافظون على نظافتهم الشخصيّة، غيرَ أنَّ هذا الأمر غير صحيح، فالجميع معرَّضون للإصابة به.

وللتخلص من الجرب، فإنَّه لا بُدَّ من معالجته بالكريمات والمحاليل والمراهم والمستحلبات الدوائية الخاصة التي عادة ما يتم وصفها على فترتين (يفصل بينهما عدة أيام) من أجل ضمان القضاء على هذه المفصلية وبيوضها. ومن أهم هذه العلاجات: الـ "بيرميثرين" (Permethrin) بتركيز 5% مثل الـ "إليمايت" (Elimite)، وهو العلاج الأكثر شيوعًا للجرب، حيث يتوفّر في هيئة كريمات وشامبوهات وغيرها من صيغ، يتم استخدامها على جلد جاف ونظيف من أعلى الرأس إلى أخمص القدمين، ودهان "كروتاميتون" (Crotamiton) مثل "يوراكس" (Eurax) الذي يُناسب الأطفال الذين أعمارهم أقل من شهرين. وهناك علاجات أُخرى غيره وهي عديدة لا يسع المجال للحديث عنها هنا من أهمها: محاليل "جاما بنزين هيكساكلوريد" (Gamma Benzene Hexachloride) بتركيز 1%، والكبريت (Sulfur) بتركيز 6%، وهي علاجات بها عيوب سواء على مستوى تأثيرها العلاجي أو رائحتها أو تركها لأثار صبغية على الملابس. وغالب هذه العلاجات في العادة يتم استخدامها للتخلص من القمل والصيبان وما شباه من آفات تتطفَّل على جلد وشعر الإنسان.

وأمَّا الترويج لاستخدام بعض الأبخرة الشعبية الخاصة التي يتم التسويق لها على مواقع التواصل الاجتماعي فهو كلام في غير محله، وهي وصفات اجتهادية لا تُسمن ولا تغني من جوع.

وقد يحتاج الشخص المصاب بالجرب لعلاجات خاصة حينماا تكون حالته مُتستعصية، كحالات "الجرب النرويجي" (Norwegian Scrapie) الذي يُكوِّن طبقة قشرية تحتوي على المئات من تلك المفصليات الشرسة، والذي يُصاحبُه أيضًا تهيُّج الجهاز المناعي بسبب المُخلّفات والبيوض التي تتركها على الجلد ينتج من ضعف مناعة الشخص المصاب من الأساس، حيث تشمل هذه  العلاجات: غسول أو كريم "براموكسين" (Pramoxin). وقد تُستخدَم أيضًا له مضادات الهيستامين الخاصة بالحساسية حال اشتداد الحكة، وكذلك المضادّات الحيويّة (في حال وجود الالتهاب البكتيري). وفي حال انتشار المرض في سائر أجزاء الجسم، فقد يحتاج المريض لدواء الـ "إفيرمكتين" (Evermictin) الذي تُوجَد منه صيغة يتم تناولها عن طريق الفم، إلَّا أنَّ بعض هذه العقاقير غير مناسبة لِكبار السنّ، والأطفال، والسيّدات الحوامل، وكذلك المرضعات، وذلك لأنَّها تتسبَّب في آثار جانبيّة حادّة لديهم.

وقد تستمرّ الحكّة لعدّة أسابيع حتّى بعد أن تتمّ معالجة الجرب، وهي الفترة الزمنية التي يدخل فيها الجهاز المناعي في ردة فعل تجاه الآثار التي خلفتها الطفيْليّات المسبّبة لمرض الجرب. وأمَّا في حال استمرت الحكّة لأكثر من اسبوعين دون أنْ يكون هناك تنازل في حدتها، فقد يحتاج المصاب عندها إلى فترة علاجيّة إضافية من أجل التخلّص من هذه الطفيْليّات المفصلية التي يُحتمَل حينها أنَّها قد نمتْ وتكاثرتْ مرة ثانية.

لذا، يجب تجنب الاحتكاك المباشر مع أي شخص تظهر عليه الأعراض المذكورة أعلاه (سيِّمَا الحكة الشديدة)، أو مُلامسة أدواته وأغراضه الشخصية؛ بل وأنَّه يُنصح حينها أيضًا بعدم التواجد في الأماكن المزدحمة، خصوصًا في المواقع الجغرافية التي عُرِفتْ بانتشار الجرب فيها. وفي حال كان هناك أحد أفراد العائلة مصاب بالجرب، فإنَّ استخدام العلاج لا بُدَّ أنْ يتم حينها من قبل كل أفراد العائلة والمخالطين له عمومًا حتى لو كانوا لا يُعانون من أي أعراض أو علامات؛ بل وغسل الأدوات والأغراض الخاصة به خصوصًا المصنوعة من الصوف والقطن بالماء الحار، ومن ثَمَّ نشرها في الشمس وتعريضها للتهوية الخارجية لمدة لا تقل عن ثلاثة أيام (وهي الفترة التي تموت فيها تلك الحشرات المجهرية بسبب بعدها عن عائلها الذي تتطفل عليه). بل ويُفضَّل حينها أيضًا تهوية المنزل والسماح لأشعة الشمس بالنفاذ لداخله. وقد يحتاج بعض الأثاث حينها كالسجاد لاستخدام بعض المبيدات الحشرية الخاصة.

مُلاحظة أخيرة: علاج الجرب يستخدَمه المصاب بالجرب ومن هم حوله من مُخالطين فقط؛ وفي حال لم تكن هناك حاجة له، فليس من الحكمة أنْ يتم استخدامه لأنَّ له آثار جانبية، حيث يتحوَّل استخدامه - في حال غياب حالات مصابة به - إلى عبث فكري ومادي وهوس في غير محله (وهو ما يُطبِّقه البعض في المناطق غير الموبوءة على أبنائهم في مثل أيامنا هذه قبل ذهابهم للمدارس - للأسف الشديد - ظنًا منهم بأنَّه أمر حسن). وأضيف على هذا أيضًا بأنَّ العلاج يقضي على هذه المفصلية الشرسة في حال تواجدها على جلد المصاب، ولكنَّه لا يعني ضمان عدم الإصابة بالجرب مرةً ثانيةً في حال اختلط الشخص الذي حصل على العلاج بشخص آخر مُصاب في المستقبل.


المراجع

“Scabies.” 15 February 2008. DermNet NZ. New Zealand Dermatological Society Incorporated. 12 Feb. 2009 < http://www.dermnetnz.org/arthropods/pdf/scabies-dermnetnz.pdf>.

Burkhart, CG. Recent immunologic considerations regarding the itch and treatment of scabies. Dermatology Online Journal; 12(7): 7. 13 Feb. 2009 < http://dermatology.cdlib.org/127/commentary/scabies/burkhart.html>.

Arlian, L. Biology, Host Relations and Epidemiology of Sarcoptes Scabiei. Ann. Rev. Entomol 1989; 34:139-61. 5 Feb. 2009 <http://arjournals.annualreviews.org/doi/pdf/10.1146/annurev.en.34.010189.001035?cookieSet=1>

Roncalli, RA. The History of Scabies in Veterinary and Human Medicine from Biblical to Modern Times. Veterinary Parasitology 1987; 25: 193-198.

Green, M. Epidemiology of Scabies. Epidemiological Reviews 1989; 11:126-150. 5 Feb. 2009 <http://epirev.oxfordjournals.org/cgi/reprint/11/1/126>.

"Scabies." 5 Dec. 2008. Laboratory Identification of Parasites of Public Health Concern. DPDx. CDC, Atlanta. 5 Feb. 2009 <http://www.dpd.cdc.gov/dpdx/HTML/Scabies.htm>.

Markell EK, John DT, Krotoski WA. Markell and Voge’s Medical Parasitology, 9th ed. Philadelphia: W.B. Saunders, 2006.

0 comments:

Post a Comment