Friday, 11 January 2019
January 11, 2019

فخ عدم التمييز بين ارتفاع الكوليسترول وارتفاع الدهون المُشبَّعة في المنتجات الحيوانية، وعلاقة ذلك بارتفاع الكوليسترول عند الإنسان!


بعض الأغذية تحتوي على كوليسترول دون أنَّ يكون لها تأثِّير على الأشخاص الذين يتمتعون بصحة جيدة (هذا طبعًا في حال كانت هذه الأغذية لا تحتوي على دهون مُشبَّعة كالبيض والروبيان والكبدة مثلًا، مع ضرورة أنْ يبقى مُعدَّل استهلاكهم لها تحت حاجز الـ 300 ميليجرام في اليوم الواحد، كما تنص عليه الكثير من المُنظّمات الصحية، وبحيث أنْ لا يرتفع أيضًا اجمالي الكوليسترول في دمهم فوق 200 ميليجرام لكل ديسيلتر). إلَّا إنَّ هذه النوعية من الأغذية الحيوانية المُتضمِّنة الكوليسترول فقط (دون الدهون المُشبَّعة) قد تؤثِّر بشكل سلبي على من لديهم شكوى من ارتفاع في مُعدَّل الكوليسترول في الدم (وليس الأصحاء) في حال تم استهلاكها من قبلهم بكميات كبيرة (فثلاث إلى أربع بيضات أسبوعيا، أو مرة إلى مرتين من وجبات الربيان الصغيرة الحجم أسبوعيًا كذلك يُعدُّ مقبولًا نسبيًا بالنسبة لهم، مع ضرورة أنْ يبتعدون عن غيرها من أغذية تحتوي على نسب عالية من الكوليسترول كالكبدة مثلًا). وكما يُلاحَظ، فإنَّني أعمد لفصل الكوليسترول عن بقية الدهون المُتعددة العناوين، لدقة هذه الطرح عند فهم حقيقة بعض الأمراض المُرتبطة بالقلب والأوعية الدموية (أو حتى الجلطات الدماغية).

وللتوضّيح، فإنَّ الكوليسترول على قسمين: الأوَّل، وهو الكوليسترول الضار أو مُنخفِض الكثافة (LDL)، وهو النوع الذي يجب أنْ لا يتعدَّى في عمومه حاجز الـ 100 مليجرام لكل ديسيلتر؛ والثاني، وهو الكوليسترول النافع أو مُرتفِع الكثافة (HDL)، وهو النوع الذي يجب أن لا ينخفض عن حاجز الـ 60 مليجرام لكل ديسيلتر، مع ضرورة الالتفات إلى أنَّ المجموع الكلي للكوليسترول (بنوعيه) يجب أنْ لا يفوق أيضًا حاجز الـ 200 مليجرام لكل ديسيلتر كما تقدَّم ذكره. والدهون أيضًا هي على قسمين: (٢) دهون مُشبَّعة ضارة، ودهون غير مُشبَّعة مفيدة (أحادية أو مُتعدِّدة عدم التشبُّع). وهناك كذلك - في المقام الثالث - الدهون المُهدرّجة التي تمت معاملتها في المصانع لأغراض تجارية من خلال اشباعها بالهيدروجين، والتي تُسمَّى بالزيوت المتحوِّلة (trans faty acids) والمعدودة عمومًا ضارة. وعند المُقارنة سنجد بأنَّ ما يتم استهلاكه من دهون في العموم عبر أغذيتنا المُعتادة يفوق بمراحل كبيرة جدًا ما يتم استهلاكه من كوليسترول (كنسبة وتناسب بين الإثنين).

ولاحظ بأنَّ مُجمَل حديثي في الفقرة قبل السابقة كان مُنصبًا على المصادر الحيوانية فقط (دون المصادر النباتية)، وذلك لأنَّ مُركَّب الكوليسترول لا يُوجَد في المصادر النباتية كالفواكه والخضراوات والحبوب والبقوليات والمُكسَّرات وما شابه من مجموعات نباتية، التي جُل ما تحتويه من دهون هي تلك غير المُشبَّعة (على اختلافها: أحادية أو مُتعدِّدة عدم التشبُّع) والمعدودة عمومًا كما ذكرنا - دون الدخول في تفاصيلها - مُفيدة، وذلك لإنَّها تُخفِّض الكوليسترول الضار أو المُنخفِض الكثافة (LDL) وترفع الكوليسترول النافع المُرتفِع الكثافة (HDL)، وهي المُعادلة الذهبية الواجب معرفتها عند حساب الإجمالي العام لمستوى الكوليسترول في الدم، والتي على رأسها يتربَّع زيت الزيتون مثلًا (مع استثناء بعضها كزيت جوز الهند وزيت النخيل وما جاء على غرارها من زيوت تحتوي دهون مُشبَّعة). وهذا الكلام لا يشمل طبعًا الزيوت المُهدرّجة أو الزيوت المتحوِّلة تجاريًا التي يرجع غالبها للأصل النباتي. وبعبارة أُخرى نستطيع القول: بأنَّ غالب المصادر النباتية تُعدُّ عمومًا مُفيدة، إلَّا إنَّ هذا الكلام لا يعني أيضًا عدم مقدرة بعضها على رفع الكوليسترول بشكل غير مباشر من خلال ما تحتويه من دهون غير صحية (بغض النظر عن عدم احتوائها على مُركَّب الكوليسترول).

وفي المجمل، نقول: بأنَّ الحكمة الطبية تقتضي حينها أنْ يُراقب الجميع دون استثناء مُعدَّلات استهلاكهم للأغذية الدهنية القادمة من المصادر الحيوانية عمومًا (ذوات الدهون المُشبَّعة، سواء كانت تحتوي على نسبة من الكوليسترول كالحليب وغالب منتجاته والشحوم الحيوانية وما ارتكز عليها من أغذية كالزبدة والكريمات وما شابهها، أو حتى إذا كانت لا تحتويه كالحلويات والمواد النشوية المُصنَّعة). حيث إنَّ الذي يدخل في رفع الكوليسترول بصورة مُباشرة هنا هي الدهون المُشبَّعة على وجه الخصوص القادمة من مثل هذه المصادر الحيوانية (أو مثيلاتها من مصادر نباتية بها دهون مُشبَّعة أيضًا كما تقدَّم ذكره) والقادرة على رفع الكوليسترول من خلال تأثِّيرها السلبي على طريقة مُعالجة الكبد للكوليسترول الذي تُنتجه بشكل طبيعي عند الجميع دون استثناء (أصحاء كانوا أو ومرضى)، خصوصًا أولئك الذين يقضون جل وقتهم بين جدران المكاتب والذين لا يمارسون الرياضة.

وعليه، فإنَّ النُصح العام يتجه بشكل دقيق نحو استبدال الدهون المُشبَّعة بالدهون غير المُشبَّعة (سواء كانت أُحادية أو مُتعدِّدة) القادرة على خفض اجمالي مُعدَّل الكوليسترول في الدم، والتي يتم ادراجها في الدور التثقيفية تحت عنوان: "الزيوت الصديقة للقلب".

والذي دفعني لمثل هذه الإثارة هو أنَّه مازال هناك الكثير من الناس غير قادرين حتى الآن على التمييز بين ارتفاع نسبة مُركَّب الكوليسترول على تفاوت تركيزاته في المصادر الحيوانية، وبين احتواء هذه المصادر في نفس الوقت على دهون مُشبَّعة تدخل بشكل مباشر في رفع مُعدَّلات الكوليسترول في الدم (كما تم ايضاحه). بل وأنَّ بعض هؤلاء مازال يعتقد حتى الآن بأنَّه لا شأن للغذاء (على اختلاف مجموعاته: الدهنية والسكرية) بارتفاع مُعدَّلات الكوليسترول في الدم وتداخلاته مع أمراض القلب والأوعية الدموية والجلطات الدماغية.

وحتى لو قلنا بأنَّ النسبة الأعلى من الكوليسترول يتم صناعتها في كبد الإنسان بنسب عالية تصل تقريبًا إلى ما يُعادل 80% (وهي العبارة التي يرددها البعض دون فهم لطبيعة زواياها)، إلَّا إنَّه يجب أنْ لا ننسى حينها أيضًا بأنَّ هذا الكلام لا يعني أبدًا بأنَّ الدهون الحيوانية - كما وضّحنا في الفقرات السابقة - لا ترفع الكوليسترول (كما يصرُّ بعضهم). حيث إنَّ الكثير مِمَّن يحمل هذا الاعتقاد قد وقع في فخ عدم التمييز بين ارتفاع نسبة الدهون المُشبَّعة وارتفاع نسبة الكوليسترول في الأغذية الحيوانية، ومدى تأثّير هذه النوعية من الأغذية على ارتفاع نسبة الكوليسترول عند الإنسان من خلال تأثِّيرها على عمل الكبد في حال تم استهلاكها دون قيد أو شرط!

0 comments:

Post a Comment