Thursday 3 August 2017
August 03, 2017

بدائل السُكَّر المُحلِّية.. أمنة أم لا؟


تُفضي نتائج بعض الدراسات إلى أنَّ بدائل السُكَّر المُحلِّية (التي من أهمها: أسبرتام المصنوع من الحوامض الأمينية كحامض الأسبارتيك ومادة الفينيلالاناين والذي مذاقه أكثر حلاوة من السُكَّر الصناعي بـ 200 مرة تقريبًا ولكن بسعرات حرارية أقل منه بكثير والذي يعدُّ الأشهر سمعةً والأكثر استحواذًا على العناوين الجدلية والمخاوف الصحية في هذا الشأن، ونبتة ستيفيا الخالية من السعرات الحرارية والتي مذاقها أكثر حلاوة من السُكَّر الصناعي بـ 300 مرة تقريبًا، وسُكَّرين، وأساسلفيت، وسيكلميز، وساكرالوز (أو سبليندا) المُنشِّط لمستقبلات المذاق الحلو في الفم، وغيرها من مُحلِّيات مُتعدِّدة الأسماء والمصادر والتركيبات البيوكيماوية وميكانيكيات العمل التي لا يسع المجال لتغطيتها بالكامل في هذا الشرح المبني على الاختصار) والتي قد تصل حلاوة بعضها إلى ألاف المرات هي مواد في مُجملها قد تؤدِّي - كما تُشير إليه بعض الدراسات - إلى اختلال تحمُّل الجلوكوز من خلال تغييرها لتركيبة وطبيعية البكتيريا الموجودة في الأمعاء؛ وهو ما يعني أنَّها قد تُمهِّد - بهذه الطريقة - للإصابة بسُكَّري البالغين من النوع الثاني (اعتمادًا على إشارة نفس هذه الدراسات).

وهنا يجب أنْ نلتفت إلى أنْ هذه الإشارة هي إشارة عامة وتتراوح في حدتها بين هذه البدائل المُختلفة.

إذًا، هذا كُلُه على حد إفاضة باحثوا هذه الدراسات التي فتحت الباب على مصراعيه عند بقية الباحثين من أجل تأكيد أو نفي ما تم طرحه من مخاوف في هذه الدائرة المعرفية (علمًا بأنَّ هناك دراسات أُخرى أُجريت في هذا المجال لم تتوصَّل لتأكيد وجود أي علاقة تُذكر بين كل من الإصابة بالسُكَّري من النوع الثاني وتناول هذه المُحلِّيات). وبالمناسبة، لابد من الالتفات مرة ثانية إلى أنَّ هذه البدائل لها تركيبات كيميائية مُختلفة وعملها في الجسم البشري غير مُتشابه.

ويجدر أنْ أذكر لكم هنا بأنَّ الذي كان مُتفق عليه في العقود السابقة (أي قبل إثارة أي مخاوف بشأن هذه البدائل) هو أنَّها آمنة لجميع الفئات، شريطة أنْ تكون في نطاق ما هو منصوص عليه من جرعات يومية تُقدَّر بحدود 40 ملغم لكل كغم من وزن الجسم يومياً (اعتمادًا على الدراسة التي أجرتها الهيئة الأوروبية لسلامة الغذاء)، حيث أنَّ هذه الجرعة قد تختلف مع اختلاف نوع المادة المُحلِّية.

ولقد استحوذت هذه البدائل على سمعة عالية في بداياتها، حتى أنَّ الكثير من شركات المشروبات الغازية الضارة بدأت تنتج صيغ رديفة خالية من السُكَّر ضمن قائمة مشروباتها تحتوي على بعض من هذه المواد أسمتها "دايت" من أجل جذب الزبائن الذين لا يُناسبهم السُكَّر الصناعي ذو السعرات الحرارية. إلَّا أنَّ إثارة المخاوف المُتعدِّدة حول هذه البدائل جعل الكثير من الناس لا يشعرون بنفس الطُمأنينة التي كانت سائدة عندهم في الماضي عند تناولهم لمشروبات الـ "دايت" الغازية التي ضررها - على كل حال - لا ينحصر في وجود السُكَّر فقط.

وهُنا أُبيِّن بأنَّ الميزة التي تتمتّع بها هذه البدائل ألَّا وهي انخفاض أو انعدام السعرات الحرارية فيها من جانب وارتفاع نسبة حلاوتها إلى مُعدَّلات عالية جدًا من جانب آخر جعلت منها قيمة لِمَن يسعون لتقليل استهلاكهم للسُكَّريات الصناعية. إلَّا أنَّ الجدل العلمي الإكلينيكي المطروح في هيئته التنظِّيرية حولها في الدوائر البحثية بدأ يتوسّع ويخرُج من دائرة تأثيره فقط على تركيبة الميكروبات المعوية في الجهاز الهضمي والعبث بتوازنه (وهو عنوان مقلق على المستوى الصحي في حال تم توثيقه بالدليل القاطع) إلى دوائر أوسع بعضها جدليٌ ويتدخل مع بعض المسميات الصحية العويصة (التي لا داعي للحديث عنها هنا كي لا يتوسع النقاش)، ومنها ما هو متداخل مع أصل الحركة الأيضية للسكر والاستفادة خلويا منه كالدائرة التي أخذ النقاش يُلامس فيها حقيقة علاقة حلاوتها العالية بموضوع قدرتها على تحفيز إفراز كميات كبيرة من الأنسولين كما أشار له بعض الباحثين الذين أبقوه ضمن المخاوف الواجب التنبُّه لها (وهي نقطة في غاية الأهمية، على حد قولهم)؛ ولقد أرفقتُ مجموعة من الدراسات التي تدور في فلك هذا الطرح في نهاية هذه المراجعة. وهو ما يعني في حال تم إثباته: زيادة الضغط على العضو المسؤول عن هذا الإفراز ألا وهو البنكرياس. وهُنا لابد من أنْ أؤكِّد بأنَّ هذا الطرح هو ما أفضت له بعض الدراسات الإكلينيكية، ولم يتم دعمها - على نطاق واسع - حتى الآن بواسطة بقية الدراسات الإكلينيكية المُعمَّقة؛ فلاحظ. بل أنَّه في حال تأكَّد تأثير بعض هذه البدائل على إفراز الأنسولين، فإنَّ هذا لن يعني تعميم هذا الطرح على كل البدائل؛ وعلى افتراض تعميمه عليها كُلُّها فإنَّه لن يعني - حينها أيضًا - تساوي هذا التأثير بينها كُلُّها، ولكنه سيبقى ضمن أحد العناوين المُقلقة وغير المُريحة لِمَن يعتمد على مثل هذه البدائل.

وفي الجانب الآخر، أذكر لكم أنَّه في حال تم تأكِّيد ما جاء في الفقرة السابقة (وهو الحال الذي يعكف على دراسته بعض الباحثين)، فإنَّه سيعني أنَّ عدم احتوائها على سعرات حرارية لن يُغني ولن يُسمن من جوع (أي أنَّ السؤال سيكون حينها هو: ما الفائدة من انعدام سعراتها الحرارية في ظل عملها على احداث اضطراب صحي أخر مرتبط بإفراز الانسولين). 

ليس هذا فحسب، بل أنَّ بعضهم يُناقش موضوع: عجز هذه المواد البديلة عن وضع حدٍ لارتفاع مُعدَّل السمنة عند من يعتمدون عليها. أي أنَّ زيادة الوزن عند من يتناولونها (أو لا أقلها عدم تغيِّره) يجعلهم يطرحون الأسئلة الحرجة الآنفة الذكر. بل أنَّ هناك من يُناقش موضوع قدرة هذه البدائل على فتح شهية الشخص - الذي يتناولها - على أكل أغذية بحجم أكبر أو تأثيرها سلبًا على بعض أنظمته الغذائية الصحية، وهو ما يعني زيادة السعرات الحرارية بشكل غير مباشر، ومنه إلى زيادة الوزن.

وبحسب دراسة موسَّعة أخيرة تم نشرها في تموز عام 2017 (موجودة في المرفقات) أفادتْ بأنَّ المُحليِّات كفيلة بالتسبُّب بِمخاطر مُحتملة على القلب والشرايين. ليس هذا فحسب، بل وأنَّها دعمت موضوع أنَّها تزيد الوزن. وهذا الأمر قد ينطبق على بعضها وليس كلها، علمًا بأنَّ إقرار هذا العنوان بصورته الجزمية يحتاج لتوسيع دائرة البحث والدراسة.

إلَّا أنَّي أقول أيضًا: بأنَّ الدراسات البحثية الاكلينيكية التفصيلية الداعمة مطلوبة، دون أنْ نلغي طبيعة المخاوف الواقعة تحت مظلتها (أي حتى يزداد وضوح الخيط الأبيض من الخيط الأسود). 

أمَّا على مستوى توجيهي الشخصي ومن واقع اطلاعي على الكثير من النشرات الداخلة في إطار نفس هذه الدائرة المعرفية، فإنَّي دائمًا ما أقول لكل من يسألني عن البدائل المُحلِّية: بأنَّ الرغبة في تناول الأطعمة والمشروبات الحلوة هو مسألة تعوُّد، وأنَّ وضع حدود لهذه الرغبة من خلال الاستغناء عن السُكَّر بجميع أنواعه (صناعي أو بديل مُحلِّي) وعدم الاعتماد عليه هو مسألة تعوُّد أيضًا. لذا، فإنَّ من يستطيع البدء في تعويد نفسه على تناول أطعمته ومشروباته بدون كل هذه السُكَّريات الصناعية والبدائل المُحلِّية وارتكازه فقط على كل ما هو طبيعي من أغذية في حدود مذاقها الأصلي سيكون - بما لا شك فيه - هو الأمر الأفضل والمنصوح به.

دراسات بحثية تدعم ما جاء في هذه المُراجعة: -


1. Meghan B. Azad, Ahmed M. Abou-Setta, Bhupendrasinh F. Chauhan, Rasheda Rabbani, Justin Lys, Leslie Copstein, Amrinder Mann, Maya M. Jeyaraman, Ashleigh E. Reid, Michelle Fiander, Dylan S. MacKay, Jon McGavock, Brandy Wicklow and Ryan Zarychanski. Nonnutritive sweeteners and cardiometabolic health: a systematic review and meta-analysis of randomized controlled trials and prospective cohort studies. CMAJ July 17, 2017 189 (28) E929-E939; DOI: https://doi.org/10.1503/cmaj.161390

2. Kirtida R. Tandel. Sugar substitutes: Health controversy over perceived benefits. J Pharmacol Pharmacother. 2011 Oct-Dec; 2(4): 236–243.

3. Chattopadhyay S, Raychaudhuri U, Chakraborty R. Artificial sweeteners - a review. J Food Sci Technol. 2014 Apr; 51(4):611-21.

4. Bär A, Biermann C. Intake of intense sweeteners in Germany. Z Ernahrungswiss. 1992 Mar; 31(1):25-39.

5. Renwick AG. The intake of intense sweeteners - an update review. Food Addit Contam. 2006 Apr; 23(4):327-38.

6. Qurrat-ul-Ain, Khan SA. Artificial sweeteners: safe or unsafe? J Pak Med Assoc. 2015 Feb; 65(2):225-7.

7. Subedi B, Kannan K. Fate of artificial sweeteners in wastewater treatment plants in New York State, U.S.A. Environ Sci Technol. 2014 Dec 2;48(23):13668-74.

8. Lange FT, Scheurer M, Brauch HJ. Artificial sweeteners--a recently recognized class of emerging environmental contaminants: a review. Anal Bioanal Chem. 2012 Jul; 403(9):2503-18.

9. Artificial sweeteners: no calories...sweet! FDA Consum. 2006 Jul-Aug; 40(4):27-8.

10. Feijó Fde M, Ballard CR, Foletto KC, Batista BA, Neves AM, Ribeiro MF, Bertoluci MC. Saccharin and aspartame, compared with sucrose, induce greater weight gain in adult Wistar rats, at similar total caloric intake levels. Appetite. 2013 Jan; 60(1):203-7.

11. Foletto KC, Melo Batista BA, Neves AM, de Matos Feijó F, Ballard CR, Marques Ribeiro MF, Bertoluci MC. Sweet taste of saccharin induces weight gain without increasing caloric intake, not related to insulin-resistance in Wistar rats. Appetite. 2016 Jan 1; 96:604-10.

12. Glendinning JI. Do low-calorie sweeteners promote weight gain in rodents? Physiol Behav. 2016 Oct 1; 164(Pt B):509-13.

دراسات بحثية تدور في فلك علاقة المُحلِّيات باحتمالية زيادة الإنسولين في الدم: -


13. Liang Y, Steinbach G, Maier V, Pfeiffer EF. The effect of artificial sweetener on insulin secretion. 1. The effect of acesulfame K on insulin secretion in the rat (studies in vivo). Horm Metab Res. 1987 Jun;19(6):233-8.

14. Liang Y, Maier V, Steinbach G, Lalić L, Pfeiffer EF. The effect of artificial sweetener on insulin secretion. II. Stimulation of insulin release from isolated rat islets by Acesulfame K (in vitro experiments). Horm Metab Res. 1987 Jul;19(7):285-9.

15. Liang Y, Steinbach G, Maier V, Pfeiffer EF. The effect of artificial sweetener on insulin secretion. 1. The effect of acesulfame K on insulin secretion in the rat (studies in vivo). Horm Metab Res. 1987 Jun;19(6):233-8.

16. Just T, Pau HW, Engel U, Hummel T. Cephalic phase insulin release in healthy humans after taste stimulation? Appetite. 2008 Nov;51(3):622-7. doi: 10.1016/j.appet.2008.04.271. Epub 2008 May 10.

17. Anton SD, Martin CK, Han H, Coulon S, Cefalu WT, Geiselman P, Williamson DA. Effects of stevia, aspartame, and sucrose on food intake, satiety, and postprandial glucose and insulin levels. Appetite. 2010 Aug;55(1):37-43. doi: 10.1016/j.appet.2010.03.009. Epub 2010 Mar 18.

18. Carlson HE, Shah JH. Aspartame and its constituent amino acids: effects on prolactin, cortisol, growth hormone, insulin, and glucose in normal humans. Am J Clin Nutr. 1989 Mar;49(3):427-32.

19. Pepino MY, Tiemann CD, Patterson BW, Wice BM, Klein S. Sucralose affects glycemic and hormonal responses to an oral glucose load. Diabetes Care. 2013 Sep;36(9):2530-5. doi: 10.2337/dc12-2221. Epub 2013 Apr 30.

20. Suez J, Korem T, Zeevi D, Zilberman-Schapira G, Thaiss CA, Maza O, Israeli D, Zmora N, Gilad S, Weinberger A, Kuperman Y, Harmelin A, Kolodkin-Gal I, Shapiro H, Halpern Z, Segal E, Elinav E. Artificial sweeteners induce glucose intolerance by altering the gut microbiota. Nature. 2014 Oct 9;514(7521):181-6. doi: 10.1038/nature13793. Epub 2014 Sep 17.

21. Pepino MY, Bourne C. Non-nutritive sweeteners, energy balance, and glucose homeostasis. Curr Opin Clin Nutr Metab Care. 2011 Jul;14(4):391-5. doi: 10.1097/MCO.0b013e3283468e7e.

22. James P, McFadden R. Understanding the processes behind the regulation of blood glucose. Nurs Times. 2004 Apr 20-26;100(16):56-8.

23. Bonadonna RC, De Fronzo RA. Glucose metabolism in obesity and type 2 diabetes. Diabete Metab. 1991 May;17(1 Pt 2):112-35.

24. Newsholme EA, Dimitriadis G. Integration of biochemical and physiologic effects of insulin on glucose metabolism. Exp Clin Endocrinol Diabetes. 2001;109 Suppl 2:S122-34.


روابط ذات صلة

0 comments:

Post a Comment