هل هرمون النمو المُستخدم من قبل لاعبي كمال الأجسام آمن (خصوصًا وأنَّه يختلف عن الأسترويدات)؟

للأسف الشديد فإنَّ فحوى السؤال- عنوان القضية- تَضَمَّنَت بين مفاصلها مغالطات، يسعى البعض لإقحامها فيه دون معرفة أو إطلاع؛ وليس بصحيح انَّ هرمون النمو آمن، كما يتم تسويقه لأبنائنا في الصالات الرياضية أو من قبل بعض المدربين المستفيدين من وراء بث مثل هذه المعلومات غير الموثقة والتي لا تستند لدليل علمي أو برهان بحثي، للتغرير بهم وأخذ أموالهم (معتمدين فقط على القول بأنَّه يختلف عن "الأسترويدات")؛ وكله من أجل- كما يُسوِّقون عليه- الحصول على أجسام عضلية؛ إلا أنَّ تلك الأجسام (الشابة الجميلة بالخلقة التي خلقها وصورها المولى عز وجل) ستكون- حتمًا في مرحلة من مراحل الاستخدام لهذا الهرمون- هشة وضعيفة من الداخل ولن تتمتع بصحة وعافية!

وللتوضيح، فإنَّه صحيح بأنَّ هذا الهرمون- المُسمى (GH) اختصارًا لتسميته الإنجليزية (Growth hormone)- يختلف في ميكانيكية عمله في الجسم البشري عن "الأسترويدات" المُنَشِّطة التي تفرزها الخصيتين؛ إلا انَّه- في نهاية المطاف- يُعَدُّ هرمونًا تفرزه غدة أخرى (غير الخصيتين)، وهي مركزية وموجودة في الدماغ تُسمى بالغدة النخامية التي تُعّدَّ من أهم الغدد الصماء في جسم الأنسان، نظرًا لطبيعة دورها التنظيمي والبنيوي الذي تقوم به، والتي نستطيع تسميتها بـ "سيدة" الغدد في عملها المتداخل مع بقية هرمونات وكيمياء الأعضاء الداخلية.

بل أنَّ أخذ هذا الهرمون بطريقة صناعية (خارج نطاق بعض الحالات المرضية التي تستدعي إشرافًا طبيًا) أمرًا خطير جدًا، لأنَّه يتداخل مع عمل التفاعلات الكيميائية في الجسم والاشارات المُرسلة إلى- ومن- بقية الغدد فيه. 

بل أنَّ من آثاره الجانبية الخطيرة والمُسجَّلة بحثيًا والمعروفة اكلينيكيًا، في مرحلة من مراحل تعاطيه: تأثُّر الاعصاب والعضلات والاربطة؛ وظهور انتفاخات في الجسم يُسببها احتباس السوائل فيه؛ وتنمل الأطراف والجلد، وهو المعروف بتسببه في مرض رجفة اليد وتنملها المرتبط بحثيًا بأحد الأعصاب المغذِّية لليد، وأعني المرض الذي يُطلق عليه طبيًا بـ (Carpal tunnel syndrome)؛ بل أنَّ من مخاطر هذا الهرمون أنَّه يرفع الكوليسترول في الجسم (حتى وإنْ كانت دعوى المروِّجِين له أنَّه يحرق الدهون!)؛ وعليه، فإنَّ ما يقوم به بعض المدرِّبِين في تلك الصالات من إغراء لمن يُعاني في موضوع تخفيف وزنه، بالقول: "بأنَّ الأمر مرتبط بالجينات الوراثية، والحل الأمثل للتغلب على مُعضلة الوراثة هو استخدام حقن هرمون النمو"، على حد قول بعضهم (وهي وصفات ارتجالية، يظهر فيها لاعب كمال الأجسام غير المتخصص في المجال الطبي فجأة كمفتي في علوم الجينات وبقية العلوم الإكلينيكية التخصصية؛ بل أنَّ هذه المُمارسة لا يقوم به حتى المتخصصون في علوم الهرمونات). ليس هذا فحسب، بل أنَّه يؤثُّر على عضلات الأجهزة الحيوية التي تدخل من ضمنها عضلات القلب، وعليه فهو مهدد لصحة القلب. ومن أهم المخاطر الحقيقية له التي يجهلها الرياضيون أنَّه- في غالب الأحيان- ينتهي بمرض السكر، لتداخله المباشر مع عمل البنكرياس؛ بل أنَّ المضحك هنا هو قيام المُسوقِّين له والمُدرِّبين في صالات كمال الأجسام بحث من يتعاطاه على ضم الأنسولين له لتوفير الأرضية المناسبة لعمله (على حد قولهم!)، وفي واقع الأمر هم يقومون بتوفير الأرضية المناسبة له ليُدمِّر البنكرياس (المنتج للأنسولين طبيعيًا) والقضاء عليه تمامًا. يُضاف إلى هذا، أنَّ هناك بحوث مُثبتة حول علاقته بنشوء خلايا سرطانية في حال تم اخذه صناعيًا بكميات كبيرة (كما يفعل لاعبو كمال الأجسام) وخارج عمل الغدة النخامية التي تقوم بإفرازه بشكل طبيعي (وبتركيز ملحوظ في سنوات العمر الأولى). وما يجب التنبيه له، هو أنَّ هرمون النمو لا يعمل فقط على نمو العضلات، بل أيضًا على نمو العظام وبقية الأنسجة؛ وعليه، فإنَّ مُتعاطيه يُصاب- مع مرور الأيام- بتضخم الفك وكبر الأنف وبقية العظام والغضاريف الجسمانية، لأنَّه يعمل (في حال كان حقيقي، وليس "مضروب") على كل محاور النمو، فيظهر ذلك المُتعاطي- مع مرور الوقت- بصورة جسمانية مشوهة وغير قابلة للتصحيح!

وما يجب الإشارة له والتأكيد عليه هو أنَّ الوثائق والتحقيقات تؤكِّد على أنَّ معظم الموجود في السوق السوداء منه (وأعني المُباع من قبل الأشخاص في الصالات الرياضية بأسعار باهظة) في داخل المنطقة وخارجها هو من المواد "المغشوشة" وليست من النوعية التي تقدمها المصحات الطبية (وقد لا ينتبه لهذا الأمر حتى المُسوِّقين له ومتعاطيه)، وهو ما تم تسجيله من قبل المؤسسات العلمية والبحثية العالمية وتم الإشارة له في أكثر من محفل علمي، خصوصًا وأنَّه تجارة مُربحة- مقارنة بغيره من مُنَشِّطات- لمن غاب ضميره وتَبَلَّد حسٌّه؛ بل وأنَّ هناك- في حقيقة الأمر- من يستفيد من هكذا تجارة (في ظل غياب الوعي وغياب الرقابة على مثل هذه المسارات الضبابية التي أصبحت- في تجارتها- تُشابه تجارة الحبوب والإبر المُخَدِّرة). وللإشارة، فإنَّ بعض الأسواق الشرق أوروبية والصينية وغيرها من أسواق سوداء تورِّد مثل هذه الهرمونات في عبوات تُشابه لحد كبير العبوات الأصلية (هذا إذا لم تكن أكثر رونقًا منها)، إلا أنَّ الكثير منها (كما لمَّحت له أعلاه) "مغشوش" ويحتوي مواد كفيلة بالإيقاع بمتعاطيها في فخ الأمراض الخطيرة.

اليوم- وللأسف الشديد- فإنَّ من يقوم بتقديم الطمأنينة والنصح لبقية لاعبي كمال الأجسام (ويكتب النشرات التشجيعية لأخذه، والتي يستشهد بها بعض المقبلين الجُدد على عالم المُنشطات المليء بالمتاهات المظلمة) هم تُجَّارُها من لاعبي كمال الأجسام أنفسهم؛ وأنا هنا اتعمد استخدام عبارة "لاعبو كمال الأجسام" وليس "رياضيو كمال الأجسام"، لأنَّها لم تعد رياضة بعد دخول تلك السموم إليها؛ حيث أصبح الهم الحقيقي فيها (من قبل لاعبيها) السعي الحثيث لإظهار عضلاتهم بأي طريقة كانت، وليس التمتع بالصحة والعافية. بل أنَّ المُضحك في الأمر أنَّ غسيل الدماغ وصل عند بعضهم لحد القول: "بأنَّ الأطباء لا يفهمون شيئًا عن هرمون النمو وبقية المنشطات الأسترويدية، ولا عن أثارها وأضرارها كما يفهم فيها لاعبو كمال الأجسام!"؛ وهنا أكتفي بالقول "لا تعليق!!!".

في ختام كلامي، أوجه خطابي للآباء والأمهات: "بضرورة أخذ الحيطة والحذر من أنْ يتم التغرير بأبنائهم الشباب في الصالات الرياضية، خصوصًا وأنَّ تلك الأجواء الموجودة في صالات كمال الأجسام تظهر عادةً بصورة حماسية، إلا أنَّها خدَّاعة لكل من يقع تحت وطأتها ويتم اصطياده في فخها".