Friday, 11 July 2014
July 11, 2014

الأورام السرطانية: التنشؤات الخفية - (الجزء 11) أوميجا والقولون 1/2



بعد أن عددنا في الجزء السابق (الجزء الذي أسميناه: بـ "المندي والهوري") بعض العوامل الخارجية المرتبطة بحدوث ما يُسمى بالأورام السرطانية، والتي أوضحنا فيه بأن هناك عوامل متعددة مُتعلقة بحدوث بعض الأنواع السرطانية، بل واستعرضنا فيه وبشكل سريع بعض الأمثلة من العوامل الميكروبية والفيزيائية والكيميائية، ومن ثم بينا في ذلك التعداد بعض السلوكيات الخاطئة التي وضعناها كعوامل لها إرتباط بتحور الخلايا جينيًا، ومن ثم وضحنا بأن كل ذلك يأتي تحت ما يُسمى بـ "نمط الحياة"؛ نؤكد هنا على أن ما ذكرناه كان مجرد استعراض عام لبعض الأمثلة التوضيحية التي تأتي تحت عنوان "العوامل الخارجية" التي قد تؤثر على محتوى الموروث الجيني للخلية البشرية متسببةً في نشؤ أورام سرطانية؛ ولقد ذكرنا بأن الهدف من كل ذلك الشرح كان من أجل لفت الانتباه لطبيعة ذلك التلازم وأهمية الحذر منه.

وعلى نفس القاعدة المعلوماتية، سلطنا الضوء في ذلك الجزء وبشكل حصري على مثال واحد فقط وهو بعض المواد الضارة الناتجة من "نمط الحياة" الغذائي الخاطئ والتي كان من ضمنها مادة الكربون والمواد الناتجة عن حرق الدهون.

أما في هذا الجزء فإننا سنتوجه لعنوان آخر متفرع من ما اسمينهاه "نمط الحياة" الغذائي الخاطئ.

في بداية الأمر، سأبدأ- معك عزيزي القارئ- بالعبارة التي قد تبدو مبهمة نوعًا ما، والتي تقول: -

بأن دراسة جديدة على الحيوانات من جامعة "ويك فوريست" تدعم الفرضية القائلة: بأن تغيير نسبة الدهون من نوعية "أوميجا-3" الى الدهون من نوعية "أوميجا-6" في الأغذية الدهنية يُعد عاملًا من عوامل نشؤ بعض الأورام السرطانية المعروفة والتي من ضمنها سرطان القولون وسرطان البروستات!

وللتوضيح، نقول بأن مصطلح أغذية دهنية غير صحية يشمل بالدرجة الأولى: (١) معظم وجبات المطاعم الخارجية؛ (٢) ويشمل أيضًا الأغذية المحضرة في المنزل المشابهة لتلك المحضرة في المطاعم؛ (٣) ويشمل أيضاً مجموعات أخرى من الأطعمة المنزلية سنذكرها خلال الشرح.

ولشرح العبارة أعلاه (بنقاطها الثلاث)، أقول: بأن المعلومات والأدلة المتعددة التي قدمها معهد "دانا فاربر" لأمراض السرطان والتي تُفيد بإن "نمط الحياة" الغذائي الذي يعتمد بشكل عام على الأطعمة المشبعة بالدهون والمتداخلة مع ما تم تعداده في العبارة الآنفة الذكر (ومن ضمنها الوجبات السريعة) يزيد من نسبة الخطر المتعلق بنشؤ سرطان القولون.

ليس هذا فحسب، بل أنه قد تم توثيق ارتباط ذلك النظام الغذائي العشوائي بخطر تقليل فرص حياة المرضى الذين هم في الأساس يشتكون من أورام سرطانية في القولون، بل وأنه وفي أقل الاحتمالات قد يكون سببًا في عودة الورم السرطاني مرة أخرى عند من تعافى من المرض، حتى وإن كانت عنده بوادر شفاء حقيقية قد حدثت بعد تلقي العلاج (Meyerhardt JA et al 2007).

من هنا نخصص ونقول: بأن النظام الغذائي غير الصحي والذي يعتمد بشكل عام على الوجبات المشبعة بدهون "أوميجا-6" الضارة (والموجودة بتركيز عالي في الزيوت المستخدمة في المطاعم) قد ينتج عنه عدم اتزان في عملية امتصاص الغذاء عند وصوله للأمعاء، مما يؤدي في نهاية المطاف لحدوث التهابات وتقرحات في الأنسجة المبطنة للجزء الأخير من الأمعاء والذي يُسمى بالقولون.

وانطلاقًا مما تقدم، نذكر مبدئيًا بأن من المواد التي تعد- بشكل عام- وقودا مناسبا لنمو الأورام السرطانية هو دهون "أوميجا-6"، وهذه النوعية من الدهون تعمل بعكس العمل الذي تقوم به دهون "أوميجا-3" الصحية، حيث تقوم دهون "أوميجا-3" بشكل عام بتقليل الالتهابات التي قد تحدث في الأمعاء والقولون بشكل خاص.

ومن هنا تأتي خطورة تناول أغذية مثل اللحوم والسكريات والمشروبات الغازية والزيوت النباتية (مثل زيت الذرة وزيت عباد الشمس)، والتي تعد مجموعات غذائية تحتوي على نسب مرتفعة من دهون "أوميجا-6"؛ ويتم استهلاكها- وللأسف الشديد- على حساب أغذية غنية بدهون "أوميجا-3" مثل الخضراوات والفاكهة الطازجة وبذر الكتان وزيت بذر الكتان والأسماك الزيتية مثل بعض الأسماك المحلية والتي تشمل "السمان" و"الميد" و"السويد" و"الهامور" وكذلك بعض الأسماك غير المحلية والتي نذكر منها "السلمون" و"السردين" و"التونة". وتعد المجموعة الأخيرة من الأطعمة المشار لها (من أسماك مضاف لها الأوراق الخضراء على وجه الخصوص) مصدرًا رئيسًا لدهون "أوميجا-3" (Simopoulos AP 1999).

تُعد الأسماك الزيتية والأوراق الخصراء من الأغذية الغنية بـ "أوميجا-3". 

إن ما ذكرناه أعلاه من عدم التقيد بالحصول على بعض الأغذية المشبعة بـ "أوميجا-3" يكاد يكون عادة ملحوظة عند الأكثير من العوائل خصوصًا خلال شهر رمضان المبارك (وشر البلية هو أن يكون من يكسر هذه القاعدة هي ربة البيت نفسها)!

سأذكر لك- عزيزي القارئ- معلومة بحثية مهمة (وهي ليست بالمعقدة)، ومفادها التالي: "في الفترة ما بين ابريل 1999 ومايو 2001، قام معهد "دانا فاربر" لأمراض السرطان- المشار له أعلاه- بدراسة النظم الغذائية لـ 1009 من المرضى المصابين بسرطان القولون، والذين تم استئصال الورم منهم بالجراحة ومن ثم القضاء على ما تبقى منه بالعلاج الكيمياوي، والذين انتشر عندهم المرض الى العقد الليمفاوية (ولم يصل الى الكبد والرئة)، وهو ما يُعرف بالمرحلة الثالثة لسرطان القولون. وقد لوُحظ في هذه الدراسة بأن مرضى سرطان القولون الذين كانوا يتبعون نظام غذائي يعتمد على وجبات المطاعم التي تقدم أطعمة مُشبعة بالدهون والسكريات (وهو النظام الذي يُسمى بالنظام الأمريكي، حسب تعبير الدراسة) كانوا أقرب بثلاث أضعاف الى الموت أو عودة المرض إليهم مرة أخرى من غيرهم من الذين فضلوا الوجبات المنزلية المعروفة في تركيبها والمدروسة في مكوناتها. ولقد أفاد الباحثون بأن العامل الرئيس المشترك في مثل هذه النوعية من الأنظمة الغذائية التي يتم الحصول عليها من المطاعم هو احتوائها على اللحوم المصنعة والسكريات والحلويات والحبوب المكررة".

ولقد جاءت التوصيات بعدها على ضرورة احتواء النظام الغذائي على الفاكهة والخضراوات والدواجن والأسماك كبدائل صحية للحوم الحمراء والسكريات الضارة؛ وأكرر مرة اخرى، بان هذا الامر لا يتم الإلتزام به وللاسف الشديد حتى من معظم ربات البيوت.

وهنا يجدر بنا أن نُذَكِّر بأن المصادر الغذائية الغنية بـ "أوميجا-6" هي الذرة وزيت الذرة والصويا و"الكانولا" وعباد الشمس وبذور القطن، حيث تُعد جيمع هذه الدهون من المكونات الرئيسة في الأغذية التي تستخدمها المطاعم؛ والتي وللأسف الشديد يتم تقديمها على أنها زيوت قليلة الكوليسترول ليتم بعدها التغرير بالمستهلك واصطياده في فخ آخر وهو الحصول على دهون "أوميجا-6".

فهل هذه النوعية من الدهون داخلة في مكونات أطعمتنا المنزلية؟

وهو السؤال الموجه لكل زوجة وأم.

من أكلات المطاعم الضارة والمشبعة بـ "أوميجا-6" ما يُسمى بـ "الرز البخاري" وما شابهه من مؤكولات.

وللتوضيح، فإن زيت الزيتون لا يحتوي على "أوميجا-3" بكميات كبيرة، ولكنه أيضًا لا يحتوي على "أوميجا-6" بتراكيز عالية، وهو الأمر الذي يجعله أفضل من غيره.

وعليه فإن زيت الزيتون صحي لأنه يحتوي على نسب منخفضة من "أوميجا-6"، لا لانه يحتوي على "أوميجا-3" بنسب عالية. وفي المقابل فإن زيت الصويا وزيت "الكانولا" يُعدان من المصادر الرئيسة لـ "أوميجا-3" الصحي عند مقارنتهما ببقية الزيوت التي تقدمها المطاعم السريعة، ولكن هذه النوعية من الزيوت غنية- في نفس الوقت- بـ "أوميجا-6" وبنسب عالية، ولذا لا يجوز أن نعدهما من الزيوت الجيدة للمستهلك.

يُعد زيت الزيتون من الزيوت الصحية لأنه يفتقر لدهون "أوميجا-6".

وعليه، فإن مراكز الأبحاث التخصصية في هذا المجال تنصح باستخدام زيوت فقيرة بـ "أوميجا-6" مثل زيت الزيتون وزيت اللوز، بغض النظر عن نسبة "أوميجا-3" بها. ومن هنا نفهم بأن المعيار المهم والحقيقي في تقييم جودة الزيوت من عدمه هو نسبة تركيز "أوميجا-6" بها، نظرًا لأن لها أضرار من ضمنها نشؤ أورام سرطانية مثل سرطان القولون (وهو الامر الذي أشرنا له اعلاه).

ويلاحظ بأن الذين يأكلون لحوم يتم شرائها من محلات تربي في مزارعها مواشي تتم تغذيتها بحبوب غنية بـ "أوميجا-6" من أجل زيادة وزنها (وهم الأغلبية في يومنا هذا مع بالغ الأسف)، معرضون بشكل أكبر من غيرهم للحصول على نسبة عالية من "أوميجا-6"، لأن ما تتغذى عليه تلك المواشي يتركز في لحومها، ومن ثم يأخذ دورته المعتادة ويعود ثانية للإنسان- بشكل غير مباشر- من خلال أكله لها.

وعليه، فإن المواشي التي يتم تربيتها في البراري والمساحات الخضراء الطبيعية هم أفضل للاستهلاك مقارنة بمواشي المزارع التجارية.

والشيء بالشيء يُذكر، فإن الدراسات توضح أيضًا بأن بعض الأسماك- والتي من ضمنها سمك السلمون- الذي تتم تربيته في مزارع محجوزة من قبل الشركات وتتم تغذيته بطرق تجارية، يحتوي في الغالب على نسب عالية من "أوميجا-6" عند مقارنته بأسماك السلمون الموجود في البحار الطبيعة (ولنفس الأسباب المُشار لها مع المواشي).

إن ما ذكرناه أعلاه مرتبط بعلاقة "أوميجا-6" بأورام سرطانية تصيب القولون، والسؤال المطروح هنا: هل لدهون "أوميجا-6" أي علاقة بأروام سرطانية تصيب أنسجة أخرى؟

وحتى نتمكن من الإجابة على ذلك السؤال، انتظرني- عزيزي القارئ- في الجزء القادم والذي سنناقش فيه المحاور المتعلقة بتلك الإجابة، مستثمرين بعض الأدوات البحثية التحليلية، والتي بها سنرسم صورة توضيحية لما نحن بصدده من شروح.

وحتى نلتقي مرة أخرى (إن شاء الله)، دعائي للمرضى بالشفاء العاجل وللأصحاء بدوام الصحة والعافية،،،


المراجع


  • Berquin IM, Min Y, Wu R, Wu J, Perry D, Cline JM, Thomas MJ, Thornburg T, Kulik G, Smith A, Edwards IJ, D’Agostino R, Zhang H, Wu H, Kang JX, Chen YQ. Modulation of prostate cancer genetic risk by omega-3 and omega-6 fatty acids. J Clin Invest. 2007 Jul;117(7):1866-75.
  • Meyerhardt JA, Niedzwiecki D, Hollis D, Saltz LB, Hu FB, Mayer RJ, Nelson H, Whittom R, Hantel A, Thomas J, Fuchs CS. Association of dietary patterns with cancer recurrence and survival in patients with stage III colon cancer. JAMA. 2007 Aug 15;298(7):754-64.
  • Kobayashi N, Barnard RJ, Henning SM, Elashoff D, Reddy ST, Cohen P, Leung P, Hong-Gonzalez J, Freedland SJ, Said J, Gui D, Seeram NP, Popoviciu LM, Bagga D, Heber D, Glaspy JA, Aronson WJ. Effect of altering dietary omega-6/omega-3 fatty acid ratios on prostate cancer membrane composition, cyclooxygenase-2, and prostaglandin E2. Clin Cancer Res. 2006 Aug 1;12(15):4662-70. 
  • Simopoulos AP. 1999. Essential fatty acids in health and chronic disease. Am. J Clin Nutr 70(3 Suppl.):560S–569S.
  • Weber PC. 1989. Are we what we eat? Fatty acids in nutrition and in cell membranes: cell functions and disorders induced by dietary conditions. In Fish, fats and your health. Proceedings of the International Conference on Fish Lipids and Their Influence on Human Health. August 9–11. Svanoy, Norway. Svanoy Foundation. 9–18.
  • Dana-Farber Cancer Institute. Western diet linked to increased risk of colon cancer recurrence. Accessed online August 26, 2007 at http://www.dana-farber.org/abo/news/press/2007/western-diet-linked-to-increased-risk-of-colon-cancer-recurrence.html

0 comments:

Post a Comment