Friday, 3 April 2015
April 03, 2015

نصًا من كتاب الحقوق الإجتماعية في الإسلام: مبحث حقوق الزوجة ومبحث حقوق الزوج



المبحث الأول


حقوق الزوجة


في الواقع إن الأسرة مجتمع صغير يقوم على أكتاف شخصين هما: الرجل والمرأة. والمجتمع ليس كثرة عددية تنمو، وإنما هو علاقات بين أفراد تقوم على هدف معين، وقد حدّد القرآن هذا الهدف بالسكنى أو الاطمئنان في علاقة الذكر بالأنثى، من خلال المودة والرّحمة بينهما ، يقول عزّ من قائل : (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) (الروم٣٠: ٢١)، وهذا المجتمع يتكون بأسلوب تعاقدي يكشف عن قبول الطرفين بفحوى العقد وما يفرضه من حقوق وواجبات، وبألفاظ صريحة لا لبس فيها ولا تقبل الإنكار. قال سبحانه وتعالى: (فأنكحوهنَّ بإذن أهلهنَّ وآتوهن أجورهنَّ بالمعروف محصناتٍ غير مسافحات...) (النساء ٤: ٢٥). وبمقتضى هذه الآية الكريمة ونحوها من الأدلّة نجد أن إذن الولي بالنسبة للبنت الباكر أمر ضروري في نظر الفقهاء، لصيانة حق المرأة في الاختيار السليم للزوج، فليس الإذن لامتهان كرامتها، وإنّما هو إجراء احترازي يمنع المرأة من اتخاذ قرار متسرع بالموافقة على الزواج من شخص تحت تأثير رغبة نفسية عابرة، أو تأثر عاطفي.

١٠٥

وبعد الإذن يأتي الأجر أو ما نطلق عليه (المهر)، وهو حق آخر للمرأة؛ لكي تشعر أنها مطلوبة وليست طالبة، وهذا الشعور يوفّر لها حياءها المغروس في جبلّتها، ويوفر لها أيضاً كرامتها، ولا يعني إعطاء المهر للزوجة أنها أصبحت مملوكة للزوج، بل قال تعالى (وآتُوا النِّسَآءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحلَةً) (النساء ٤: ٤) إنما هي شريكة حياة، تعاقدت مع الرجل ضمنياً على العيش المشترك، الذي يقوم على حقوق والتزامات متبادلة. (ولهُنَّ مِثلُ الَّذي عليهنَّ بالمعرُوفِ.) (البقرة ٢: ٢٢٨).

وعلى الرغم من هذا الاهتمام القرآني الواضح بحقوق المرأة، إلاّ أنك تجد عند أعداء القرآن جملة من الاتهامات الباطلة التي تثار حول موقف القرآن الكريم من حقوق المرأة، من انه فرض عليها الحجاب فقيَّد حريتها، وأنه وضع القيمومة بيد الرّجل، ومنحه نصيباً مضاعفاً من الميراث وما إلى ذلك. وهؤلاء الذين يذرفون دموع التماسيح على حقوق المرأة، يريدون الطعن بمصداقية القرآن ككتاب سماوي، ومنبع للتشريع الإسلامي، ويحاولون الإيحاء بتخلف هذا الكتاب المقدس، وعدم مسايرته لروح العصر! ولأجل الرّد على تلك المزاعم التي تظهر عند التمعن والتحقيق أوهن من بيت العنكبوت، لابدَّ من الرجوع إلى القرآن واستنطاقه، وإلى العترة الطاهرة الذين هم عِدل القران وتراجمة الوحي، وسوف نجد ـ بما لا يدع مجالاً للشك ـ بأن القرآن قد منح المرأة مكانتها الإنسانية، إذ كانت النظرة إليها تتسم بالضعة والهوان. فالديانات غير السماوية القديمة كانت تعتبر المرأة مخلوقة من طبيعة وضيعة! أما الرجل فقد خلق من عنصر مكرم! حتى إن البعض قد ذهب أبعد من ذلك عندما ادّعى بأن المرأة خلقت من رجس، وان إله الشر هو الخالق لها!

١٠٦

وكان عرب الجاهلية، يبالغون في النيل من المرأة والحطّ من شأنها حتى جعلوها حيواناً خلق على صورتهم ليخدمهم ويلبّي رغباتهم الجنسية.

وحدة التكوين والمسؤولية: -

لقد دحض القرآن الحكيم هذه العقائد العارية عن الصحة، وأقر بأنَّ طبيعة التكوين وأصل الخلقة بين الرّجل والمرأة واحد، فلم يخلق الرجل من جوهر مكرم، ولا المرأة من جوهر وضيع، بل خلقهما الله من عنصر واحد وهو التراب ومن نفس واحدة. يقول تعالى: (يا أيُّها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء) (النساء ٤: ١). وبذلك ارتقى بالمرأة، عندما جعلها مثل الرّجل تماماً من جهة الطبيعة التكوينية، ووفَّر لها من خلال ذلك حق الكرامة الإنسانية.

ثم إنّ القرآن وحَّد بين الرّجل والمرأة في تحمّل المسؤوليّة، فقال عزّ من قائل: (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبة.) (النحل ١٦: ٩٧)، على أنّ التساوي بينهما في أصل الخلقة والكرامة والمسؤوليّة، لا يعني بتاتاً إنكار الاختلاف الفطري والطبيعي الموجود بينهما، والذي يؤدي إلى الاختلاف في الحقوق والواجبات. فميزان العدالة السليم هو التسوية بين المرء وواجباته، وليس التسوية في الحقوق والواجبات بين جنسين مختلفين تكويناً وطبعاً.

ومن هذا المنطلق، فليس التفضيل في الإرث اختلالاً في العدالة، بل 

١٠٧


هو عين العدالة، فالرّجل عليه الصّداق منذ بداية العلقة الزوجية، وعليه النفقة إلى النهاية!

من جانب آخر لا يريد القرآن تحديد حريّة المرأة ومكانتها من خلال فرض الحجاب. بل أراد صيانتها بالحجاب دون تقييدها، مع الإيحاء باحترام المرأة لدى نفسها ولدى الآخرين، إذ أراد لها، أن تخرج في المجتمع ـ إذا خرجت ـ غير مثيرة للغرائز الكامنة في نفوس الرجال، فتكون محافظة على نفسها، وغير مضرّة بالآخرين.

كما أقرّ القرآن للمرأة بحق الاعتقاد والعمل وفق ضوابط محددة ومنح المرأة الحقوق المدنية كاملة، فلها حق التملك، ولها أن تهب أو ترهن أو تبيع وما إلى ذلك، كما منحها حق التعليم، فوصلت إلى مراتب علمية عالية، وأشاد بنزعة التحرر لدى المرأة من الظلم والطغيان، وضرب لذلك مثلاً في امرأة فرعون (آسية) التي ظلت على الرغم من الأجواء الضاغطة، محافظةً على عقيدة التوحيد، التي آمنت بها، فأصبحت مثلاً يُحتذى. (وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت ربي ابنِ لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين) (التحريم ٦٦: ١١). إنه موقف صارم لا هوادة فيه، ويختلف عن موقف مؤمن آل فرعون الذي وقف بوجه فرعون هو الآخر ولكن بلباقة!

وهكذا يكشف لنا القرآن عن مقدار الصلابة التي يمكن أن تكتسبها المرأة، إذا امتلكت الإيمان والرؤية السليمة، ويحدث العكس من ذلك لو حادت عن طريق الهداية كامرأة نوح عليه السلام، فسوف تغدو أسيرة لعواطفها وأهوائها، تحركها أينما شاءت، فتكون كالريشة في مهب الريح.

١٠٨

وكانت قضية المرأة وحقوقها كزوجة أو أم مثار اهتمام السّنُة النبوية الشريفة، يقول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم «مازال جبرئيل يوصيني بالمرأة، حتّى ظننت أنّه لا ينبغي طلاقها إلاّ من فاحشةٍ مبينة» (١). ثم يحدد ثلاثة حقوق أساسية للمرأة على زوجها وهي: -
  • توفير القوت لها.
  • توفير اللباس اللائق بها.
  • حسن المعاشرة معها.
وفي ذلك يقول الحديث الشريف: «حقّ المرأة على زوجها: أن يسدّ جوعها، وأن يستر عورتها، ولا يقبّح لها وجهاً» (٢).

فالحديث أعلاه لا يقصر حق الزوجة على الأمور المادية الضرورية من طعام وكساء، بل يُقرن ذلك بحق معنوي، هو ألا يقبّح لها وجهاً، بتعبير آخر أن يحسن معاشرتها، لا سيما وأنها زميلته في الحياة، وشريكته في العيش، ومن الخطأ أن يتعامل معها باعتبارها آلة للمتعة، أو وسيلة للخدمة، فيعاملها بطريقة إصدار الأوامر. وهناك توجهات نبوية تحثُّ على التعامل الإنساني مع الزوجة وحتى استشارتها، وإن لم يُردْ الزوج أنْ يأخذ برأيها في ذلك المورد، لأن استشارة الزوج لزوجته، إجراء حوار مستمر معها، وهذا ممّا يندب إليه العقل والشرع.

إذن لها حق معنوي مكمل لحقوقها المادية، وهو حق الاحترام
_________________
(١) بحار الأنوار ١٠٣ : ٢٥٣.
(٢) بحار الأنوار ١٠٣ : ٢٥٤.

١٠٩

والتقدير المخلص، وانتقاء تعابير مهذبة لائقة عند التخاطب معها، تشيع أجواء الطمأنينة، وتوقد شمعة المحبة، يقول الرّسول صلى الله عليه وآله وسلم: «قول الرّجل للمرأة: إنّي احبّك، لا يذهب من قلبها أبداً» (١)، ويؤكد الإمام علي بن الحسين عليه السلام الحقوق آنفة الذكر، بعد أن يُذكّر الزّوج بنعمة السكن والأنس التي توفرها الحياة الزوجية، مشيراً إلى حقوقها المعنوية: كحق الإكرام، والرّحمة، والعفو عنها عند الخطأ والزَّلل الذي يحدث ـ في كثير من الأحيان ـ نتيجة الجهل، فيقول عليه السلام: «وأما حق زوجتك، فأن تعلم أن الله عزّ وجل جعلها لك سكناً وأنساً ، فتعلم أنّ ذلك نعمة من الله عزّ وجل عليك، فتكرمها، وترفق بها، وإن كان حقك عليها أوجب، فإن لها عليك أنْ ترحمها، لأنها أسيرتك، وتطعمها وتكسوها، وإذا جهلت عفوت عنها» (٢).

فإكرام الزوجة، والرّحمة بها، والعفو عن زلاتها العادية، هي الضمان الوحيد والطريق الأمثل لاستمرار العلقة الزوجية، وبدون مراعاة هذه الأمور يصبح البناء الأسري هشاً كالبناء على الرّمل. فقد ثبت أن أكثر حوادث الطلاق تحصل من أسباب تافهة.

لقد فصل أحد القضاة في أربعين ألف قضية خلاف زوجي، وبعدها قال هذه الجملة: (أنك لتجد التوافه ـ دائماً ـ في قرارة كل شقاء زوجي). فلو تحلى الزّوجان بالصبر، وغضا النظر عن بعض الأخطاء التي تحصل من غير عمد، لاَمكن صيانة العش الزّوجي من الانهيار.
__________________
(١) وسائل الشيعة ١٤ : ١٠ / ٩ باب ٢ من أبواب مقدمات النكاح وآدابه.
(٢) وسائل الشيعة ٦ : ١٣٤.

١١٠

ويتطرق الإمام زين العابدين عليه السلام في رسالة الحقوق لحق الزوجة، ويلقي أضواءً إضافية على حقها المعنوي المتمثل بالرّحمة والمؤانسة فيقول: «وأما حق رعيتك بملك النكاح، فان تعلم أن الله جعلها سكناً ومستراحاً وأنسا وواقية، وكذلك كلّ واحد منكما يجب أن يحمد الله على صاحبه. ويعلم أن ذلك نعمة منه عليه، ووجب أن يحسن صحبة نعمة الله ويكرمها ويرفق بها، وإن كان حقك عليها أغلظ وطاعتك بها ألزم، فيما أحببت وكرهت ما لم تكن معصية فان لها حق الرّحمة والمؤانسة ولا قوة إلاّ بالله» (١).

والتمعن في هذه السطور يظهر لنا أن الرابطة الزوجية هي نعمة كبرى تستحق الشكر اللفظي، بان يحمد الله تعالى عليها، وتستوجب الشكر العملي، بأن يكرم زوجته، ويرفق بها، ويعاملها باللّطف والرّحمة، ويعقد معها صداقة حقيقية، كما يعقد أواصر الصداقة مع الآخرين، أما لو تصرف معها بالعنف، وأحصى عليها كل شاردة وواردة، فسوف يقطع شرايين الودّ والمحبة معها، ويكون كسكين حادة تقطع رباط الزوجية المقدس.

ولقد بيّن الإمام الصادق عليه السلام بكلِّ وضوح السياسة التي يجب على الزّوج اتباعها، لاستمالة زوجته، وعدم قطع حبال الودّ معها، فقال: «لا غنى بالزّوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته، وهي: الموافقة؛ ليجتلب بها موافقتها ومحبّتها وهواها، وحُسن خلقه معها. واستعماله
__________________
(١) ميزان الحكمة ١ : ١٥٧.

١١١

استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها. وتوسعته عليها» (١).

على أن أشد ما يسترعي الانتباه: إن هذه الأقوال، ليست ـ مجرّد ـ كلمات تنشر في الهواء، يطلقها الأئمة عليهم السلام من أجل الموعظة، بل جسّدها أهل بيت العصمة بحذافيرها على صعيد الواقع، فلا توجد إشكالية انفصام في سلوك أهل البيت عليهم السلام بين الوعي والواقع، ومن الشواهد الدالة على ذلك، يروي الحسن بن الجهم قال: رأيت أبا الحسن عليه السلام اختضب فقلتُ: جعلت فداك اختضبت؟ فقال: «نعم، إنّ التهيّة ممّا يزيد في عفّة النّساء، ولقد ترك النّساء العفّة بترك أزواجهنّ التهيّة ... أيسرّك أن تراها على ما تراك عليه إذا كنت على غير تهيّة»؟ قلتُ: لا، قال: «فهو ذاك» (٢).

فالإمام عليه السلام يدرك أنّ الاستمالة تشكل النقطة المركزية في الحياة المشتركة لكلا الزوجين؛ لذلك يراعي حق الزوجة، ويسعى إلى استمالة قلبها من خلال التهيّة، ولأن عدم التوافق في هذا الجانب، يعتبر من الأسباب الأساسية في الإخفاق في الزَّواج. صحيح أنّ الزّواج في الإسلام ليس هو إشباع شهوة الجنس. فالجنس مجرّد وسيلة لهدفية الزّواج، المتمثلة بضرورة خلق جيل صالح تستمر فيه الحياة الإنسانية.

ولا يعني ذلك التقصير بحق الزّوجة في المتعة الجنسية بالمقدار المتعارف، واعطائها إياه بما يُشبغ رغبتها ويروي نهمها ويلين فرجها ويدر حليبها من ثدييها الى فمه، فلا يجوّز الشرع هجرها أكثر من أربعة أشهر.
_________________
(١) بحار الانوار ٧٨ : ٢٣٧ ، تحف العقول : ٢٣٨.
(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ١٨٣ / ١ باب ١٤١ من أبواب مقدمات النكاح وآدابه.

١١٢

المبحث الثاني


حقوق الزّوج


لكي تسير سفينة الزواج إلى شاطئ الأمان، لابدّ من إعطاء قائد هذه السفينة حقوقه كاملة، ولعل أوّل حق منحه الله تعالى للزوج، هو حق القيمومة، يقول تعالى: (الرجال قوّامون على النساء بما فضَّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) (النساء ٤: ٣٤)، فحق القوامة استمدّه الرجل من تفوقه التكويني على المرأة، وأيضاً من تحمله لتكاليف المعيشة الشاقة. ولكن قيمومة الرّجل لا تبيح له التسلط والخروج عن دائرة المسؤولية إلى دائرة التحكم والتعامل القسري مع الزوجة؛ لأن ذلك يتصادم مع حق المرأة في المعاشرة الحسنة، الذي أشار إليه القرآن صراحةً: (وعاشروهن بالمعروف) (النساء ٤: ١٩).

لا شك أنّ الإسلام قد طلب من الزّوجة الانقياد للزوج في كل ما يرتضيه العقل والشرع، وبدون ذلك لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. فالإسلام لا يرتضي أن تستخدم هذه القيمومة وسيلة لإذلال المرأة، أو الانتقاص من مكانتها. صحيح أنّ أعظم النّاس حقاً على المرأة زوجها، ولكن هذا الحق يجب أنْ لا يُساء تفسيره وتطبيقه بما يؤدي إلى إذلال الزَّوجة.

ومن أهم ما يجب الإشارة له في موضوع القيمومة تربية الأولاد التي لابد وأن لا يتخللها إزدواجية المعايير بتدخل الزوجة في توجيه الأبناء بعكس ما يقوم به الزوج لأن ذلك يؤدي لتشتت الأبناء وعدم إنصياعهم. بل يجب على الزوجة حث الأولاد على طاعة والدهم وزوجها وإظهار عدم رضاها منهم عند عدم رضا والدهم وزوجها من أمر ما، بل ويُفترض منها أن لا تقبل منهم حتى يرضى زوجها منهم؛ وهو من أهم ما يجب على الزوجة الإنتباه له. أما عند عدم التقيد بهذه القاعدة فهو بمثابة من يهدم تربية أبنائه واسرته بنفسه.

١١٣

إنّ المرأة ريحانة، وعليه فهي رقيقة، تنقصها الصّلابة، والحزم والإرادة؛ لذا تحتاج إلى سياج يصد عنها رياح السّموم؛ كيما تذبل هذه الريحانة وتذهب نضارتها وهي في أوان عطرها الفوّاح، والسياج هو الرّجل يمتلك القوة والإرادة والاستعداد للتضحية.

ومن حقوق الزوج الأخرى، أن تمكنه الزّوجة من نفسها، كلما أراد ذلك ومن خلال اقترابها المستمر منه أثناء المنام والتذلل له وإبداء محاسنها له ومداعبته وملامسة محاسنه والتهيأ له بأي شكل أراد لتشعره بجهوزيتها على النحو الذي لا يشعره بحاجته لطرف آخر (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ) (البقرة ١: ٣٣٢)، لا أنْ تكون بعيدة عنه بما يفوق الأيام، ماعدا الحالات الاستثنائية الطبيعية التي تمر بها بنات حوّاء، فالرجل وإن لم يتكلم إلا أنه بفطرته يحتاج للمعاشرة بمعدل مرتين في الأسبوع كما يذكر أهل الإختصاص. يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: «... إنّ من خَيْر [نسائكم] الولود الودود، والسّتيرة [العفيفة]، العزيزة في أهلها، الذليلة مع بعلها، الحصان مع غيره، التي تسمع له وتطيع أمره، إذا خلا بها بذلت ما أراد منها» (١). ويقول أيضاً: «خير نسائكم التي إذا دخلت مع زوجها خلعت درع الحياء» (٢)، وهناك أحاديث أُخر تحذّر المرأة من الابتعاد عن فراش الزوجية، حتى لا تبرر له البحث عن غيرها، وأنها سوف تدان في الحياة الدنيوية، وتلعنها الملائكة حتى تعود إلى زوجها.

ثم إن عليها أن تتقرب إلى الله بإطعامه وتقديم الشراب له. وفيما رُوي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «وأيما امرأةٍ ناولت زوجها شربةً من ماءٍ فكأنما أعتقت رقبةً، وسقاها الله من الكوثر سبعين شربةً قبل أن تدخل الجنة، وألبسها حلةً من حلل الجنة».

وأنه قال صلى الله عليه وآله وسلم: «وأيما امرأةٍ وضعت مائدةً بين يدي زوجها كتب الله لها بذلك عبادة سنةٍ، وكتب لها بكل رغيفٍ وضعته بين يدي زوجها عشر حسناتٍ، ورفع لها عشر درجاتٍ، ووضع على رأسها تاجًا من نورٍ مكلل بالدر والياقوت». فكيف إذا تركته جائعًا وقصرت في طعامه وأسائت في خدمته. بل أن كل من يقول بعدم وجوب خدمة الزوج قد التبس عليه الأمر لأنه لم يراعي العرف العام في حتمية العلاقة بين الزوجة والزوج؛ فإذا لم تطعمه وتسقيه هي، فمن ذا الذي يقوم بهذا الأمر؟

ثم إن عليها أن تحترم زوجها، وأن تُسهم بدورها في عقد المودة والمحبة معه، يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرتُ المرأة أن تسجد لزوجها» (٣).

وانطلاقاً من هذا التوجه النبوي، يتوجب على الزوجة، أن تكون لطيفة
_________________
(١) مستدرك الوسائل ١٤ : ١٦١ / ١٠ باب ٥ من أبواب مقدمات النكاح ، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث ، وما بين المعقوفات من مصدره ، والمراد بالذليلة ، أي : المطيعة ، وبالحصان : العفيفة كما في لسان العرب ١٣ : ١٢٠ ( حصن ).
(٢) مستدرك الوسائل ١٤ : ١٦٠ / ٦ باب ٥ من أبواب مقدمات النكاح.
(٣) وسائل الشيعة ١٤ : ١١٥ / ١ باب ٨١ من أبواب مقدمات النكاح.

١١٤

المعشر مع الزوج، تخاطبه بعبارات تدخل السرور على قلبه والبهجة في جنانه، خصوصاً عندما يعود من العمل، خائر القوى، مرهق الأعصاب. فعليها أن تستقبله والبشر يطفح على وجهها، وتعرض خدماتها عليه، وبذلك تنال رضاه. «وطوبى لامرأة رضي عنها زوجها» (١). ـ كما يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ وحول هذا الأمر يقول الإمام الباقر عليه السلام: «لا شفيع للمرأة أنجح عند ربّها من رضا زوجها، ولمّا ماتت فاطمة عليها السلام قام عليها أمير المؤمنين عليه السلام وقال: اللّهم إنّي راض عن ابنة نبيّك، اللّهم انّها قد أُوحشت، فَأْنِسها.» (٢).

اتّضح مما سبق أن للزوج: حق القيمومة، وحق التمكين أو الاستمتاع، وفوق هذا وذاك لما سُلِّمت اليه دفة قيادة الأسرة توجب له حق الطاعة في الحدود المشروعة ومن مصاديق ذلك، ليس للزوجة أنْ تخرج من بيتها بدون إذن زوجها، وورد في الحديث: «... ولا تخرج من بيته إلاّ بأذنه، فان فعلت لعنتها ملائكة السماوات، وملائكة الأرض، وملائكة الرضا، وملائكة الغضب ...» (٣).

إنَّ المرأة كنز ثمين يجب الحفاظ عليه في مكان أمين، والبيت هو المكان الذي يصون المرأة. لذا يخاطب القرآن النساء بقوله: (وقرن في بيوتكنَّ ولا تبرَّجن تبُّرج الجاهلية الأولى) (الأحزاب ٣٣: ٣٣).

وهناك حقوق أُخرى للزوج منها: الحفاظ على كرامته، وصون أمواله
__________________
(١) بحار الانوار ١٠٣ : ١٤٦.
(٢) بحار الانوار ١٠٣ : ٢٥٧.
(٣) مستدرك الوسائل ١٤ : ٢٣٧ / ١ باب ٦٠ من أبواب مقدمات النكاح.

١١٥

في غيابه، وعدم كشف أسراره، ولا يجوز لها أنْ تتحدث عنه بما يُسئ له أمام الآخرين ولو كانوا أهلها ومن فعلت فقد ارتكبت أثمًا كبيرًا وظلمته، وأن من أخطر العوامل الهادمة للبيوت كشف أسرار الأسرة خارج حدود الأسرة نفسها، وليس لها أن تصوم - تطوعاً - إلاّ بإذنه.

وعلى العموم تحتاج الحياة الزوجية ـ لكي تستمر ـ إلى الرّضا، والاحترام المتبادل، وإسداء الخدمة. كما تحتاج الزّهور ـ لكي تبقى متفتحة ـ إلى النور، والهواء، والماء.

وتجدر الإشارة إلى أن الالتزام بالحقوق المتبادلة للزوجين إضافة إلى كونه مسقطاً للواجب، يترتب عليه ثواب عظيم، والعكس هو الصحيح (١) ومن حسُن برّهها بأهلها زاد الله في عمرها (٢). وبالمقابل: «أيّما امرأة خدمت زوجها سبعة أيام اغلق الله عنها سبعة أبواب النار، وفتح لها ثمانية أبواب الجنة تدخل من أيّها شاءت» (٣). «وأيّما امرأة رفعت من بيت زوجها شيئاً من موضع إلى موضع تريد به صلاحاً، إلاّ نظر الله اليها، ومن نظر الله إليه لم يعذبه» (٤).

وهنا يبدو من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن ضمانات الإلزام بالحقوق في القوانين الإلهية هي أكثر من مثيلاتها في القوانين الوضعية. لماذا؟ لأن الإنسان في القانون الوضعي يتمكن من التملّص والالتفاف على الحقوق المترتبة عليه من خلال وسائل الحيلة، والرشوة، والتهديد، والإكراه وما
________________
(١) بحار الانوار ١٠٣ : ٢٢٥.
(٢) من حديث للإمام الصادق ٧ في بحار الانوار ١٠٣ : ٢٢٥.
(٣) من حديث للإمام علي ٧ في وسائل الشيعة ١٤ : ١٢٣ / ٢ باب ٨٩ من أبواب مقدمات النكاح.
(٤) من حديث للإمام الصادق ٧ في بحار الانوار ١٠٣ : ٢٥١.

١١٦

شابه ذلك.

أما في القوانين الإلهية، فإضافة لوسائل الإلزام والتنفيذ الخارجية ـ من شَرَطَة ومحاكم ـ توجد عوامل إلزام وضبط داخلية، متمثلة في الخشية والخوف من عقاب الله تعالى وسخطه ووعيده الاخروي. فالإنسان المسلم يسعى لكسب رضا الله تعالى من خلال أداء حقه أداء حقوق الآخرين، والقرآن يرى أنّ ظُلم الإنسان للآخرين هو ظلم يقع على نفسه في نهاية الأمر: (ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه.) (البقرة ٢: ٢٣١).

فالوازع الديني يصبح أداة كبح كبرى لكل نزعة شيطانية تريد التنصل من الحقوق والالتزامات. أما الإنسان الوضعي فليس لديه من عوامل الكبح والضبط الداخلية إلاّ الوجدان والأخلاق اللذين كثيراً ما ينحرفان عن جادة الصواب لمختلف الأسباب، فتنقلب المقاييس لديه فيصبح المنكر معروفاً، والمعروف منكراً!

زد على ذلك وجود ترابط وثيق في الإسلام بين البعد الاجتماعي والبعد العبادي، فكل إخلال في البعد الأول ـ من خلال عدم الالتزام بحقوق الآخرين ـ سوف ينعكس سلباً على الجانب العبادي وهذا ما أوضحه الحديث النبوي الشريف: «من كان له امرأة تؤذيه، لم يقبل الله صلاتها، ولا حسنة من عملها حتّى تعينه وترضيه وإن صامت الدّهر» (١).
_________________
(١) وسائل الشيعة ـ ١٤ : ١١٦ / ١ باب ٨٢ من أبواب مقدمات النكاح.

١١٧

وقد اتضح من جميع ما تقدم أن للزوجين حقوقاً متبادلة يترك الإخلال بها آثاراً تدميرية على كيان الأسرة، وبالمقابل يؤدي الالتزام بها إلى خلق وحدة اجتماعية متلاحمة. 

بل أن ما يجب معرفته هو أن الذي ذكرناه يقع في نطاق الحقوق الشرعية، وأما خارج هذا النطاق فهو منوط بمدى حبهما وترابطهما واحترامهما المتبادل، لأنه سيعني الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك في بكثير في موضوع تفاني كل واحد منهما تجاه الآخر.

0 comments:

Post a Comment