أنَّ الشيء الوحيد الذي قد يظهر على أنَّه مختلف في الملايين من قناني "شامبو" الأطفال "جونسون" (Johnson’s Baby)- التابعة لشركة الأطفال المعروفة عند الجميع "جونسون اند جونسون" (Johnson & Johnson)- التي وُضِعَت مؤخرًا على رفوف الأسواق والصيدليات العالمية هي كلمتين: "تركيبة مُحَسَّنَة"؛ والتي قد لا يلتفت لها أحد! حيث يظهر الـ "شامبو" بنفس اللون ونفس التجانس، بل وحتى نفس الرائحة التي أصرت الشركة على المحافظة عليها لأنَّها تُذكِّر الكثيرين بأيام الطفولة وفترة الاستحمام.
إلا أنَّ ما هو مختلف في هذه الـ "تركيبة مُحَسَّنَة" من الـ "شامبو"، والمئات من منتجات شركة "جونسون اند جونسون" ليس مُتَعَلِّق بشيء جديد تم إضافته؛ بل أنَّه مُتَعَلِّق بشيء قديم تم الاستغناء عنه! فالتركيبة الجديدة (الـ "مُحَسَّنَة") لا تحتوي على مادتين كيميائيتين مصنفتين على أنهما ضارتين بالجنس البشري مقارنةً بالتركيبة السابقة (غير الـ "مُحَسَّنَة")! وهما الـ "فورمالديهيد" (Formaldehyde) و"1,4 ديوكسين" (1,4-Dioxin) اللتان وُضِعتا تحت المراقبة المتزايدة والقلق الشديد بواسطة كل من المستهلكين والمجموعات البيئية (Environmental groups) في العالم الغربي.
وفي استجابة لضغط المستهلكين في الولايات المتحدة- على وجه الخصوص- (منذ ثلاث سنوات مضت، أي في عام 2012م)، قررت شركة "جونسون اند جونسون" الاستغناء عن كل من المادتين الكيميائيتين من منتجاتها، على أنْ يكون كل ما تنتجه الشركة خالي مما ذُكر أعلاه مع نهاية عام 2013م. وفي العام الماضي، وأعني عام 2014م، وتحديدًا في شهر كانون الثاني، أعلنت الشركة تحقيقها ذلك الهدف! وأعلنت حينها أنَّ المُنتجات الجديدة ستصل للأسواق في غضون أشهر معدودة وستستبدل المنتجات القديمة. ولقد عُدَّ هذا القرار خطوة أولى في المجهود الذي تقوم به الشركة من أجل إزالة تلك المواد الكيميائية الضارة من منتجاتها والمُستخدمة على المستوى الشخصي في الكثير من دول العالم. ولقد وعدت الشركة- في عام 1999م- بإزالة هذه المواد من كل ما تنتجه من عبوات تجميلية واستحمام بشرية مع نهاية عام 2015م، والتي تشمل بقية المنتجات التي تملكها ومن ضمنها: (Neutrogena) و(Clean & Clear)، و(Aveeno) الماركة التي تبنتها شركة "جونسون اند جونسون"، وغيرها من منتجات تحمل أسماء مُختلفة وماركات مُتعددة ترجع ملكيتها لها. حيث صرفت الشركة عشرات الملايين من الدولارات من أجل إزالة تلك المواد الكيميائية؛ إلا أنَّها تصر في الوقت نفسه على أنَّ النسب المضافة من المواد الكيميائية الضارة التي أزالتها من مُنتجاتها هي نسب آمنة وغير ضارة للإنسان! ولقد جاء تبرير كبير متحدثي الشركة بقوله: بـ "أنَّ ما جرى كان استجابة لطلبات عملاء الشركة، خصوصًا وأنَّ هذا التغيير (على حد قوله) متعلق بمحتويات المنتجات نفسها، وليس لأنَّ تلك المواد بنسبها الموضوعة في عبوات التجميل والاستحمام البشرية ضارة بالإنسان".
إلا أنَّنا لابد وأنْ نُشير إلى أنَّ هذا التغيير- الذي قامت به شركة "جونسون اند جونسون" على وجه الخصوص- قد حمل معه كل من: "المخاطرة بسمعة الشركة" وذلك حينما صرحت بسعيها لتغيير تركيبة منتجاتها، و"الإنجاز المشمول بالمكافئة" لجرأتها كأكبر شركة في عالم العناية الصحية التخلص من تلك المواد الضارة. ولقد حمل هذا التغيير معه صعوبات إعادة هندسة التركيبة من جديد- من قبل باحثيها- مع المحافظة على كل مواصفاتها السابقة.
شركة "جونسون اند جونسون" تراجع إضافة المادة المنتجة للماد المسماة بـ (quaternium-15)؛ حيث يُظهر الجزء العلوي من الصورة التركيبة القديمة، بيمنا يُظهر الجزء السفلي منها التركيبة الحديثة.
إذًا فهذا التغير قد حمل معه إزالة إحدى محتويات "شامبو" الأطفال "بيبي جونسون" على وجه الخصوص، وهي المادة الكيميائية الحافظة والمسماة بـِ "كواتيرنيوم-15" (quaternium-15) الباعثة للـ "فورمالديهيد" والتي تُخفيها خلف كواليسها الاصطلاحية، بناءًا على الضغط الموجه من قبل العملاء! خصوصًا وأنَّ سلوك المستهلكين تجاه الشركة بدأ في التغير بشكل ملحوظ خلال عقود مضت (على حد قول نائبة الأبحاث والتطوير للشركة في الولايات المتحدة، "كاثي سلارنو"). ولقد استجابت شركات أخرى لمثل هذا المخاوف القادمة من قبل المستهلكين (خوفًا من المُقاضاة أمام المحاكم، خصوصًا بعد مُضي شركة "جونسون اند جونسون" في طريق التخلص من المواد الحافظة). ومن ضمن الشركات التي أعلنت أنَّها ستزيل 10 مواد كيميائية مُصَنَّفة على أنَّها مُسَرْطِنَة من مُنتجاتها التجميلية- التي تُستخدم من قبل الأفراد في مناطق مختلفة في العالم- شركة (Walmart).
ولقد قالت المؤسسة الرقابية المعروفة بـ (Target) أنَّها سوف تراقب استخدام المزودين للمواد الكيميائية الضارة والمُصنفة على أنَّها مُسَرْطِنَة؛ ومن ثم ستُقدم لائحة للشركات بالمواد القابلة للاستخدام وتلك الضارة بالجنس البشري. ليس هذا فحسب، بل أنَّ شركة (Procter Gamble) وعدت بالتخلص (مع نهاية عام 2014م) من كلتا المادتين الكيميائيتين المسميتين بـِ: (phthalates) و(triclosan) واللتان قد وُضعتا أيضًا على محك البحث والسؤال فيما يتعلق بضررهما على المستهلكين.
ولقد عارضت- وبكل وضوح- المجموعات البيئية (Environmental groups) ما بررته شركة "جونسون اند جونسون" من أنَّ منتوجاتها كانت تحتوي على كميات آمنة من تلك المواد المُسَرْطِنَة (خصوصًا الـ "فورمالديهيد" و"1,4 ديوكسين") والتي أعلنت بإزالتهما من منتوجاتها؛ وقالت في بيان لها بأنَّها تأمل من الشركة أنْ تقوم وبكل شجاعة بذكر مخاطر تلك المواد التي لا جدل على أنَّها ضارة في مراكز الأبحاث. ومع العلم من كل هذا، فلقد أبدت المجموعة البيئية احترامها- بأقل التقديرات التي قدمتها- لشركة "جونسون اند جونسون" على الوعد الذي التزمت به وعلى الإقدام الأول الذي قامت به والمتمثل في التخلص من كل تلك المواد الضارة.
ولقد صرحت مديرة برنامج سياسات صندوق دعم سرطان الثدي والمُؤسِّسَة لمجموعة "مواد تجميلية آمنة"، "جنيت نودلمان" (Janet Nudelman) التي شكلت ضغط على شركة "جونسن اند جونسن" مع فريقها لإزالة المواد الكيميائية الضارة: بأنَّه يجب على كل الشركات الاحتذاء بما قامت به شركة "جونسن اند جونسن".
وللمعلومية، فإنَّه لا يتم الإشارة لهذه المواد- على العلم من أنَّها من ضمن مكونات الكثير من المنظفات البدنية والمواد التجميلية- في محتويات عبوات المنتجات التي تُسَوِّقُها الشركات في الأسواق والصيدليات؛ بل أنَّه حتى لو تم مُعاينة محتويات "جونسون اند جونسن" القديمة من "شامبوهات" وغيرها من منتجات تجميلية فإنَّه لن يتم العثور على كل ما يُشير لوجود تلك المواد الحافظة الضارة ضمن تركيبة المكونات الكيميائية (كما تؤكد الكثير من المجموعات البيئية المُستقلة) سوى الإشارة وبشكل خجول لوجود الـ "كواتيرنيوم-15"، الأمر الذي يدعو للغرابة بل والتشكيك في عملية الـ "تمويه" الذي تقوم به بعض الشركات! علمًا بأنَّها- وإذا ما أردنا أنْ نتكلم بكل مصداقية- لا تُصنف إلا كمحتويات ومواد ضارة داخلة في التركيبة الكيميائية لتلك المنتجات هدفها الحفاظ على تماسك وقوام ومقاومة بقية المحتويات الموجودة بها أمام تحديات النقل والتخزين التي تؤثر على مواصفاتها ونمو الميكروبات بها.
وللتوضيح، فإنَّ الـ "فورمالديهيد" (المادة الكيميائية التي يتم تعرفيها من قِبل العلماء والباحثين على أنَّها مادة مُسَرْطِنَة بأي نسبة كانت) يتم- وبكثرة- استخدامها كمادة حافظة في الكثير من المنتجات التجميلية! والتي تشمل صيغها المختلفة أو المنتجة لها في التركيبات الكيميائية للمنتجات التجميلية، والتي منها: "كواتيرنيوم-15" و"1,4 ديوكسين"، المُشار لهما أعلاه، واللتان يتم ربطهما- في الدراسات المطبقة على الحيوانات- بالأورام السرطانية؛ بل وأنَّ كل هذه المواد الحافظة والمصنفة كمواد مُسَرْطِنَة لا تستغني عنها الكثير من شركات التجميل وشركات الـ "شامبو" خصوصًا تلك التي تحمل عبارة "لا دموع بعد الآن".
وللإضافة (فالشيء بالشيء يُذكَر)، فإنَّ صيغ أخرى من هذه المواد الحافظة يتم استخدامها في المنتجات اللبنية وفي الأجبان المحلية وتلك المنتجة من دول مجاورة (وأقصد الفورمالين)، سواء كان هذا الاستخدام من خلال وضع تلك المواد الضارة بشكل مباشر أو بطريقة غير مباشرة (كوضعها في أعلاف الحيوانات)، كما تفعل بعض الشركات المنتجة للألبان على مستويات إقليمية قريبة منا؛ وإلا فإنَّه من الأولى أنَّ تُجيب هذه الشركات المنتجة للألبان على السؤال القائل: أين تذهب تلك الكميات من الـ "فورمالين" التي يتم استلامها في مزارعهم البقرية.
وعودًا على بدء، أؤكد بأنَّ شركة "جونسون اند جونسون" بدأت فعلًا- على حد قولها- وكما يصرح المراقبون بإزالة تلك المواد الحافظة التي تطلق الـ"فمورمالديهيد" في منتجاتها، ولقد صرحت فعلًا بأنَّها قد قللت نسبة "1,4 ديوكسين" إلى تراكيز متدنية جدًا حيث حصرتها- على حد قولها- بين جزء وأربعة أجزاء من المليون (والذي أعتقد- أنا شخصيًا- بأنَّ وجوده وبأي نسبة كانت يُثير الكثير من المخاوف على المدى البعيد وبعد تراكمه في الجسم).
وتُشير شركة "جونسون اند جونسون" (على لسان مسؤوليها الكبار) بأنَّ الـ"فورمالديهيد" موجود بشكل ملحوظ في الكثير من المنتجات الأخرى والتي منها المحاصيل الغذائية؛ حيث تقول بأنَّ الـ"فورمالديهيد" الموجود في تُفاحة واحدة تنتجها بعض المزارع المُستخدمة للمواد الحافظة- على حد قولهم- هو أكبر من تلك الكمية الموجودة في 15 قنينة من "شامبو" الأطفال (Johnson’s Baby) من الذي تنتجه شركتهم. وتُضيف على هذا الأمر، بقولها: بأنَّ مستوى "1,4 ديوكسين" الموجود في منتجاتهم مُتدني جدًا ويصل للحد الذي يجعله آمنًا (كما تم الإشارة له أعلاه)، إلا أنَّ هذا لا يزيل المخاوف، كما أعتقد- ومؤكدًا على الموضوع مرة ثانية- كونه مُصنَّف كمادة مُسَرْطِنَة في مراكز الأبحاث.
وفي دراسة مُستقلة (بواسطة مجموعة "منتجات تجميلية آمنة") تم نشرها في عام 2009م، لُوحِظَ أنَّ تراكيز الـ "1,4 ديوكسين"- في الكثير من منتجات شركات الأطفال التجميلية- كانت في المستويات المطلوبة؛ إلا أنَّ "هيثير وايت" (Heather White)، المديرة التنفيذية للمجموعة البيئية العاملة والمشمول اسمها على قائمة أعضاء مجموعة "منتجات تجميلية آمنة"، قالت أنَّه لا يوجد حتى الآن معلومات كافية عن التأثيرات البعيدة المدى لهذه المواد الكيميائية المُصَنفة على أنَّها ضارة للإنسان حتى لو كانت بمستويات مُتدنية (وهو رأي علمي يتوافق مع ما أشرت له أعلاه)؛ وتُضيف بأنَّ هناك معلومات مُتَصَاعدة تدل على أنَّ استمرار التعرض لمثل هذه المواد الضارة- بأي كمية كانت- يُعَدُّ خَطِرًا على صحة الأنسان.
بعد هذا التحقيق، أختم كلامي بالقول: بأنَّ كل ما ذكرته حتى الآن لا ينحصر في شركة "جونسون اند جونسون"، بل أنَّه يشمل وبشكل أكبر بقية شركات التجميل والشركات المنتجة لمنظفات الجسم وشركات المكياج المختلفة (التي لقت ضالتها في الدول العربية) التي لا تستغني عن مثل هذه المواد الحافظة المحظورة والمُسَرْطِنَة والتي عليها الكثير من التساؤلات في مراكز الأبحاث ومن قبل المجموعات البيئية العالمية. بل أنَّ ما أردت التذكير به هو أنَّ وضع شركة "جونسون اند جونسون" في هذا التحقيق كمثال (نظرًا لظهور الموضوع للأعلام العالمي، واعتراف الشركة نفسها بهذا الأمر، والتي تعلم بأنَّ موضوعها أصبح موضوع "رأي عام"، ولقد ناقشته الكثير من الصحف الأمريكية والمجلات العلمية) لا يعني أبدًا أنَّ بقية الشركات التي لم تُذكر في هذا التحقيق والتي تعمل في نفس المجال بريئة من هذه الإضافات.
بل أنَّ الأمر الذي يكاد شبه مؤكد هو أنَّ محلات الـ "كوافير" المغلقة التي تُحضر خلطاتها السرية داخليًا والشركات الصغيرة المحلية والإقليمية التي لا تتجاوز مُنتجاتها نطاق الدول العربية والبعيدة عن أعين المؤسسات الرقابية العالمية المُستقلة (بسبب عدم تأثر المُستهلكين في الدول الغربية بها) لا مجال لها إلا استخدم مثل هذه المواد الحافظة المُسَرْطِنَة (خصوصًا حينما تغيب الرقابة البحثية العلمية بمعناها الحقيقي عنها) من أجل أنْ تُبقي مُنتجاتها- كما أشرنا أعلاه- مُتماسكة وقادرة على مقاومة المُتغيرات.
ملاحظة
كل ما جاء في هذا التحقيق لا يرتبط فقط بما أبرزته الجمعيات المُستقلة في العالم الغربي بخصوص مُنتجات شركة "جونسون اند جونسون"، بل هو مدخل لفهم طريقة عمل الكثير من الشركات العاملة في مجال التجميل والعناية بالنظافة البدنية.
0 comments:
Post a Comment