Saturday, 19 July 2014
July 19, 2014

الأورام السرطانية: التنشؤات الخفية - (الجزء 12) أوميجا والبروستات 2/2



لقد انتهينا في الجزء السابق (أوميجا والقولون) بخلاصة مفادها: "أن كل الذي ذُكر- في شرح ذلك الجزء- قد تم ربطه بأورام سرطانية تصيب القولون"

ولقد أنهينا التحقيق في نهاية المطاف بطرح السؤال التالي: "هل لدهون "أوميجا-6" أي علاقة بأروام سرطانية تصيب أنسجة أخرى؟

أما في هذا الجزء فسوف نبدأ- بشكل مباشر- بالإجابة على السؤال المطروح أعلاه.

ونستهل حديثنا بالقول: بأنه قد لوحظ في العديد من الدراسات (كما تُشير له المراجع في نهاية هذا التحقيق) بأن لـِ "أوميجا-3" القدرة على القضاء على الأورام السرطانية التي تُصيب البروستات؛ ولقد تم توثيق هذا الأمر بعد أن تم تطبيق التجارب الأولية على فئران أصيبت بسرطان البروستاتا!

وكما كان الحال عليه عندما تحدثنا عن العلاقة بين دهون "أوميجا" وسرطان القولون، فإن زيادة نسبة "أوميجا-3" عند الأشخاص المصابين بسرطان البروستات يعمل على خفض حدة الورم لديهم (وهو عمل معاكس لما يقوم به "أوميجا-6").

وأما الملاحظة الأخرى والتي تم تسجيلها في بعض الدراسات المحكمة- ومن ضمنها ما جاء في دراسة "كوباياشي" (Kobayashi N et al 2006)- هي الإقرار بأن رفع نسبة مستوى "أوميجا-3" على حساب نسبة مستوى "أوميجا-6" إلى ما هو أكثر من واحد (كنسبة وتناسب) في الأنظمة الغذائية يؤدي إلى التقليل من نشوء أورام سرطانية في غدة البروستاتا عند الأشخاص الأصحاء. ويرجع السبب وراء هذا التأثير الإيجابي الوقائي هو أن لـِ "أوميجا-3"- حينما تكون موجودة بتركيز عالي (على حساب "أوميجا-6")- القدرة على التقليل من مستوى المضادات المتولدة (anti-gene) التي تحمي الخلايا السرطانية الموجودة في البروستات. وبعبارة أخرى نستطيع أن نقول بأن "أوميجا-3" يعمل على تعرية الخلايا السرطانية وجعلها معرضة لأي هجوم من قبل الجهاز المناعي بعد أن تزيل ذلك الدرع المُحيط بها من تلك الأجسام المُضادة (كما تُشير لهذا الأمر المراجع المذكورة في نهاية التحقيق).

وبشكل عام نستطيع أن نقول بأن المستوى العالي من المضادات المتولدة- الحامية للخلايا السرطانية- ترتبط إلى حد كبير بنمو وتوالد الخلايا السرطانية في البروستاتا.

وتشير الدراسات البحثية التي أجرتها جامعة "ويك فوريست" إلى نتائج مقنعة؛ ملخصها: أن زيادة نسبة الأستهلاك الغذائي الذي يحتوي على دهون مشبعة بـِ "أوميجا-6" بنسبة 1:50 (أي جزء واحد من "أوميجا-3" مقابل 50 جزء من "أوميجا-6") في مناطق تعتمد على أغذية غير صحية ويتم شرائها من المطاعم قد توافق مع حدة الإرتفاع في نسبة حالات سرطان البروستات (على حد الإشارات التي قدمتها الدراسة).

وعلى عكس ذلك، فإن الاعتماد على تناول السمك وزيت السمك في مناطق أخرى قد جاء متوافقًا مع قلة حالات سرطان البروستاتا.

ملاحظة جانبية تخصصية على هامش هذا الحديث، نوجزها في النقاط التالية: -
  • يوجد في الأنسان جين يُسمى جين "بتين"؛ وهو جين مهم لأنه يملك القدرة على قمع نمو سرطان البروستاتا والأورام الأخرى وذلك من خلال تمكين الخلايا من تلقاء ذاتها- بعد أن تشعر بأنها أصبحت تشكل عبئ على النسيج الموجودة هي فيه- بالقيام بردة فعل إنتحارية تُعرف علميًا بـِ "ابوبتوسيس" (Apoptosis)، وهي ردة فعل طبيعية تؤدي بالخلايا السرطانية المتولدة- وغيرها من خلايا شادة- إلى قتل نفسها بنفسها (ويُطلق على هذه الظاهرة مجازًا مُسمى: "إنتحار الخلايا").
  • وأن عدم وجود هذا الجين (أي جين "بتين") يؤدي وبشكل ملحوظ الى تطور سرطان البروستاتا والسرطانات الأخرى بشكل ذاتي.
  • وأن ما نسبته 65 بالمئة من الرجال الذين يشتكون من سرطان البروستاتا يعانون من عجز في هذا الجين.
  • بل وأن دراسة من ضمن الدراسات التي بحثت في هذا الموضوع (أي دراسة "كوباياشي") قد استخدمت- في جانبها الأول- الفئران نظرًا لتوافقها مع المعطيات البشرية المطلوبة فيما يتعلق بالتسلسل الوراثي لجين "بتين"؛ وفي جانبها الثاني، رأت هذه الدراسة بأن جين "بتين" الموجود في الفئران لا يتطلب تدخلات هندسية كبيرة على مستوى تسلسله الوراثي، وهو ما يعني أنه سيبقى متوافقًا مع طبيعته الخلقية لحد كبير.
ولقد قام الباحثون في الدراسة أعلاه (ومن أجل الحصول على صور تقريبية لما يقوم به الأنسان من جرائم في حق نفسه!) بتغذية الفئران المصابة بسرطان البروستات بثلاث أنواع من الأغذية (مع تساوي الكربوهيدرات والدهون كمقادير إستهلاكية)، وهي على النحو التالي: -
  • جزء واحد من "أوميجا-3"، الى جزء واحد من "أوميجا-6"، (1:1)، 
  • جزء واحد من "أوميجا-3"، الى 20 جزء من "أوميجا-6"، (1:20)، 
  • جزء واحد من "أوميجا-3"، الى 40 جزء من "أوميجا-6"، (1:40). 
ولقد جاءت النتائج بعد الانتهاء من هذا المسار الغذائي- في المجموعات الثلاث- على النحو التالي: -
  • 60 بالمئة من المجموع الأولي الغنية بـ "أوميجا-3" بقوا على قيد الحياة، 
  • 10 بالمئة من المجموعة الثانية بقوا على قيد الحياة، 
  • أما المجموعة الثالثة فقد ماتت جميع الفئران فيها. 
بعد كل الذي تحدثنا عنه، نُذكِّر بأن من يعلم بحقيقة وجود جين "بتين" (من عدمه فيه) هم اقلية من البشر (وقد تبدو هذه العبارة على أنها مُستغربة نوعًا ما)!

وعليه، فإنه وفي حال كان هناك من عنده عجز في جين "بتين"، فإن هذا سيعني بأنه سيكون معرض لاحتمالية الإصابة بسرطان البروستات. 

وعليه، فإن الغذاء الغني بـِ "أوميجا-3" وبنسبة تتفوق على نسبة ما هو موجود فيه من "أوميجا-6" (أو في أقل الأحوال بما نسبته من كليهما 1:1، أو أكثر قليلًا لصالح "أوميجا-3") سيكون مفيدًا لهولاء الناس (أي الذين يشتكون من عجز في جين "بتين").

يُعد زيت السمك من الزيوت الغنية بدهون "أوميجا-3"، حيث يتم استخلاصه بصورة مركزة ومن ثم تعبئته في كبسولات لأغراض طبية. 

لذا، ومن موقع نتائج التحقيق في هذا المجال ننادي بتقليل مصادر "أوميجا-6" وزيادة مصادر "أوميجا-3"؛ حيث أن هذا الأمر قد يتحقق عند الإعتماد على دهون صحية (أي صحية حسب تعريف الدراسات المعنية بهذا المجال، والتي شرحنا تفاصيلها أعلاه)، كتلك المستخلصة مثلًا من بذر الكتان أو من الأسماك الدهنية (ولقد تم توضيح المصادر الأخرى المناسبة لـ "أوميجا-3" والقليلة بـ "أوميجا-6" بصورة موسعة في الجزء السابق).

هنا نؤكد مرة ثانية بأن الكثير من الناس ومن ضمنهم ربات بيوت- ومع الأسف الشديد- "تتفنن" في تحضير الأغذية لأفراد عوائلهم يجهلون أهمية زيت السمك، بل وأن الكثير منهم يقوم بشراء أغذية مصنعة- أو معاد تعليبها- مكتوب عليها عبارة: <<غنية بـ "أوميجا-3" في هيئة جيلاتينية>> (من حيث يدروا أو لا يدروا!). 

عبارات تُكتب على بعض المنتجات الغذائية؛ وقد تحتاج بعض هذه العلامات لتوثيق معتمد من مؤسسات رقابية نزيهة.

وفي حقيقة الأمر فإن تلك الأغذية قد تحتوي بالفعل على مواد جيلاتينية، ولكن تم استخلاصها من مصادر غير معروفة!

وحيث أن الشيء بالشيء يُذكر، نقول بأن غالبية المنتجات التي تباع في الاسواق العربية- مع بالغ الأسف والحسرة على ما وصلنا إليه- هي من مواد جيلاتينية مصنعه من شحوم الخنزير (رضينا أم أبينا!)، بغض النظر عن تقبلنا لهذا الأمر من عدمه أو أعتقادنا بصحته أو لا (فلكل واحد منا ما يحقق رضاه ويتوافق مع معتقادته، ولكن ذلك يأتي من باب توثيق الحقائق والتأكيد على أن تلك العبارات "قد" تكون غير صحيحة)! 

بل ويجب الإشارة إلى أن القليل (القليل!) من الشركات ممن لديها شهادات توضح بأن منتجاتها الجيلاتينية تحتوي بداخلها على زيت السمك (من جانب)، في حال كانت دعواهم أن منتجاتهم غنية بـِ "أوميجا-3" وفقيرة لـِ "أومجيا-6"؛ أوأنها (من الجانب الآخر) خالية من أي مشتقات لأي مواد مستخلصة من شحوم الخنزير، في حال كان ذلك الأمر يعنيهم.

أغذية تستخدم فيها مواد جيلاتينية.

وعليه، فإنه من المفترض علينا جميعًا أن نقوم بمقاطعة أي منتجات مصنوعة من مواد جيلاتينية لا تحمل شهادة صادره من جهة مرخصه رسمية توضح حقيقة مصادر تلك المواد! وحتى لا نقع فريسة لوهم نعتقد بأنه "غذاء صحي"!

انتظرني- عزيزي القارئ- في الجزء القادم والذي سنناقش فيه زاويةً أخرى من زوايا هذا التحقيق، "الأورام السرطانية: التنشؤات الخفية"، مستثمرين بعض الأدوات البحثية التحليلية والتي بها سنرسم صورة توضيحية لما نحن بصدده من شروح تصب في هذا المجال.

وحتى نلتقي في القريب العاجل، دعائي للمرضى بالشفاء العاجل وللأصحاء بدوام الصحة والعافية،،،

المراجع 


  • Berquin IM, Min Y, Wu R, Wu J, Perry D, Cline JM, Thomas MJ, Thornburg T, Kulik G, Smith A, Edwards IJ, D’Agostino R, Zhang H, Wu H, Kang JX, Chen YQ. Modulation of prostate cancer genetic risk by omega-3 and omega-6 fatty acids. J Clin Invest. 2007 Jul;117(7):1866-75. 
  • Meyerhardt JA, Niedzwiecki D, Hollis D, Saltz LB, Hu FB, Mayer RJ, Nelson H, Whittom R, Hantel A, Thomas J, Fuchs CS. Association of dietary patterns with cancer recurrence and survival in patients with stage III colon cancer. JAMA. 2007 Aug 15;298(7):754-64. 
  • Kobayashi N, Barnard RJ, Henning SM, Elashoff D, Reddy ST, Cohen P, Leung P, Hong-Gonzalez J, Freedland SJ, Said J, Gui D, Seeram NP, Popoviciu LM, Bagga D, Heber D, Glaspy JA, Aronson WJ. Effect of altering dietary omega-6/omega-3 fatty acid ratios on prostate cancer membrane composition, cyclooxygenase-2, and prostaglandin E2. Clin Cancer Res. 2006 Aug 1;12(15):4662-70. 
  • Simopoulos AP. 1999. Essential fatty acids in health and chronic disease. Am. J Clin Nutr 70(3 Suppl.):560S–569S. 
  • Weber PC. 1989. Are we what we eat? Fatty acids in nutrition and in cell membranes: cell functions and disorders induced by dietary conditions. In Fish, fats and your health. Proceedings of the International Conference on Fish Lipids and Their Influence on Human Health. August 9–11. Svanoy, Norway. Svanoy Foundation. 9–18. 
  • Dana-Farber Cancer Institute. Western diet linked to increased risk of colon cancer recurrence. Accessed online August 26, 2007 at http://www.dana-farber.org/abo/news/press/2007/western-diet-linked-to-increased-risk-of-colon-cancer-recurrence.html 

2 comments:

  1. حرسك الله بعينه التي لاتنام
    ممكن موقع ينشر اسماء الشركات والمعامل حسب الثقة في وصف منتجاتهم
    دمت عزيزا شامخا
    ولن انساك من الدعاء عند مولانا علي عليه السلام

    ReplyDelete
    Replies
    1. لا حرمنا الله من دعائكم أخي عماد وأنا بدوري أدعو لكم بالتوفيق والسداد في الأمر. للاسف الشديد فإنَّ هذا وإن توفر فسوف يكون تجاريًا في طرحه أيضًا، وعليه فإنَّ .الترتيب بالمصداقية والوضع الذي تتطلع إليه قد لا موجودًا
      بالتوفيق وأدعو لكم بخير الدنيا والأخرة

      Delete