ومن هنا سأنطلق، مُتدرِّجًا في استعراض مجموعة من المشاكل الصحية التي تقرُّها العديد من الدراسات البحثية، مُبتدئًا بموضوع امتصاص الكالسيوم وهشاشة العظام (osteoporosis)، ومنتهيًا بمجموعة من العناوين الصحية التي تُغطِّي بين جنباتها: إضافة بعض الهرمونات والمضادات الحيوية للحليب، وموضوع سرطان الثدي وسرطان البروستات وسرطان المبايض الأنثوية، والحساسية الناتجة من بعض بروتيناته، وعدم هضم وتحمّل بعض سكرياته، وغيرها من عناوين مهمة تحاكي الإجابة على السؤال المطروح - فقط - في مطلع هذه الفقرة ودون الخروج عن إطارها العام والتفرّع خارج نطاق فضائها المُعتَمِد على الدلائل والبراهين الموثَّقة علميًا. وقد تكون هناك دراسات أُخرى تسير مع أو بعكس ما سيُطرح في هذا التحقيق، إلَّا أنَّ نقاشها لن تسعه القدرة الاستيعابية لهذه السطور المبنية أساسًا على الاختصار، لأنَّنا وكما ذكرت معنييّن بالإجابة على السؤال المطروح أعلاه (فقط).
عليه، أذكر لكم أنَّه اعتمادًا على ما تذكره مجموعة يُعتدُّ بها من الدراسات، فإنَّ ما يتم الترويج له بشأن: أنَّ حليب الأبقار (الذي يُباع في البقالات والمتاجر الغذائية تحت عنوان "طازج") هو داعمٌ للصحة ولتقوية العظام لجميع الأعمار هو زعمُ غير صحيح؛ حيث أنَّ غنى هذه النوعية من الحليب بالكالسيوم (الذي يصل في مُعدّلاته لحدود 300 مليجرام تقريبًا لكل كأس) لا يعني أبدًا بأنَّه يُساعد في بناء العظام. هذا كله على حد زعم تلك المجموعة من الدارسات البحثية التي سأذكر بعضًا منها بعد قليل. وهنا أؤكِّد (للتوضيح وحتى لا يقع اللبس) بأنَّ لهذه الدراسات - في الطرف المُقابل - من يُعارضها، لا أقلها في هذا الجزئية على وجه الخصوص التي ترتبط ببناء العظام والكالسيوم، ولا أعني كل العناوين المرضية التي ستأتي تغطيتها لاحقًا.
حيث أنَّ الإشارة التي جاءت من قِبلهم (وأعني الدراسات المُشار لها) تُبيِّن أنَّ بعض الانتكاسات التي قد يُصاب بها الإنسان في بعض جوانب صحته الجسدية ترتبط بشكل مباشر بشرب الحليب (سِيَّمَا البقري وعلى اختلاف أنواعه) الذي يتم تقديمه على أنَّه "طازج". بل أنَّه وعلى عكس المُتعارَف عليه (بل والمُستغرَب أيضًا) فإنَّ الأمر لا يرتبط فقط بصعوبة امتصاص أجسادنا للكالسيوم الموجود في الحليب (خصوصًا المُبستَر منه) حتى لو تم شربه في سن مُبكِّر، بل أنَّ ما هو أسوء من ذلك فيكمن في الإشارة الدراسية التي تقول بأنَّ الحليب (سِيَّمَا البقري منه) يزيد من خسارة الكالسيوم الموجود في العظام. وهي حقيقة صادمة للكثير من الناس، وبكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.
ففي النشرة العلمية التي جاءت بعنوان "دراسة عوامل الخطر لحالات كسور عظمة الحوض عند المتقدِّمين في السن" (Case-Control Study of Risk Factors for Hip Fractures in the Elderly) والتي قدَّمها كل من كمينج (Cumming) وكلينبرج (Klineberg) والتي نُشِرت نتائجها في العدد الخامس من المجلد 139 من مجلة دراسة الأمراض الأمريكية (American Journal of Epidemiology) [1]، ذكرا فيها: "بأنَّ استهلاك منتجات الحليب يرتبط بزيادة مُعدَّل كسور عظمة الفخذ عند الكبار في السن، حيث ترتفع النسبة حينما يكون بدء شرب الإنسان للحليب في سن مُبكِّر، كسن العشرين مثلًا". وهذه الدراسة لا تتفرّد باستنتاجاتها في الساحة العلمية، بل أنَّ هناك أيضًا غيرها من الدراسات التي عاكست نتائجها ما جاءت به؛ منها (على سبيل المثال لا الحصر) الدراسة الحديثة التي قام بها فيسكانيش (Feskanich) وزملائه الباحثون [2]، والدراسة التي قام به ساني (Sahni) وزملائه الباحثون [3]، وغيرها من دراسات لا يسع المجال لتغطيتها بالكامل هنا.
إلَّا أنَّه ومع العلم من كل هذا، فإنَّه في دارسة أُخرى أيضًا طويلة الأمد (استمرت لحدود 12 سنة) أُجريت من أجل تقييم صحة مُمراضات هارفارد (Harvard Nurses’ Health Study)، نُشِرت في مجلة الصحة العامة الأمريكية [4]، وجدت أنَّ الذين كانوا يعتمدون على الحصول على الكالسيوم من منتجات الحليب على وجه الخصوص تعرَّضوا لكسور أكثر من المجموعة التي كانت شبه لا تشرب الحليب. وهذه الدراسة هي دراسة موسَّعة ارتكزت على 77761 امرأة تراوحت أعمارهم بين 34 و59 سنة (وهو ما يعني ثقل نتائجها الدراسية). وتقول الدراسة (كما جاء على لسان باحثيها): "بأنَّ ما استنتجوه في دراستهم لا تدعم الاعتقاد السائد الذي ينص على أنَّ استهلاك الحليب أو أي مصدر غذائي آخر غني بالكالسيوم بواسطة النساء البالغات يحمي من الكسور، سِيَّمَا كسور عظمة الحوض وعظمة اليد". ولاحظ بأنَّ هذه الدراسة ترتبط بشكل مباشر بالنساء على وجه الخصوص (لأنَّ العنصر الذكوري لم يكن ضمن عينة الاختبار).
ويضع خبراء في مدرسة هارفارد للصحة العامة (Harvard School of Public Health) وصمة سلبية على النظام الغذائي المحتوي على الحليب، بوصفه "خطوة بالاتجاه الخاطئ". حيث يقول أحدهم، وهو البروفيسور في الصحة العامة ورئيس قسم التغذية في نفس المؤسسة، والتر ولت (Walter Willett): "إنَّ إحدى أهم النقاشات التي تدور في أروقة مؤسسة الزراعة الأمريكية (U.S. DEPARTMENT OF AGRICULTURE - USDA) هي تلك المُتعلِّقة بموضوع: أنَّ شرب الحليب أو أحد مُشتقاته يُقلِّل الكسور؛ إلَّا أنَّ الحقيقة هي أنَّه لا تُوجد دلائل تُثبت أنَّ تناول الحليب يُقلِّل الكسور". هذا كله على حد قول والتر ولت. وهنا أذكر لكم أيضًا بأنَّ بعض المُتخصِّصين يُعزي قوة ومتانة العظام للنشاط الرياضي ولوجود فيتامين "د" في الجسم بكميات كافية، وليس لموضوع الحصول على الكالسيوم بكميات كبيرة. وهم بهذا يُعزِّزون طرح والتر ولت وغيره من باحثين.
وهناك من الدراسات الداعمة لهذا التوجه من الطرح كالدراسة السويدية [5] التي ركّزت هي الأُخرى على النساء والتي سنتعرَّض لبعض نتائجها لاحقًا عند ذكرنا لبعض الأعراض التي تنتج بسبب شرب الحليب (كما جاء في افاضتهم الدراسية). وهناك غيرها من بحوث ودراسات لا يسع المجال لتغطيتها جميعًا في هذه السطور المبنِّية على الاختصار؛ إلَّا أنَّني سأُسرد أهمها في الجزء الأخير من هذا التحقيق حينما أُناقش بقية العناوين المرضية المُغايرة لعنوان امتصاص الكالسيوم وهشاشة العظام (من أجل أنْ تكون هناك موازنة في استعراض بقية المحاور الصحية المُرتبطة بموضوع شرب الحليب).
أمَّا بخصوص الميكانيكية الجدلية التي تُرجِّحها تلك الدراسات والتي تشرح كيفية حدوث هذا الأمر فتتلخَّص في عبارة: "التأثير الحامضي للحليب البقري على وجه الخصوص". حيث تنص عبارات هذه الدراسات عمومًا على: أنَّ حال الحليب الذي من ضمن مكوناته بروتين الكزين (casein) وغيره من بروتينات هو كحال معظم (إذا لم يكن) كل البروتينات الحيوانية؛ فهو يرفع من حموضة الوسط الهيدروجيني للجسم، مِمَّا يدفعه (أي الجسم البشري كردة فعل) لتفعيل خاصية التصحيح البيولوجي الموجودة فيه. فحينما يكون الكالسيوم مُخفِّف جيد للأوساط الحامضية، وحينما يكون أكبر مخزن موجود في جسم الإنسان هو العظام، فإنَّ هذا الكالسيوم الذي تحتاجه عظام الجسد من أجل البقاء قوية يتم استنزافه من أجل تخفيف ما يقوم به الحليب من تحميض للوسط الهيدروجيني. ففي الوقت الذي يتم فيه سحب الكالسيوم من العظام، فإنه سُرعان ما يخرج بعدها مُباشرةً مع البول من خلال الكليتين. أي أنَّ الحقيقة المُستغرَبة (التي تستنتجها مبدئيًا بعض هذه الدراسات) تكمن في نقص الكالسيوم من الجسد كمُحصِّلة نهائية لهذا النظام الغذائي المُعتمِد على الحليب. وهي نقطة (كما أعتقد أنا شخصيًا) تحتاج لدراسات مُستفاضة من أجل الوقوف على حقيقتها، وأنا أذكرها هُنا من أجل بيان العلة التي يطرحها أصحاب تلك الدراسات (وليس من باب التسليم بقطعية حدوثها).
وألفت الانتباه أيضًا كما هو مذكور في بعض التعليلات لما جاء ذكره أعلاه (على غرار ما يحدث عند أكل الأغذية البروتينية المأخوذة من الحيوانات) إلى أنَّ الحليب يملك قدرة إيجابية على مُعاملة أحماض الكلى (Potential Renal Acid Load - PRAL) لتقوم بعدها بتحفيز تفاعلات الحماية البيولوجية من أجل تخفيف حموضة البروتينات قبل وصولها للكليتين (حيث أنَّها تدخل أيضًا كما جاء في الفقرة السابقة ضمن العناوين المُثيرة للجدل). وحيث أنَّ الجسم البشري (كما تذكر نفس تلك التعليلات) مُهيأ لمقاومة الأضرار الكُبرى التي قد يُصاب بها في قِبال الأضرار الصُغرى، فإنَّه يُضحِّي (أي الجسم البشري) بكثافة العظام من أجل حماية الكليتين والجهاز البولي لأنَّهما أكثر أهمية من أجل البقاء على قيد الحياة. وحيث أنَّ العظام هي المصدر المباشر للكالسيوم في الجسم من أجل معادلة الحموضة، فإنَّه حتى مع ارتفاع كمية الكالسيوم في الحليب، إلَّا أنَّها وبصورة مُعاكسة تستنزف معادنها الداعمة لها ولمتانتها من أجل تحقيق الهدف المذكور في العبارة السابقة، وهو إبقاء الكليتين صحيحتين (وهذا الكلام يُحاكي عمومًا ما تم ذكره في العبارة السابقة). وهذه النقطة أيضًا تحتاج لقاعدة صلبة من الدراسات من أجل التسليم بها بشكل نهائي عند تقديمها على طاولة النقاش العلمي.
وعند معرفة هذه المعلومة (على حد قول تلك الدراسات)، ستعرف لماذا الإحصائيات تكشف عن أنَّ البلدان التي تستهلك كمية أقل من الحليب ومنتجاته تكون لديها حوادث الكسور أقل من غيرها من دول تعتمد على شرب الحليب في أغذيتها اليومية. وهي العبارة التي تبنّاها أخصائي الغذاء والصحفي الأمريكي في مقالته على صحيفة النيويورك تايمز (New York Times) مارك بيتمان (Mark Bittman).
وعلى عكس هذا تمامًا، تجد أنَّ بعض الأطباء الذين من ضمنهم الدكتور ماجويل توريبو-ماتيس (Miguel Toribio-Mateas)، الاستشاري ورئيس الجمعية البريطانية للتطبيقات الغذائية والعلاج بالغذاء، ينصح بتناول منتجات الحليب، مُرتكِزًا في ذلك على موضوع احتواء بعض منتجات الحليب على البكتيريا النافعة (probiotic bacteria) التي تُساعد على مُعادلة المجتمع البكتيري في الأمعاء. ومن هنا، فهو ينصح ويُفضِّل تناول المنتجات اللبنية الكاملة الدسم والمُخمَّرة كالروب على غيرها، والتي يعدُّها أيضًا مصدرًا مناسبًا لبعض الفيتامينات كفيتامين "د" و"أ" و"ك". وهذا كله على حد قول ماجويل تويبو-ماتيس.
ويجدر بنا أنْ نذكر هنا أيضًا (على النقيض تمامًا لبعض الدراسات المذكورة أعلاه) بأنَّ إحدى الدراسات الموسَّعة التي نُشرت في عام 2011م في المجلة الأمريكية للغذاء الإكلينيكي (American Journal of Clinical Nutrition) أفضت نتائجها إلى أنَّ منتجات الألبان ليس لها علاقة بارتفاع نسبة الوفيات. بل أنَّها وجدت بأنَّ الذين يشربون الحليب كان لديهم نسبة أقل من أمراض القلب والأوعية الدموية. ليس هذا فحسب، بل أنَّ هناك دراسة أُخرى أيضًا (نُشرت نتائجها في المجلة البريطانية للغذاء في عام 2010م) أفضت نتائجها هي الأُخرى إلى أنَّ المنتجات اللبنية المُخمَّرة تُقلِّل من مدة الالتهابات الصدرية عند الكبار في السن. وهناك كذلك من يقول بأنَّ اليابانيين الذين يتناولون منتجات الحليب هم الأقل إصابة بمرض خرف الشيخوخة (Alzheimer). ولاحظ هنا بأنَّ كل هذه الدراسات تُمثِّل صورة الطرف الآخر للنقاش الذي يظهر فيه مؤيدو شرب الحليب.
وعلى صعيد مُختلِف يقول أخصائي التغذية ستيف بسنت (Steve Bessant): "أنَّ عملية البسترة التي يمر بها الحليب تُخثِّر الإنزيمات اللازمة لتكسير البروتينات في الحليب؛ مِمَّا يجعل البروتينات الموجودة فيه لا تتفكَّك بعد البسترة في الأمعاء الدقيقة، فتتسبّب في التأثير السلبي على البطانة الداخلية الدقيقة للأمعاء، فينتج عن ذلك الالتهابات على المدى القصير، بل ويجعلها تؤثِّر على مقدرة الجسم على امتصاص العناصر الأساسية على المدى البعيد". ويضيف ستيف بسنت أيضًا: "إنَّ الحليب يحتوي على كمية كبيرة من الكالسيوم، إلَّا أنَّه لا يُمتَص منها إلى 25% فقط". ومن هنا يخرج بخلاصته التي مفادها: "أنَّ احتواء الغذاء على بعض العناصر بكميات كبيرة لا يعني أنَّ الجسم يمتصها ويستفيد منها"؛ ومن ثّمَّ يسترسل قائلًا: "بأنَّ صحة جسم الأنسان ليس بما يُأكَل من أغذية، بل بما يُمتَص منها من عناصر مفيدة". وكما نُلاحظ، وكأنَّ ستيف بسنت يُلمِّح في كلامه لعلة إضافية غير العلل المذكورة أعلاه فيما يتعلَّق بعدم جدوى الكمية الكبير من الكالسيوم الموجودة في الحليب ومنتجاته.
ويذكر بعض مُناهضي شُرب الحليب: بأنَّ الحقيقة المؤلمة تكمن في: أنَّ معظم من يعملون في الخط الأمامي للصحة من أطباء وغيرهم من طاقم صحي يتجاهلون هذه الحقيقة المُثبتة (على حد قولهم وقول بعض من يدعم هذا التوجه). ويضيفون: وهذا ليس بالغريب لأنَّ معظم من تم تشخيصهم بمرض هشاشة العظام تم نصحهم من قبل أطبائهم بضرورة شرب للحليب بالإضافة لأخذ الـ "فوساماكس" (Fosamax)، وهو الدواء الذي يعمل على تقوية العظام ويُستخدَم في الغالب عند الإصابة بهشاشة العظام.
ففي هذا الشأن تذكر مديرة التغذية لمجتمع الأطباء للطب المسؤول في واشنطن (nutrition director for the Physicians Committee for Responsible Medicine in Washington, DC) الدكتورة أمي لينو (Amy Lanou): "أنَّ الدول التي تشتكي من نسب عالية من هشاشة العظام هي نفس الدول التي شعوبها تستهلك أكبر كمية من الحليب، والتي تحتوي أغذيتها على نسبة عالية من الكالسيوم؛ حيث أنَّ حلقة الربط بين عنوان استهلاك كمية كبير من الكالسيوم وبين عنوان صحة العظام هي حلقة ربط ضعيفة جدًا؛ وأنَّ حلقة الربط بين عنوان استهلاك منتجات الحليب وعنوان صحة العظام هي رابطة تكاد تكون معدومة". هذا كله على حد قول الدكتورة أمي لينو [6].
ويؤكِّد بعضهم بأنَّ حليب الأبقار هو في حقيقته للعجول. بمعنى أنَّنا نشرب ما هو ليس واقعًا مُعدُّ لنا ككائنات حية. فالعجل الذي يزن عند ولادته 100 باوند، يكسب ثمانية أضعاف وزنه عند فِطامه. وحينما يتوقف العجل عن شرب الحليب تمامًا بعد سن الفِطام، يواصل الإنسان شربه لحليب أم العجل (أي البقرة)، من بعد فِطامه (أي الأنسان) من أمه ودون توقف على مدار حياته. وهذا الأمر المُتعلِّق بالتوقف عن شرب الحليب بعد الفِطام، لا ينطبق على العجول فقط، بل وعلى كل الحيوانات الثدية الموجودة على سطح المعمورة، عدا الإنسان الذي يواصل شربه لحليب الأبقار على وجه الخصوص دون توقَّف بعد أنْ يتم فِطامه من أمه (!). هذا كله بحسب ما يُردِّده بعض مناهضي شرب الحليب.
وللتوضيح، فإنَّ كل أصناف الحيوانات الثدية تملك حليبها المُناسب لها، وحليب الأبقار ليس استثناءً في هذ الجانب. فعلى سبيل المثال، فإنَّ حليب الأبقار يحتوي على ثلاثة أضعاف متوسط كمية البروتين الموجودة في حليب الأم المُرضِع. وهي كمية من البروتين قادرة على احداث اضطراب أيضي في جسم الشخص الذي يُعاني من مضاعفات صحية في العظام أو في غيرها من أعضاء حيوية. وما أعنيه هنا هو أنَّ حليب الأم غذاء ممتاز للأطفال الرُّضع فقط، إلَّا أنَّ استهلاكه يختلف تمامًا عن استهلاك حليب الأبقار ولا يجوز المُقارنة بينهما.
أضيف أيضًا على ما تقدَّم، أنَّه وحتى نهاية القرن التاسع عشر في أوروبا وبداية القرن العشرين في الولايات المتحدة، فإنَّ الحليب كان يُستهلَك بغير بسترة (بمعنى أنَّه كان يُشرَب مباشرةً من مصدره دون مُعالجة). وفي مراحل مُتقدِّمة، بدأت عمليات المُعالجة الصناعية تدخل في مُعايرة الحليب؛ وهو ما جعلها تؤثِّر على كيمياء الحليب وعلى زيادة تأثيراته السلبية في الجسم البشري.
والفقرة السابقة تعني أنَّ الحليب الطازج (غير المُعالج صناعيًا) يملك تأثيرات سلبية، بل وتأثيرات حمضية أيضًا أقل بكثير مِمَّا يُباع في المتاجر الغذائية تحت عبارة "طازج" و"من المزرعة مباشرةً" (كما يقول من هو ضد شرب الحليب). وهو ما يعني أيضًا بأنَّ الحليب كل ما زادت مُعالجته صناعيًا (كالحليب قليل الدسم ومنزوع الدسم وما شابه) زادت تأثيراته السلبية والحمضية على الجسم. وهنا نؤكِّد (مُعتمدين على جاء به الكثير من مُناهضي شُرب الحليب) بأنَّه لا جدال على أن الحليب المأخوذ من الضرع مباشرةً به تأثيرات سلبية وحمضية أقل من المُعالج بكثير، وأنَّ الحليب المُبستَر والمنزوع الدسم أو المُخفَّف الدسم وما شابهه من أنواع قد يُسبِّب الكثير من المشاكل الصحية الشاملة لمشاكل الجهاز الهضمي (وهو ما سنشرحه لاحقًا). وفي العموم، وحتى لا يُفهم من هذا الكلام بأنَّ الدعوى هي تفضيل نوع من الحليب على بقية الأنواع، فإنَّ غالب التوصيات التي جاءت بها الدراسات المذكور بعضها في هذا التحقيق لا تنصح إفاضاتها المباشرة وغير المباشرة بشرب أي نوع من أنواع الحليب البقري سواء كان مُعالجًا أو من الضرع مُباشرةً، أو لا أقلها فإنَّها تقف موقف المُشكِّك في أمر النظام الغذائي الذي يعتمد على حليب الأبقار خصوصًا بغض النظر عن حقيقة دخول الحليب في رفع حموضة الجسم من عدمه. بل وأنَّ معظم من يقفون موقف المُعارض لشرب الحليب يرون بأنَّه بالإمكان أيضًا الحصول على غالب ما يحتويه الحليب من عناصر بروتينية ومعدنية وأملاح من الكثير من الأغذية الصحية الطازجة؛ فهم يذكرون – مثلًا لا حصرًا - بأنَّ الفواكه والخضراوات غنية بالكثير من السكريات والمعادن والأملاح؛ فالحشائش الخضراء غنية بالكالسيوم وبالكثير من المعادن والأملاح، والطماطم غني بالمغنيزيوم، والموز غني بالبوتاسيوم، وهكذا.
وفي جانب آخر، تستند الكثير من المؤسسات الصحية والغذائية في موضوع مناهضتها لشرب الحليب على بعض العناوين الخارجة عن نطاق موضوع الكالسيوم وهشاشة العظام. حيث تُشدِّد هذه المؤسسات على موضوع النقاط التالية: (1) أنَّ الأبقار الحلوب تُعطَى في العموم مضادات حيوية بكميات كبيرة جدًا، كفيلة بتوليد سُلالات ميكروبية مُتطوِّرة؛ (2) وأنَّ معظمها تُحقَن بإبر مُعدَّلة وراثيًا من هرمون النمو البقري (recombinant Bovine Growth Hormone - rBGH). وهنا أُبيِّن بأنَّ هرمونات النمو البقرية (rBGH) التي يقوم بتعديلها وراثيًا الإنسان غرضها الرئيس هو زيادة ادرار الحليب، وهي تختلف في بعض أحماضها الأمينية عن الهرمون الطبيعي الذي يُفرَز في أجسام الأبقار مُباشرةً. أمَّا الأمر الأخر فهو أنَّ هذه الهرمونات تُحفّز افراز مستوى عامل نمو الأنسولين رقم 1 (Growth Factor Like Insulin no 1 - GFI-1) في الأبقار، مِمَّا يجعله يصل في نهاية المطاف لدم الأشخاص الذين يشربون هذه النوعية من الحليب؛ علمًا بأنَّ كمية عامل نمو الأنسولين رقم 1 (GFI-1) التي تصل للإنسان جراء شرب الحليب من الأبقار المحقونة بالهرمونات هي قليلة بحسب جمعية السرطان الأمريكية (American Cancer Society - ACS)، وليس بحسب بقية الجمعيات والمؤسسات الصحية والغذائية؛ إلَّا أنَّ نفس الجمعية وبحسب ما هو ما موثَّق على موقعها الإلكتروني الرسمي تُبيِّن بأنَّها لا تقف أي موقف من هذا الموضوع (لا موقف المُعارض ولا موقف المؤيِّد). ولأنَّ المستويات العالية من عامل نمو الأنسولين رقم 1 (GFI-1) (في حال كان ارتفاعه أعلى مِمَّا ينغي) تُربَط من قِبل بعض الدراسات ببعض الأورام السرطانية [7] [8]، فإنَّ خطر مُنتجات الحليب يتضاعف. فهو من جانب له تأثيرات حمضية ومن جانب آخر يحتوي على هرمونات نمو ومضادات حيوية. وهذه العبارة الأخيرة على وجه الخصوص، هي بحسب ما يذهب له مناهضو شرب الحليب الحيواني.
وللتوضيح، فإنَّ نسبة المضادات الحيوية التي تُعطى للأبقار التي تُحقَن بهرمون النمو البقري (rBGH) هي أيضًا أكبر بكثير من تلك التي تُعطى لغيرها من الأبقار التي لا يتم حقنُها بتلك الهرمونات. وهنا أُبيِّن بأنَّه حتى وإنْ كان هناك جدل حول علاقة هذه الهرمونات ببعض الأمراض السرطانية (ومازال هناك احتياج للمزيد من الأبحاث من أجل تأكيد هذا العنوان المُرتبط بصحة الإنسان)، إلَّا أنَّ المؤكَّد (وبحسب معظم الجمعيات الإشرافية العالمية على هذا الموضوع [9] [10] [11] [12] [13] [14] [15] [16]) هو أنًّ الأبقار التي تُحقن بالإبر الهرمونية يتعرض ضرعها للكثير من الالتهابات (mastitis) مِمَّا يُحتِّم على البياطرة في مزارع الحليب زيادة المضادات الحيوية معها بكميات أعلى بكثير مِمَّا ينبغي. وهو ما يعني أيضًا زيادة مُعدَّل توليد البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية.
وعندما نُسلِّط الضوء على الاستنتاجات الأخيرة التي جاء بها رئيس اتحاد مكافحة السرطان (Cancer Prevention Coalition) والبروفسور في قسم الطب البيئي (Environmental Medicine) في مدرسة الصحة العامة في جامعة إلينوس (University of Illinois School of Public Health) سامويل إبشتين (Samuel Epstein)، في نشرته العلمية التي كانت تُناقش المخاطر الحقيقية للحليب المُعالج بالهرمونات وعلاقته بسرطان الثدي [17] والسرطانات الأُخرى (Monsanto’s Hormonal Milk Poses Serious Risks of Breast Cancer, Besides Other Cancers)، سنجد بأنَّه يقول في إحدى فقرات النشرة: "بأنَّ شرب الحليب المحتوي على هرمون النمو البقري (rBGH) يزيد بشكل ملحوظ من مستوى عامل نمو الأنسولين رقم 1 (IGF-1) في الدم، ومنه إلى زيادة خطر الإصابة بسرطان الثدي وتحفيز حدته عند المُصابات"؛ وهو الأمر الذي يستدعي منا وقفة جادة في حال تم تأكيد نتائج هذه الدراسة وغيرها من دراسات مُشابهة خصوصًا في ظل الزيادة الملحوظة لحالات الإصابة بسرطان الثدي في مناطقنا العربية. وهناك غيرها من دراسات لا يسع المجال لتغطيتها في هذه السطور المبنية على الاختصار، كتلك التي تربطه كعامل بالإصابة بسرطان البروستات عند الرجال [18] [19]، وبسرطان المبايض عند النساء [20] [21]، وغيرها من أورام سرطانية كسرطان القولون (الذي لم يتأكَّد بعد صلته بشرب الحليب [22]). ليس هذا فحسب، بل أنَّ بعض الدراسات ناقشت موضوع علاقة وجود الكالسيوم (وليس عامل الأنسولين رقم 1) في الحليب ببعض الأورام السرطانية كسرطان البروستات [23]؛ وهو العنوان الذي (في حال تم توثيقه) يجعل من الكمية الكبيرة للكالسيوم في الحليب البقري خصوصًا أمرًا سلبيًا وليس ايجابيًا. وهناك غيرها من دراسات ناقشت الزوايا المُختلفة لهذا الموضوع الجدلي والمُتعلِّق بنشؤ الأورام السرطانية، وبحثها يحتاج لتحقيق مُستَقِل.
وهنا يتم الاستشهاد بحالة أحد الرواد في مجال الكيمياء الجيولوجية في العالم، البروفيسورة جين بلانيت (Jane Plant)، التي صارعت سرطان الثدي خمس مرات، والتي أعزت شفائها لنظامها الغذائي الخالي من منتجات الحليب بعد دراسة المُعدّل المُنخفض لسرطان الثدي في الصين.
إلَّا أنَّه ومع العلم من كل هذا، فإنَّه حتى عند افتراض أنَّ بعض الحليب لا يُعامل بهرمونات النمو البقرية (rBGH) ولا بالمضادات الحيوية (وهذا شبه مُستحيل تطبيقه من قِبل المزارع التجارية التي توزِّع منتجاتها في كل حدبٍ وصوبٍ)، فإنَّ تأثيره على بقية العناوين الصحية في الجسم البشري ستعني ضرورة أخذ الحيطة والحذر عند تناوله (هذا على حد ما تنص عليه الدراسات أعلاه).
وهنا ألفت الانتباه إلى أنَّ هرمونات ادرار الحليب البقرية المذكورة آنفًا غير مُصرَّح باستخدامها في بعض الدول كأوروبا وكندا وغيرها من دول لا تتبنَّى هذا النهج من تطبيق الهرمونات على الأبقار؛ ولكنَّه مُصرَّح به في الولايات المُتحدة الأمريكية وبعض الدول السائرة على نهجها الغذائي.
أمَّا على مستوى بقية العناوين الصحية التي يتم طرحها على مستوى عام من قِبل الجهات البحثية الدراسية في المجلات المُحكمة فيما يتعلَّق بالحليب البقري على وجه الخصوص، أذكر لكم باختصار العناوين التالية: -
- أنَّ الحليب البقري يحتوي على مستويات عالية من سكر اللاكتوز؛ الأمر الذي يجعله يُسبِّب مشاكل في الجهاز الهضمي كتطبّل البطن والغازات والإسهال وغيرها من أعراض معوية عند الأشخاص الذين لا يستطيعون هضمه بسهولة؛ وهي المشكلة الصحية التي يُطلق عليها إكلينيكيا باللغة الإنجليزية بـ (lactose intolerance)؛ بل أنَّها المُشكلة التي تتأرجح في حدتها من شخصٍ لآخر؛ مِمَّا يجعل بعضهم لا يستطيعون تحمّل حتى الكميات القليلة من اللاكتوز الموضوعة مع القهوة؛ بل وأنَّ بعضهم قد لا يتحمَّل حتى الإنزيمات البديلة التي توضع محل اللاكتوز في الحليب (وهذا الأمر مُتفق عليه ولا يُوجَد عليه جدال دراسي ولا إكلينيكي). وهنا ألفت الانتباه إلى: أنَّه ومع العلم من أنَّ اللاكتوز في حليب الأم تركيزه 7 ملجرام/لتر (مقارنة باللاكتوز في حليب البقر الذي يصل تركيزه لحدود 5 ملجرام/لتر)، إلَّا أنَّ اللاكتوز في حليب الأم هو من نوعية بيتا (beta-lactose) واللاكتوز في حليب البقر هو من نوعية ألفا (alpha-lactose). لذا، فإنَّ المشاكل المعوية الناتجة من تأثير لاكتوز حليب البقر تنحصر في نوعيته وتتوقف عليه وعلى شبيهاته من حليب، ولا يجوز مقارنتها مع حليب الأم.
- وهناك بعض الدراسات التي تربط بين شرب الحليب ونمو حب الشباب عند شربه من قِبل كلٍ من البنات والأولاد [24] (وهذا الأمر أيضًا مُتفق عليه ولا يُوجَد عليه جدال دراسي ولا إكلينيكي).
- وهناك من الدراسات من تتحدث عن علاقته ببعض أنواع الحساسية التي تظهر عند الأطفال وغيرهم من فئات عمرية والتي ينتج عنها طفح جلدي وضيق في التنفس وربو والتهابات صدر وصداع وتقيء وإسهال وتشنج، بل وقد يصل الإمر إلى ما هو أسوأ من ذلك بكثير عند بعضهم؛ ولقد عدّته بعض الدراسات على أنَّه أكثر غذاء مُسبِّب للحساسية [25]؛ لذا فإنَّه في حال كان الشخص يشتكي من الحساسية الناتجة من الحليب فلا سبيل له سوى الابتعاد عن شرب الحليب (وهذا الأمر أيضًا مُتفق عليه ولا يُوجَد عليه جدال دراسي ولا إكلينيكي).
- وتتحدّث مجموعة من الدراسات عن الكوليسترول الموجود فيه، والذي يصل في الحصة الواحدة منه لحدود 24 مليجرام تقريبًا، وكيف أنَّه قادر على رفع مُعدلات الكوليسترول (في التجارب التي أُجريت على الحيوانات [26] والتجارب التي أُجريت على الإنسان [27]) (وهذا الأمر أيضًا مُتفق عليه ولا يُوجَد عليه جدال دراسي ولا إكلينيكي).
- وهناك من يجمع بين احتوائه على الكوليسترول واحتوائه على الدهون المُشبَّعة التي تصل في نسبتها في الحصة الواحدة لأكثر من 20% من الاحتياج اليومي المنصوح به (Recommended Daily Allowance - RDA) (وهذا الأمر أيضًا مُتفق عليه ولا يُوجَد عليه جدال دراسي ولا إكلينيكي).
- وأنَّ الحليب البقري يرفع الوزن؛ وهو ما تم مُلاحظته عند مجموعة كبيرة من الأطفال الذين كانوا يعتمدون في غذائهم عليه؛ وهذا ناتج من سعراته الحرارية العالية التي هي في حدود 300 ونيف سعرة حرارية (وهذا الأمر أيضًا مُتفق عليه ولا يُوجَد عليه جدال دراسي ولا إكلينيكي).
- وهناك من الدراسات التي وجدت بأنَّ بروتين الحليب البقري يُحفِّز نشوء السكري من النوع الأول من خلال العملية التي تُسمَّى بالتشابه الجزيئي (molecular mimicry) [28].
- وهناك من الدراسات التي ربطت بين استهلاك الحليب البقري وارتفاع نسبة الإصابة بمرض التصلب اللويحي (multiple sclerosis) [29].
- وأنَّ نوعية السكر التي تتفكّك من اللاكتوز والتي يُطلق عليها في اللغة الإنجليزية بالـ (D-galactose) تُعدُّ مُهيِّجة للالتهابات وتُسرِّع من تدهور الأنسجة؛ وهو ما استنتجته الدراسة السويدية [30] التي تم الإشارة لها في بدايات هذا التحقيق (عند الحديث عن ارتفاع نسبة الكسور عند النساء)؛ وهو ما يعني أيضًا بحسب نفس الدراسة أنَّ الحليب السائل - فيما يتعلَّق بهذه الجُزئية على وجه الخصوص - يختلف عن بعض المنتجات اللبنية الصلبة المُخمَّرة كالجبن والروب لعدم وجود هذه النوعية من السكر فيها.
- وأنَّ الحليب البقري قد يتسبَّب في الإمساك [31].
- وأنَّ الحليب البقري قد يتسبَّب في التهابات الأذن؛ وهو الأمر الذي أكَّدت عليه مديرة التغذية لمجتمع الأطباء للطب المسؤول الدكتورة أمي لينو التي جاء ذكرها أعلاه في دراستها المُتَعَلِّقة بهذا الشأن [32].
- وهناك من يربط بين أحد نوعي بروتين الحليب الرئيسة الذي يُسمَّى بالكزين (المذكور آنفًا) وبين الكثير من المشاكل الصحية كصداع الشقيقة واحتقان الأنف والطفح الجلدي (على غرار أعراض الحساسية وأعراض عدم تحمّل اللاكتوز)، وزيادة الالتهابات، وغيرها من مشاكل صحية؛ لأنَّ البعض لا يستطيع هضمه؛ حيث أنَّ هذا النوع الذي يُسمَّى بكزين "أ1" (A1) قد نشأ في حليب أبقار الدول الغربية بسبب تهجينها من قبلهم (أي أنَّه بسبب تلاعب الإنسان تحت عناوين علمية)؛ بينما النوع الثاني وهو كزين "أ2" (A2) فموجود في غالب أنواع الحليب الحيوانية ولا أحد يشكو من مشاكل بسببه (وهذا الأمر أيضًا مُتفق عليه ولا يُوجَد عليه جدال دراسي ولا إكلينيكي).
- بل وأنَّ الحقيقة المؤكَّدة فهي أنَّ غالب الحليب الذي يُباع تحت عنوان "طازج" تُضاف له كميات صناعية من السكر ومن المُنكِّهَات والمواد الحافظة والمواد الأخرى المناسبة لإظهاره بصورته النهائية قبل تقديمه للمستهلك (على غرار ما يتم إضافته في المواد الغذائية) (وهذا الأمر أيضًا مُتفق عليه ولا يُوجَد عليه جدال دراسي ولا إكلينيكي).
- وأنَّ كميات البوتاسيوم والفوسفور الموجودة في الحليب قد لا تكون مناسبة لبعض من يُعاني من مشاكل صحية في كليتيه أو من ضغط الدم؛ لأنَّها تُعدُّ مرتفعة فيه؛ وهذا على حد قول رئيس قسم التغذية في مدرسة هارفرد للصحة العامة البروفيسور والتر ملت (الذي جاء ذكره أعلاه)؛ وهو ما يعني أيضًا ضرورة تأكُّد المرضى المُصابين بهذه الأمراض من عدم تأثير الحليب على صحتهم من عدمه من خلال سؤال الطبيب.
- وهناك غيرها من عناوين تعدادها قد يُطيل من هذا التحقيق ويُخرجه عن إطاره الذي قد أُعدَّ له، خصوصًا تلك التي ترتبط بارتفاع نسب بعض العناصر فيه، وتلك التي ترتبط بطبيعة الأغذية والأعلاف المُعالَجة كيميائيًا والمرشوشة بالمواد الحافظة وغير الطبيعية التي تُعطَى للأبقار وحيوانات المزارع، والتي تؤثِّر سلبًا على صحتها عمومًا وعلى لحومها وحليبها خصوصًا.
وبالمناسبة، فإنَّ معظم (إذا لم يكن كل) ما ورد في نقاط الفقرة السابقة (كما تبيَّن) هو محل اتفاق في الدوائر الطبية والإكلينيكية ولا يُوجَد عليه أي جدل علمي (دراسي أو إكلينيكي).
ويُقدِّم بعض من يدعم الدراسات المُناهضة لشرب الحليب البقري خصوصًا - بل وحتى بعض أخصائي التغذية - بعضًا من أنواع الحليب غير المُحلَّى كبدائل، كحليب اللوز (ليس فقط لأنَّه قاعدي كحال مصدره، ألَّا وهو اللوز)، بل لأنَّه أيضًا مُشابه في طعمه للحليب وطعمه مقبول. وإذا كانت هناك صعوبة في إيجاد حليب اللوز (كما يقول من يتبنَّى هذه البدائل)، فإنَّ الخيارات الأُخرى له تتمثّل في حليب الأرز وحليب الصويا (الذي لابد وأنَّ يكون طبيعي وعضوي حتى يبتعد الإنسان عن أي إضافات جانبية صناعية فيه، وحتى يضمن بأنَّه غير مُعدَّل وراثيًا)؛ علمًا بأنَّ هناك الكثير من الجدل حول حليب الصويا غير المُخْتَمِر (لهذا يُنصَح دائمًا باستخدامه بصورته المُخفَّفة). وألفت الانتباه إلى أنَّي أذكر هذه البدائل كخيارات يطرحها من هو غير مُقتنع بشرب الحليب الحيواني؛ فلاحظ هذه النقطة جيدًا.
فعلى سبيل المثال، تقول أخصائية التغذية وعضوة جمعية الغذاء البريطانية (British Dietetic Association) الدكتورة سارة شنكر (Sarah Schenker): "أنَّه أمر مقبول أنْ تُختَار البدائل الأُخرى، حينما يشعر الإنسان بحاجته لها". إلَّا أنَّها تذكر أيضًا في موقع أخر: "بأنَّه ما لم يكن هناك سبب طبي لترك منتجات الحليب كعدم تحمّل اللاكتوز أو الحساسية للبروتينات الموجودة فيه، فإنَّه لن يكون هناك داعي لتجنّب شربه". هذا على حد قول سارة شنكر.
وفي نهاية المطاف، أؤكِّد مرةً ثانيةً على أنَّ ما جاء في هذا التحقيق كان يُجيب فقط على السؤال الذي استفتحنا به، ألَّا وهو: هل توجد استنتاجات بحثية مُحكمة تُفضي نتائجها إلى أنَّ الحليب الحيواني عمومًا والبقري خصوصًا قد تكون له أثار سلبية على صحة الإنسان؟ ولقد تبيَّن لنا بأنَّ الجهات البحثية التي تُجيب بـ "نعم" ليست بقليلة، مع اختلاف عناوين المشاكل الصحية التي أثارتها في دراساتها. وقد نجد من يقف موقفًا معاكسًا لهم (فإنْ لم تكن مُعارضتهم تجاه كل العناوين المذكورة في محاور هذا التحقيق، فلا أقلها ستكون تجاه بعضها). إلَّا أنَّ قناعاتك الشخصية (أنت) ومعرفتك بحقيقة ما يحدث بشكل أولي لك (أنت أيضًا) عند شربك للحليب (لأنك أنت طبيب نفسك على مستوى ما هو ملحوظ فقط من أعراض صحية التي لا أقلُّها تحدث لك وتستطيع تقييمها) هي من ستقودك مبدئيًا (وليس نهائيًا) لاتخاذ القرار الأوّلي بشأن موقفك تجاه (لا أقلُّها) بعض العناوين الملموسة فيما تم ذكره في هذا التحقيق، أو في أي تحقيقٍ آخر فحوى نقاشه تدور في فلك "حكاية تأثير شرب الحليب البقري على وجه الخصوص ومنتجاته على الإنسان من عدمه".
_______________________________________
[1] Cumming RG, Klineberg RJ. Case-control study of risk factors for hip fractures in the elderly. Am J Epidemiol. 1994 Mar 1;139(5):4 93-503.
[2] Feskanich D, Bischoff-Ferrari HA, Frazier AL, Willett WC.Milk consumption during teenage years and risk of hip fractures in older adults. JAMA Pediatr. 2014 Jan;168(1):54-60. doi: 10.1001/jamapediatrics.2013.3821.
[3] Sahni S, Mangano KM, Tucker KL, Kiel DP, Casey VA, Hannan MT.Protective association of milk intake on the risk of hip fracture: results from the Framingham Original Cohort. J Bone Miner Res. 2014 Aug;29(8):1756-62. doi: 10.1002/jbmr.2219.
[4] Feskanich D, Willett WC, Stampfer MJ, Colditz GA. Milk, dietary calcium, and bone fractures in women: a 12-year prospective study. Am J Public Health. 1997 Jun;87(6):992-7.
[5] Michaëlsson K, Wolk A, Langenskiöld S3, Basu S, Warensjö Lemming E, Melhus H, Byberg L. Milk intake and risk of mortality and fractures in women and men: cohort studies. BMJ. 2014 Oct 28;349:g6015. doi: 10.1136/bmj.g6015.
[6] Lanou AJ. Should dairy be recommended as part of a healthy vegetarian diet? Counterpoint. The American journal of clinical nutrition 2009;89:1638S-42S.
[7] Key TJ. Diet, insulin-like growth factor-1 and cancer risk. Proc Nutr Soc 2011:1-4.
[8] Lanou AJ. Should dairy be recommended as part of a healthy vegetarian diet? Counterpoint. The American journal of clinical nutrition 2009;89:1638S-42S.
[9] The Joint FAO/WHO Expert Committee on Food Additives (1999).
[10] Health Canada (1999).
[11] Royal College of Physicians and Surgeons of Canada (1998/9).
[12] Canada Veterinarian Association (1998/9).
[13] Commission of the European Communities (1988/9).
[14] US National Institutes of Health (1990).
[15] American Medical Association (1991).
[16] Health Care Without Harm (2007).
[17] Samuel S. Epstein. Monsanto's Hormonal Milk Poses Risks of Prostate Cancer, Besides Other Cancers. Warns Professor of Environmental Medicine at the University of Illinois School of Public Health. Mar 15, 1998, 00:00 ET from Cancer Prevention Coalition.
[18] Qin LQ, Xu JY, Wang PY, Tong J, Hoshi K. Milk consumption is a risk factor for prostate cancer in Western countries: evidence from cohort studies. Asia Pac J Clin Nutr. 2007;16(3):467-76.
[19] Lanou AJ. Should dairy be recommended as part of a healthy vegetarian diet? Counterpoint. The American journal of clinical nutrition 2009;89:1638S-42S.
[20] Larsson SC, Bergkvist L, Wolk A. Milk and lactose intakes and ovarian cancer risk in the Swedish Mammography Cohort. Am J Clin Nutr. 2004 Nov;80(5):1353-7.
[21] Lanou AJ. Should dairy be recommended as part of a healthy vegetarian diet? Counterpoint. The American journal of clinical nutrition 2009;89:1638S-42S.
[22] American Cancer Society (on its official website).
[23] National Cancer Institute, Calcium and cancer prevention: strengths and limits of the evidence, last reviewed May 2009, accessed 27 February 2014.
[24] Spencer EH, Ferdowsian HR, Barnard ND. Diet and acne: a review of the evidence. Int J Dermatol. 2009 Apr;48(4):339-47. doi: 10.1111/j.1365-4632.2009.04002.x
[25] Rona RJ, Keil T, Summers C, et al. The prevalence of food allergy: a meta-analysis. J Allergy Clin Immunol 2007;120:638-46.
[26] Kritchevsky D. Dietary protein, cholesterol and atherosclerosis: a review of the early history. The Journal of nutrition 1995;125:589S-93S.
[27] Gardner CD, Messina M, Kiazand A, Morris JL, Franke AA. Effect of two types of soy milk and dairy milk on plasma lipids in hypercholesterolemic adults: a randomized trial. Journal of the American College of Nutrition 2007;26:669-77.
[28] Dahl-Jorgensen K, Joner G, Hanssen KF. Relationship between cows’ milk consumption and incidence of IDDM in childhood. Diabetes Care 1991;14:1081-3.
[29] Malosse D, Perron H, Sasco A, Seigneurin JM. Correlation between milk and dairy product consumption and multiple sclerosis prevalence: a worldwide study. Neuroepidemiology 1992;11:304-12.
[30] Michaëlsson K, Wolk A, Langenskiöld S3, Basu S, Warensjö Lemming E, Melhus H, Byberg L. Milk intake and risk of mortality and fractures in women and men: cohort studies. BMJ. 2014 Oct 28;349:g6015. doi: 10.1136/bmj.g6015.
[31] Caffarelli C, Baldi F, Bendandi B, Calzone L, Marani M, Pasquinelli P. Cow’s milk protein allergy in children: a practical guide. Italian journal of pediatrics 2010;36:5.
[32] Lanou AJ. Should dairy be recommended as part of a healthy vegetarian diet? Counterpoint. The American journal of clinical nutrition 2009;89:1638S-42S.
_______________
مواضيع ذات صلة: -
* ما لا تعرفه عن الفروق الحقيقية الموجودة بين أنواع الحليب المُختلفة: الكاملة وقليلة الدسم ومنزوعة الدسم!
* تركيبة حليب الأم المُرضِع لمولود ذكر تختلف عن تركيبة حليب الأم المُرضِع لمولود أنثى
* مراجعة بحثية: هل يحتوي حليب الأم على ميكروبات؟
* تسجيل فيديو: هل يحتوي حليب الأم على ميكروبات؟
* هل نستطيع شرب الحليب بعد انتهاء مدة صلاحيته؟
* هل تنتج عن إضافة الروب إللى تتبيلة الدجاج واللحم مواد مسرطنة عند الشوي؟
* ما لا تعرفه عن الفروق الحقيقية الموجودة بين أنواع الحليب المُختلفة: الكاملة وقليلة الدسم ومنزوعة الدسم!
* تركيبة حليب الأم المُرضِع لمولود ذكر تختلف عن تركيبة حليب الأم المُرضِع لمولود أنثى
* مراجعة بحثية: هل يحتوي حليب الأم على ميكروبات؟
* تسجيل فيديو: هل يحتوي حليب الأم على ميكروبات؟
* هل نستطيع شرب الحليب بعد انتهاء مدة صلاحيته؟
* هل تنتج عن إضافة الروب إللى تتبيلة الدجاج واللحم مواد مسرطنة عند الشوي؟
0 comments:
Post a Comment